عبدالله الفارسي.. صاحب أول ترجمة للقرآن إلى السواحلية
تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT
تاريخ العرب العمانيين في شرق أفريقيا، وتحديداً في زنجبار وما جاورها، تاريخ ذو شجون، ومليء بالقصص والحكايات والشواهد الدالة على عمق تأثيرهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي والحضاري في هذه البلاد.
والمعروف أن الإمام أحمد بن سعيد أدرك بعد توليه السلطة في مسقط سنة 1744 أهمية استمرار وتعزيز التواصل بين بلاده وشرق أفريقيا، والذي بدأ قبل ذلك بقرون طويلة نتيجة هجرات عمانية متتابعة إلى تلك البلاد (الهجرة الجلندانية في القرن السابع الميلادي ثم الهجرة النبهانية في القرن 14 الميلادي، وصولاً إلى حملة وهجرة اليعاربة في القرن 16 الميلادي)، والاحتكاك من خلال التجارة البحرية في المحيط الهندي.
وفي عهد السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي تمّ تثبيت الحكم العماني هناك، لا سيما بعد أن نقل السلطان عاصمته من مسقط إلى زنجبار في عام 1832، وهو ما أسهم في قيام دولة عربية إسلامية في تلك البقاع وقيام نهضة حضارية مختلفة الجوانب فيها.
ويمكن وصف عهد السلطان سعيد بن سلطان (1804 ــ 1856) بالفترة الذهبية في تاريخ عمان، لأنه استطاع، بسبب شعبيته وأسطوله التجاري الضخم وتمتعه بمركز دولي مرموق، بناء إمبراطورية مترامية الأطراف، هي الأوسع في التاريخ الحديث، امتدت أراضيها الأفريقية من مقديشو شمالاً وحتى رأس دلجادو جنوباً مع نفوذ سياسي امتد في الشمال الغربي حتى مملكة أوغندا وأعالي الكونغو وبوروندي ورواندا، لكن بعد وفاته في أكتوبر 1856 في طريق عودته من عمان إلى زنجبار على متن فرقاطته «كوين فيكتوريا»، تم تقسيم الإمبراطورية العمانية إلى سلطنتين، فأصبحت زنجبار تحت حكم السلطان ماجد بن سعيد، وعمان تحت حكم السلطان ثويني بن سعيد.
وفي ظل الدولة العمانية في شرق أفريقيا، وعلى هامش التواصل والتمازج الحضاري بين العمانيين والأفارقة برزت في زنجبار شخصيات عمانية عديدة من تلك التي وضعت نفسها وعلمها في خدمتها، فلعبت أدواراً مهمة في تاريخها ونهضتها وبناء مؤسساتها الإدارية والمدنية، ناهيك عن نشر الإسلام واللغة العربية وإنشاء المدارس وتأسيس الصحف.
أحد هؤلاء الذين تذكرهم صفحات التاريخ المضيء للعرب العمانيين في شرق أفريقيا هو المرحوم الشيخ عبدالله بن صالح الفارسي، الذي سيكون محور حديثنا هنا، خصوصاً وأن الكثيرين، ولا سيما من الأجيال الشابة، لم يسمعوا به.
ولد القاضي والمعلم والأديب والمؤرخ والصحافي عبدالله بن صالح بن عبدالله بن صالح بن قاسم بن منصور بن حيدر بن أحمد الفارسي في الأول من ديسمبر 1912 بجزيرة زنجبار لأسرة عربية عمانية مهاجرة، حيث كان جده الرابع الشيخ قاسم بن منصور الفارسي قد انتقل من موطنه في مدينة صحار الواقعة شمال عمان إلى جزيرة إنجريجة التابعة لزنجبار آنذاك والواقعة حالياً في دولة جزر القمر، تصحبه ابنته الكبرى وزوجها مال الله محمود.
وفي إنجريجة تزوج الجد قاسم بن منصور من إحدى نسائها وأنجب منها ابنته «فاطمة الإنجريجية» (تمييزاً لها عن أختها الكبرى). كان ذلك في زمن السلطان برغش بن سعيد البوسعيدي، الذي حكم سلطنة زنجبار وامتداداتها الأفريقية بعد وفاة أخيه السلطان ماجد بن سعيد سنة 1870 وحتى وفاته سنة 1888.
ويذكر التاريخ لهذا السلطان أنه أول من سك عملة نقدية معدنية لزنجبار (البيسة البرغشية)، وهو أيضاً أول من أنشأ مطبعة فيها تحت اسم المطبعة السلطانية، تأثراً بما شاهده في أوروبا، فقامت المطبعة بطباعة كتب ومعاجم دينية وأدبية كثيرة أوقف السلطان بعضها لعموم المسلمين وطلبة العلم.
نشأ الفارسي وترعرع في زمن السلطان خليفة بن حارب البوسعيدي، تاسع سلاطين زنجبار من العرب، الذي تولى السلطة قبل عام من ميلاد الفارسي وحتى تاريخ وفاته عام 1960، وكان من أكثر سلاطين زنجبار حكمة وبصيرة وتواضعاً وخلقاً وقدرة على السير ببلاده بأمان وسلام وسط ظروف وتحولات الحربين العالميتين الأولى والثانية، ووسط تفشي المد الشيوعي في القارة الأفريقية.
وحينما بلغ الفارسي سن دخول المدارس أخذه والده إلى سيدات مسلمات كن يعلمن القرآن في بيوتهن، فحفظ القرآن على أياديهن، ثم التحق في عام 1924 بالمدرسة الابتدائية الحكومية الوحيدة في زنجبار، التي كانت قد تأسست سنة 1904 في عهد السلطان علي بن حمود البوسعيدي (1902 ــ 1911).
وفي هذه المدرسة درس مختلف المواد العصرية إلى جانب العلوم الشرعية والخط والتجويد واللغة العربية، ليلتحق بعد ذلك بمعهد المعلمين، الذي كان إحدى ثمار اهتمام السلطان خليفة بن حارب بالجوانب التعليمية.
هذا الاهتمام لم يتجل في إنشاء معهد لتدريب وتخريج المعلمين فقط، وإنما تجلى أيضاً في تأسيس المدارس في العاصمة والمقاطعات وافتتاح مدرسة للبنات عام 1927، علاوة على تشجيع المقتدرين على بناء المدارس أو التبرع في سبيل العلم.
بعد تخرجه في معهد المعلمين عمل الفارسي في سلك التدريس، حيث عين مدرساً في المدارس الابتدائية الحكومية في زنجبار سنة 1933 قبل أن يتدرج في سلك التعليم ويصبح مفتشاً تربوياً عاماً للعلوم الإسلامية، فمديراً للأكاديمية الإسلامية، فمديراً للمدرسة العربية في الفترة من عام 1947 إلى 1952، وهي من الفترات الخصبة في حياته التي تخللها تفرغه لدراسة العلوم الشرعية ونشر اللغة العربية وتفسير القرآن الكريم ووضع المؤلفات التاريخية، وتقديم برامج إسلامية توعوية من إذاعتي زنجبار وممباسا.
بعد ذلك عمل رئيساً لتحرير جريدة «الفلق»، التي نشر فيها العديد من قصائده الشعرية ومقالاته النثرية، علماً بأن هذه الجريدة تأسست سنة 1929، واستمرت في الصدور 35 عاماً، وكانت من أبرز صحف زنجبار تأثيراً وتغطية للأحداث المحلية والعالمية.
وهكذا ظل الرجل يعمل مذاك في بلاط صاحبة الجلالة الصحافة سعيداً بدعم وثقة سلطانه، وهانئاً بما كانت تعيشه بلاده من سلام واستقرار وازدهار في مختلف المجالات. لكن في أكتوبر 1960 توفي السلطان خليفة بن حارب، فخلفه ابنه السلطان عبدالله بن خليفة بن حارب، الذي توفي في يوليو 1963 ليخلفه ابنه وولي عهده السلطان جمشيد بن عبدالله.
وفي عهد هذا الأخير، وتحديداً في ديسمبر 1963 حصلت زنجبار على استقلالها من بريطانيا، وفي العام التالي وقع انقلاب الأفارقة الشيوعيين الدموي بقيادة عبيد كرومي ضد الحكم الملكي الدستوري العربي العماني، وهي الواقعة التي حولت سلطنة زنجبار إلى جمهورية، ومن ثم إقليماً متحداً مع جمهورية تنجانيقا ضمن دولة تنزانيا الحالية في سنة 1966.
لم يستطع الفارسي التأقلم مع الأوضاع السياسية الجديدة وسياسات النظام الجديد المعادية لأهله وعشيرته من العرب العمانيين فتقدم باستقالته وغادر زنجبار إلى كينيا المجاورة في عام 1964.
وهناك، وتحديداً في عام 1967 لم يجد الرئيس الكيني الأسبق «جومو كينياتا» شخصاً أفضل من الفارسي لتولي منصب قاضي قضاة كينيا، بسبب مؤهلاته وإجادته الإنجليزية والعربية والسواحلية وبعض اللهجات الأفريقية المحلية، علاوة على شيء من الهندية التي تعلمها من خلال الاحتكاك داخل مجتمع زنجبار المتعدد ثقافياً وعرقياً ودينياً، فقبل الفارسي العرض وتولى القضاء وعاش في كينيا مذاك وحتى العام 1981 حينما قرر العودة إلى بلاد أجداده العرب في سلطنة عمان، التي احتضنته كغيره من عرب زنجبار الهاربين من وحشية الشيرازيين الأفارقة ومذابحهم.
وفي عمان عاش الفارسي معززاً مكرماً إلى أن حانت منيته بمسقط في السنة التالية لعودته (1982)، فووري الثرى هناك. وبهذا انطوت صفحة أحد العلماء والقضاة العمانيين الذين أسهموا بنصيب وافر في الحركة العلمية والتربوية والصحافية في ساحل شرق أفريقيا خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
من أهم أعمال الفارسي ومآثره قيامه بترجمة وتفسير القرآن الكريم إلى اللغة السواحلية، وهي الترجمة غير المسبوقة التي حفظت لمسلمي شرق أفريقيا من المتحدثين بالسواحلية دينهم وساعدتهم في فهم أفضل لعقيدتهم. وقد ساعده على تنفيذ هذه المهمة الصعبة إحاطته بعدد من العلوم، كالتفسير والتاريخ والفقه، وتمكنه التام من ناصية علوم اللغة المترجم منها والمترجم إليها على حد سواء.
والمعروف أن الإسلام انتشر في شرق أفريقيا سلمياً بفضل المهاجرين العرب الأوائل من عمان وحضرموت وعدن وبلاد فارس، وما تميزوا به من أخلاق كريمة ومعاملة طيبة للآخر، ومعه انتشرت اللغة العربية، التي تعد العنصر الأهم للثقافة الإسلامية، فدخلت أصواتها وكلماتها وحروفها الأبجدية اللغة السواحلية، التي ظلت لفترة طويلة تكتب بحروف عربية قبل تحولها إلى اللاتينية، إلى درجة أنها وصفت بأنها «لغة عربية تأفرقت أو لغة أفريقية تعربت»، طبقاً للدكتور علي سعيد سنكر، من جامعة عبدالرحمن سميط في زنجبار.
وهكذا توغلت اللغة العربية في أوساط المجتمع الزنجباري حتى أصبحت لغة رسمية بجانب أختها اللغة السواحلية، بل كانت خطب السلاطين والزعماء والدعاة تلقى بالعربية، وكانت أكثر الصحف والمجلات تكتب بها أيضاً، خصوصاً وأن سلاطين زنجبار العمانيين حرصوا إبان حكمهم لشرق أفريقيا على تعليم اللغة العربية والدين، فكان لذاك أثره في ترسيخ العربية والإسلام في تلك البلاد.
والجدير بالذكر، في هذا السياق، أنه بعد ثورة الأفارقة على العرب العمانيين، تم إلغاء التعليم الرسمي للغة العربية والدراسات الإسلامية حقداً وعدواناً للعرب وكل ما كان عربياً، ليتغير الوضع قليلاً مع تولي عبود جمبي السلطة في زنجبار سنة 1972، حيث حسن الأخير علاقته بالزنجباريين العرب والدول العربية، وكان من ثمار ذلك أن عاد تعليم اللغة العربية إلى المدارس الحكومية بمناهج حديثة، وانتظام دروس التربية الإسلامية.
وحتى أواخر خمسينيات القرن العشرين لم تكن هناك ترجمة صحيحة وتفسير محكم للقرآن الكريم باللغة السواحلية، فحرم سكان تلك البلاد لسنوات طويلة من فهم القرآن فهماً صحيحاً، حيث إن أول ترجمة كاملة لمعاني كتاب الله بالسواحلية كانت من عمل القسيس «غودفري ديل»، وقد تولت حركة مسيحية نشر ترجمته في لندن سنة 1923. وكان غرضه من الترجمة هو أن ييسر للمبشرين المسيحيين في شرق أفريقيا عملية الاستشهاد بالآيات القرآنية، ودحض معانيها ومراميها في مناظراتهم التنصيرية مع مسلمي تلك الديار.
أما المحاولة الثانية فقد كانت في سنة 1953 حينما طبع الميرزا مبارك أحمد الأحمدي، من جماعة القاديانية، ترجمة للقرآن إلى السواحلية في نيروبي، وكانت هذه الترجمة تحتوي على تحريفات وتبليغات متوافقة مع المذهب القادياني المخالف لمذهب الأفارقة الشافعي.
بعد ذلك جاء الشيخ عبدالله الفارسي ليقدم أول ترجمة صحيحة للقرآن من عمل عالم أفريقي مسلم متمكن من اللغتين العربية والسواحلية، ويسد بذلك نقصاً خطيراً، حيث بدأ الفارسي عمله سنة 1956 وراح يطبعه جزءاً فجزءاً إلى أن بلغ 12 جزءاً في عام 1961.
وفي عام 1969 قامت المؤسسة الإسلامية في نيروبي بطبعه كاملاً في مجلد واحد.ولم يكتفِ الفارسي بذلك، وإنما قام أيضاً بوضع مؤلف خاص يفند فيه أباطيل وتخرصات التفسير القادياني للقرآن، ويبين الأهداف الخبيثة للميرزا مبارك الأحمدي وأتباعه من وراء تقديم ترجمة سواحلية للقرآن.
ومن أعمال الفارسي الأخرى التي يجدر الإشارة إليها كتاب أصدره باللغة الإنجليزية بعنوان «البوسعيديون حكام زنجبار»، وهو كتاب قام بترجمته إلى العربية المترجم العماني المتخصص المرحوم محمد أمين عبدالله بستكي، ويعتبر مرجعاً قيماً لباحثي العلوم التاريخية والعلوم الإنسانية والآثار والجغرافيا؛ لاحتوائه على موضوعات ومعلومات تاريخية مهمة عن طبيعة حكم سلاطين آل بوسعيد لشرق أفريقيا وإنجازاتهم الحضارية وعلاقاتهم واتصالاتهم مع الممالك الأخرى المعاصرة.
عبدالله المدني – صحيفة البيان
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: فی شرق أفریقیا اللغة العربیة عبدالله بن فی زنجبار بن سعید فی عام
إقرأ أيضاً:
لمحات من التحولات الاجتماعيـــــــة في عهد الدولة البوسعيدية
قبل حكم اليعاربة، عانت عمان من تفكك سياسي وصراعات داخلية، بالإضافة إلى الاحتلال البرتغالي الذي استمر لأكثر من قرن. تصف المدونات عهد الإمام ناصر بأنه: «دانت له جميع البلدان وطهرها من البغي والعدوان... وأظهر فيها العدل والأمان وسار في أهلها بالحق والإحسان». وازدهرت الزراعة بفضل شق الأفلاج، وتطورت التجارة البحرية، مما جعل عمان مركزًا تجاريًا إقليميًا. هذا التحول أدى إلى تحسين مستوى المعيشة وتقليص الفجوات الاجتماعية.
لكن أواخر عهد اليعاربة شهد تدهورًا بسبب الصراعات الداخلية والحروب الأهلية التي استمرت لأكثر من ثلاثين عامًا، ما أدى إلى تفكك الروابط الاجتماعية وظهور حالة من الفوضى. مع ظهور الإمام أحمد بن سعيد، بدأت عمان تستعيد استقرارها. وصفه الشيخ نور الدين السالمي قائلاً: «وكان أحمد بن سعيد صاحب همة عالية ومطلب سام وجرأة وإقدام، فصار ملك عمان كله إليه... ودانت له القبائل وسكنت الحركات وأطفأ كثيرًا من الفتن».
ترتيب السلطنة ومفهوم النهضة
الإمام أحمد بن سعيد، أول حكام الدولة البوسعيدية، وصفه المؤرخ ابن رزيق قائلاً: «رتب قواعد السلطنة أحسن ترتيب، وهذبها بأبلغ تهذيب». وفي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، نُقلت العاصمة من الرستاق، وكان لهذا التحول أثر كبير على الجوانب الاجتماعية والثقافية، ناهيك عن تنشيط التجارة البحرية عبر ميناء مسقط. وصف ابن ماجد (ت: 906هـ) هذا الميناء قائلاً: «لم يكن في الدنيا مثله، إن له أشاير، وفيه خصائل لم تكن في غيره... وهو بندر عمان من العام إلى العام».
في القرن العشرين، استُخدم مصطلح «النهضة» في عمان بطريقتين: الأولى لوصف النهضة التي ظهرت عام 1913م، والثانية في عام 1970م، لوصف التغيير والتحديث الذي شهدته عمان في عهد السلطان قابوس بن سعيد. في بيانه الأول، قال السلطان قابوس- طيب الله ثراه: «هذا التغيير بداية لعهد جديد متنور ورمز لعزمنا أن يكون شعبنا موحدًا». كان ذلك إعلانًا لعهد جديد من التغيير والتطوير الشامل الذي انعكس على كافة مناحي الحياة. وقد ورد في إحدى المخطوطات التي توثق لحظة تولي السلطان قابوس - طيب الله ثراه- الحكم: «وهذا السلطان قابوس دانت له قبائل عمان جميعهم، من منطقة مسندم وهرمز إلى جزيرة مصيرة، إلى ظفار ومتعلقاتها، فأوسع الناس عطاءً وعفوًا، وعاد كل عماني من الخارج، ودرت خيرات عمان من ثمار ونفط ومعادن، حتى فاضت البيضاء والصفراء».
كانت الجولات وسيلة فعالة استخدمها السلاطين للتواصل المباشر مع الشعب. كان السيد حمد بن سعيد بن الإمام أحمد (حكم من 1784-1792م) من أبرز القادة الذين نهجوا هذا النهج، حيث يقول الشيخ نور الدين السالمي في تحفة الأعيان: «كان يطوف عمان باطنة وظاهرة، ثم يأتي على الجوف (الداخلية) والشرقية، يصنع ذلك مرتين في السنة، يتفقد الممالك والرعايا، وحصلت له في القلوب هيبة ومحبة». هذا النهج تم استعادته في عهد السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- الذي اعتمد «الجولات السامية» كجزء من أسلوب حكمه، مما عزز التواصل المباشر بين القيادة والشعب وساهم في ترسيخ الأمن والاستقرار.
التركيبة السكانية والأوضاع الاجتماعية
لم تعرف عمان الإحصائيات السكانية بشكل رسمي إلا بعد قيام النهضة في عام 1970م. يعود ذلك إلى غياب المؤسسات المتخصصة في الإحصاء قبل هذه الفترة، بالإضافة إلى حالة عدم الاستقرار السياسي التي سادت البلاد. كما أن هناك بعض المواقف الفقهية التي قد تكون ساهمت في غياب الإحصاء، حيث يعكس أحد الأسئلة الموجهة إلى الإمام محمد بن عبدالله الخليلي حول إحصاء النفوس موقفًا متحفظًا، يشير إلى تحفظ ديني أو ثقافي حول عملية الإحصاء في تلك الفترة، وإن لم يكن من الممكن التثبت من مدى تأثيره على الواقع العملي.
هذا الغياب للإحصائيات المحلية حال دون رصد التغيرات الاجتماعية بشكل دقيق. ومع ذلك، ظهرت بعض الإحصائيات التقديرية، لكنها لم تكن من صنع أهل البلد، بل جاءت من المؤسسات الأجنبية، وتحديدًا حكومة بومباي البريطانية. كون الإحصائيات البريطانية المصدر الوحيد المتوفر يجعل من الضروري التعامل معها بحذر، فهي تقدم صورة تقريبية للوضع السكاني، ولكن لا يمكن التسليم بدقتها.
أحد الأمثلة على ذلك هو تقديرات الكابتن مايلز لسكان عمان في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي. ومع ذلك، ركزت هذه الإحصائيات بشكل أساسي على الرجال القادرين على حمل السلاح، متجاهلة فئات مهمة من المجتمع مثل النساء والأطفال، مما يعطي صورة ناقصة عن التركيبة السكانية الحقيقية.
وفق التقديرات البريطانية، بلغ عدد سكان عمان في عام 1930م حوالي 500 ألف نسمة، منهم 12 ألفًا في مسقط ومطرح. وفي عام 1906م، قدرت الأعداد بأقل من نصف مليون. وهناك بعض الإحصائيات المتعلقة بعدد الأجانب في عمان في عام 1765م بحوالي 1200 شخص، بينما ارتفع العدد في عام 1870م إلى حوالي 2000 شخص، معظمهم تجار يعيشون في المدن الساحلية. يعكس هذا التنوع الثقافي أهمية عمان كمركز تجاري، حيث كانت المدن الساحلية مثل مسقط تشهد نشاطًا اقتصاديًا حيويًا وجذبًا للأجانب.
كان لوجود التجار الأجانب في الموانئ تأثير ليس فقط اقتصاديًا، بل اجتماعيًا أيضًا. فقد كانت المنسوجات الهندية جزءًا من الهوية والمكانة الاجتماعية، لا سيما العمامة الكشميرية التي ذكرها ابن رزيق، حيث كانت رمزًا للوجاهة والتأثير الاجتماعي. يُذكر أن أحد الشخصيات المؤثرة كان لا يتعمم إلا بالشالات الكشميرية.
وحول الحركة العمرانية والاجتماعية في مسقط في منتصف القرن العشرين، قدم سيف بن ناصر اليعربي وصفًا للمدينة قائلا: «مسكد -مسقط- بها قصور عالية، ومدرسة سلطانية، ومساجد عامرة، وسوق معمور يباع فيه الصالح والطالح. وبها سكان من الأهالي والأجانب، إلا أن الأجانب لهم الحظ الوافر». يعكس هذا الوصف تنوع المجتمع وتطوره.
ولم تكن عمان بمنأى عن الصراعات السياسية. خلال القرن التاسع عشر، أدت النزاعات على السلطة إلى استنزاف الموارد وتدهور الأحوال. يصف ابن رزيق هذه الفترة بقوله: «وأخافوها خوفًا شديدًا، باصطلام الأموال غصبًا»، في إشارة إلى نهب الأموال واستنزاف الموارد. كما يصف الشيخ علي بن مسعود العبادي الأثر المدمر للحروب قائلا: «خُربت البلاد وشُردت العباد، وقُتل رجل، ويُتّمت أطفال، وحُرقت المنازل والحروث، وخُشيت النخيل».
التحديات الاجتماعية والصحية والاقتصادية قبل عام 1970م
شهد القرن التاسع عشر خطوة مهمة في المجتمع العماني، حين أصدر السلطان تركي بن سعيد عام 1871م بيانًا يقضي بمنع تجارة الرقيق في جميع أنحاء سلطنة عمان. وفي منتصف القرن العشرين، واجه المجتمع العماني تحديات فكرية، حسب التصريح الذي أصدره السلطان سعيد بن تيمور، كان أبرزها انتشار الأفكار التي وصفها بـ«الشيوعية». وأكد حينها ثقته بوعي المجتمع قائلا: «إننا مطمئنون تمام الاطمئنان بأن لدى أهل بلادنا من الحصانة الدينية ما يكفي لرد مثل هذه الدعايات».
أما التحديات الصحية، فقد أنهكت المجتمع العماني، لا سيما في القرن التاسع عشر الميلادي وجزء كبير من القرن العشرين، وكان من أبرزها انتشار الأمراض المعدية. من بين الأوبئة التي وثقتها المصادر العمانية، ظهر الطاعون عام 1236هـ، وانتشر في السند والهند وبلاد الإنجليز والفرنسيس. وبسبب نقص الخدمات الصحية، قضت هذه الأمراض على جزء كبير من المجتمع العماني. وقد أرّخ عامر بن علي العبادي لعدد المصابين في نزوى وحدها بحوالي 900 نفس، قائلا: «عاش منهم أقل من النصف، فبقيت المنازل بعدهم خاوية، وديارهم خالية».
مع دخول المنتجات الأوروبية إلى الأسواق العمانية، شهدت الحرف التقليدية تراجعًا ملحوظًا. يقول صاحب نهضة الأعيان: «لما كثرت منسوجات أوروبا وجُلبت إلى عمان، قصرت همة النساجين في عمان، وراجت المنسوجات الأوروبية». أدى هذا التغير إلى تراجع الاقتصاد المحلي وحرف حركة المجتمع العماني عن مسارها الطبيعي. وفي 26 من ذي القعدة 1362هـ، شهدت عمان أزمة اقتصادية حادة أدت إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية. «بلغ سعر بهار السكر الزين 180 قرشًا، والليمون البهار 775 قرشًا، بينما وصل سعر التمر الباطني إلى 120 قرشًا والعماني إلى 180 قرشًا. كما ارتفعت أسعار الثياب، في حين سجل سعر الصرف 245 روبية مقابل 100 ريال». في ظل هذه الظروف، كان أهل البلاد يقدمون للواحد كيسًا من الحنطة يوميًا لمواجهة الأزمة، ما يعكس حجم المعاناة وشدة الاعتماد على الموارد المحدودة في تلك الفترة.
وفي 1943م، تأثرت عمان بتداعيات الحرب العالمية الثانية، حيث انقطع الأرز عن البلاد، مما أدى إلى نقص حاد في المواد الغذائية الأساسية. في تلك الأثناء، دعا السلطان أهل عمان إلى «الزراعة واستخراج فوائد الأرض»، في محاولة لتعزيز الاكتفاء الذاتي وتأمين احتياجات السكان في ظل الظروف الصعبة التي فرضتها الحرب. وتعكس رسالة الإمام محمد بن عبدالله الخليلي، التي قال فيها: «من اعتمد على زاد عدوه طال جوعه»، رؤيته العميقة لأهمية الاستقلال الاقتصادي والاعتماد على الموارد المحلية، خصوصًا في ظل الأزمات الاقتصادية.
على الرغم من التحديات الاقتصادية، كان هناك تفاوت كبير في الدخل بين الدولة وبعض الشيوخ. يذكر سعود بن علي الخليلي: «إن دخل دولة سعيد بن تيمور (ت: 1972م) لم يكن يتعدى 50 ألف جنيه إسترليني، في حين أن دخل ثلاثة من شيوخ داخلية عمان كان يوازي دخل الواحد منهم هذا المبلغ أو أكثر». يعكس هذا التفاوت حجم الفجوة الاقتصادية داخل المجتمع. ورغم ذلك، برزت مواقف تضامنية في فترات الأزمات التي تعرضت لهم عمان، كما حدث في عام 1870م، عندما مرت عمان بأزمة مالية خانقة. حينها بادر العديد من رجال الدولة وأهل الأموال إلى بيع ممتلكاتهم دعمًا للدولة، ومن بينهم الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي، الذي باع «أمواله الكائنة في بلدة بوشر، وما له في هذه البلدة من خراب وعمار، بأكثر من سبعة آلاف قرش»، من أجل «عز الدولة».
التعليم والثقافة
يُعد التعليم إحدى الركائز الأساسية للنهوض بالمجتمع، ولم تعرف عمان التعليم النظامي بشكل واسع إلا بعد ظهور المدرسة السعيدية في مسقط. تطور التعليم بشكل متسارع بعد عام 1970م. وقد انتقد العديد من العلماء ورجال الفكر تأخر التعليم في عمان، إذ يقول أبو مسلم البهلاني (ت: 1921م) إن الجهل كان من أسباب معاناة عمان، قائلا: «فإن عمان لم تسقط هذه السقطة إلا من جهة الجهل... وبودّي لو ساعدني العلماء على الرأي الذي أراه، وهو جواز جبر الأولاد على التعلم».
في ظل تراجع التعليم، كانت مسقط تشهد بعض التغيرات الثقافية. بدأت تتشكل بوادر لدخول السينما إلى عمان في فبراير 1913م، عندما قدم السيد بيانكر (Batanker) من بومباي إلى مسقط لتركيب مصابيح كهربائية لقصر السلطان فيصل بن تركي. أثناء زيارته، جلب معه جهاز عرض سينمائي، لتكون هذه بداية تعرف عمان على هذا الفن الجديد.
أثرت النزاعات السياسية في القرن التاسع عشر الميلادي على الإنتاج الثقافي. يقول ابن رزيق عن ديوان الشاعر سيف بن سليمان المعولي: «شهدت أيام حياته كتابًا بخط يده، فيه حكايات وأشعار، وقد رقم فيه نبذة من شعره. وقد سمعت أن هذا الكتاب صار في أيدي عتوب البحرين، وأظن أن أحدهم قد سرقه فباعه عليهم». الوقف وأثره الاجتماعي
الوقف يمثل جانبًا مهمًا من التنظيم الاجتماعي، ويعكس التعاضد والتكافل في المجتمع العماني. رغم رمزيته الدينية، كان دوره الاجتماعي أكثر وضوحًا وتأثيرًا. الوقف في جوهره تعبير عن إحساس عميق بالمسؤولية الاجتماعية تجاه الفئات الضعيفة والأقل حظًا. تاريخيًا، ارتبط الوقف في عمان ارتباطًا وثيقًا بالأفلاج، التي كانت عصب الاقتصاد الزراعي.
من النادر أن تجد فلجًا في عمان لا يحتوي على حصص موقوفة للخدمات الاجتماعية، مثل تمويل المساجد، والمدارس، وطلبة العلم، إلى جانب توفير الدعم للغرباء، السائلين، والمرضى. لم يقتصر دور الوقف على الخدمات الاجتماعية، بل امتد ليشمل دعم التعليم، واستقبال الضيوف، وصيانة الحصون والأسوار. يعكس هذا الدور الاجتماعي للوقف وعيًا عميقًا بأهمية التضامن والتعاضد. تتجلى هذه الأهمية في كمية الوثائق الوقفية والنصوص التاريخية التي تسجل مختلف أوجه الوقف وأغراضه.
مع دخول عمان عصر النهضة بعد 1970م، بدأت ثقافة الوقف تتراجع تدريجيًا. لم يعد الناس يحرصون على الوقف كما كان أسلافهم يفعلون. في المقابل، ظهرت مفاهيم جديدة للتضامن الاجتماعي، تمثلت في تأسيس الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي لعبت دورًا مهمًا في تقديم الدعم والمساعدة للمحتاجين.
ملامح الشخصية العمانية
قدم الشيخ نور الدين السالمي وصفًا دقيقًا للشخصية العمانية في خطابه للقنصل البريطاني عام 1913م، حيث قال: «لا تظن دولتكم أن أهل عمان قوم أغبياء جهلاء أعراب لا يعرفون قانونًا ولا يحسنون عبارة، فإنهم قوم أذكياء، حلبوا الدهر شطره، وذاقوا حلوه ومره، وعرفوا دواعي الرقي والعمران، وسياسات الدول وغوايلها». هذا التوصيف يعكس مدى وعي العمانيين وفهمهم لمجريات الأمور من حولهم، وهي صفات لاحظها أيضًا الضابط البريطاني في البحرية ريموند ولستد، الذي قال في عام 1835م: «اعتاد أهل عمان على الاستغناء عن الأمم الأخرى، فهم فخورون بأنسابهم، وبأرضهم، وبالحرية التي يعيشونها». كما يتجلى هذا الاعتداد بالنفس في المثل الشعبي: «قحمة في سيح ولا منة من شيخ»، الذي يبرز اعتماد العمانيين على أنفسهم واعتزازهم بكرامتهم.
هذا الاعتزاز بالنفس يظهر أيضًا في وصف الأزكوي، صاحب كتاب كشف الغمة، الذي قال: «وهكذا طبع أهل عمان... لهم الهمم العالية، والنفوس الأبية، لا ينقادون لسلطان، ولا يقرون على هوان»، مما يوضح ميلهم للدفاع عن حقوقهم بشراسة. هذه الصلابة لم تمنعهم من الانفتاح على الوافدين والتعامل معهم بكرم واحترام. في هذا الإطار، وصف ناصر بن سالم البوسعيدي أهل عمان قائلا: «وأهلها -عمان- أهل قناعة عن غيرهم، يحبون الغريب على سائرهم، ويحسنون إليه ويحبون جيرته»، مما يعكس طبيعتهم المتسامحة وقدرتهم على التعايش مع الآخر.
وللمرأة العمانية دور محوري في المجتمع بمختلف جوانب الحياة. تقول موسوعة لاورس الفرنسية (1870م): «العمانيات يعشن مع الرجال على قدم المساواة، وهو أمر غير موجود في أي مكان آخر...». وقد برزت شخصيات نسائية مثل عائشة بنت راشد الريامية في عهد اليعاربة، وموزة بنت الإمام أحمد، وجوخة بنت محمد بن الإمام أحمد، حيث لم تكن هؤلاء النساء مجرد رموز اجتماعية، بل لعبن أدوارًا حقيقية في صنع القرار، مما يؤكد مكانة المرأة العمانية كشريك أساسي في بناء المجتمع.الهجرات الداخلية والخارجية
الموقع الجغرافي لعمان، الذي يطل على المحيط الهندي ويقع عند تقاطع طرق التجارة البحرية القديمة، كان له أثر عميق في تشكيل شخصية الإنسان العماني. هذا الموقع المميز جعل العمانيين روادًا للآفاق، حيث جابوا البحار وعبروا القفار، واستقروا في بلدان مختلفة. وبالرغم من أن الهجرة جزء طبيعي من حركة المجتمعات، فإنها لعبت دورًا محوريًا في تشكيل النسيج الاجتماعي العماني، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
كانت الهجرات الداخلية مستمرة في عمان لأسباب اجتماعية واقتصادية. تنقلت الأسر من الصحراء إلى القرى والبلدان، لا سيما في مواسم القيظ، حيث تتوفر الواحات والموارد المائية والزراعية. كما شهدت عمان حركة تنقل من الداخل إلى المناطق الساحلية بهدف التجارة وتبادل السلع. ساهمت هذه الأنماط من الهجرة في تعزيز التواصل بين مختلف مناطق عمان وإيجاد روابط اجتماعية واقتصادية قوية. ويصف ابن رزيق أحد أسباب هذه الهجرات الداخلية خلال فترة المحل قائلا: «ولما استولى حمد على عمان اشتد المحل... وهرب من المحل أكثر أهل عمان إلى أرض الباطنة ومسقط». يظهر هذا كيف دفعت الأزمات البيئية والاقتصادية العمانيين إلى التنقل بحثًا عن فرص أفضل. ومع تحسن الظروف المناخية والاقتصادية، عاد كثيرون إلى مواطنهم الأصلية، حيث يصف ابن رزيق عودة الخصب قائلا: «لاحت سحابة في السماء... وعمّ الخصب عمان ورجع أكثر من نفي من أهلها إليها».
أما الهجرات الخارجية فقد بلغت ذروتها في القرن التاسع عشر وحتى العقد السابع من القرن العشرين. كان الاتجاه الأساسي نحو شرق إفريقيا، خاصة بعد أن أصبحت زنجبار تحت السيادة العمانية في عهد السيد سعيد بن سلطان. أدى هذا الارتباط السياسي إلى انتقال عدد كبير من العمانيين إلى شرق إفريقيا، حيث أثروا في الحياة الاجتماعية والثقافية هناك، وما زال هذا التأثير واضحًا حتى اليوم. ولم تكن هذه الهجرات دائمًا مدفوعة برغبة سياسية فقط، بل كانت أيضًا نتيجة لضيق الأحوال الاقتصادية. يروي محمد بن شامس البطاشي في كتابه إتحاف الأعيان أن السلطان ثويني بن سعيد لم يرحب بهجرة مجموعة من العمانيين إلى شرق إفريقيا عندما أجبرهم القحط على ذلك، واقترح عليهم بدلا من ذلك الاستقرار في ولاية السيب ومنحهم أراضي للزراعة.
وفي أواخر القرن التاسع عشر، دفع ضيق المعيشة بعض العمانيين إلى الهجرة نحو الهند بحثًا عن الرزق. ومع اكتشاف النفط في دول الخليج، خرجت أعداد كبيرة من العمانيين للعمل في تلك البلدان. أحدثت هذه الهجرة تغيرات في النسيج الاجتماعي. ومع تسلم السلطان قابوس بن سعيد الحكم في عام 1970م، دعا هؤلاء العمانيين إلى العودة للمساهمة في بناء وطنهم.
ونختم هذا المقال بالنص التالي الذي يختصر التحول الاجتماعي والاقتصادي الذي حدث بعد تولي جلالة السلطان قابوس الحكم عام 1970. يقول النص، كما ورد في إحدى المخطوطات وكاتبه من المعاصرين للتحول الذي طرأ على عمان: «وهذا السلطان قابوس دانت له قبائل عمان جميعهم، من منطقة مسندم وهرمز إلى جزيرة مصيرة، إلى ظفار ومتعلقاتها، فأوسع الناس عطاءً وعفوًا، وعاد كل عماني من الخارج، ودرت خيرات عمان من ثمار ونفط ومعادن، حتى فاضت البيضاء والصفراء».