من فرط إعجابه بالكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، فإن مصطفى الفقي أخذه بعيوبه، أو "بعبله" كما يقولون، ولعل أهم هذه العيوب، هو أنه تمنى أن يكون مثله "كاهنا يبحث عن فرعون"، وهو الوصف الدقيق للكاتب الراحل صلاح عيسى، في دراسة مطولة عن هيكل نشرها في مجلة "الهلال"!
ويبدو أن عيسى داس لهيكل على الجرح فكانت القطيعة، وعندما أجرى عيسى، بعد هذه الدراسة، عملية "القلب المفتوح"، فإن هيكل لم يرفع سماعة الهاتف ويدعو له بالشفاء، إن تعذرت زيارته أو عيادته!
وما بينهما كبير، فقد جمعتهما زنزانة واحدة، وشملهما قرار تحفظ واحد، هو القرار الذي أصدره السادات بسجن عدد من خصومه في أيلول/ سبتمبر 1981، كما أن عيسى بصفته مديرا لتحرير "الأهالي" كان صاحب الحيلة في نشر كتاب خريف الغضب في الجريدة بعد مصادرته، بأن حوّله إلى سؤال وجواب ونشره في الجريدة لأسابيع، ليبدو كما لو كان مقابلة صحفية!
وعموما فإن مدرسة هيكل عقيم، فليس صاحب مدرسة صحفية ودود ولود، كالتابعي، ومصطفى أمين، وصلاح حافظ، ولهذا فإن من التفوا حوله من الصحفيين، كانوا معجبين أكثر منهم تلاميذ، وكان الجانب الذي سيطر عليهم وودوا أن تسنح لهم الفرصة أن يكون كل منهم "هيكل"؛ هو هذا "الكاهن" فيه، فلما وجدوا الجنرال يتولى حكم مصر اعتبروها فرصة، فالتفوا حوله، وروّجوا بأنه عبد الناصر، فكتبت مبكرا مقالي "الاستدعاء القسري لعبد الناصر"، قلت فيه وفي وقت مبكر إنه ليس الزعيم الملهم البتة!
ومن هؤلاء من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر على قيد الحياة، وليس ينتظر تحقيق الآمال العريضة في أن يكون "الكاتب الأوحد"، لغياب ركن مهم في المعادلة هو أن السيسي ليس هو عبد الناصر!
ولأن مصطفى الفقي "معجب"، فقد حاول ولم يوفَّق، فقرر أن يعيش حياته في كنف السلطة، ولم يجد حرجا في أن يتقرب للإخوان زلفى في فترة حكمهم، وانتقل من مرحلة العيش في ظلال السلطة في عهد مبارك، إلى التقرب من الثورة، والتقول على مبارك وهو سجين، وهذا ليس موضوعنا!
الموقف من التوريث:
فالمتابع للمقابلات التلفزيونية معه، على كثرتها، حيث الكسل الصحفي وطرح نفس الأسئلة عليه، يفاجأ بأن إجاباته على السؤال الواحد تحمل تناقضا، والموقف من التوريث تراوح فيه القول بين أن مبارك كان يعد له عدته، إلى نفي ذلك، ثم ذهب بعيدا في حواره مع برنامج "الصندوق الأسود"!
ومع الكسل فلا يواجَه بهذه المتناقضات، ولأنها تبدو "مقاولة" فيبدو أن الحساب كان على ما يفجّره من فضائح، فلم يسلم منه عبد الناصر (وهو يقول إنه ناصري)، كما لم يجد ما يمنعه من أن يعتمد "اعتماد خورشيد" مصدرا لكثير من معلوماته عن أم كلثوم وغيرها، وهي لا تصلح مصدرا في الهامش أو المتن، لأنها خارج سياق الرصانة!
والأخطر -من وجهة نظري- في هذه المقابلة هو أنه تسيّر فيها، بمعنى ذكر سيرته، عندما قال إن وزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي سحبه من يده في البرلمان، وأخذه إلى حجرة ليخبره بأن الجيش لن يوافق على التوريث، والمعنى أن يبلغ الرئيس بذلك.
أما أنه يتسير فلأن هذه الواقعة هي جزء من المهام التي يكلف بها الفقي نفسه لخدمة النظام الحاكم، وفي عهد مبارك فجر قنبلة بأن رئيس مصر القادم لا بد أن توافق عليه إسرائيل، وتعامل البعض مع ذلك بجدية، فكانت مثار نقاش وتسليم! في حين أنه لم يكن يقول هنا معلومات، ولكنه كان يقدم خدمة لمشروع التوريث، فلا يطمع أحد متصورا أنه يستطيع تحويل الدفة، فكيف لا ترضى إسرائيل على النجل والأب هو كنز القوم الاستراتيجي، ومن غيره يمكن أن يدير حوارا ويحصل على الموافقة، ومن دونه لا يمكنه ذلك، وقد تمنعه وظيفته أو مكانته من أن يحاول!
الغش والتدليس:
وعندما يخبرنا الآن عن هذه المحادثة التي هي على انفراد مع المشير، فإنه يسعى إلى إدخال الغش والتدليس على الناس، لإثبات أن عقدة الحكم بيد الجيش، وفي مواجهة مشروع التوريث تمت تنحية مبارك، إلى هذه الدعاية التي راجت بعد الثورة، ويتصل بها الادعاء بأن الجيش هو من حمى الثورة، وهي الدعاية التي انتشرت لتبرير كل فصيل تحالفه وتقربه من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، سواء القوى الإسلامية أو أحزاب الأقلية، ثم تكون النتيجة أن من حمى الثورة من حقه أن يستولي على الحكم، فمن حكم في ثورته فما ظلم، وباعتبار الحكم شأنا من شؤون القوات المسلحة!
في مقالات سابقة، قدمت القرائن على عدم صحة حماية الجيش للثورة، ولم تكن سوى فرية مثلها في ذلك مثل دعاية أن رئيس الحكومة عصام شرف هو رئيس الوزراء القادم من ميدان التحرير، وعلى منصة الميدان وقف وبجانبه الدكتور محمد البلتاجي -فك الله أسره- عن الإخوان، والناصري حسين عبد الغني، والقاضي المستقل زكريا عبد العزيز، وأجمعوا على هذا، وضاع ما قلت بأنه رئيس الوزراء القادم من لجنة السياسات أدراج الرياح، وأن انتماءه للثورة ليس أصيلا، وأن اختيار الثورة له غير متصل السند، وأن ما يجري هو غطاء ثوري لإرادة المشير محمد حسين طنطاوي المنفردة، فلم يثبت أنه استشار أحدا في اختياره لوزير سابق في حكم مبارك؛ مسوغات تعيينه أنه رجل ضعيف!
عندما أسمع أحدا يردد ما تكرس من الدعاية أن الجيش كان معترضا على التوريث، فإنني أسأل من فوري: وما دلائل هذا الاعتراض؟ وفي كل مرة يبدو سؤالي مفاجأة، لكن ها هو مصطفى الفقي يؤلف قصة، وقد كلفه وزير الدفاع بمهمة، بأن ينقل هذا الرفض للرئيس، والحديث كان على انفراد، فلا شهود على ذلك!
إن السؤال المهم هو: لماذا لم يبلغ المشير مبارك بذلك، واختص موظفا سابقا في البلاط للقيام بمهمة الإبلاغ؟ وفي الحالتين سواء كان الرفض وجها لوجه أو عبر وسيط، فإن طنطاوي سيكون في وجه المدفع، فلماذا تكليف عسكري مراسلة بأمر يمكن أن يقوم به الضابط؟ وهل أمر كهذا يعالج بهذه الطريقة؟!
لو كنت من يحاور الفقي لكانت حلقة كاملة عن علاقة الحاكم بالجيش في مصر، فلم يكن مبارك أقل شجاعة في التصرف مع وزراء دفاعه ومن عبد الناصر في تعامله مع الأصل أو الصورة، الأول وهو المشير عامر وقد قتله عبد الناصر، والثاني غادر إلى لندن ويقول الفقي نفسه أنه عندما التقاه في مدينة الضباب كان يخاف من خياله، أقصد شمس بدران!
والسادات سجن وزير الدفاع الفريق محمد فوزي في أزمة مراكز القوى، ومبارك عزل الأكثر شعبية وحضوريا، المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة، فهل كان مبارك مستسلما لطنطاوي إلى حد أنه لا يستطيع عزله ما دام يقف في وجه مشروع حياته، وقد تنحّى عن الحكم ولم يكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة مشكلا، وكان بدون تشكيل ولا يدعو لاجتماعات؟ بل لم يكن بإمكانه أن يقترح تغيير رئيس الأركان سامي عنان، وكان بينهما ود مفقود، ضمن صيغة مبارك في الحكم، حيث يجمع المختلفين معا وتسلية وقته بالاستماع إلى خلافاتهم!
ومع خالص احترامي لشخص المشير طنطاوي، فإن اختياره هو من باب شغل الوظيفة، وهو الذي كان يناديه رئيس الحكومة كمال الجنزوري في اجتماعات مجلس الوزراء باسمه مجردا!
ورسم صورة أسطورية للمشير ستقودنا إلى السؤال عن دوره في التصدي لروح الانتقام التي تملكت مبارك من رئيس أركان الجيش المصري في حرب أكتوبر الفريق سعد الدين الشاذلي، بإدانة من القضاء العسكري، وتنفيذ الحكم حرفيا بحبسه انفراديا في السجن العسكري، وكأن مبارك يراقبه على مدى الساعة، وقال الرجل إنه لولا المصحف لكان فقدَ النطق لأنه لم يكن يجد من يتكلم معه!
وإذا كان مبارك تغلبت عليه الرغبة في الانتقام، فهل يجوز أن يكون المشير أداته في ذلك مع قيمة عسكرية بحجم ووزن الفريق الشاذلي؟ وتبدو قيمة الشاذلي محفوظة عند طنطاوي، لذا فعندما وسد الأمر إليه بعد التنحي أقام له جنازة عسكرية تكريما له، متجاوزا كل مانع قانوني يحول دون هذه "التشريفة"، تماما كما كانت الاستجابة لرغبة وزير الداخلية حبيب العادلي في الانتقام من النائب طلعت السادات، تصفية لحسابات شخصية معه، وسجن النائب بحكم من القضاء العسكري في موضوع كان يمكن تجاوزه، وهو الخاص باغتيال عمه الرئيس الراحل، لكنها إرادة العادلي.
إن مثل هذه الحكايات المسلية هي التي تمكن لدعاية تتردد كثيرا عن خلاف بين وزير الدفاع وعبد الفتاح السيسي، فانظر إلى نظرة الوزير إلى غيابه، إلى مشاعر الغضب الذي تعتمله!
لقد أنعش الكاتب سعد القرش ذاكرتنا بمقاله اليوم في "الجزيرة نت"، والذي تضمن مواقف قديمة لمصطفى الفقي وهو يهيم وجدا في الأمانة العامة للسياسات ورجالاتها، والحديث عن التوريث كان يملأ الآفاق، وهذه اللجنة داخل الحزب الحاكم، بل كل الحزب الحاكم، وهي المنوط بها تمهيد المشهد للتوريث!
متى يتوقف مصطفى الفقي عن الكلام؟!
twitter.com/selimazouz1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر السيسي مبارك مصر السيسي مبارك المجلس العسكري مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مصطفى الفقی وزیر الدفاع عبد الناصر أن یکون لم یکن
إقرأ أيضاً:
بين الوهم والحقيقة … نحزن ونفرح لما ليس ملكنا ؟؟
بقلم الخبير المهندس حيدر عبدالجبار البطاط ..
إن حياتنا على هذا الكوكب ليست سوى ومضة عابرة في الزمن الكوني الممتد عبر مليارات السنين.
ورغم هذه الحقيقة نجد أنفسنا غارقين في أحزان وأفراح تجاه أمور لا نملكها حقاً
وكأننا نعيش تحت وطأة وهم السيطرة على العالم من حولنا.
الحياة التي نحياها على قصر مدتها تختزلها عقولنا في مشاعر لحظية ترتبط بأشياء زائلة.
نتألم لفقد ممتلكات أو علاقات أو فرص ونبتهج بامتلاك ما قد نفقده غداً.
في النهاية ندرك أننا لم نكن نملك شيئاً منذ البداية وأن كل ما مررنا به كان مجرد ظلال لأفكار ومشاعر
وليست الحقيقة ذاتها.
رحلة قصيرة في عمر الكون
عمر الإنسان بالنسبة للكون لا يتعدى لحظة واحدة أقل حتى من أجزاء من الثانية إذا ما قسناها بمقياس الزمن الكوني.
لكننا مع ذلك نعيش وكأن هذه اللحظة هي كل شيء ونستنزف طاقة أرواحنا الكبيرة في ملاحقة أهداف لا تدوم.
هذا التعقيد المذهل في تصميم أجسادنا وعقولنا
والطاقة الهائلة التي تحملها أرواحنا
لا يمكن أن تكون قد وُجدت لتُستهلك في حياة عابرة مليئة بالانشغال بأوهام الملكية والسيطرة !!؟؟
قصة النار والعبرة الكبرى
تصور هذه القصة مشهداً مألوفاً
اندلع حريق في منزل، ووقف صاحبه يشاهد النيران تلتهمه وهو يذرف الدموع بحرقة.
فجأة اقترب منه أحد المارة ليخبره أن المنزل لم يعد ملكه، فقد باعه بالأمس.
عند سماع ذلك تبدل حزن الرجل إلى حالة من اللامبالاة وكأنه تحرر من الألم !!
لكن عندما جاء آخر وأخبره أن الصفقة لم تكتمل عاد الرجل إلى البكاء وكأن العالم انتهى بالنسبة له.
وفي النهاية حين طمأنه ابنه بأن الصفقة قد تمت بالفعل تحولت مشاعر الأب من الحزن العميق إلى السعادة ؟؟
هذه القصة تفتح الباب للتأمل في طبيعتنا البشرية.
كيف يمكن أن تتبدل مشاعرنا بشكل جذري بناءً على ما نؤمن أنه حقيقة في اللحظة.
العبثية في الحزن والفرح
عندما نحزن أو نفرح لأمر ما فإننا غالباً لا ننظر إلى الصورة الكاملة.
نحن نتعلق بأشياء نعتقد أنها لنا
بينما الحقيقة أنها عابرة مثلنا تماماً.
المنزل الذي نبكي عليه الثروة التي نخسرها أو حتى العلاقات التي نتمسك بها
كلها ليست أكثر من محطات مؤقتة في مسارنا.
هل من المنطقي أن ننفق طاقة أرواحنا على أشياء
ليست خالدة مثلنا ؟؟
هل يعقل أن نحمل هذا الكم من التعقيد في عقولنا لنستهلكه في معارك على ما ليس لنا حقاً ؟؟
دعوة لإعادة برمجة التفكير
الوعي بحقيقة أن حياتنا قصيرة جداً مقارنة بعمر الكون يدعونا إلى إعادة النظر في طريقة تفكيرنا.
علينا أن ندرك أن وجودنا هنا ليس مجرد صدفة عابرة
وأن طاقة الروح التي نحملها أكبر من أن تُهدر في الغرق في عواطف تتعلق بأشياء زائلة ؟
الروح خالدة هذا موكد !
نحن أكثر من لحظة عابرة
إن أعظم التناقضات التي نعيشها هي أننا نملك أرواحاً قادرة على إدراك الأبدية ومع ذلك نحصر أنفسنا في لحظات قصيرة من الزمن.
هذه الحياة بكل قصرها ليست عبثية لكنها أيضاً ليست مبرراً لأن نستهلكها في وهم الملكية والسيطرة.
نحن هنا لنتجاوز الزمن لنعبر عن الروح التي تسكننا ولنعيش بوعي يجعلنا ندرك أن الحقيقة ليست فيما نملك بل في ما نكون.
فلماذا نحزن ونفرح … على تخيلات لحظية
حيدر عبد الجبار البطاط