طالت الحرب على غزة كما كان متوقعا على نحو واسع، أو ربما على عكس ما توقع البعض، ما عزز الأسئلة والنقاش حول توقيت نهايتها والعوامل التي يمكن أن تساهم في ذلك. العوامل المحتملة لم تتغير منذ بداية الحرب، وهي مرتبطة ببعضها البعض بأشكال مباشرة وغير مباشرة، وتتمثل في الخسائر "الإسرائيلية" في الحرب وخصوصا ميدانيا، وتراجع الدعم الخارجي وخصوصا من الولايات المتحدة الأمريكية، وضغط الداخل "الإسرائيلي" جماهيريا أو سياسيا وخصوصا في ملف الأسرى.



ولأن الخسائر البشرية والعسكرية والاقتصادية وغيرها تحولت لشيء يمكن للاحتلال تحمله والتعايش معه من باب تقييم المواجهة الحالية كحرب وجودية، ولأن تطورات المشهد الداخلي لدى الاحتلال لم تطرأ عليه تغيرات جذرية حتى اللحظة رغم بعض المؤشرات المهمة، تتركز الأنظار مؤخرا نحو الموقف الأمريكي لمحاولة استشراف مدى تأثيره على مسار الحرب.

أحد أسباب هذا التركيز هو ما يرشح في الأخبار مؤخرا عن خلافات وتوترات بين الإدارة الأمريكية وحكومة الاحتلال، والتغيرات الطفيفة -لكن المهمة- في الموقف الأمريكي من الحرب وبخصوصها، ومرد ذلك لقراءة تقول إن إدارة بايدن تتعرض لخسائر بسبب موقفها.

هدف هذا الموقف الأمريكي إلى تقديم الدعم للكيان ولا شك، إضافة لأهداف أخرى كتثبيت جبهته الداخلية وطمأنته، وتأمين غطاء كامل للمؤسسة العسكرية "الإسرائيلية" للقيام بما تريد وتحقيق أهدافها في غزة، وضمان استفرادها بغزة ومقاومتها بتحذير وردع مختلف الأطراف. ومن اللافت أن معظم دول المنطقة -العربية والمسلمة- قد التزمت بسقف أمريكي غير معلن
ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الفائت تدخلت في الحرب بالانخراط المباشر إلى جانب الاحتلال، عبر إحضار حاملات الطائرات للمتوسط، وتصدير السلاح للاحتلال، وتقديم غطاء سياسي كامل لعدوانه، وتبنٍّ رسمي كامل لروايته، لدرجة أنه يمكن القول دون مبالغة كبيرة إن واشنطن أدارت الحرب ولم تكتف بالدعم.

وقد هدف هذا الموقف الأمريكي إلى تقديم الدعم للكيان ولا شك، إضافة لأهداف أخرى كتثبيت جبهته الداخلية وطمأنته، وتأمين غطاء كامل للمؤسسة العسكرية "الإسرائيلية" للقيام بما تريد وتحقيق أهدافها في غزة، وضمان استفرادها بغزة ومقاومتها بتحذير وردع مختلف الأطراف. ومن اللافت أن معظم دول المنطقة -العربية والمسلمة- قد التزمت بسقف أمريكي غير معلن، إذ بقيت المواقف في غالبيتها الساحقة عبارة عن مواقف كلامية لا صدى عمليا لها مع البقاء في صفوف المتفرجين، وهو ما يعني عمليا السماح بالعدوان "الإسرائيلي" وانتظار تحقيق أهدافه، ولم يشذ عن هذه القاعدة إلا فواعل ما دون الدولة وفي مقدمتها حزب الله في لبنان والحوثيون في اليمن.

وعليه، يبدو السؤال وجيها، وهما على الحقيقة سؤالان لا سؤال واحد؛ هل الخلاف بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال حقيقي؟ وهل هو مؤثر في مسار الحرب؟ أي أنهما سؤالا الحدود/المدى والتأثير/النتيجة.

وقبل الولوج للبحث ومحاولة تقديم إجابات، ينبغي التذكير بأن الولايات المتحدة تعد هذه الحرب حربها وليست مجرد داعم لأحد طرفيها. فمن جهة كانت عملية طوفان الأقصى ضربة قاسية لما يُعد قاعدتها العسكرية أو حاملة طائراتها الكبرى في الشرق الأوسط، كما توصف عادة دولة الاحتلال، التي من المفيد استحضار أنها مجرد مشروع للغرب الاستعماري في منطقتنا. ومن جهة ثانية فالعملية أجّلت و/أو أضرت بعدد من المشاريع والمسارات الأمريكية في المنطقة، من محاولات تخفيف الحضور للتركيز على مناطق ونزاعات أخرى، لمشاريع التطبيع مع الاحتلال، للمشاريع الاقتصادية التي ستربط دولة الاحتلال بالدول العربية، لغير ذلك.

بالنظر لما سبق من اعتبارات وللتصريحات الأمريكية المتكررة والمواقف المتغيرة نسبيا، لا شك أن ثمة خلافا لا تخطئه العين بين الجانبين الأمريكي و"الإسرائيلي"، لكنه ليس خلافا بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" وإنما بين الإدارة الأمريكية والحكومة "الإسرائيلية"، والفارق بين الأمرين ليس هامشيا ولا تفصيليا فضلا عن أن يكون مجرد تباين لفظي.

بالنظر لما سبق من اعتبارات وللتصريحات الأمريكية المتكررة والمواقف المتغيرة نسبيا، لا شك أن ثمة خلافا لا تخطئه العين بين الجانبين الأمريكي و"الإسرائيلي"، لكنه ليس خلافا بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" وإنما بين الإدارة الأمريكية والحكومة "الإسرائيلية"، والفارق بين الأمرين ليس هامشيا ولا تفصيليا
ولو تتبعنا التصريحات الأمريكية المسربة للإعلام بهذا الخصوص لن نجد فيها معنى الاعتراض على الحرب ولا على "دولة إسرائيل"، وإنما على الحكومة بل تحديدا على بعض "المتطرفين" فيها أمثال بن غفير وسموتريتش، الذين ترى واشنطن أنهم لا يتصرفون بحكمة وبالتالي يضرون بمصالح "إسرائيل" -وليس فقط الولايات المتحدة- الاستراتيجية. هنا، تتصرف الولايات المتحدة كـ"أم الولد" الأحرص منه على مصلحته، ولذلك يتكرر في تصريحات المسؤولين الأمريكان تنبيه نظرائهم "الإسرائيليين" لمصالحهم طويلة الأمد، مثل تحذير وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن حكومة الاحتلال من أن "تستبدل النصر التكتيكي بهزيمة استراتيجية".

كما أن الخلاف الأمريكي مع حكومة الاحتلال، في سياق الإجابة الثانية، لا يتعلق بصلب الحرب على غزة وتحديدا العملية البرية فيها، فهي ترى الحرب حربها كما أسفلنا، ولا تريد أن تسمح بانتصار المقاومة و/أو انكسار الاحتلال لما لذلك من تداعيات محتملة محليا وإقليميا ودوليا. الخلاف يرتبط إذن ببعض تفاصيل الحرب لا الحرب نفسها، وتحديدا بنقطتين؛ شكل الحرب وترتيب ما بعدها.

ونقصد بشكل الحرب حجم القوة المستخدمة ووتيرة القصف والنيران وتأثير ذلك على المدنيين، فيما يتعلق بالتعبير الإعلامي عن العملية وشكلها أمام العالم إن لم يكن بالضرورة تغييرا حقيقيا في شكلها على الأرض. ولعل ذلك كان في مقدمة ملفات وزير الخارجية الأمريكي في زيارته الأخيرة، والتي تزامنت مع حديث الاحتلال عن "مرحلة ثالثة" بدأت في الحرب.

والمقصود بترتيبات ما بعد الحرب البنية السياسية والأمنية في قطاع غزة بعد انتهاء العمليات العسكرية، حيث تتفق كل من أمريكا و"إسرائيل" على ضرورة تغييب حركة حماس عنها، بينما تختلفان فيمن يفترض أن يحل مكانها، حيث تصر بعض التصريحات الصادرة عن الاحتلال على إعادة احتلال غزة أو أجزاء منها أو الإبقاء على نوع من السيطرة عليها، بينما ترفض الولايات المتحدة -فيما هو معلن- ذلك بعدِّه تقويضا لحل الدولتين، وتدعو لحلول أخرى مثل قوات عربية أو دولية أو -وهذا المفضل لها- عودة السلطة الفلسطينية "المعدّلة".

ومن المهم الإشارة إلى أن مرد هذا الخلاف الأمريكي مع دولة الاحتلال هو السعي للتنصل من بعض تبعات العملية البرية "الإسرائيلية". فمثلما لم يكن تغير الموقف الأمريكي الرسمي المعلن من الحديث "عما بعد حماس" لـ"ما بعد الحرب" وتغييب فكرة تهجير سكان غزة من التصريحات الرسمية؛ نابعا من قراءة الميدان من حيث فشل العملية البرية في تحقيق أهدافها وصمود المقاومة والشعب، فالخلاف كذلك ليس نابعا من موقف أخلاقي أو إنساني أو سياسي مبدئي. إن منطلق واشنطن هو محاولة التنصل من أي مسؤولية عن تبعات العملية البرية وما يتخللها من جرائم حرب، من حيث الرأي العام الأمريكي وتبعات ذلك في الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، وكذلك في سياق القضية المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية، فضلا عن صورة الولايات المتحدة ومصالحها عالميا.

الولايات المتحدة تملك القدرة على الضغط الحقيقي على الاحتلال لوقف الحرب لكنها لم تلجأ له حتى اللحظة، ولن تفعل ذلك إلا إن اختلت المعادلات الميدانية بشكل دراماتيكي، في غزة أو الجبهات الأخرى المفتوحة، وهذا أمر محتمل ومتوقع في المرحلة القادمة
كما أنه لا ينبغي تجاهل إمكانية أن تكون التسريبات الأمريكية المتكررة بخصوص الخلافات أو التوتر مع حكومة الاحتلال مقصودة بحد ذاتها ومبالغا بها، لكسب الوقت وتخفيف الضغوط عن الولايات المتحدة وتحقيق هدف التنصل من التبعات، بينما تكون حكومة الاحتلال تكسب وقتا لصالح العملية البرية على المدى البعيد، كما تتاح الفرصة للاحتلال لتحقيق أهدافه باجتثاث المقاومة في ظل اتكاء مختلف الأطراف على فرضية أن الحرب قصيرة ووشيكة الانتهاء بفضل الضغط الأمريكي.

وفي الخلاصة، ثمة خلاف حقيقي بين الإدارة الأمريكية وحكومة الاحتلال، لكن على هامش الحرب وليس في صلبها. ولذلك، فمن غير المتوقع أن يكون لها تأثير مباشر لإنهائها مباشرة أو في وقت قريب جدا، أي أن تأثيرها أقل بكثير من المتوقع والمتداول بالنظر للكم الهائل من الأخبار المسربة والتحليلات المبنية عليها.

لكن هذا لا يعني أنها بلا تأثير بالمطلق ولا أنها غير قادرة على تقصير أمد الحرب، بل يمكن أن يحصل ذلك في أي وقت تحت تأثير مخرجات الميدان. ذلك أن الولايات المتحدة تملك القدرة على الضغط الحقيقي على الاحتلال لوقف الحرب لكنها لم تلجأ له حتى اللحظة، ولن تفعل ذلك إلا إن اختلت المعادلات الميدانية بشكل دراماتيكي، في غزة أو الجبهات الأخرى المفتوحة، وهذا أمر محتمل ومتوقع في المرحلة القادمة.

twitter.com/saidelhaj

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الإسرائيلية بايدن إسرائيل امريكا غزة نتنياهو بايدن مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بین الإدارة الأمریکیة الولایات المتحدة الموقف الأمریکی حکومة الاحتلال العملیة البریة دولة الاحتلال ما بعد فی غزة

إقرأ أيضاً:

مباشر. الحرب بيومها الـ438: قصف على قطاع غزة والحكومة الإسرائيلية تبحث إقالة بن غفير

أطلقت حملة "نحالا" الإسرائيلية حملة للشروع في استيطان قطاع غزة المُدمّر، مع بزوغ فجر اليوم الـ438 للحرب الذي رافق سقوط عشرات القتلى والجرحى الفلسطينيين، حيث قصفت تل أبيب بشكل عنيف مناطق متفرقة، منها حي الدرج ومدينة خان يونس، بالإضافة إلى رفح.

اعلان

ولا يزال مستشفى كمال عدوان يعاني من نزيف مستمر في الموارد، ويطلق نداءات استغاثة غير مسموعة، حيث أدى القصف الإسرائيلي إلى انقطاع التيار الكهربائي عنه في بيت لاهيا، ما يهدد حياة أكثر من 50 مريضًا في العناية المركزة.

في هذه الأثناء، تداولت عدة مواقع إسرائيلية مقتل جنديين إسرائيليين وإصابة 5 آخرين في استهداف مبنى على يد الفصائل الفلسطينية في مدينة رفح.

وقالت القناة 13 الإسرائيلية، إن الجيش الإسرائيلي يستعد لتوجيه ضربة "قوية" للحوثيين في اليمن بغية ردعهم.

سياسيًا، نقلت صحيفة معاريف، أن الائتلاف الحكومي يبحث إقالة وزير الأمن إيتمار بن غفير بعد امتناعه عن التصويت لصالح الموازنة.

أما في سوريا، فقد طالبت الخارجية الإيرانية بوقف "الاعتداءات" الإسرائيلية، مشيرة إلى أن إعادة فتح سفارة طهران في دمشق أمر يعتمد على الظروف الأمنية.

آخر تطورات الحرب الإسرائيلية بيومها الـ438:Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية ماذا يقول الفلسطينيون بعد تجاوز حصيلة القتلى في غزة 45,000؟ عشرات القتلى والجرحى بقصف إسرائيلي على غزة والأونروا: قرار إسرائيل يهدف لتجريد اللاجئين من حق العودة مقتل 28 فلسطينياً بينهم أطفال ونساء في غارات إسرائيلية على غزة رفح - معبر رفحسورياضحاياغزةإسرائيلبنيامين نتنياهواعلاناخترنا لك يعرض الآن Next عاجل. مقتل الجنرال كيريلوف رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية في انفجار في موسكو يعرض الآن Next مايوت المنكوبة: إعصار "شيدو" يسبب دمارا واسعا في الجزيرة يعرض الآن Next ترامب: تركيا أرادت الاستيلاء على سوريا منذ آلاف السنين ومفتاح البلاد بيد أردوغان يعرض الآن Next ماذا يقول الفلسطينيون بعد تجاوز حصيلة القتلى في غزة 45,000؟ يعرض الآن Next لأول مرة منذ 8 سنوات.. سفينة أمريكية تزور ميناء في كمبوديا الحليف الرئيسي للصين.. وواشنطن تخشى بكين اعلانالاكثر قراءة بشار الأسد: لم أغادر الوطن وبقيت في دمشق حتى 8 ديسمبر الكرملين: لا قرارات نهائية بشأن مستقبل القواعد الروسية في سوريا حتى الآن زلزال بقوة 4.9 درجة يهز الجزائر مارس الجنس مع 400 من زوجات كبار الشخصيات أمام الكاميرا.. فضيحة مسؤول كيني يعتقد أنه مصاب بمرض الإيدز لصوص بالعشرات بينهم رجال ونساء وأطفال.. جرائم نهب وحرق للبيوت داخل مجمع سكني قرب دمشق اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومسورياإعصارضحايابشار الأسدروسياتغير المناخدونالد ترامبقطاع غزةإسرائيلنيجيرياهيئة تحرير الشام قصفالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

مقالات مشابهة

  • عضو خارجية الشيوخ يطالب بوقف الحرب والإعتداءات الإسرائيلية على غزة
  • إستشهاد 12 ألف و799 طالب فلسطيني منذ بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع
  • إستسهاد 12 ألف و799 طالب فلسطيني منذ بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع
  • مباشر. الحرب بيومها الـ438: قصف على قطاع غزة والحكومة الإسرائيلية تبحث إقالة بن غفير
  • نيويورك تايمز: الشرع طالب الولايات المتحدة برفع العقوبات التي فرضت على سوريا
  • المجازر الإسرائيلية مستمرة.. ووقف إطلاق النار يقترب في قطاع غزة
  • إلى 45028 قتيلاً..ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب الإسرائيلية على غزة
  • لجنة استدعاء المحترفين السودانيين بالخارج تلتقي بلاعب نادي ناشفيل الأمريكي هاني مختار في الولايات المتحدة – فيديو
  • خبير عسكري: الحرب الإسرائيلية ستمتد إلى إيران والعراق واليمن
  • الجمعية العراقية في الولايات المتحدة الأمريكية تعقد مؤتمرها العاشر