لم تنقطع صلتها بالعرب منذ حكمها الكنعانيون قبل حوالي 3500 سنة قبل الميلاد، وحتى يومنا هذا، رغم وقوعها ضمن أراضي عام 1948 المحتلة، فكان أول من سكانها قبائل الشاسو الكنعانية، وهي قبائل سامية عربية هاجرت من جزيرة العرب.

وتوجد في فلسطين قريتان تحملان هذا اسم عرعرة، واحدة في النقب جنوب فلسطين التاريخية وتحمل نفس الاسم وهي عرعرة النقب، وأخرى قرب حيفا التي سنتحدث عنها هنا بشيء من التفصيل ، وكذلك توجد مدينة سعودية تحمل اسم مشابه وهي مدينة عرعر.



تقع عرعرة في منطقة وادي عارة في المثلث الشمالي ضمن لواء حيفا حاليا.


                                                مشهد بانورامي لقرية عرعرة

وهي ذات موقع استراتيجي هام يسيطر على سهل وادي عارة الممر التاريخي لعبور الجيوش من جنوب فلسطين إلى وادي عارة ومجدو ومرج ابن عامر وبيسان والجليل وحيفا وغيرها.

وتبلغ مساحتها حوالي 8.043 دونما وترتفع عن سطح البحر حوالي 170 مترا .

بلغ عدد سكانها عام 2021، نحو 25.823 نسمة، وتبلغ نسبة العرب في القرية 99.8% وكلهم من المسلمين. وجزء من سكان البلدة من عائلات ذات أصول مصرية، إذ كان معظم أجدادهم جنودا في جيش إبراهيم باشا الذي جاء من مصر إلى بلاد الشام في منتصف القرن الثامن عشر تقريبا.

سميت بها الاسم للدلالة على موقعها العالي من جبل الخطاف التي تقع عليه، حيث ورد الاسم في المصادر العربية مقترنا بالجبل. فقد ورد في رسالة بعثها القائد المسلم يزيد بن المهلب إلى والي العراق الحجاج بن يوسف يخبره بها أن الجيش الإسلامي أجبر العدو أن يهرب إلى عرعرة الجبل أي إلى أعلاه.

وهناك من يقول إن الاسم قد اشتق من شجر العرعر الذي كان منتشرا في المنطقة.

وربما كان اسم عارة مكتوبا بالألف (عارا) وهو اسم كنعاني بالنسبة لسكانها الأوائل كانت تخلو من حرف الغين فسموها عارا أو عيرونا كما هي مكتوبة في التاريخ القديم. وكلمة عارا تعني الغار وكان شجر الغار موجودا بكثرة في السهل الممتد أمام عارة، وكان القدماء يصنعون من شجر الغار أكاليل يضعونها على رؤوسهم عند الانتصار في القتال أو في المباريات الرياضية.

وذكرت كلمة عيرونا في كتابات فرعون مصر ثموتمس الثالث في القرن الخامس عشر قبل الميلاد حين غزا فلسطين.


                                                    مشهد جوي لقرية عرعرة.

وعارة كانت أقدم من عرعرة بكثير لأنه لم يكن لعرعرة اسم في الكتابات الفرعونية وأول ما ذكرت عرعرة كان في القرن الخامس ميلادي.

والقرية معروفة بأهميتها الإستراتيجية والعسكرية منذ العهد الروماني، وقد بنى الرومان على قمة جبلها قلاع رومانية لتأمين الطريق الذي يربط بين المدينة الرومانية قيسارية وبين مناطق الجليل. وقد اكتشف بها العديد من الآثار الرومانية في عدد من الكهوف أثناء تعبيد بعض الطرق في سنوات السبعينات التي أثارت بعض التساؤلات حول الديانة التي كانت سائدة في عرعرة في الفترة الرومانية.

وفي الفترة الصليبية تم ترميم القلاع الرومانية القديمة لصد الهجمات الإسلامية في منطقة وادي عارة. وفي عام 1265 استولى على القرية الظاهر بيبرس الذي قطع أراضي القرية بين أميرين اثنين من أمراء الجيش المملوكي.

وذكرت عائلات عرعرة في السجلات العثمانية في القرن السادس عشر وذلك لأول مرة. إلا أن هذه العائلات قد غادرت القرية واستبدلت بعائلات أخرى منذ نهاية القرن الثامن عشر التي ما زالت موجودة حتى اليوم.

كما كانت في بداية القرن التاسع عشر هجرة مصرية مكثفة إلى عرعرة نتيجة هروب الفلاحين من منطقة الدلتا المصرية من عبئ الضرائب التي فرضها محمد علي ونتيجة استقرار بعض الجنود المصريين بعرعرة بعد انتهاء الحكم المصري في سوريا.

اشترك العديد من سكان القرية بالجيش العثماني في فترة الحرب العالمية الأولى، وتم قطع العديد من غابات الأحراش الطبيعية التي كانت في ضمن أراضي القرية لاستغلالها لعمليات الحرب مما حول مناطق خضراء كثيرة إلى مناطق جرداء تبدو آثارها حتى يومنا هذا.

واشترك العديد من سكان القرية في ثورة  فلسطين الكبرى ما بين عامي 1936 و1939 وكان لهم دورا كبيرا في معركة وادي عرعرة التي اندلعت بين الثوار العرب وبين الجيش البريطاني الذي قام باستدعاء العديد من الفرق العسكرية من أجل إخماد الثورة التي انتشرت بسرعة في منطقة جنين.

وكان في عرعرة عام 1948 مركز عسكري للجيش العراقي، وكان وجود الجيش العراقي في عرعرة سببا لتوجه العديد من اللاجئين الفلسطينيين إلى القرية كمكان أمن من القوات الإسرائيلية. وفي عام 1949 تم تسليم القرية إلى منطقة نفوذ دولة الاحتلال وفق اتفاقية رودوس بين الأردن و"إسرائيل".

ولما دخل الصهاينة القرية قاموا بالاستيلاء على الأراضي في سهل الروحا، وبنوا في جبل الخطّاف فوق عرعرة مستعمرة كبير ومستعمرات أخرى حولها، فخسر أهالي القرية معظم أراضيهم، وقام الصهاينة بملاحقة من كان لهم نشاط بارز في محاربتهم، وعقدوا لهم محاكمات عسكرية حكمت بطردهم من البلاد مع عائلاتهم إلى الأردن، ولحقت بهم عائلات أخرى للانضمام إلى أبنائها الذين خرجوا من قبل.

 وبالرغم من قيام الصهاينة بإرهاب أهالي القرية وممارسة أشد أنواع الحكم العسكري عليهم ، فإن القرية لا تزال عربية وقد فرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية.

 ويذكر أن عرعرة لا تشرب الماء من شركة المياه الإسرائيلية، بل قامت بحفر بئر بينها وبين قرية عارة تديرها جمعية المياه من أهالي القريتين، كما قامت ببناء مدرسة ثانوية كاملة في منتصف الطريق بينهما، وملعبا كبيرا تقام فيه الحفلات والنشاطات الرياضية لعارة وعرعرة وغيرها من القرى المجاورة.


 تظاهرة على مفرق قرية عرعرة احتجاجا على سياسة الهدم في الاراضي المحتلة عام 1948.

ومثل باقي المدن والبلدات الفلسطينية تتعرض عرعرة بين الحين والأخر لمواجهات مع شرطة الاحتلال في الأحداث الكبرى التي تشهدها فلسطين، وأيضا في المظاهرات والاعتصامات التي تشهدها البلدة احتجاجا على سياسة الهدم وانتشار الجريمة وغيرها من قضايا تمس حياة أهالي البلدة أو البلدات والمدن الفلسطينية الأخرى.

المصادر

ـ محمد عقل، كتاب "المفصل في تاريخ وادي عارة"، القدس: مطبعة الشرق العربية، 1999.
ـ أبو الحسن علي المسعودي، كتاب "مروج الذهب ومعادن الجوهر"، بيروت : دار الفكر، 1997.
ـ مصطفى مراد الدباغ، موسوعة "بلادنا فلسطين"، عرعرة: دار الشفق، 1988.
ـ عارة في التاريخ، فلسطين في الذاكرة، 10/6/2007.
ـ عرعرة: قضاء حيفا، موسوعة القرى الفلسطينية.
ـ محمد محفوظ خليل يونس، كتاب "عرعرة وعارة جهاد وتاريخ لم يدونا من قبل".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير تقارير فلسطين التاريخية فلسطين تاريخ هوية تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة من هنا وهناك سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العدید من

إقرأ أيضاً:

“نفط القرن”: البيانات الضخمة .. القوة المستقبلية للدول والمجتمعات

تُعرَّف البيانات الضخمة في العديد من المصادر بأنها كمية هائلة من البيانات التي يصعب تخزينها ومعالجتها بواسطة البرامج التقليدية بسبب تعقيدها. لكن هذا التعريف لا يعكس على نحو صحيح جوهر البيانات الضخمة. فحجم البيانات ليس هو العامل الوحيد الذي يجعلها “ضخمة”، فمنذ القدم، كان البشر يجمعون البيانات، لكنها لم تكن “ضخمة” بمعنى الكلمة إلا مع بزوغ عصر الرقمنة في مطلع القرن الحالي.

ومع انتشار الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وأجهزة الاستشعار، أصبحنا ننتج كميات هائلة من البيانات بشكل يومي. هذه البيانات متنوعة جداً، وتتراوح بين النصوص إلى الصور ومقاطع الفيديو، وتأتي من مصادر متعددة، مثل: مواقع التواصل الاجتماعي، المستشعرات، وحتى أجهزة إنترنت الأشياء.

ما يجعل هذه البيانات “ضخمة” هو قيمتها، وما يمكن أن يولد خلالها من معرفة. فهي ليست مجرد بيانات كمية أو وصفية، بل هي نافذة على العالم من حولنا. فإلى جانب التدفق الهائل يأتي تنوع المصادر وتكاملها؛ مما يشكل صورة واضحة حال تحليلها تساعد على صناعة قرارات مستنيرة، تمكن من فهم سلوك البشر، وتحسين الخدمات، وتطوير تقنيات جديدة.

أما الحجم فهو أحد خصائص البيانات الضخمة لكنه ليس السمة الوحيدة؛ إذ هناك ما يعرف بـ The 7 V’s of Big Data وهي السمات السبع للبيانات الضخمة، وهي: الحجم (Volume)، سرعة التدفق (Velocity)، التنوع (Variety)، الصدق (Veracity)، القيمة (Value)، التغير (Variability)، التمثيل البصري (Visualization). كما هو موضح في الشكل التالي:

 

مصادر رقمية متعددة:

بدأت رحلة البيانات الضخمة في الظهور مع بداية عصر الحاسوب؛ إذ تمكنت الشركات من جمع وتخزين كميات كبيرة من البيانات، ولكن تحليلها كان صعباً؛ بسبب محدودية القدرات الحاسوبية. في الثمانينيات والتسعينيات، شهدت بعض المجالات، مثل التجارة الإلكترونية، نمواً سريعاً في كميات البيانات؛ ما أدى إلى ظهور بعض التقنيات الأولية لمعالجة البيانات الضخمة.

ومع بداية القرن الحادي والعشرين، شهد العالم ثورة رقمية حقيقية؛ إذ انتشر الإنترنت بشكل واسع أدى إلى وصوله لأغلب سكان الكوكب، تبعه ظهور مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت منصات رئيسية لتبادل المعلومات؛ إذ أسهمت في تمكين المواطنين في شتى بقاع العالم من توثيق ونشر يومياتهم؛ مما عزز توليد تيارات هائلة من البيانات غير المنظمة، تتنوع ما بين نصوص وصور ومقاطع فيديو، بالتوازي مع تدفق هذا الكم الهائل من البيانات بحرية وسهولة أخذت المستشعرات، أو ما يعرف بإنترنت الأشياء (IOT) في الانتشار في مجالات عديدة مثل: الصحة والتعليم والأمن وغيرها؛ لتضيف على هذا الكم من البيانات تدفقاً آخر؛ وقد أدى ذلك إلى توليد كميات هائلة من البيانات تميزت بتنوعها وثرائها، فجاءت عبر قطاعات عدة وبتنسيقات عدة.

أدت هذه التطورات إلى زيادة هائلة في كميات البيانات التي يتم إنشاؤها؛ مما أدى إلى ظهور مصطلح البيانات الضخمة.

وقد عزز نهج التحول الرقمي الذي انتهجته الكثير من المؤسسات والحكومات حول العالم؛ تحويل البيانات من النسخ الورقية إلى نسخ رقمية يمكن تخزينها ومعالجتها وربطها ببعضها عبر قواعد بيانات منظمة ومتشابكة للحصول على صورة متكاملة؛ ومن ثم قرارات مستنيرة. على سبيل المثال، تُستخدم تطبيقات الهاتف المحمول في جمع البيانات الصحية من المرضى؛ مما يُساعد الأطباء على تشخيص الأمراض بشكل أكثر دقة وتقديم العلاج المناسب. كما تُستخدم أنظمة إدارة الموارد البشرية في جمع البيانات عن الموظفين، مما يُساعد الشركات على تحسين كفاءة العمليات وتقديم حوافز أفضل للموظفين.

أدوار استشرافية وتنبؤية:

يُعد تحليل البيانات لاستخلاص المعرفة أحد أهم التطبيقات العملية للبيانات الضخمة. فباستخدام تقنيات التحليل الإحصائي والرياضياتية المتقدمة، يمكن استخراج أنماط واتجاهات وتوقعات من هذه البيانات الهائلة؛ ومن خلال فهم هذه الأنماط؛ يمكن اتخاذ قرارات استراتيجية تؤثر بشكل كبير في عمل المؤسسات.

وتنقسم طرق التحليل إلى أربع فئات رئيسية حسب درجة التعقيد: التحليل الوصفي والتحليل التشخيصي والتنبؤي والتوجيهي، وكلما انتقلت من الأبسط إلى الأكثر تعقيداً، تزداد الصعوبة والموارد المطلوبة، وكذلك مستوى المعطيات الناتجة عن عملية التحليل.

 

1- التحليل الوصفي: هو الخطوة الأولى والأكثر شيوعاً والأبسط في إجراء أية عملية تحليل إحصائي، والغرض منه هو الإجابة عن سؤال، ماذا حدث؟ بمعنى آخر، فإنه يعطي وصفاً لما حدث في الماضي، ويتم ذلك عن طريق تلخيص البيانات السابقة وبناء وتفسير البيانات الأولية من مصادر مختلفة لتحويلها إلى رؤى قيمة.

2- التحليل التشخيصي: الذي يشار إليه غالباً باسم تحليل السبب الجذري، فهو نوع متقدم من التحليل يتقدم خطوة أخرى إلى البيانات أو المحتوى للإجابة عن سؤال لماذا حدث هذا؟ فيما يتميز التحليل التشخيصي بأساليب مثل: التنقيب عن البيانات والارتباط، ويلقي نظرة أعمق على البيانات لفهم أسباب الأحداث والسلوكيات؛ مما يسمح بفهم المعلومات بسرعة أكبر.

3- التحليل التنبؤي: فهو يحدد النتائج المحتملة من خلال تحديد الميول في التحليلات التشخيصية والوصفية. ويأخذ البيانات السابقة ويغذيها في نموذج التعلم الآلي الذي يأخذ في الاعتبار الأنماط الرئيسية. ثم يتم تطبيق النموذج على البيانات الحالية للتنبؤ بما سيحدث؛ ما يسمح باتخاذ إجراءات وقائية. ومن أكثر أشكال هذا النوع من التحليلات شيوعاً هو تحليل السلاسل الزمنية لدراسة الأنماط في حركة البيانات خلال الزمن ومعرفة إذا كان هناك تأثير لموسم وحدث معين في حركة البيانات دائم التكرار يمكن فهم خواصه وتأثيره؛ ومن ثم التنبؤ بأثره مستقبلاً بناءً على التحليلات التاريخية التي تمت لفترات سابقة.

4- التحليل التوجيهي: يُعد بمثابة عملية تحليل للبيانات إلى جانب تقديم نصائح فورية حول كيفية تحسين ممارسات العمل لتناسب العديد من النتائج المتوقعة في الواقع، فهو “يأخذ ما نعرفه البيانات، ويفهم البيانات للتنبؤ بما يحدث، ويقترح أفضل الخطوات التطلعية بناءً على المحاكاة الواعية، ويحدد العواقب المحتملة لكل منها”. والغرض من التحليل التوجيهي -وهو بالتأكيد المجموعة الأكثر تقدماً في قائمتنا- هو اقتراح طريقة عملية لتجنب المشكلات المستقبلية أو لتحقيق أقصى استفادة من عملية واعدة.

إلى ذلك، يمكن للحكومات والمؤسسات الاستفادة من البيانات الضخمة بشكل كبير؛ لتحسين الخدمات العامة وصنع السياسات الفعالة، وذلك كما يتضح من الشكل التالي:

 

تطوير الذكاء الاصطناعي:

أدت البيانات الضخمة دوراً محورياً في تطور الذكاء الاصطناعي. فقد أصبحت البيانات الوفيرة والمتنوعة غذاءً للنماذج التي تعتمد عليها تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل التعلم العميق، وتعتمد هذه النماذج على تحليل كميات هائلة من البيانات لاكتشاف الأنماط واستخراج المعرفة؛ مما يؤدي إلى تحسين أداء الأنظمة الذكية في مختلف المجالات.

البيانات الوفيرة والمتنوعة تُعد غذاءً للنماذج التي يعتمد عليها الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، تُستخدم بيانات النصوص والصور والفيديوهات لتدريب نماذج التعلم العميق؛ مما يمكنها من التعرف على الأشياء، وفهم اللغة الطبيعية، واتخاذ القرارات المعقدة. فمن دون هذه البيانات، سيكون من الصعب تحقيق التقدم الذي نشهده اليوم في مجالات مثل: التعرف على الصوت والصورة، والترجمة الآلية، وتحليل البيانات.

لقد ساعدت البيانات الضخمة علماء البيانات على تطوير نماذج تعلم الآلة بشكل ملحوظ. فبفضل توفر كميات ضخمة من البيانات، يمكن للباحثين تطوير نماذج أكثر دقة وفعالية. فالبيانات الوفيرة والمتنوعة تعزز تقدم دقة نماذج الذكاء الاصطناعي، وتسهم في ظهور تقنيات جديدة. على سبيل المثال، يعتمد التعلم العميق، وهو فرع من فروع تعلم الآلة، على شبكات عصبية صناعية تحاكي الطريقة التي يعمل بها دماغ الإنسان، وتحتاج هذه الشبكات إلى كميات ضخمة من البيانات لتدريبها.

علاوة على ذلك، فإن البيانات الضخمة تمكن الذكاء الاصطناعي من التكيف مع التغيرات المستمرة في البيئة والتعلم منها. ففي مجالات مثل الرعاية الصحية، يمكن استخدام البيانات الضخمة لتحليل السجلات الطبية وتحديد الأنماط التي تساعد على تشخيص الأمراض وتطوير خطط علاجية مخصصة، وفي الصناعة، تُمكِّن البيانات الضخمة من تحسين عمليات الإنتاج من خلال تحليل بيانات الأداء واكتشاف الفرص لتحسين الكفاءة والجودة.

ولكن مع كل هذه الفوائد، تأتي تحديات كبيرة؛ إذ يتطلب التعامل مع كميات ضخمة من البيانات بنية تحتية قوية للتخزين والمعالجة، بالإضافة إلى تقنيات متقدمة للحفاظ على أمن البيانات وخصوصيتها. كما أن جودة البيانات تؤدي دوراً حاسماً في فعالية نماذج الذكاء الاصطناعي؛ إذ إن البيانات غير النظيفة أو المتحيزة يمكن أن تؤدي إلى نتائج غير دقيقة أو مضللة.

تحديات الأمن والخصوصية:

تواجه صناعة البيانات الضخمة العديد من التحديات والمخاطر؛ إذ يُعد أمن وخصوصية البيانات أحد أهم هذه التحديات. فمع زيادة حجم البيانات وتنوعها، يصعب حفظها وحمايتها من الاختراقات والاستخدامات غير المصرح بها؛ مما يهدد خصوصية المستخدمين ويضعهم في موقف معرض للخطر. لذلك، يجب تطوير سياسات وأنظمة أمنية متقدمة لحماية البيانات الضخمة وضمان سلامتها من الاختراقات والاستغلال غير المشروع.

1- التحديات الأمنية:

تُعد مراكز البيانات التي تخزن البيانات الضخمة هدفاً رئيسياً للهجمات الإلكترونية، ويمكن أن يؤدي اختراق هذه المراكز إلى سرقة البيانات أو تعطيل الخدمات، بالإضافة إلى ذلك، يمكن للقراصنة استهداف أنظمة تخزين البيانات وسرقة المعلومات الحساسة مثل: البيانات الشخصية أو المالية. تهديد آخر يأتي من الداخل؛ إذ قد يكون الموظفون أو المتعاقدون مصدراً للتهديدات الأمنية؛ إذا تمكنوا من الوصول إلى البيانات الحساسة بشكل غير قانوني. وأخيراً، يمكن أن يتسبب القراصنة في إلحاق الضرر بالبيانات أو تعطيل الخدمات بشكل متعمد بهدف التخريب.

2- تحديات الخصوصية:

من ناحية الخصوصية، يُعد استخدام البيانات دون موافقة صاحبها تحدياً كبيراً. فقد يتم بيع البيانات الشخصية إلى شركات تسويق أو استخدامها لأغراض غير قانونية. بالإضافة إلى ذلك، قد تُستخدم البيانات الضخمة لتعقب الأفراد أو مراقبة سلوكهم دون علمهم؛ مما يشكل انتهاكاً للخصوصية. وتبرز مشكلة التحيز في البيانات، إذ يمكن أن تُستخدم البيانات الضخمة لتأكيد التحيزات الموجودة في المجتمع؛ مما يؤدي إلى التمييز ضد بعض الفئات.

3- مواجهة التحديات:

لمواجهة هذه التحديات، يمكن اتخاذ عدة إجراءات، ويُعد التشفير من أهم الوسائل لحماية البيانات الضخمة؛ إذ يتم تحويل البيانات إلى شكل غير قابل للقراءة إلا بواسطة الأشخاص المصرح لهم. كذلك، يجب مراقبة الوصول إلى البيانات بدقة، بحيث يتم منح الوصول فقط للأشخاص المصرح لهم. يتطلب الأمر أيضاً استخدام تقنيات أمنية متطورة لحماية البيانات من الهجمات الإلكترونية، مثل: جدران الحماية ونظم الكشف عن الاختراقات. وتُعد التوعية بأهمية الأمن والخصوصية ضرورية؛ إذ يجب تعليم الموظفين والمستخدمين كيفية حماية البيانات من المخاطر.

وعلى صعيد السياسات، يجب وضع لوائح واضحة تحكم استخدام البيانات الضخمة وتضمن احترام خصوصية الأفراد. كما أن التعاون بين الحكومات والشركات والمؤسسات البحثية يُعد ضرورياً لتطوير حلول مشتركة لمواجهة تحديات الأمن والخصوصية في عصر البيانات الضخمة.

في النهاية، باتت البيانات الضخمة بمثابة “نفط القرن” باعتبارها تمثل كنزاً كبيراً لكل من يمتلكها ولديه القدرة على تحليلها والاستفادة منها، في عصر باتت فيه البيانات أكثر أهمية من السلاح؛ لأنها قد تتوقف عليها مصائر دول.

” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”


مقالات مشابهة

  • هل تعرف عن وادي الموت ؟ ...تفاصيل مذهلة وصادمة عن صخور تتحرك خلف ظهور البشر!
  • “وادي الموت”.. صخور تتحرك خلف ظهور البشر!
  • أضف لمعلوماتك..أكثر الحيوانات والطيور التي شاركت في الحروب العالمية
  • محمد رمضان يختتم الدورة 19 لمهرجان موازين
  • “نفط القرن”: البيانات الضخمة .. القوة المستقبلية للدول والمجتمعات
  • اليقظة الإستراتيجية وشركات التكنولوجيا.. لقاء السحاب
  • رحلة تطور العلاجات النفسية من العصور القديمة إلى العصر الحديث
  • «الدعم السريع» تهاجم قرية «بجيجة» بالحصاحيصا
  • الاحتلال يهدم العراقيب للمرة الـ227.. أقيمت في الحكم العثماني
  • الاحتلال يقتحم قرية تل بنابلس ويحتجز عددًا من الشبان