ما الذي يخشاه جيش الاحتلال على الجبهة مع لبنان؟
تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT
يتواصل التصعيد الميداني بين الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله اللبناني على الحدود مع لبنان، فيما بدا أن دائرة الاستهداف الإسرائيلية تتسع يوما بعد يوم حتى جاوزت شمال نهر الليطاني بضعة كيلومترات.
وركز الاحتلال عملياته الدقيقة فاغتال شخصيات بارزة في كادر حزب الله الميداني، أبرزهم حسام طويل (الحاج جواد)، أحد قادة "قوة الرضوان" الذي اغتيل في 8 يناير/كانون الثاني 2024.
كما سحب الاحتلال من قطاع غزة جميع عناصر الفرقة الـ36 التي تضم لواء غولاني، واللواء 188، واللواء السابع من سلاح المدرعات والمدفعية والهندسة، وربط المراسل العسكري لموقع "والا" الإلكتروني أمير بوحبوط ذلك بسعي الاحتلال "للحفاظ على كفاءة القوات في ظل التهديدات على الجبهة الشمالية مع لبنان".
ورغم موازنة حزب الله بين الحفاظ على مستوى الردع دون الذهاب إلى الحرب المفتوحة، فإن تداعيات عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي تعزز مخاوف الاحتلال من تكرار الحدث على جبهته الشمالية، ولذا تقوده نحو المواجهة أكثر فأكثر.
ما الذي تغير؟يطرح الحديث عن مواجهة محتملة بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي تساؤلات عديدة، لعل أبرزها هي المتعلقة بالأخطار التي تخشاها تل أبيب خلال أي مواجهة في الشمال على المستويين العملياتي والإستراتيجي.
وفي ورقة بحثية بعنوان "اليوم التالي للحرب"، يرى معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن من شأن هذه المواجهة أن تفرض على الاحتلال تحديات جديدة وأصعب من تلك التي عرفها في حربه الجارية على غزة، أو في مواجهات سابقة مع حزب الله، الأمر الذي سيؤثر على طبيعة الحرب إن اندلعت.
فقد استغلت إيران نفوذها المتزايد في العراق وسوريا لتعزيز قدرات "محور المقاومة" التقليدية، بمعزل عن قدراتها النووية.
وأصبح هذا المحور في السنوات الأخيرة تحالفا متماسكا من كيانات ذات قدرات عسكرية كبيرة، رأس حربتها حزب الله وتعمل بتنسيق متكامل مع الحرس الثوري الإيراني.
قدرات حزب الله
يعتبر حزب الله أحد أقوى المنظمات شبه الحكومية في العالم، وقد حصل في العقد الأخير على قدرات نارية كبيرة ومتنوعة.
ويقدر معهد دراسات الأمن القومي مخزون حزب الله من الصواريخ بنحو 150 ألف صاروخ من المدى القصير والمتوسط والطويل، يمكنها أن تغطي كامل فلسطين المحتلة تقريبا.
وتعاظم هذا التهديد مؤخرا إثر جهود حزب الله لتطوير مشروع الصواريخ الدقيقة، من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز وصواريخ أرض- بحر والمسيّرات الهجومية التي كشف حزب الله عن بعضها عبر إعلامه الحربي.
وتحدثت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية عن "أخطاء تكتيكية جسيمة" أسهمت في إنجاح هجمات حزب الله منذ بدء معركة "طوفان الأقصى".
وذكرت من جملة ذلك معضلة الصواريخ الموجهة المضادة للدروع، والتي بات الحزب يستخدمها كسلاح قنص فيما تعجز القبة الحديدية عن اعتراضها، كونها تطير على ارتفاع منخفض وفي خط مستقيم نحو الهدف.
المعركة بين الحروبفي المقابل، سعى الاحتلال لإيقاف تنامي قوة حزب الله عبر إستراتيجية "المعركة بين الحروب"، باستهداف مستودعاته وخطوط إمداده عبر العراق وسوريا.
كما ركز على اغتيال الشخصيات الفاعلة في هذا المشروع، وأبرزها سيد رضي موسوي أحد كبار جنرالات الحرس الثوري الإيراني الذي اغتيل في دمشق الشهر الماضي، تبعه اغتيال مسؤول المخابرات في فيلق القدس الحاج صادق ونائبه في غارة إسرائيلية على مبنى سكني في حي المزة بدمشق قبل أيام، لكن يبدو أن هذه الإستراتيجية لم تمنع الحزب بعد من تطوير قدراته ومراكمتها.
سخّر حزب الله أيضا جهودا لتطوير خياراته الهجومية البرية عبر رفع كفاءة "قوة الرضوان"، وهي فرقة نخبوية مدربة تدريبا جيدا تضم آلاف المقاتلين وفقا لشبكة "بي بي سي" الإخبارية.
واكتسبت "الرضوان" خبرة كبيرة إثر مشاركتها إلى جانب نظام الأسد في مواجهة فصائل الثورة السورية.
ورغم كشف وتدمير الاحتلال للعديد من الأنفاق على طول الجبهة الشمالية خلال عملية "درع الشمال" في يناير/كانون الثاني 2019، فإن المهمة الرئيسية لمقاتلي "الرضوان" -وفقا لمقال الـ"بي بي سي"- هي دخول الجليل، حيث محور اهتمامه الرئيسي، وذلك على غرار ما فعلته نخبة القسام في "طوفان الأقصى".
وقد نشرت وحدة المعلومات القتالية التابعة لحزب الله في يناير/كانون الثاني 2023 مشاهد تدريبية لمقاتلي الحزب تحاكي تسللهم إلى الأراضي المحتلة.
ماذا في جبهة الجولان؟
شكّل حضور إيران قرب الحدود السورية مع فلسطين المحتلة، عبر مستشاريها والجماعات الموالية لها، تغييرا إستراتيجيا كبيرا.
ورغم الاستهدافات المتكررة ضمن "المعركة بين الحروب" والتي مكّنت إسرائيل من تقويض جهود إيران لإقامة قواعد عسكرية على الساحة السورية، فإنها لم تمنعها من نشر بطاريات صواريخ أرض- أرض وطائرات مسيّرة هجومية، فضلا عن العشرات من المستشارين الإيرانيين وعشرات الآلاف من المقاتلين الموالين لها، وفقا لفرزين نديمي الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية في معهد واشنطن للدراسات.
وتزامن هذا مع جهود يبذلها حزب الله بدعم إيراني أيضا لاستحداث مواقع على مشارف الجولان السوري، وتشكيل مجموعات محلية تتبع له. فضلا عن مجموعات أخرى تتبع للمقاومة الفلسطينية، والتي يرجح أنها تقف وراء بعض عمليات إطلاق القذائف والمسيّرات على هضبة الجولان في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
تحديات إستراتيجيةتخشى إسرائيل بشكل أساسي من حرب متعددة الجبهات، والتي ستشمل قتالا متزامنا في الساحات القريبة والبعيدة.
ففي حربه على غزة، يستطيع جيش الاحتلال تحديد محاور القتال وجبهاته الأساسية والثانوية وتحديد أولوياته وتوزيع الاهتمام والموارد. ولكن في حرب واسعة النطاق، سيجد صعوبة في السيطرة على حدود الحرب ومدتها، وإذا اندلعت حرب مفتوحة في الشمال فلن يتمكن من منع مجاميع "محور المقاومة" المتمركزة في ساحات أخرى من الانضمام إلى المعركة.
في مواجهة كهذه، سيحاول حزب الله مثلا العمل من الجولان السوري وقد تتدخل حينها المجموعات الموالية لإيران في سوريا وربما في غرب العراق أيضا، وقد تحاول إيران في هذه الظروف جر النظام السوري إلى القتال أيضا.
وهذا السيناريو يضعه جيش الاحتلال في الحسبان، حيث أجرى مناورات برية شمال مرتفعات الجولان في يوليو/تموز 2023، أي قبل 3 أشهر من عملية "طوفان الأقصى"!
التحدي الرئيسي الآخر الذي ستواجهه إسرائيل في الحرب المقبلة، وفقا لمعهد دراسات الأمن القومي، هو التهديد الذي يشكله حزب الله ووكلاء إيران الآخرون ضد الجبهة الداخلية الإسرائيلية أيضا، حيث يتوقع أن تتعرض لأضرار واسعة النطاق، على الأقل في المرحلة الأولى من الحرب.
وتشمل هذه الأضرار قدرات إسرائيل الحيوية، من خلال ضرب منشآت جيش الاحتلال الرئيسية مثلا (المقر الرئيسي، قواعد سلاح الجو، مراكز تعبئة قوات الاحتياط)، والبنى التحتية الإستراتيجية والخدمات الحيوية (الموانئ البحرية والجوية، مرافق الطاقة والمياه والنقل).
يضاف لهذا استهداف مقرات حكومة الاحتلال، والمرافق الاقتصادية والمراكز السكانية، وستهدف مثل هذه التكتيكات إلى تقويض شعور الإسرائيليين بالأمن والقدرة على البقاء في الأراضي المحتلة.
خيارات المواجهة
قد يلجأ الاحتلال الإسرائيلي إلى خطوات تتسم بكونها "استباقية" و"حذرة" في آن معا، خاصة أن الفشل الميداني في غزة كلف جيشه الكثير على كافة المستويات.
وأمام هذه التحديات، فإنه سيحافظ بالدرجة الأولى على إستراتيجيته الحالية لتأخير وتعطيل مراكمة قوة حزب الله في لبنان وسائر وكلاء إيران في سوريا عبر "المعركة بين الحروب". بيد أن فشل الجهود الدبلوماسية يرفع احتمالية شن عملية عسكرية في الداخل اللبناني لخفض مستوى التهديد الذي يشكله حزب الله، مع المجازفة بتدهور الوضع إلى حرب أوسع نطاقا.
وقد نقلت صحيفة "واشنطن بوست" في 18 يناير/كانون الثاني الجاري عن وزير دفاع الاحتلال يوآف غالانت تأكيده لنظيره الأميركي لويد أوستن، أن "إسرائيل تقترب من نقطة اتخاذ القرار في لبنان ما دام حزب الله يواصل هجماته في منطقة الحدود الشمالية".
وأكد التزام الاحتلال بإعادة مستوطني الشمال إلى بيوتهم. كما قالت هيئة البث الإسرائيلية إن تل أبيب أبلغت واشنطن أنها ستقوم بعمل عسكري في لبنان ما لم تبعد "قوة الرضوان" عن الحدود.
ورغم العديد من الحسابات العقلانية التي يفترض أنها تبعد إسرائيل عن خطوات كهذه، فإن الأزمة الداخلية التي يمر بها نتنياهو وحكومته وقادة جيش الاحتلال قد تجنح بهم نحو خطوات متهورة، يظنون أنها قد تعطيهم إنجازات معينة لتعويض فشلهم في غزة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ینایر کانون الثانی طوفان الأقصى جیش الاحتلال حزب الله
إقرأ أيضاً:
محللون: إسرائيل تفرض واقعا جديدا في لبنان وحزب الله ليس جاهزا لمواجهة عسكرية
تحاول إسرائيل -برأي محللين- فرض واقع جديد من خلال مواصلة احتلال أجزاء مهمة في جنوب لبنان، وذلك ضمن مساعيها لإحداث تغييرات جديدة بالمنطقة بدعم من الولايات المتحدة الأميركية.
وكان من المفترض أن تنسحب إسرائيل من كامل الأراضي التي دخلتها خلال الحرب الأخيرة بحلول أمس الثلاثاء، تنفيذا لاتفاق إطلاق النار الذي رعته واشنطن وباريس، لكنها رفضت الانسحاب من 5 نقاط، وقالت إنها تخطط للبقاء فيها طويلا.
وفي حين أعلنت الدولة اللبنانية عزمها التوجه إلى مجلس الأمن لإنهاء هذا الوجود الإسرائيلي الذي قالت إنها تعتبره احتلالا بدءا من الموعد المقرر للانسحاب، لا يبدو حزب الله قادرا على العودة للقتال في الوقت الراهن، حسبما يقول الخبير العسكري العميد إلياس حنا.
ووفقا لما قاله حنا لبرنامج "مسار الأحداث"، فإن هذه النقاط الخمس تمنح الجانب الإسرائيلي تفوقا عسكريا، لأنه سيكون قادرا على جمع المعلومات الاستخبارية وأيضا على القيام بعمليات في العمق اللبناني وقتما شاء.
تنازل واستسلام لبناني
لذلك، فإن القرار الأممي 1701 يجري تطبيقه بما يخدم المصالح الإسرائيلية فقط، وهو أمر يعكس -برأي حنا- أن اتفاق وقف إطلاق النار حمل تنازلات كبيرة من الجانب اللبناني.
إعلانالرأي نفسه ذهب إليه أستاذ العلوم السياسية بجامعة جون هوبكنز الدكتور خليل العناني بقوله إن ما تقوم به إسرائيل هو تكريس لواقع جديد بدعم أميركي، مؤكدا أن الموقف اللبناني الرسمي "ينم عن ضعف واستسلام، لأن الضعفاء هم من يذهبون لمجلس الأمن".
كما أن هذا الموقف يبين -برأي العناني- أن اتفاق وقف إطلاق النار "كان مهينا للجانب اللبناني وكان أيضا ينم عن الاستسلام، لأنه لم ينص على الانسحاب الفوري للقوات الإسرائيلية".
وخلاصة ما يجري حاليا هو تكريس هزيمة لبنان وحزب الله، لأن إسرائيل تبدي استخفافا كبيرا بالجدول الزمني للانسحاب وتضع مطالب جديدة بسبب ضعف الموقف اللبناني، كما يقول العناني، مؤكدا أننا إزاء احتلال دائم وليس مؤقتا، لأن الإسرائيليين لم ينسحبوا يوما من أرض دخلوها إلا بالقوة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا الاحتلال الجديد يمثل جزءا من الرؤية الإسرائيلية الأميركية الجديدة التي تقوم على إنهاء خطر إيران، وربما ضرب مفاعلاتها النووية بحلول منتصف العام الجاري، حسب العناني.
أما الهدف الثاني الأساسي لهذه الرؤية -كما يقول المتحدث- فهو تصفية قضية فلسطين تماما، اعتمادا على مسؤولين أميركيين أكثر صهيونية ويتخذون مواقف غير مسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة بتبنيهم تهجير الفلسطينيين من أرضهم.
إجبار لبنان على التطبيع
ولم يختلف أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في باريس الدكتور زياد ماجد عن الرأي السابق، مؤكدا أن لبنان حاليا يحصد نتائج الحرب الأخيرة، وأنه لن يحقق أي مكاسب ما دامت أميركا متواطئة مع إسرائيل.
وفي حين يعتقد ماجد بضرورة التحرك الدبلوماسي، فإنه في الوقت نفسه لا يعتقد أن إسرائيل يمكنها الخضوع لأي ضغط خارجي أو قانون دولي ما دامت محمية بالفيتو الأميركي.
في الوقت نفسه، يعتقد ماجد أن ما تقوم به إسرائيل "هو محاولة لخلق خلاف داخل لبنان لإجباره على التطبيع معها من أجل استعادة أراضيه، خاصة في ظل عدم قدرة حزب الله على العودة للحرب".
إعلانويلخص ماجد الوضع الحالي في أنه فرض من الجانب الإسرائيلي لواقع جديد بقوة النار لا يمكن تغييره بالبيانات، ويقول إن موازين القوى باتت واضحة للجميع، وإن لبنان وحزب الله لا يملكان تغيير هذا الواقع عسكريا.
حكومة لبنان الجديدة هي نتاج توافقات عديدة وهي ليست موالية لحزب الله، وهناك انقسام داخلي بشأن حزب الله، وما يحدث حاليا هو نتاج للحرب التي خاضها حزب الله، وموازين القوى الحالية واضحة ولا يمكن تغييرها بأي بيانات.
ويتفق المتحدثون على تراجع احتمالات قيام حزب الله بأي عمل عسكري في الوقت الحالي لأسباب كثيرة، من بينها سقوط نظام بشار الأسد الذي قطع عنه الإمداد، وخلو المناطق التي بقيت فيها إسرائيل من السكان، مما يعني أن المواجهة تتطلب عملا مباشرا وليس مقاومة شعبية، كما يقول ماجد.
وبالمثل، يقول العميد إلياس حنا إن لبنان حاليا يعيش تداعيات ما بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، التي خلقت واقعا جديدا مختلفا، وجعلت إسرائيل تفرض قواعد اشتباك جديدة من خلال تكوين منطقة عازلة بالقوة في الداخل اللبناني.
ومع إقراره بأن حزب الله ليس مستعدا للعودة للقتال حاليا، وأنه ألقى بالكرة في ملعب الجيش اللبناني عندما أكد التزامه باتفاق الطائف، فإن حنا يعتقد أن الحزب قد يعود لتنفيذ عمليات في المستقبل.