طوفان الأقصى.. بعد مائة يوم
تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT
14 يناير 2024م.. أتم طوفان الأقصى يومه المائة، أيام اسودّت بالمآسي، شنت فيها إسرائيل حربًا شعواء على غزة بمشاركة أمريكية ودعم أوروبي، وهي مدة كافية لتقييم الأحداث واستجلاء العِبَر. المقال.. يتحدث عن الوضع الإسرائيلي والفلسطيني وبعض ردود الفعل العالمية.
مائة يوم.. شُغِل فيها الإعلام بتغطية الحرب، التي حُسبت فيها المجازر بالساعات، راح ضحيتها مائة ألف فلسطيني مدني، بمعدل ألف شخص يوميًا: ربعهم قتلوا، والباقي بين مصاب ومفقود، وتدمير معظم البُنية الأساسية لغزة.
17/ 10/ 2023م.. بعد عشرة أيام من انطلاق طوفان الأقصى، كتبتُ مقالًا بعنوان «طوفان الأقصى.. السياق والمآل» نشرتْه جريدة «عمان»، كان وصفًا للأحداث، ومحاولة مبكرة لاستشراف ما سيقع، قلت فيه: (إن المآل الذي يستتبع طوفان الأقصى مؤلم للشعب الفلسطيني في سياق مقاومته الطويلة، إلا أنه رسم مرحلة جديدة في خارطة تحرير بلاده، أسأل الله اللطف بالشعب الفلسطيني). وهذا ما حدث بالفعل، وأي ألم أشد مما حدث للفلسطينيين؟! فلأول مرة تدخل إسرائيل حربًا بهذا الجبروت.
رغم أن إسرائيل تعاني أساسًا من أزمة وجود -خصصت لذلك مقالًا بعنوان «إسرائيل والبدايات المبتورة»، أرجو نشره قريبًا- إلا أنها لم تشعر بخطورة الزوال كما شعرت به مؤخرًا، فقد هزَّ طوفان الأقصى استقرارها، وأدخلها في دوامة من الأكاذيب على شعبها والعالم، وأربك مسار التطبيع، ومن المتوقع ألّا يعود بـ «السلاسة السياسية» التي كان عليها، ليس لأن إسرائيل دخلت في أزمة على الصعيدين الداخلي والعالمي فحسب، وإنما كذلك لأن دول المنطقة اكتشفت الضعف الإسرائيلي، وسقطت أسطورة تفوّق هذا الكيان بالمنطقة، وانكشفت علله واتسعت فجواته. ستعاني إسرائيل بذلك ضعفًا أمام الدول التي تنوي التطبيع معها، وقد تستجديه منها، مما يوقعها تحت شروط الدول المطبعة. قد لا يوقف الطوفان مسار التطبيع كليةً، لكنه يعطي الدول ورقة قوية -إن أحسنت استغلالها- على إسرائيل، مع رجاء أن ينغلق هذا المسار الوهمي القاتل للقضية الفلسطينية من الأساس.
هذا يقودنا إلى الحديث عن الوضع الداخلي لإسرائيل، فقد أعلن رئيس وزرائها نتنياهو وقادة جيشه ثلاثة أهداف للحرب على غزة: تخليص الأسرى، وتفكيك حماس وفصائل المقاومة، وعدم السماح بنشوء تهديد مستقبلي لكيانهم. بعد مائة يوم من التدمير المستمر، لم تستطع إسرائيل أن تحقق أيًا من أهدافها، مما جعلها تحت ضغط قوي من شعبها، لاسيما من أهالي الأسرى، ولذلك؛ تخرج مظاهرات مستمرة في إسرائيل منددة برئيس وزرائها وقادة جيشه، وتلح عليهم بالتنحي عن مناصبهم، وتهددهم بالمقاضاة على إخفاقهم في إدارة الحرب، بل طالب المتظاهرون بوقف الحرب على غزة. كما أنه أدخل الكيان في حالة من العداء السافر مع الشعوب، مما يجعل الإسرائيلي في قلق من التحرك خارج نفوذ إسرائيل.
مائة يوم.. لم تستطع القوات الإسرائيلية بعديدها وعدتها ومرتزقتها أن تسترجع أسيرًا واحدًا، بل أنها صفّت مجموعة منهم وبررت ذلك بالخطأ، ولكن هذا لم يقنع الشعب الإسرائيلي وأهالي الأسرى؛ فزادوا الضغط على حكومتهم. متابع أخبار الكيان الإسرائيلي يرى الاضطراب الذي أصاب قيادته، والتخبط في اتخاذ قراراتها، وسوء إدارتها للحرب. حتى أمريكا خامرها الشك من إدارة هذه القيادة للعمليات بغزة، ودخلا في خلاف طفا على سطح الأخبار، فإسرائيل تواصل الإبادة والتدمير بغية تحقيق أهدافها، وترفض وقف الحرب، أو خفض وتيرتها تجاه المدنيين، في حين أن أمريكا ترى ذلك مقوضًا لحل الدولتين، وسحبت بعض قواتها المشاركة في الحرب.
مائة يوم.. أدرك خلالها الإسرائيليون بأن «أرضهم الموعودة» لم تعد آمنة، ونزح الآلاف من مستوطناتهم، وارتفع الغلاء والتضخم وخسرت بعض الشركات. وازدادت هجرات اليهود المعاكسة من إسرائيل، وازداد كذلك التيار اليهودي الرافض للصهيونية ومشروعها الاستيطاني بفلسطين، وهو تيار يستند إلى مرجعية دينية، يعتبر هذا المشروع مخالفًا للتعاليم اليهودية و«ضد إرادة الله»، كجماعة ناطوري كارتا «حارس المدينة» المناهضة للصهيونية.
مائة يوم.. والمقاومة محافظة على زخمها بمواجهة من «مسافة صفر» مع الجيش الإسرائيلي؛ تحصد جنوده وتفتك بضباطه، وتدمر آلياته وترعب ساسته. ولا زالت ترشق الكيان الصهيوني بالصواريخ بعد أن تحطمت أسطورة قبته الحديدية، وهي حتى الآن تفرض شروطها في أية هدنة مع إسرائيل. نعم؛ لقد دفع الشعب الفلسطيني الثمن باهظا، لكنه ظل صامدًا أمام همجية العدوان الإسرائيلي. ومع أن المقاومة لا تؤمن إلا بالنصر أو الشهادة في سبيل تحرير شعبها؛ مهما كانت التضحيات، لكن بظني؛ لو كان في حساب قادة حماس حجم الكارثة التي ستقع على شعبهم؛ لأعادوا النظر في آلية تنفيذ الطوفان وتوقيته والاستعداد لعواقبه.
7/ 11/ 2023م.. نشرتُ مقالًا بعنوان «طوفان الأقصى وأزمة السياسة الأمريكية»، وذهبت فيه بأن الطوفان أدخل السياسة الأمريكية في أزمة عالمية، وقلت: (رغم التنافس بين إيران وتركيا والسعودية في المنطقة، إلا أن هناك تقاربًا ملحوظًا الآن بينها، وهو تقارب لا يصب في صالح الإمبريالية، فأمريكا لم تعد قادرة بسهولة أن تمرر قراراتها بطرقها المعتادة، فتركيا والسعودية أصبحتا تتعاملان مع السياسات الأمريكية وهما مدركتان أن هناك تحولًا عالميًا باتجاه الشرق. وهذه الدول الثلاث مع الصين ورسيا لها دور كبير في مصير القضية الفلسطينية). والواقع.. لا يظهر حتى الآن أن هذه الدول استغلت الطوفان لتحريك أحجار رقعة الشطرنج الدولية لصالحها على حساب الهيمنة الأمريكية في المنطقة. وهذا لا يعني أن أمريكا لم تتضرر من الطوفان، بل أدخلها في أزمة دولية، فهي كانت تفرض هيمنتها على المنطقة منذ السبعينات باسم حماية العالم من الشيوعية، ثم بـ «القضاء على الإرهاب»، الذي طالت نيرانه عقر دارها، وكانت تجد ما تبرر به سلوكها الحربي في المنطقة، بيد أن الطوفان خلال مائة يوم سلب أمريكا هذا التبرير، وعرّاها أخلاقيًا أمام العالم، فها هي تحت سمعه وبصره تبرر الحرب على غزة، وما هو بتبرير؛ إن هو إلا فضيحة إنسانية، فقد أسهمت أمريكا بقواتها في تدمير غزة وقتل آلاف المدنيين. واليوم؛ تعاني من مصداقية نفوذها في العالم، وأصبحت تتلقى تقارير من سفاراتها عن السخط الشعبي من مساندتها للأعمال الوحشية الإسرائيلية بغزة.
موقف دول المنطقة.. دون المتوقع فقد جاء فاترًا، باستثناء اليمن التي دخلت الحرب بالهجوم على السفن المبحرة في البحر الأحمر من الموانئ الإسرائيلية وإليها، مما أدخلها في حرب مباشرة مع تحالف دولي تقوده أمريكا وبريطانيا، وهذا يزيد الأزمة اليمنية تعقيدًا، وقد يؤخر تعافي اليمن سياسيًا. وأما إيران فقد أكدت بأن حماس اتخذت قراراتها بنفسها، إلا أنها ساندت المقاومة عبر حلفائها في العراق ولبنان واليمن.
موقف سلطنة عمان.. كان من أفضل المواقف العربية، حيث اتخذت موقفًا واضحًا اتجاه القضية الفلسطينية؛ ينسجم مع رؤيتها للعدالة الدولية، حيث اعتبرت طوفان الأقصى ردًا للظلم الإسرائيلي، ونددت بالجرائم الإسرائيلية في غزة، ودعت إلى (تشكيل محكمة دولية) لمجرمي الحرب، ومنعت استخدام أرضها وجوها لضرب اليمن، ووقف الشعب العماني مؤيدًا للمقاومة الفلسطينية. أما موقف جنوب إفريقيا فهو الأقوى عالميًا؛ إذ حركت دعوى ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية لارتكابها إبادة جماعية في حق الشعب الفلسطيني، طالبت بإيقاف فوري للحرب، ومحاكمة مجرميها.
هذه أهم التحولات التي يمكن أن نقرأها اليوم، وستستمر تداعيات طوفان الأقصى، ما يلزم تحليلًا متواصلًا للوضع الدولي المتأثر بهذه التداعيات.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: طوفان الأقصى مائة یوم على غزة إلا أن
إقرأ أيضاً:
وقفة ومسير لـ3 آلاف من خريجي دورات “طوفان الأقصى” في جبل راس بالحديدة
يمانيون/ الحديدة نظم ثلاثة آلاف خريج من دورات التعبئة العامة المفتوحة ” طوفان الأقصى” من أبناء عزل قمة جبل راس بالحديدة، اليوم، مسيرا شعبيا هو الأكبر في مسار تعزيز الجهوزية لمعركة الفتح الموعود والجهاد المقدس.
وهتف المشاركون في الوقفة والمسير الذي انطلق من قمة جبل رأس إلى أسفل منطقة المسحابة لمسافة ثلاثة كيلو مترات، بشعارات النفير والجاهزية للجهاد إلى جانب أبطال الجيش والقوات المسلحة للدفاع عن سيادة اليمن ونصرة وإسناد الشعب الفلسطيني.
وأكد خريجو الدفعة الثانية من دورات المرحلة الخامسة، أن غطرسة العدو الصهيوني بحق شعوب الأمة، تمثل الخطر الحقيقي على أمن واستقرار دول المنطقة، مشيدين بالضربات التي تنفذها القوات اليمنية في عمق الكيان الغاشم الذي يواصل حرب الإبادة في قطاع غزة.
ووجهوا رسائل تحذيرية للكيان الصهيوني من مغبة التصعيد ومواصلة انتهاك السيادة اليمنية، مؤكدين أن الشعب اليمني لن يتراجع أو يثنيه الإرهاب الصهيوني عن دعم واسناد غزة ونصرة مظلومية الشعب الفلسطيني، والدفاع عن سيادة واستقلال أراضيه.
وجدد الخريجون، مواصلة التحشيد والتعبئة العامة والالتحاق بالدورات العسكرية بوعي إيماني صادق ويقين راسخ مستمد من كتاب الله العظيم للانتصار لمظلومية الشعب الفلسطيني ومناهضة المشروع الاستعماري في المنطقة، حتى نيل الحرية والاستقلال وتحرير أرضهم المغتصبة.
كما هتفوا بالاعتزاز بالموقف اليمني المتعاظم في نصرة مظلومية الشعب الفلسطيني وما وصلت إليه القوات المسلحة اليمنية في التصدي لسفن ومدمرات العدو الأمريكي والبريطاني وتأدية الواجب الديني والأخلاقي والإنساني المتمثل في إسناد المجاهدين في قطاع غزة.
وأكدوا أن التحاقهم بالدورات العسكرية وخروجهم في هذه الوقفات يأتي تأكيدا على مواصلة نصرة وإسناد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة الذي يتعرض لأبشع عمليات التطهير العرقي والابادة الجماعية في ظل صمت وتواطؤ دولي وتخاذل عربي وإسلامي.
ودعا أبناء عزل قمة جبل راس إلى العمل بمشروع الجهاد لإعادة لملمة الشتات والذل التي تعاني منه الدول العربية، واستعادة وحدة الصف الإسلامي لمواجهة ثالوث الشر الصهيوني الأمريكي البريطاني، والخروج من وصايتها والتحرر من الهيمنة والانتصار للكرامة المسلوبة.
وحذروا كل المتربصين، بأن محافظة الحديدة ستظل عصية على الغزاة والمحتلين وأن أي تحركات مشبوهة لمرتزقة العدوان للإضرار بمصالح الشعب اليمني، سيقابل برد أعنف والتفاف شعبي ورسمي منقطع النظير، مؤكدين جهوزيتهم لمواجهة أي تهديدات والتصدي لأي محاولات.
وخلال الوقفة، أكد مدير المديرية مطهر النور ومسؤول التعبئة العامة في المديرية صالح الشريف، السير على خط الجهاد في سبيل الله، والتضحية والعزة والكرامة والانتصار للدين والوطن وقضايا الأمة، معلنين النفير لمواجهة كل قوى الاستكبار والطغيان.
كما أكدا جاهزية أبناء مديرية جبل راس للوقوف إلى جانب الجيش والقوات المسلحة في التصدي لأي تصعيد في حال إقدام العدو الأمريكي البريطاني على ارتكاب أي حماقات باستهداف اليمن، مشددين بأن الجميع طوع أمر قائد الثورة للتصدي لأي تهديدات معادية دون تردد أو تراجع.