غياب الاستراتيجية الأمريكية وصعود «الفاعلون من غير الدول»
تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT
غياب الاستراتيجية الأمريكية وصعود «الفاعلون من غير الدول»
صعود دور وتأثير ونفوذ «الفاعلون من غير الدول»(Non-State-Actors) في النظام العالمي.
تناقض وغياب الاستراتيجية الأمريكية يفاقم أزمات المنطقة، ويهدد أمن واستقرار حلفائها ويسمح بأن يدفع الفاعلون من غير الدول المنطقة لحافة الهاوية!
تحول لافت في دور ونفوذ «الفاعلون من غير الدول» في تنظيمات مسلحة مدعومة من بلدان لتحقيق أهداف سياسية تصنفها بعض الدول كتنظيمات إرهابية دون تعريف واضح للإرهاب!
نشهد دور محور المقاومة في تصدي حماس والجهاد الإسلامي لجرائم الإبادة الصهيونية بغزة وفلسطين، ومواجهة حزب الله لإسرائيل بجنوب لبنان، وتصعيد الحوثيين ضد إسرائيل دعماً لمقاومة غزة.
توسعت أنشطة الشركات العابرة للقارات لتشكل نفوذاً دوليًا كبيراً بما تملكه من قدرات وعلاقات مع صنّاع القرار بدول عديدة، واستمرت شركات النفط والسلاح بالتمتع بنفوذ وقدرة كبيرة على الانتشار.
ساهم ظهور «تنظيم الدولة» بإصدار المرجع الشيعي في العراق على السيستاني فتوى بإنشاء «الحشد الشعبي» لمقاتلته، واستمر حضور الحشد الشعبي ونفوذه ودمجه في القوات المسلحة العراقية حتى بعد تراجع تهديد «داعش»!
* * *
من الظواهر اللافتة التي تحتاج للبحث والتفسير والاستيعاب هو ما تنبأت به مؤسسات الاستخبارات والأمن ومراكز الدراسات الاستراتيجية الأمريكية قبل أكثر من عقد من الزمن عن صعود دور وتأثير ونفوذ «الفاعلون من غير الدول»(Non-State-Actors) في النظام العالمي. حتى أنني أشرفت على أول أطروحة ماجستير في قسم العلوم السياسية في جامعة الكويت عن الموضوع نفسه قبل عدة سنوات.
برز دور وتأثير «الفاعلون من غير الدول» بنفوذ جماعات الضغط واللوبيات في خمسينيات القرن الماضي في النظام السياسي الأمريكي يسمح لتلك المؤسسات بالعمل ضمن النظام السياسي والانتخابي الأمريكي تمثلت بما عرف بالشقيقات السبعة (شركات النفط العملاقة) والمجمع الصناعي العسكري (لكبرى شركات تصنيع السلاح) الأمريكية.
شكلت بينهما قوة تأثير تدعم وتدفع بمرشحين لمناصب نواب وأعضاء مجلس الشيوخ في الكونغرس الأمريكي وحتى في الرئاسة الأمريكية، بدعم وتمويل المشرعين والمرشحين لتلك المناصب للنجاح والوصول الى مراكز صنع القرار لإصدار تشريعات صديقة وداعمة لمصالح تلك المؤسسات المتنفذة في النظام السياسي الأمريكي، لذلك أصدر أحدهم كتابا ناقدا وساخرا بعنوان: «أفضل ديمقراطية تُشترى بالمال»!!
ثم تعزز وتمدد دور تلك الظاهرة بتوسع أنشطة الشركات العابرة للقارات لتشكل نفوذاً كبيراً على المستوى الدولي بما تملكه من قدرات وعلاقات مع صنّاع القرار في عدة دول، واستمرت شركات النفط والسلاح بالتمتع بنفوذ وقدرة كبيرة على الانتشار.
حتى وصلنا للثورة المعلوماتية والتكنولوجية، وصعد نجم الشركات العملاقة مثل مايكروسوفت وغوغل وشركات الصناعة وتكنولوجيا الهواتف الذكية مثل أبل وسامسونغ وهواوي التي ذاع صيتها وانتشرت منتجاتها وأحدثت ثورة ونقلة نوعية غير مسبوقة في عالم التواصل الاجتماعي التي غزت البشرية وسهلت انتقال المعلومة والتعامل مع بنك المعلومات لتفجر ثورة جديدة بتطبيقات «الذكاء الاصطناعي» – الذي تستغني به الشركات عن الموظفين – ما يهدد مئات ملايين الوظائف حول العالم!
وصارت أسهم تلك الشركات العملاقة تشترى وتباع وذاع صيتها وحقق المستثمرون مكاسب. حتى صناديق الثروات السيادية للدول تتعامل بأسهم تلك الشركات العملاقة العابرة للقارات.
ووصلت القيمة السوقية لشركات، مثل أبل ومايكروسوفت والفابيت المالكة لغوغل ويوتيوب وميتا المالكة لـ«فيسبوك» و«واتساب» و«انستغرام» تقدر القيمة السوقية لكل واحدة من تلك الشركات بما لا يقل عن تريليون دولار أو أكثر.
ووصلت القيمة السوقية لشركة أبل تريليوني دولار وكذلك لشركة مايكروسوفت. وهذا يعني أن قيمتها السوقية أكثر من صناديق الثروات السيادية لعشرات الدول!! وحولت مؤسسيها ومالكي أكبر كمية من الأسهم في تلك الشركات الى أغنى رجال العالم مثل إيلون ماسك وبيل غيتس وجيف بيزوس وغيرهم!
برز التحول اللافت في دور ونفوذ «الفاعلون من غير الدول» في التنظيمات المسلحة المدعوم بعضها من بلدان لتحقيق أهداف سياسية تصنفها دول حول العالم بتنظيمات إرهابية دون تعريف واضح للإرهاب!
أبرزها تنظيم «القاعدة» بقيادة أسامة بن لادن وعملية «غزوة مانهاتن» في 11 سبتمبر 2001 بتفجير برجي التجارة العالمي في نيويورك واستهداف مبنى البنتاغون، وزارة الدفاع الأمريكية خارج العاصمة الأمريكية واشنطن، بطائرات مختطفة.
في أول عملية نوعية تضرب الدولة الأقوى في العالم في عقر دارها وفي عز قوتها، وبرغم استفراد الولايات المتحدة بقيادة وتزعم النظام العالمي بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وتحول النظام العالمي لنظام أحادي القطب!
وبرزت قبل القاعدة تنظيمات خرجت من رحم الدولة ولكنها تمكنت من اكتساب نفوذ وقوة فاقت قوة ونفوذ الدولة نفسها وخاصة الدول الهشة والفاشلة. فبرز حزب الله في لبنان عام 1982 وبدعم وتدريب من إيران لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وبرزت حركة حماس عام 1987 في غزة لمقاومة البطش والاحتلال الإسرائيلي، ومعها حركة الجهاد الإسلامي، وبرز تنظيم القاعدة في التسعينيات لمقاومة ورفض النفوذ والحضور الأمريكي في المنطقة.
والمفارقة أن أسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة كان متعاونا مع الاستخبارات الأمريكية في الثمانينيات بدعم وتمويل الاستخبارات الأمريكية والباكستانية وحتى بدعم سعودي – عندما قاد جماعة «المجاهدون العرب» في دعم «المجاهدين» الأفغان- حسب وصف الرئيس ريغان وإدارته وتسليحهم لقتال الاحتلال السوفيتي لأفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي.
ثم خرجت حركة طالبان، وصولاً لظهور تنظيم «الدولة» في العراق والشام «داعش» عام 2014. وقاد الرئيس أوباما تحالفا دوليا من 70 دولة لمقاتلتهم بعملية «العزيمة الدائمة» بعدما سيطروا على أجزاء واسعة من العراق والشام وألغوا حدود الدول حتى تراجع نفوذهم دون هزيمتهم.
ساهم ظهور «تنظيم الدولة» بإصدار المرجع الشيعي في العراق على السيستاني فتوى بإنشاء «الحشد الشعبي» لمقاتلة ذلك التنظيم، واستمر حضور الحشد الشعبي ونفوذه ودمجه في القوات المسلحة العراقية حتى بعد تراجع تهديد «داعش»!
ما يجمع بين تلك الجماعات المسلحة العقائدية هو علاقتهم بإيران ودعمها وخدمة مشروعها لتعزيز نفوذها في مواجهة الإمبريالية الأمريكية والغرب وإسرائيل بمساندة «محور المقاومة» ومواجهة الصهيونية والإمبريالية!
كما نشهد اليوم دور هذا المحور في تصدي حماس والجهاد الإسلامي لجرائم الإبادة الصهيونية في غزة وفلسطين عبر حرب إبادة دموية، وفي مواجهة حزب الله لإسرائيل في تصعيد متبادل من جنوب لبنان، وفي تصعيد الحوثيين ضد إسرائيل دعماً لمقاومة غزة باستهداف السفن وناقلات النفط في البحر الأحمر وتشكيل أمريكا تحالف «حارس الازدهار» وصولاً لاشتباك أمريكا وبريطانيا وبدعم حلفائها بشن غارات جوية على محافظات اليمن ومهاجمة الحوثيين، واستهداف «المقاومة الإسلامية» في العراق للقواعد الأمريكية في العراق وسوريا وقصف مواقع إسرائيلية.
والرد الأمريكي بقصف مواقع، واغتيال قيادات لتلك التنظيمات المتحالفة مع إيران في العراق وسوريا ما يكسب إيران معركة العقول والقلوب. لذلك فشلت الدول الكبيرة وتراجع نفوذها في التأثير على الأحداث!
حمّلت سابقا إدارة بايدن مسؤولية وصولنا لحافة الهاوية في المنطقة. وأكرر أن تناقض وغياب استراتيجية الإدارات الأمريكية المتعاقبة يفاقم ويشعل أزمات المنطقة، ويهدد أمن واستقرار حلفائها ويسمح للفاعلين من غير الدول بدفع المنطقة لحافة الهاوية!
*د. عبد الله خليفة الشايجي استاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أمريكا إيران الحوثيون الصهيونية الإمبريالية محور المقاومة الاستراتيجية الأمريكية صناع القرار القاعدة داعش الاستراتیجیة الأمریکیة النظام العالمی الحشد الشعبی تلک الشرکات فی النظام فی العراق
إقرأ أيضاً:
معضلة ربط بغداد بطهران: العقوبات الأمريكية ستفتك بالعراق قبل إيران - عاجل
بغداد اليوم - بغداد
يثير موقف الإدارة الأمريكية تجاه العراق في ظل العقوبات المفروضة على إيران تساؤلات حول مستقبل العلاقات العراقية-الأمريكية، خاصة مع تصاعد الضغوط الاقتصادية والسياسية.
ويرى الباحث في الشؤون الاستراتيجية، نبيل العزاوي في حديثه لـ"بغداد اليوم"، أن العراق يسعى جاهدًا لتحييد نفسه عن التصعيد بين واشنطن وطهران، إلا أن قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد تعقّد الوضع، خصوصًا فيما يتعلق باستخدام الدولار في التعاملات المالية العراقية الإيرانية.
العراق بين العقوبات الأمريكية واعتماده على الغاز الإيراني
يواجه العراق معضلة حقيقية في ظل هذه العقوبات، نظرًا لاعتماده الكبير على الغاز الإيراني لتشغيل محطات الكهرباء، خاصة مع اقتراب فصل الصيف حيث يزداد الطلب على الطاقة.
وتشير تصريحات العزاوي إلى أن قطع إمدادات الغاز الإيراني بشكل مفاجئ قد يؤدي إلى أزمة طاقة حادة، في وقت لا تزال البدائل، مثل الربط الكهربائي الخليجي والطاقة الشمسية، في مراحلها الأولية وتحتاج إلى وقت أطول لتنفيذها.
الإدارة الأمريكية وموقفها المتشدد
بحسب العزاوي، فإن إدارة ترامب لا تبدي مرونة في منح العراق وقتًا إضافيًا لإيجاد بدائل، مما يضع الحكومة العراقية في موقف صعب. فالعراق يجد نفسه أمام خيارين أحلاهما مر:
1. الاستمرار في استيراد الغاز الإيراني رغم العقوبات، مما قد يعرضه لضغوط أمريكية وعقوبات اقتصادية جديدة.
2. الالتزام بالعقوبات وقطع التعاملات مع طهران، مما قد يهدد استقرار شبكة الكهرباء ويؤدي إلى اضطرابات داخلية.
إمكانية التصعيد والتداعيات المحتملة
يحذر العزاوي من أن استمرار استيراد الغاز الإيراني دون قبول أمريكي قد يؤدي إلى تأزيم العلاقة بين بغداد وواشنطن، وربما فرض عقوبات اقتصادية أمريكية على العراق، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي والاقتصادي. لكنه يشير إلى أن الحكومة العراقية تدرك خطورة الوضع، وتسعى لممارسة دور سياسي عاجل للحيلولة دون وقوع العراق في منزلقات خطيرة.
جهود العراق لإيجاد حلول وسط
تعمل الحكومة العراقية على إيجاد حلول لتجنب الأزمة، من خلال:
إجراء اتصالات مكثفة مع الجانب الأمريكي لإقناعه بمنح العراق وقتًا إضافيًا حتى تكتمل مشاريع الربط الكهربائي مع الخليج.
تسريع العمل على مشاريع الطاقة البديلة، مثل المنظومات الشمسية، لتقليل الاعتماد على الغاز الإيراني.
التوازن في العلاقات بين واشنطن وطهران، عبر تبني سياسة الحياد ومحاولة التوفيق بين المصالح المتعارضة.
يجد العراق نفسه في موقف دقيق بين الضغوط الأمريكية والعقوبات المفروضة على إيران من جهة، وحاجته الماسة إلى الطاقة من جهة أخرى. وبينما تسعى الحكومة إلى تجنب التصعيد عبر المسارات الدبلوماسية، يبقى التساؤل مفتوحًا حول مدى نجاحها في إقناع واشنطن بمنحها مهلة إضافية، وما إذا كانت البدائل المطروحة ستكون كافية لسد الفجوة في إمدادات الطاقة خلال الفترة المقبلة.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات