لجريدة عمان:
2024-10-17@04:24:20 GMT

لماذا تفشل العقوبات؟

تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT

عندما تفشل المحادثات الثنائية في حل النزاعات بين الدول ذات السيادة، قد تلجأ الأطراف المتضررة إلى هيئة قضائية دولية، مثل محكمة العدل الدولية في لاهاي. كبديل، تتضمن المعاهدات أو الاتفاقات غالبا فقرات خاصة بالتحكيم أو الوساطة في النزاعات من قبل كيان معين مسبقا.

على نحو مماثل، تحدد مواد منظمة التجارة العالمية، التي يقوم عليها النظام التجاري الدولي، الإجراءات الواجب على البلدان الأعضاء اتباعها عندما ينتهك شركاء تجاريون قواعد المنظمة، وخاصة مبدأ الدولة الأولى بالرعاية.

لكن قواعد منظمة التجارة العالمية تسمح للبلدان باتخاذ إجراءات أحادية ترى أنها ضرورية لأمنها القومي، حتى لو كانت هذه التدابير تستلزم انتهاك أسقف التعريفات المتفق عليها. عندما قرر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، مستشهدا بمخاوف تتعلق بالأمن القومي، فرض تعريفات جمركية على الواردات من الصلب والألومنيوم، اعتبر عدد كبير من شركاء الولايات المتحدة التجاريين هذا ورقة توت تخفي تدابير الحماية وقدموا شكاوى إلى منظمة التجارة العالمية. لكن رفض أمريكا تعيين قضاة جدد لشغل مقاعد هيئة تسوية المنازعات التابعة لمنظمة التجارة العالمية ترك الأعضاء بدون آلية وظيفية لحل مثل هذه النزاعات. تصبح العقوبات المفروضة على السلع أكثر فعالية عندما تفـرض من قبل العالم أجمع تقريبا.

من الأمثلة البارزة على ذلك العقوبات الشاملة التي فرضت على دولة جنوب أفريقيا في ثمانينيات القرن العشرين. ولكن ما لم تكن العقوبات التجارية عالمية تقريبا، فإنها تكون غالبا أقل فعالية من المتوقع. وكما لاحظ ريتشارد حنانيا في تحليل لصالح معهد كاتو في عام 2020، فإن العقوبات التجارية التي تفرضها الولايات المتحدة «تفشل دائما تقريبا في تحقيق أهدافها». علاوة على ذلك، «يترتب على العقوبات تكاليف إنسانية باهظة، وهي ليست غير فعالة فحسب، بل ومن المرجح أن تؤدي إلى نتائج عكسية هَـدّامة».

أحد الأسباب وراء هذا هو أن التجار يمكنهم بسهولة إعادة توجيه البضائع الخاضعة للعقوبات من خلال دول ثالثة، ما لم تكن المشاركة عالمية شبه شاملة. على سبيل المثال، تمكنت إيران من التحايل على العقوبات الغربية من خلال بناء شبكة متطورة لتمرير التجارة. على نحو مماثل، تشير التقارير إلى أن السلع الصينية الخاضعة للعقوبات لا تزال تدخل السوق الأمريكية، حيث تعمل الشركات التي تتخذ من الصين مقرا على إعادة توجيه صادراتها عبر دول أخرى.

أثناء حرب العراق، استخدمت الولايات المتحدة العقوبات المالية لمنع الشركات الأمريكية من التعامل مع نظيراتها في دول ثالثة سهلت المعاملات المحظورة مع العراق. وقد أثبتت هذه «العقوبات الثانوية» كونها أكثر فعالية بأشواط من العقوبات التقليدية على تجارة السلع الأساسية، ويرجع هذا بدرجة كبيرة إلى الدور المهيمن الذي يلعبه الدولار في التمويل العالمي. ونتيجة لهذا، ازدادت العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة عشرة أضعاف على مدى السنوات العشرين الأخيرة.

في أعقاب الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022، فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات تجارية ومالية غير مسبوقة على روسيا، بما في ذلك فرض الحظر على التكنولوجيا والصادرات العسكرية. كما فرضوا حدا أقصى لأسعار النفط الروسي عند 60 دولارا للبرميل، بهدف إصابة الاقتصاد الروسي بالشلل مع ضمان قدرة أوروبا على تجنب أزمة طاقة مزعزعة للاستقرار السياسي.

كانت هذه التدابير غير ناجحة إلى حد كبير. ففي حين أجبرت العقوبات المالية تجار النفط على تأمين السفن بتغطية تأمينية مناسبة قبل إتمام المعاملات، لم ينخفض سعر النفط الروسي عن 60 دولارا للبرميل. وبحلول نوفمبر 2023، ارتفع إلى 84.20 دولار، حيث طورت الشركات الروسية أساليب مختلفة لتجاوز القيود الغربية، مثل تكاليف الشحن المضخمة و«أسطول الظل» الذي يتكون من أكثر من 100 ناقلة نفط قديمة. من ناحية أخرى، تفيد التقارير بأن ما تتجاوز قيمته مليار دولار من السلع الخاضعة للعقوبات اختفى وسط توسع «التجارة الشبحية» الروسية. علاوة على ذلك، أدى نظام العقوبات المفروض على روسيا إلى ظهور عدد من الوسطاء، مع تحول دول فعليا إلى «مغاسل» للنفط الروسي وغيره من السلع الخاضعة للعقوبات. عندما تُـرصَـد شركة مخالفة وتُـعاقَـب، تحل محلها غالبا شركة جديدة تعمل تحت اسم مختلف. حتى أن إحدى الشركات اليونانية باعت النفط الروسي للجيش الأمريكي. في الاستجابة للأدلة المتزايدة على التهرب من العقوبات، كثفت الولايات المتحدة وحلفاؤها الجهود لإنفاذ العقوبات.

في ديسمبر، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات «شاملة» على أكثر من 250 شركة وفردا. هذا لا يعني أن الدول الغربية لا ينبغي لها أن تبحث عن أساليب غير عسكرية. لكن انتشار التهرب من العقوبات يدعو إلى التشكيك في فعالية النظام الحالي ويؤكد على حاجة القوى الغربية إلى النظر في التكاليف والمخاطر التي تهدد اقتصاداتها بسبب العقوبات. من المؤكد أن العقوبات الغربية عملت على خفض عائدات روسيا وأثرت على ناتجها المحلي الإجمالي، وإن كان ذلك بدرجة أقل مما كان يأمله كثيرون. ولكن كلما طال أمد استخدام النظام المالي العالمي كأداة للحرب الاقتصادية، كلما بحثت الحكومات والشركات في بلدان الأطراف الثالثة عن بدائل للدولار واليورو ونظام الدفع الدولي سويفت SWIFT.

في حين قد تكون العقوبات تكتيكا فعالا في الأمد القصير، فإن تأثيرها على الأطراف المستهدفة يميل إلى التضاؤل بمرور الوقت، في حين تزداد وطأة العبء الـمُـلقى على البلدان التي تفرضها. وإذا أدى نظام العقوبات المفروض على روسيا إلى تآكل مكانة الدولار في الأسواق المالية الدولية بدرجة كبيرة، فإن التكلفة التي ستتحملها الولايات المتحدة والاقتصادات العالمية قد تتجاوز الفوائد المترتبة على هذه العقوبات بأشواط.

آن أو. كروجر كبيرة الاقتصاديين سابقًا في البنك الدولي، وأستاذة أبحاث أولى في الاقتصاد الدولي في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز .

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التجارة العالمیة الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

لماذا أوروبا غير مستعدة للدفاع عن نفسها؟

منذ عقود من الزمن، والدول الأوروبية ذات العضوية في حلف الناتو تقلل من الإنفاق العسكري لمصلحة أولويات أخرى، مما أضعف جيوشها وجعلها غير قادرة للصمود أمام "الغزاة" إلا بدعم من الولايات المتحدة، كما يرى خبراء أمريكيون.

اعلان

وثمة أسباب كثيرة، داخلية وخارجية، أسهمت في جعل أوروبا ضعيفة عسكرياً، وتعتمد اعتماداً كلياً على الجيش الأمريكي لحمايتها، إذا تعرضت لأي هجوم مباغت، وهو ما يبدو احتمالا أقرب إلى الواقع من أي وقت مضى بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

وقالت وكالة "بلومبرغ" الأمريكية إن معظم عساكر أوروبا لا تتمتع بالخبرة في التخطيط ولا في قيادة العمليات المشتركة ذات النطاق الواسع بحيث تشمل دول عدة.

وتتكون القوات الأوروبية من جيوش وطنية منفصلٍ بعضُها عن بعض، وتعتمد على الولايات المتحدة في القيادة والتنسيق ضمن إطار حلف شمال الأطلسي (الناتو).

الجيوش الأوروبية غير مستعدة للحرب بحسب الخبراء الأمريكيين AP Photo

وعمدت الدول الأوروبية على تخفيض الإنفاق على الجيوش والمعدات العسكرية منذ نهاية الحرب الباردة، بصورة فاقت بكثير التخفيض الذي اتبعته الولايات المتحدة، وأصبحت ميزانيات الدفاع في أوروبا عبئا على دول القارة التي رأت أنه يمكن تحويل جزء من هذه الميزانيات إلى أمور أخرى ذات أولوية، مثل رعاية المسنين، وفق المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.

لكن التقليصات لا تروي القصة كلها، إذ إن القدرة الحقيقية تعني أن تكون القوات مدربة ومسلحة تسليحاً جيداً، بينما ثمة مركبات قتالية أوروبية مدرعة سيئة الصيانة، كما أن السلاح لدى الجنود متدهور، وهناك ألوية عسكرية تفتقر للذخيرة وخطوط الإمداد اللازمة لخوض حرب طويلة، فضلا عن صواريخ لم تُختبر في ساحة المعركة، وكل هذا يستنزف الجيوش الأوروبية بعيدا عن أعين الرأي العام.

وفي المحصلة، يرى الخبراء العسكريون الأمريكيون أن جيوش الدول الأوروبية غير مستعدة لخوض حرب طويلة الأمد فأحرى أن تنتصر فيها.

Relatedمستشار في مجلس الأمن القومي الأمريكي: بوتين مخطئ إن ظن بوسعه الصمود أمام الناتو الداعم لأوكرانيابسبب "تهديد محتمل".. تعزيز الأمن في قاعدة جيلينكيرشن الجوية التابعة لحلف الناتو في ألمانيا استياء إيطالي من تعيين دبلوماسي إسباني في حلف الناتوشاهد: بمشاركة 9 آلاف جندي.. "الناتو" يطلق أكبر مناورة عسكرية في منطقة بحر البلطيق المسألة أكبر من ترامب

أما في الخارج، فالمؤشرات كلها سلبية.

ويرى أوروبيون أن الخطر الأكبر يأتي من المرشح الجمهوري في الولايات المتحدة، دونالد ترامب، الذي قال في مقابلة صحفية في الآونة الأخيرة: إن "الحلفاء استغلونا أكثر من أعدائنا"، ويقصد الأوروبيين، مضيفاً أن "هذا الأمر لن يستمر للأبد".

وذهب ترامب إلى حد اقتراح أن تمتنع بلاده عن مساعدة الحلفاء في الناتو الذين لا يدفعون ما عليهم من مساهمات في ميزانية الحلف، في حال انتخابه، وهذا إن حدث، فسوف يترك الأوروبيين وحدهم في مواجهة روسيا.

وبحسب "بلومبرغ"، فإن تصريحات ترامب "الاستفزازية"، تتجاوز الانقسام السياسي في واشنطن، بمعنى أن هناك تياراً عاماً في الولايات المتحدة يتبنى الأفكار نفسها.

وهذا يعني أن على الدول الأوروبية بناء جيوشها القوية، عوضاً عن الإبقاء على ميزانيات هزيلة مخصصة للدفاع، ثم الاعتماد على الولايات المتحدة.

ومما يزيد خطورة الاعتماد على الأمريكيين: صعود الصين كقوة عسكرية، مع خططها المفترضة للسيطرة على جزيرة تايوان، ما جعل الولايات المتحدة تستعد لسيناريو حربي تضطر فيه لتحويل أسلحتها بعيدا عن شمال المحيط الأطلسي لخوض حرب في شرق آسيا.

وأظهرت حرب أوكرانيا، التي تشكل أكبر صراع دموي في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، عزم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على انتزاع نفوذ في الفضاء السوفيتي السابق، وفي حال أصبحت إحدى الدول الأعضاء في حلف الناتو هدفاً له، فسوف يضطر الحلفاء للإسراع في المساعدة.

وبعد عقود من الانشغال بعمليات مكافحة التمرد في الأراضي النائية، يفكر أعضاء الناتو الأوروبيون في سيناريو لم يتم تصوره بجدية منذ سقوط الاتحاد السوفييتي - ويتعلق الأمر باحتمال اندلاع حرب برية كاملة النطاق في أراضيهم.

وقد يكون من الضروري خوض مثل هذه الحملة بدون القوة النارية الكاملة للولايات المتحدة، الحليف الذي لا غنى عنه والذي استطاع أن يضمن أمن المنطقة منذ الحرب الباردة حتى الآن.

اعلانفكرة ماكرون

منذ وصوله إلى السلطة في فرنسا عام 2017، والرئيس إيمانويل ماكرون يكرر الدعوة لتعزيز الدفاعات الأوروبية، وحتى بناء جيش أوروبي.

ويقول ماكرون إن هذا الجيش سيمكن أوروبا من الدفاع عن نفسها، ولن يتركها رهينة للإرادة الأمريكية.

لكن العديد من الحلفاء في أوروبا يرفضون هذه الفكرة، على اعتبار أن حلف الناتو موجود ويعمل منذ عقود، ولا يمكن استبداله بمجرد أفكار نظرية لا وجود لها على الأرض.

ومع أن فكرة ماكرون ليست جديدة، فإنه كان أول رئيس أوروبي يتبناها.

اعلان

المصادر الإضافية • وكالة "بلومبرغ" الأمريكية

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية تحديات الهجرة في أوروبا: بين الحدود المغلقة وحقوق الإنسان المهددة رغم الحرب والعقوبات.. روسيا تحتفظ بمكانتها كثاني أكبر مورد للغاز إلى أوروبا لافروف: الغرب يخادع برغبته تجنب التصعيد في أوكرانيا.. وإذا قامت حرب عالمية ثالثة ستعم كوارثها أوروبا روسيا الولايات المتحدة الأمريكية أنظمة الدفاع الجوي أوروبا اعلاناخترنا لك يعرض الآن Next عاجل. الحرب بيومها الـ376: إسرائيل تقايض واشنطن:الغذاء لغزة مقابل السلاح وقصف عنيف على النبطية بجنوب لبنان يعرض الآن Next موسكو تمطر كييف بهجوم مركب: 136 مسيرة وعدة صواريخ وزيلينسكي يعرض "خطة النصر" يعرض الآن Next أمريكا تهدد إسرائيل: الدعم العسكري مقابل تحسين الوضع الإنساني في غزة .. ونتنياهو يقايض يعرض الآن Next بينهم مصريون.. إيطاليا ترسل "ليبرا" أول سفينة حربية تحمل دفعة أولى من المهاجرين إليها نحو ألبانيا يعرض الآن Next الهند: الأمطار الموسمية تتسبب في فيضانات عارمة وتغمر جنوب البلاد وتشل الحياة العامة اعلانالاكثر قراءة نتنياهو يخفض "سقف" الضربة على إيران.. فما هي الاعتبارات؟ وزيرة خارجية ألمانيا: يمكن لإسرائيل قتل المدنيين في غزة لحماية نفسها مقتل شرطي وإصابة 5 آخرين في عملية إطلاق نار جنوب إسرائيل مواجهة قضائية حاسمة: الجبري يواجه ولي العهد السعودي في ساحات القضاء الأمريكي حب وجنس في فيلم" لوف" اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومالانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024غزةلبنانإسرائيلحروبالسياسة الإسرائيليةحزب اللهضحايافيضانات - سيولجنوب لبنانفولوديمير زيلينسكيعنفة رياح Themes My Europeالعالمالأعمالالسياسة الأوروبيةGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامج Services مباشرنشرة الأخبارالطقسجدول زمنيتابعوناAppsMessaging appsWidgets & ServicesAfricanews Job offers from Amply عرض المزيد About EuronewsCommercial Servicesتقارير أوروبيةTerms and ConditionsCookie Policyتعديل خيارات ملفات الارتباطسياسة الخصوصيةContactPress OfficeWork at Euronewsتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

مقالات مشابهة

  • اقتصاد مصر يمنح باحثين أجانب جائزة نوبل.. وإبراهيم عيسى: هذا سبب فشلنا
  • الولايات المتحدة.. دور محوري وشريك أساسي في العدوان على غزة
  • لماذا أوروبا غير مستعدة للدفاع عن نفسها؟
  • لماذا تتفوّق الولايات المتحدة اقتصاديا على الدول الغنية الأخرى؟
  • ميزات الصواريخ المضادة التي تسلمها الولايات المتحدة لإسرائيل
  • جامعة تبوك تشارك في المؤتمر العالمي URTC في الولايات المتحدة
  • حزب الله: لولا الولايات المتحدة لما استطاعت إسرائيل أن تكون بهذه السيطرة
  • لماذا لن تختفي نظريات المؤامرة التي تروج لها CIA داخل أمريكا؟
  • الولايات المتحدة قلقة من مناورات الجيش الصيني قرب تايوان: استفزازات عسكرية
  • لماذا لم ترد إسرائيل بعد على الهجوم الإيراني؟