قال الكاتب أوين جونز، إن الغرب بنخبه السياسية والإعلامية، يمارس انتقاصا وازدراء، لحياة الفلسطينيين في غزة، ويتواطؤ فيما يجري لهم من أعمال قتل على يد الاحتلال الإسرائيلي.

وأشار جونز بمقال له في صحيفة الغارديان، ترجمته  "عربي21"، إلى أنه وفقا لدراسة جديدة حول التغطية الإعلامية في الصحف الأمريكية الكبرى، يرد ذكر الإسرائيليين 8 مرات عند كل وفاة إسرائيلية أو بمعدل 16 مرة لكل وفاة أكثر مما تحظى به الوفاة الفلسطينية الواحدة.



وشدد على أن النخب تطلق تصريحات تتعاطف فيها مع الأسرى الإسرائيليين في غزة، دون أن تأتي بذكر ما يجري للفلسطينيين، ولو بكلمة واحدة.

وفيما يلي النص الكامل للمقال:

ما هي قيمة الحياة الفلسطينية؟ لأولئك الذين مازالوا يعيشون في الوهم الذي لم يدفن بعد في حطام غزة إلي جانب عائلات أبيدت عن بكرة أبيها – مثل زعرب والقشطان وعطا الله – قدم جو بايدن الأسبوع الماضي إجابة حاسمة. في تصريح بمناسبة مرور مائة يوم على بدء الرعب الحالي، عبر محقاً عن تعاطفه مع محنة الرهائن – الذين يمثل اختطافهم من قبل حماس جريمة حرب أشد جسامة – ومع عائلاتهم التي تعاني من فقدهم. إلا أنه لم يأت على ذكر الفلسطينيين ولا بكلمة واحدة.

ولعل من تبعات ذلك أن السياسيين والصحفيين العاملين في مختلف المنصات الإعلامية لم يكلفوا أنفسهم عبء إخفاء ازدرائهم للحياة الفلسطينية. لا ريب أن هذه الظاهرة ليست جديدة، وعواقب ذلك باتت الآن ملموسة بعنف. لو أن العالم لم يتعامل بلا مبالاة وبجسارة مع إخراج ثلاثة أرباع مليون فلسطيني من ديارهم قبل 76 عاماً، وما رافق ذلك من القتل الشنيع لما يقرب من خمسة عشر ألف فلسطيني، لما زرعت بذور ما يجري من حصاد مر في يومنا هذا. بدأت النخب السياسية والإعلامية بما أريد لها أن تستمر عليه. فكم من الناس يعلمون بأنه في العام الماضي، وقبل الفظاعات التي ارتكبتها حماس في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، والتي لا يمكن لأحد أن يدافع عنها، قتلت القوات الإسرائيلية 234 فلسطينياً في الضفة الغربية، أكثر من ثلاثين منهم من الأطفال؟ يقولون إن الحياة رخيصة. وإذا كنت فلسطينياً فمن الواضح أنها حياة بلا معنى.

لو أن بعضاً من القيمة منحت للحياة الفلسطينية لما شهد العالم بتاتاً عقوداً من الاحتلال والحصار والاستعمار غير القانوني، والفصل العنصري (الأبارتيد)، والقمع العنيف، والقتل الجماعي. يغدو الاستمرار في قهر الآخرين أشد صعوبة إذا ما كانت إنسانيتهم مقبولة.

وحتى بعض من تعودوا على حالة اللامبالاة الغربية بحياة الفلسطينيين، لربما توقعوا أنه، وبعد عمليات القتل الإجرامي، لسوف ينهار السد في نهاية المطاف. من المؤكد أن الموت العنيف الذي تعرض له عشرة آلاف طفل، أو حقيقة أن عشرة أطفال في كل يوم يتعرضون لبتر ساق أو ساقين، وعادة ما يتم البتر بدون استخدام مخدر، لمما يثير المشاعر بقوة. من المؤكد أن 5500 امرأة يلدن كل شهر، كثيرات منهم عبر عمليات قيصرية تجرى لهن بدون استخدام مخدر – أو تعرض الأطفال حديثي الولادة للموت بسبب انخفاض في درجة حرارة الجسم أو بسبب الإصابة بإسهال، كان ينبغي أن يثير حالة لا نهائية من الاشمئزاز. من المؤكد أن التوقعات أنه، وخلال سنة واحدة، قد يموت ربع سكان غزة بسبب تدمير إسرائيل للنظام الصحي وحده، كان ينبغي أن يفضي إلى مطالبات صارخة بشيء ما، بأي شيء، من أجل وضع حد لهذا الفحش. من المؤكد أن الحكايات التي لا تنتهي حول تعرض عمال الإغاثة والصحفيين والمسعفين للذبح هم والعديد من أقاربهم – أو هم وكل أفراد عائلاتهم – بسبب صاروخ إسرائيلي، كان ينبغي في النهاية أن تفضي إلى إجماع داخل المجتمعات الغربية علي أن هذا الانحراف، وهذا الجنون البغيض، يجب أن يتوقف؟

لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، ولهذا لسوف تكون العواقب وخيمة.

إن الانتقاص من قيمة الحياة الفلسطينية ليس مجرد فرضية، بل إنه حقيقة إحصائية. فطبقاً لدراسة جديدة حول التغطية الإعلامية في الصحف الأمريكية الكبرى، يرد ذكر الإسرائيليين ثماني مرات عند كل وفاة إسرائيلية – أو بمعدل 16 مرة لكل وفاة أكثر مما تحظى به الوفاة الفلسطينية الواحدة. أثبت تحليل للتغطية الإعلامية للبي بي سي، أجراه محللا البيانات المختصان دانا نجار وجان ليتافا، كذلك وجود تباين مدمر، وأن التعابير الإنسانية مثل "الأم" أو "الزوج" تستخدم أقل بكثير لوصف الفلسطينيين، بينما لا يتم تقريباً استخدام تعابير مثيرة مثل "المذبحة" أو "الذبح" إلا عند الحديث عن الضحايا الإسرائيليين الذين سقطوا جراء الفظاعات التي ارتكبتها حماس.

سيكون لكل ذلك أثره العميق. بادئ ذي بدء، إنس أي مزاعم غربية حول الالتزام بحقوق الإنسان وبالقانون الدولي. فمعظم العالم ينظر إلى تزكية الذات تلك بازدراء شديد، ويرى فيها حيلة أخيرة لتكريس المصالح الاستراتيجية، تمارسها بلدان كونت ثرواته من دوم وعرق بقية شعوب المعمورة، عبر قرون من الاستعمار الذي عادة ما ارتكبت فيه جرائم الإبادة جماعية، الأمر الذي ولد الشك لدى الآخرين، تماماً كما فعلت حمامات الدم الأخيرة الناجمة عن حروب مثل حرب العراق، ناهيك عن الدعم الفعال للطغاة الموالين للغرب في مختلف أرجاء الأرض. والآن، بعد أن سلح الغرب إسرائيل وساندها وهي تفرض الموت الجماعي على غزة باستخدام القنابل والرصاص والتجويع والتعطيش وتدمير المرافق الطبية، لم يعد هناك من ينصت لمثل هذه المزاعم إطلاقاً سوى المغفلون.

إلا أن البلدان الأخرى ليست وحدها ما يتوجب على النخب السياسية والإعلامية في الغرب أن تشعر بالهلع إزاءه. بل ها هي اليوم تواجه انكشاف انهيارها الأخلاقي في عقر دارها كذلك. فالأجيال الجديدة في بلدان مثل الولايات المتحدة وبريطانيا نشأت على اتخاذ موقف أكثر جدية من العنصرية مقارنة بالأجيال التي سبقتها، وها هي استطلاعات الرأي تثبت بأن هذه الأجيال أكثر تعاطفاً مع الفلسطينيين من المواطنين الأكبر سناً. فأبناء الأجيال الجديدة يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بشره، وعبر هذه الوسائل يشاهدون المقاطع المصورة التي تنقل إليهم ما يرتكب من فظائع داخل غزة، وتنقل إليهم صور الجنود الإسرائيليين وهم يرتكبون بابتهاج جرائم الحرب، ويصورونها لتسلية جمهورهم بها. بينما كانت المحامية الإيرلندية بلين ني غراليه تترافع أمام محكمة العدل العليا في القضية التي تقدمت بها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، وصفت ما يجري بأنه "أول إبادة جماعية في التاريخ يقوم ضحاياها ببث ما يتعرضون له من تدمير أولاً بأول وعلى الهواء مباشرة عسى أن يشاهدهم العالم ويفعل شيئاً لنجدتهم." يتعلم أبناء الجيل الجديد درساً لا ينسى وهم يستعرضون ما لا يحصى عدده من مقاطع الفيديو التي تظهر فيها الأمهات المكلومات، يصرخن إذ يحملن جثث أبنائهن الرضع وقد لفظوا الروح.

ما هو المتوقع أن يفعله هؤلاء الشباب إزاء التغطية الإعلامية، أو إزاء ما يصدر عن السياسيين من تصريحات، تتعامل، فيما يبدو، مع الحياة الفلسطينية كما لو أنها بلا قيمة على الإطلاق؟ ما هي الاستنتاجات التي يتم استخلاصها بشأن الأقلية المتنامية لسكان البلدان الغربية الذين لا تبذل وسائل إعلامهم ولا سياسيوهم كثيراً من الجهد لستر ازدرائهم للحياة الفلسطينية وهي تزهق بهذه الأعداد المهولة؟

إذن، لقد رأينا كيف أن رفض معاملة الفلسطينيين كبشر يجعل من كابوس اليوم أمراً واقعاً لا مفر منه. بإمكاننا أن نرى كيف أن المزاعم الأخلاقية التي تستخدم لتبرير الهيمنة الغربية على العالم تتعرض للتدمير الشامل. إلا أن القليل من الاهتمام يولى للطريقة التي دمرت بها النخب السياسية والإعلامية في البلدان الغربية سلطتها الأخلاقية، تاركة إيها تتحلل جنباً إلى جنب مع آلاف الجثث الفلسطينية المجهولة والمدفونة تحت الركام. ما من شك في أننا أمام نقطة تحول، لن تدرك عواقبها إلا بعد أن يكون قد فات الأوان.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الفلسطينيين غزة الاحتلال إبادة جماعية فلسطين غزة الاحتلال إبادة جماعية صحافة صحافة صحافة سياسة من هنا وهناك صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السیاسیة والإعلامیة الإعلامیة فی من المؤکد أن کل وفاة ما یجری

إقرأ أيضاً:

النازحون يعودون إلى جباليا.. أكثر المدن التي ذاقت ويلات عدوان الاحتلال الإسرائيلي

في رحلة العودة إلى الديار تعددت القصص والمشاهد في قطاع غزة، إذ أنه بعد سريان وقف إطلاق النار هرع كل نازح ومشرد داخل القطاع إلى منزله، منهم من ظل قائمًا ونجى من ضراوة العدوان وآخر سوي بالأرض وتاهت ملامح البيت عن ساكنيه، حسبما جاء في فضائية «إكسترا نيوز»، عبر تقرير تلفزيوني بعنوان «النازحون يعودون إلى جباليا.. أكثر المدن التي ذاقت ويلات عدوان الاحتلال».

فلسطينية تعود إلى منزلها في جباليا ووجدته ركاما

أمل أبو عيطة واحدة من مئات الآلاف من الحالات المنكوبة التي شردت هي وأسرتها أكثر من مرة، مع توسع العدوان الإسرائيلي ومطاردته النازحين الفلسطينيين في كل مكان، عادت إلى منزلها في جباليا التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي وحول المدينة إلى أكوام من الركام والأطلال.

حالة ذهول تصيب النازحين ممزوجة بالأمل

قالت أمل أبو عيطة الفلسطينية: «والله احنا جينا من صباح أمس قبل إعلان وقف إطلاق النار وكنا متأملين نلاقي لو غرفة واحدة أو شيء بسيط نقدر نأتوي فيه، لكن لقينا الوضع مأساة وتخريب واسع».

حالة الذهول التي أصابت النازحين العائدين إلى جباليا بعد ما اكتشفوا حجم الدمار الذي لحق بالمنازل والأحياء كانت ممزوجة ببصيص من الأمل يدفعهم للبقاء والتمسك بأرضهم، حتى وإن أقاموا في خيام على أنقاض منازلهم، لذا فهي جدران محطمة ومباني مدمرة لكنها تظل البيت والوطن الذي يتمسك به الفلسطينيين مهما اشتدت قساوة الظروف وطغي المحتل في عدوانه وبطشه.       

مقالات مشابهة

  • الإعلامية هاجر جلال: آلة الحرب الإسرائيلية تواصل قصف جنين والضفة الغربية
  • أرقام صادمة لعدد الحواجز والبوابات التي تحاصر الفلسطينيين في الضفة
  • المقاومة الفلسطينية الجدار: 898 حاجزا عسكريا وبوابة تحاصر الفلسطينيين في الضفة
  • أرقام صادمة لعدد الحواجر والبوابات التي تحاصر الفلسطينيين في الضفة
  • أكثر من 800 حاجز وبوابة صهيونية تحاصر الفلسطينيين بالضفة المحتلة
  • 898 حاجزًا عسكريًا وبوابة تحاصر الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة
  • حصار متصاعد.. 898 حاجزًا إسرائيليًا يعيق حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية
  • النازحون يعودون إلى جباليا.. أكثر المدن التي ذاقت ويلات عدوان الاحتلال
  • النازحون يعودون إلى جباليا.. أكثر المدن التي ذاقت ويلات عدوان الاحتلال الإسرائيلي
  • نخب مسيحية تتحرك لاحتضان العهد... ومواكبة خطاب القَسَم