اسم ملكة فرعونية غير معروف للعامة الذين ألفوا سماع أسماء ملكات مصر الشهيرات أمثال "حتشبسوت"، "نفرتيتي"، "نفرتارى" و"كليوباترا". وعلى الرغم من ذلك إلا أن الكشف عن حياة ومومياء الملكة "موت نجمت" يعتبر أمرًا في غاية الأهمية لما يمكن أن يؤدى إليه من اكتشافات أثرية أخرى مهمة جدًا خاصة فيما يتعلق بالملكة "نفرتيتي" والتي ربما تكون "موت نجمت" هى أخت توأم للملكة نفرتيتي، وأن "موت نجمت" هى نفسها "موت نبرت" أخت الملكة "نفرتيتي" التي تحدث عنها بعض المؤرخين وقيل إنها حملت نفس ألقاب "نفرتيتي"، وأنها كانت ابنة للملك "آي".

وكل ما نعرفه عن الملكة "موت نجمت" أنها دفنت بمقبرة زوجها الملك "حور محب" في سقارة.

هذه المقبرة كان "حورمحب" قد شيدها لنفسه قبل أن يصبح ملكًا على مصر ويخلف الملك "آي" على العرش ليصبح آخر فراعنة الأسرة الثامنة عشرة. وقبل ذلك كان حورمحب هو قائد الجيوش المصرية المتمركزة في منف العاصمة الشمالية لمصر؛ ولذلك شيد حورمحب لنفسه مقبرة بسقارة باعتباره جنرال الجيش المصرى وبعد أن جلس على عرش مصر شيد لنفسه مقبرة ملكية بوادى الملوك بالأقصر ليدفن إلى جوار باقي فراعنة الأسرة، وترك مقبرته فى سقارة لتدفن فيها زوجتاه إحداهما هى الملكة "موت نجمت"، والأخرى ملكة غير معروفة. كشف جيفرى مارتن الباحث الإنجليزي عن مقبرة "حور محب" بسقارة فيما بين أعوام ١٩٧٥ و١٩٧٨م، ووجد في أحد أبيار الدفن حجرة بها تابوت جميل وبداخله بقايا مومياء "موت نجمت" ومع الأسف الشديد تم نقل هذه البقايا الآدمية دون دراسة كافية إلى أحد مخازن الآثار ولا يعرف أحد طريقها الآن حتى المكتشف نفسه. وحاليًا أعكف أنا والفريق المصرى الذى أقوده في دراسة المومياوات المصرية على البحث عن مومياء الملكة "موت نجمت" فى كل مكان بسقارة حيث أننا نستخدم الآن أحدث تقنيات دراسة البقايا الآدمية سواء عن طريق تقنية الـDNA، أو الأشعة المقطعية CT-Scan، وقد بدأت رحلة البحث بالنزول إلى بئر المقبرة عن طريق سلم حديدى يؤدى إلى سلم آخر حتى وصلت إلى عمق ٣٠ مترًا ووجدت التابوت وبعضًا من المتاع الجنازى الخاص بالملكة. ومع الأسف فإن المقبرة كانت قد نهبت في العصور القديمة وتم العبث بمومياء الملكة وما تبقى منها. وبعد الكشف عن المقبرة قام بدراسة بقايا المومياء عالم الأنثروبولوجي التشيكي ستروهال، وذكر في تقريره أن الملكة فقدت أسنانها في سن مبكرة وتوفيت في سن الأربعين ربما أثناء وضع جنينها، حيث عثر على عظام جنين مكتمل النمو بداخلها. وكان مما عثر عليه مارتن بحجرة دفن الملكة إناءان من الفخار سجل عليهما اسم الملك "حورمحب" والعام الثالث عشر والشهر الثالث من فصل الفيضان وذكر النص أن الإناء يحتوى على نبيذ "فاخر" من الملك حور محب "محبوب آمون له الحياة..".

لا يزال البحث مستمرًا عن بقايا مومياء الملكة "موت نجمت" وفحص كل المومياوات غير المعروفة بمخازن الآثار بسقارة. ومن المؤكد بإذن الله أننا سوف نعثر على المومياء وندرسها لنكشف عن طبيعة العلاقات بين الأسرة المالكة الثامنة عشر خلال عصر الإمبراطورية المصرية، وربما يؤدى الكشف عن مومياء الملكة "موت نجمت" إلى الكشف عن مومياء الملكة نفرتيتي زوجة أخناتون أول ملوك مصر الموحدين.

وسوف يتم أيضًا الاستعانة بمومياء ابنة نفرتيتي "عنخ إس إن آمون" إذا تم كشفها حتى يمكن للفريق المصري الكشف عن المومياوات الملكية وأن نعلن قريبا عن كشف مومياء الملكة نفرتيتي.

زاهي حواس: من أهم الآثاريين المصريين ووزير سابق للآثار يحاضر فى العديد من الدول الغربية حول الآثار الفرعونية وتاريخ قدماء المصريين. له مؤلفات بالعربية والإنجليزية فى هذا المجال.. يكتب عن مومياء الملكة الفرعونية "موت نجمت" ويرى أن دراسة هذه المومياء سوف يمهد الطريق للكشف عن مومياء الملكة نفرتيتى.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: حتشبسوت الدكتور زاهي حواس نفرتاري كليوباترا نفرتيتي الکشف عن

إقرأ أيضاً:

د. محم بشاري يكتب: استئناف العمران الإنساني من التجزيء المعرفي إلى التكامل القيمي

يشهد عالم اليوم حالة من التشظي في أنساق التفكير وفلسفات الفعل، حيث تزداد الفجوة اتساعًا بين ما تنتجه المعارف من أدوات، وما يفتقده الإنسان من معنى. فالعلوم الحديثة، على ما بلغت من دقة وتقدم، لم تُفلح في إنقاذ الإنسان من التيه الوجودي، ولا في حمايته من الاغتراب المتعدد الوجوه: اغتراب عن ذاته، عن مجتمعه، عن الأرض، وعن الغاية. ذلك أن المعرفة حين تنفصل عن القيم، تتحول من محرّك للتحرر إلى أداة للهيمنة، ومن وسيلة للعمران إلى سبب في الانحدار الأخلاقي والبيئي.

لقد قامت الحداثة الغربية على مشروع معرفي وضع الإنسان في مركز الكون، لكنه جرده من أبعاده الروحية، وربطه بنموذج وظيفي اختزله في حاجاته البيولوجية، وغرائزه الاقتصادية، وغروره العقلي. فكان أن نشأت علوم إنسانية تُحلل الإنسان دون أن تُنصت لندائه الداخلي، وتُشخّص المجتمع دون أن تُعنى بضميره الجمعي، وتُخطط للتنمية دون أن تضع العدالة في صلب المفهوم.

وفي المقابل، عانت كثير من النظم الإسلامية من انكماش في آليات التفاعل مع هذه العلوم، فتقوقعت بعض الخطابات الدينية داخل تراث منغلق، يُعيد إنتاج ذاته دون مساءلة، ويفصل بين النص وسياقه، وبين الفهم والتحول. وهكذا تكرّس الانفصال بين علوم الإنسان وعلوم الوحي، وتعمقت الازدواجية في الفكر والمناهج، إلى الحد الذي بات فيه العقل المسلم يتنقل بين منطقين: أحدهما روحاني بلا أدوات، والآخر تقني بلا مقصد.

لكن التحولات العالمية التي نعيشها – من أزمات المناخ، وتآكل الأسرة، وتنامي العنف، وتفكك الروابط الاجتماعية – أعادت طرح السؤال من جديد: كيف يمكن للإنسان أن يُعيد ترتيب العلاقة بين ما يعتقده وما يعقله؟ بين ما يهتدي به وما يحلله؟ بين الغايات الكلية والأدوات الجزئية؟ إنه سؤال يستدعي مشروعًا حضاريًا جديدًا، لا يكتفي بالتوفيق الظاهري بين الحقول، بل يسعى إلى بناء تكامل معرفي غائي، يجعل من القيم روحًا للمعرفة، ومن الوحي إطارًا للتوجيه، ومن الإنسان محورًا للتنمية.

ليس المقصود من هذا التكامل أن تُسْلَمَن العلوم، ولا أن تُدَجَّن النصوص لتُخضع لمنطق الواقع. بل هو فعل مزدوج: تحرير للعلم من العمى الأخلاقي، وتفعيل للوحي في الواقع من خلال مناهج تحليلية حديثة. إنها دعوة إلى تجاوز الصراع التقليدي بين النقل والعقل، والارتقاء إلى مستوى “العقل المؤيَّد بالوحي”، و”الوحي المنزَّل للعقل”.

ضمن هذا الأفق، تغدو التربية أول مجال لهذا التكامل، لأن المدرسة ليست مصنعًا للمعرفة فقط، بل فضاء لتشكيل الرؤية الإنسانية. المطلوب إذن أن يُعاد بناء المناهج على أساس إنساني قيمي، يستثمر في العقل النقدي دون إهمال التزكية، ويستدعي نظريات علم النفس المعاصر دون أن يُقصي سنن الفطرة ومقاصد الشريعة. كما أن الإعلام، وهو صانع الوعي الجمعي، يجب أن يتحرر من سطوة السوق ونماذج الاستهلاك، ويُعاد توجيهه ليصبح حاملًا لقيم الرحمة، والكرامة، والعدالة، بدلًا من أن يكون مرآة مشوهة لعالم بلا مرجعيات.

أما في ميدان الاقتصاد، فإن الأزمة الأخلاقية التي تعصف بالأنظمة الرأسمالية تفتح المجال أمام اجتهاد مقاصدي يُعيد الاعتبار لمفاهيم مثل التكافل، والتوزيع العادل، والاستثمار النزيه، والإنفاق المسؤول. فالنمو في المنظور الإسلامي ليس تراكمًا كميًا، بل تحقق بركة، ومشاركة، واستدامة. وهو ما يُفسح المجال لنقد بنّاء للمنظومة الاقتصادية العالمية، دون الانغلاق على الذات.

ويبقى الإنسان في صلب هذا المشروع: لا بوصفه “فردًا اقتصاديًا” أو “مستهلكًا رقميًا”، بل ككائن كرّمه الله، وجعله مستخلفًا، ومكلفًا، ومسؤولًا. من هنا، فإن أي علم يتناول الإنسان، من علم النفس إلى الأنثروبولوجيا، ينبغي أن يُراجع أدواته ونماذجه من منظور قيمي يؤمن بأن الإنسان ليس مجرد سلوك يُقاس، بل روح تُزكّى، وضمير يُهذّب، وعقل يُسائل.

نحن اليوم أمام لحظة تاريخية تقتضي استئناف مشروع العمران الإنساني، لا بوصفه بناءً ماديًا، بل بوصفه فعلًا معرفيًا أخلاقيًا جامعًا. وهذه اللحظة تفرض على علماء الأمة، ومفكريها، ومؤسساتها، أن يرتقوا إلى مستوى التحدي، وأن يُبلوروا نموذجًا تكامليًا بين علوم الإنسان وعلوم الوحي، يكون أساسًا لرؤية تنموية شاملة، ويمنح الإنسان المعاصر أفقًا جديدًا لفهم ذاته، وصياغة مستقبله، وإعادة الوصل بين العقل والروح.

مقالات مشابهة

  • محمد كركوتي يكتب: روافد غير نفطية لاقتصاد أبوظبي
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: الضلع الرابع للمثلث
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: غزة وحقوق الإنسان
  • د. محم بشاري يكتب: استئناف العمران الإنساني من التجزيء المعرفي إلى التكامل القيمي
  • الصحة: فحص 575 ألف طفل ضمن مبادرة الرئيس للكشف عن أمراض حديثي الولادة
  • صلاح الدين عووضة يكتب.. معليش الإعيسر !!
  • طرق علاج سرطان الرئة.. المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن الأورام
  • سور الاردن العظيم ثاني اطول سور بالعالم واقدم سور في العالم
  • تامر أفندي يكتب: أنا اليتيم أكتب
  • د. عبدالله الغذامي يكتب: أن تسافر عنك إليك