النيران الصديقة بوصفها سلاحا استراتيجيا
تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT
النيران الصديقة تعبير شعري سياسي وحربي مستحدث، يذكر -والدهر يُنسي- بمدفأة سورية الصنع، كان صنّاعها قد أطلقوا عليها اسم "عروسة الشتاء"؛ تدفئ الجليس، وتقرب الأنيس، إما بمعدنها الذي صنعت منه، أو بحسن صناعة جهاز التنفس فيها.
وقد وجد صناع السياسة ولغات الأخبار، وهم أطباء تجميل بسيليكون الألفاظ، أسماء ناعمة للقتل، لطيفة، تشبه الحلوى والفاكهة مثل التحييد، فقال قائلهم: حيّدت قواتنا فلانا، بدلا من قتل قواتنا فلانا من التنظيم الفلاني.
كانوا يتحدثون عن مرحلتين..
أما فيما يخص النيران الصديقة ووفقا لبيانات جيش الاحتلال الحديثة، فإن واحدا من كل خمسة قتلى إسرائيليين يسقط بنيران إسرائيلية "صديقة"، إحصائية إسرائيلية أدق تقول إن 17 في المئة من قتلاهم قتلوا إما في الضفة والقدس، أو في أثناء القتال في غزة، بأيدي إسرائيلية، وهي نسبة كبيرة. أما تفسير ارتفاع نسبة المقتولين بالنيران الصديقة فهو؛ إما خوف القاتل من القتل الذي يحسب كل صيحة عليه، وإما قلقه واضطرابه، وهما من بنات الرعب. فالمجتمع الإسرائيلي مجتمع مسلح خفافا وثقالا، يصدق فيه عنوان فيلم الكاوبوي الشهير: إذا اردت أن تعيش فاقتل.
وقد يظنُّ المرء أنَّ جيش الاحتلال بلا قصص مؤثرة، مع أن الصحف العربية ووكالات الأنباء لا تبخل بقصصه، بينما تجد يوميا عشرات القصص الفلسطينية المحزنة، عن أيتام وأطفال ورضّع ماتوا تجويعا، وأسر انقرضت، حتى يطلع على قصص قتلى الإسرائيليين بالنيران الصديقة، والتي يخفيها إعلام الاحتلال من النشر خوفا من توهين مجتمع الاستيطان وأهل القتلى، والإساءة إلى سمعة "جيش الدفاع"، الذي لا يفرق بين الصديق والعدو، مثل قصة الأسرى الثلاثة الهاربين، الذي خرجوا يرفعون الرايات البيضاء ويستغيثون بالعبرية، لكن أقوى عاشر جيش في العالم قتلهم بنيرانه الصديقة الحبيبة. ومثل قصة الإسرائيلي الذي قتل سائق السيارة الفلسطيني، وانتهت ذخيرته فقتله ابن دينه اليهودي بنيرانه صديقة ظنا منه أنه فلسطيني، مع أنه ركع متوسلا إليه أن يرحمه، ويخبره أنه يهودي مثله، وقد قُتل في الضفة الغربية، وليس في غزة؛ قصص مثل "قصة موت معلن"، لغابرييل ماركيز، وفيه أسلمت الأم ابنها لقاتليه خطأ.
كما تشير تحقيقات قامت بها صحف غربية مثل ليبراسيون والواشنطن بوست، أن أكثر قتلى الحفل الموسيقي في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر قتلوا بنيران صديقة. يقال في الأمثال المولدة: السلاح بيد الجبان يجرح.
يصرح نتنياهو كل يوم بأن إعادة "المخطوفين" أولوية، وهو يكذب، فأولويته هي البقاء في السلطة، ويعلم قادة الاحتلال أن إعادتهم أحياء شبه مستحيلة، وهذا يعني أنه سيقتلهم بنيرانه الصديقة. ونعلم أيضا أن نتنياهو أمسى دكتاتورا، مثل جيرانه الزعماء العرب. يقال إن الدكتاتورية مثل الدراجة، لو توقف الدرّاج عن تحريك قدميه لسقطت به، لذا فهو يهرب إلى الأمام وسيقاتل حتى النهاية من دون النظر إلى اليوم الآتي.
تظهر الأخبار أن ثمة نيرانا صديقة بين بايدن ونتنياهو، نيران تصريحات، فبايدن صاحب خبرة سياسية دولية، وقد خرج من حربين في العراق وأفغانستان مثخنا بالجراح، ويعلم أن ما لا يؤخذ بالحرب يؤخذ بالسياسة، فانظر إلى حال العراق وحال أفغانستان، العراق مقاد بإيران، وأفغانستان محاصرة. ويستطيع نتنياهو أن يفرج عن الأسرى الفلسطينيين ويعيد اعتقالهم بعد شهر أو أقل، وقد ارتد عن اتفاقات دولية كثيرة، لن تكون هذه آخرها، لكن قبوله به يجعله في موقع الخاسر سياسيا.
يرجح أن إسرائيل تتنظر أن تنتهي نيران حماس غير الصديقة، أي ذخيرتها من الأسلحة، وأن حماس تنتظر نيرانا صديقة في معسكرات العدو، أي خصومة بين أحزاب إسرائيل الحاكمة، فحماس غير قادرة على هزيمة إسرائيل بأسلحتها المصنعة في الأنفاق. وقد نُقل أمس أن غالانت همّ بضرب نتنياهو، وتوعده بأن يحضر له لواء غولاني.
كنا قد أدركنا أمرا متأخرا بفضل طوفان الأقصى، وهو أن ديّة الإسرائيلي ليس كما كنا نظن، وكان ذلك في زمن التفوق الكامل قبل طوفان الأقصى، ومن باب أولى أن نقرَّ بأن العرب، سوريين ومصريين وأمثالهم، يموتون بنيران صديقة وحبيبة، بنيران حكوماتهم "الصديقة"، بل إن العرب قضوا بهذه النيران حتى في الحروب مع العدو إما بخيانتهم أو بسوء الإدارة وتركهم في العراء تحت رحمة سلاح العدو.
الحرب الأهلية حرب صديقة، من غير إيجاف بخيل أو ركاب. النيران الصديقة هي أن تجعل بأس العدو بينهم.
أغلب الظن أن أمريكا قد أدركت أنَّ أفضل الطرق للقضاء على حماس هو النيران الصديقة عبد تذكيتها وجعلها منظمة، مع أنها تعريفا نيران بالخطأ، أي بالحرب الأهلية، ربما بتسليمها لإيران، كما سُلّمت سوريا والعراق ولبنان واليمن لها، أو تسليم غزة لفتح بعد إعدادها وتزويدها بنيران "صديقة"، أو أموال صديقة.
نذكر بأن النار عُبدت قديما وما تزال معبودة، عبدها المجوس، أما الأوربيون في بلادهم الباردة فعبدوا الشمس وهي أم النار، ومن هنا جاء تعبير النيران الصديقة الغربي.
يحاول بايدن إقناع نتنياهو بأنه لا بد من دولة فلسطينية، ولها أنماط كما زعم، وسيكون نمطا صديقا، كأن تكون من غير نار، أو بنيران صديقة مثل معظم الدول العربية، لكن نتنياهو والذي يسمونه في إسرائيل بالرئيس الكارثة، صاحب كتاب "مكان تحت الشمس"، والذي يرفض فيه مقايضة الأرض مقابل السلام، يريد أن ينتصر في الحرب بالنار، النار وحدها، النار غير الصديقة التي يشبه شكل دخانها نبات الفطر.
twitter.com/OmarImaromar
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيل غزة نتنياهو إسرائيل غزة نتنياهو خسائر مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النیران الصدیقة بنیران صدیقة
إقرأ أيضاً:
الشرع: نبدأ تعاونا استراتيجيا واسعا مع قطر الفترة المقبلة
قال القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع أنهم وجهوا دعوة لأمير قطر لزيارة سوريا، مشيرًا إلى إن الجانب القطري كان ثابتا على موقفه في كل المراحل إلى جانب الشعب السوري، وفق ما أوردت وسائل إعلام متفرقة.
ذكر الشرع أن الجانب القطري أبدى كل الدعم لسوريا في مرحلتها الانتقالية، موضحًا أن دمشق ستبدأ تعاونا استراتيجيا واسعا مع الدوحة خلال الفترة المقبلة.
ولفت إلى أن العلاقات بين الدوحة ودمشق ستعود أفضل مما كانت في السابق، إضافة إلى أن مشاركة دولة قطر في المرحلة المقبلة ستكون فعالة ومهمة.
وأكد أن قطر لها أولوية خاصة في سوريا لمواقفها المشرفة تجاه الشعب السوري، مشيرًا إلى سعي الإدارة العامة للاستفادة من الخبرات القطرية في جميع المجالات.
كما أكد وزير الدولة بالخارجية القطرية محمد الخليفي أن موقف دولة قطر ثابت في الوقوف إلى جانب سوريا وشعبها
وقال وزير الدولة بالخارجية القطرية محمد الخليفي أن الشعب السوري سيد قراره ولن يتعرض للوصاية من أحد وبحثنا مع الشرع خطوات المرحلة الانتقالية.
ويقوم وفد قطري مختص ببحث تأهيل المطارات وتسهيل تسيير الرحلات الدولية مع الإدارة السورية الجديدة.