عرعرة قرية كنعانية عرفت بأهميتها الإستراتيجية والعسكرية
تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT
لم تنقطع صلتها بالعرب منذ حكمها الكنعانيون قبل حوالي 3500 سنة قبل الميلاد، وحتى يومنا هذا، رغم وقوعها ضمن أراضي عام 1948 المحتلة، فكان أول من سكانها قبائل الشاسو الكنعانية، وهي قبائل سامية عربية هاجرت من جزيرة العرب.
وتوجد في فلسطين قريتان تحملان هذا اسم عرعرة، واحدة في النقب جنوب فلسطين التاريخية وتحمل نفس الاسم وهي عرعرة النقب، وأخرى قرب حيفا التي سنتحدث عنها هنا بشيء من التفصيل ، وكذلك توجد مدينة سعودية تحمل اسم مشابه وهي مدينة عرعر.
تقع عرعرة في منطقة وادي عارة في المثلث الشمالي ضمن لواء حيفا حاليا.
مشهد بانورامي لقرية عرعرة
وهي ذات موقع استراتيجي هام يسيطر على سهل وادي عارة الممر التاريخي لعبور الجيوش من جنوب فلسطين إلى وادي عارة ومجدو ومرج ابن عامر وبيسان والجليل وحيفا وغيرها.
وتبلغ مساحتها حوالي 8.043 دونما وترتفع عن سطح البحر حوالي 170 مترا .
بلغ عدد سكانها عام 2021، نحو 25.823 نسمة، وتبلغ نسبة العرب في القرية 99.8% وكلهم من المسلمين. وجزء من سكان البلدة من عائلات ذات أصول مصرية، إذ كان معظم أجدادهم جنودا في جيش إبراهيم باشا الذي جاء من مصر إلى بلاد الشام في منتصف القرن الثامن عشر تقريبا.
سميت بها الاسم للدلالة على موقعها العالي من جبل الخطاف التي تقع عليه، حيث ورد الاسم في المصادر العربية مقترنا بالجبل. فقد ورد في رسالة بعثها القائد المسلم يزيد بن المهلب إلى والي العراق الحجاج بن يوسف يخبره بها أن الجيش الإسلامي أجبر العدو أن يهرب إلى عرعرة الجبل أي إلى أعلاه.
وهناك من يقول إن الاسم قد اشتق من شجر العرعر الذي كان منتشرا في المنطقة.
وربما كان اسم عارة مكتوبا بالألف (عارا) وهو اسم كنعاني بالنسبة لسكانها الأوائل كانت تخلو من حرف الغين فسموها عارا أو عيرونا كما هي مكتوبة في التاريخ القديم. وكلمة عارا تعني الغار وكان شجر الغار موجودا بكثرة في السهل الممتد أمام عارة، وكان القدماء يصنعون من شجر الغار أكاليل يضعونها على رؤوسهم عند الانتصار في القتال أو في المباريات الرياضية.
وذكرت كلمة عيرونا في كتابات فرعون مصر ثموتمس الثالث في القرن الخامس عشر قبل الميلاد حين غزا فلسطين.
مشهد جوي لقرية عرعرة.
وعارة كانت أقدم من عرعرة بكثير لأنه لم يكن لعرعرة اسم في الكتابات الفرعونية وأول ما ذكرت عرعرة كان في القرن الخامس ميلادي.
والقرية معروفة بأهميتها الإستراتيجية والعسكرية منذ العهد الروماني، وقد بنى الرومان على قمة جبلها قلاع رومانية لتأمين الطريق الذي يربط بين المدينة الرومانية قيسارية وبين مناطق الجليل. وقد اكتشف بها العديد من الآثار الرومانية في عدد من الكهوف أثناء تعبيد بعض الطرق في سنوات السبعينات التي أثارت بعض التساؤلات حول الديانة التي كانت سائدة في عرعرة في الفترة الرومانية.
وفي الفترة الصليبية تم ترميم القلاع الرومانية القديمة لصد الهجمات الإسلامية في منطقة وادي عارة. وفي عام 1265 استولى على القرية الظاهر بيبرس الذي قطع أراضي القرية بين أميرين اثنين من أمراء الجيش المملوكي.
وذكرت عائلات عرعرة في السجلات العثمانية في القرن السادس عشر وذلك لأول مرة. إلا أن هذه العائلات قد غادرت القرية واستبدلت بعائلات أخرى منذ نهاية القرن الثامن عشر التي ما زالت موجودة حتى اليوم.
كما كانت في بداية القرن التاسع عشر هجرة مصرية مكثفة إلى عرعرة نتيجة هروب الفلاحين من منطقة الدلتا المصرية من عبئ الضرائب التي فرضها محمد علي ونتيجة استقرار بعض الجنود المصريين بعرعرة بعد انتهاء الحكم المصري في سوريا.
اشترك العديد من سكان القرية بالجيش العثماني في فترة الحرب العالمية الأولى، وتم قطع العديد من غابات الأحراش الطبيعية التي كانت في ضمن أراضي القرية لاستغلالها لعمليات الحرب مما حول مناطق خضراء كثيرة إلى مناطق جرداء تبدو آثارها حتى يومنا هذا.
واشترك العديد من سكان القرية في ثورة فلسطين الكبرى ما بين عامي 1936 و1939 وكان لهم دورا كبيرا في معركة وادي عرعرة التي اندلعت بين الثوار العرب وبين الجيش البريطاني الذي قام باستدعاء العديد من الفرق العسكرية من أجل إخماد الثورة التي انتشرت بسرعة في منطقة جنين.
وكان في عرعرة عام 1948 مركز عسكري للجيش العراقي، وكان وجود الجيش العراقي في عرعرة سببا لتوجه العديد من اللاجئين الفلسطينيين إلى القرية كمكان أمن من القوات الإسرائيلية. وفي عام 1949 تم تسليم القرية إلى منطقة نفوذ دولة الاحتلال وفق اتفاقية رودوس بين الأردن و"إسرائيل".
ولما دخل الصهاينة القرية قاموا بالاستيلاء على الأراضي في سهل الروحا، وبنوا في جبل الخطّاف فوق عرعرة مستعمرة كبير ومستعمرات أخرى حولها، فخسر أهالي القرية معظم أراضيهم، وقام الصهاينة بملاحقة من كان لهم نشاط بارز في محاربتهم، وعقدوا لهم محاكمات عسكرية حكمت بطردهم من البلاد مع عائلاتهم إلى الأردن، ولحقت بهم عائلات أخرى للانضمام إلى أبنائها الذين خرجوا من قبل.
وبالرغم من قيام الصهاينة بإرهاب أهالي القرية وممارسة أشد أنواع الحكم العسكري عليهم ، فإن القرية لا تزال عربية وقد فرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية.
ويذكر أن عرعرة لا تشرب الماء من شركة المياه الإسرائيلية، بل قامت بحفر بئر بينها وبين قرية عارة تديرها جمعية المياه من أهالي القريتين، كما قامت ببناء مدرسة ثانوية كاملة في منتصف الطريق بينهما، وملعبا كبيرا تقام فيه الحفلات والنشاطات الرياضية لعارة وعرعرة وغيرها من القرى المجاورة.
تظاهرة على مفرق قرية عرعرة احتجاجا على سياسة الهدم في الاراضي المحتلة عام 1948.
ومثل باقي المدن والبلدات الفلسطينية تتعرض عرعرة بين الحين والأخر لمواجهات مع شرطة الاحتلال في الأحداث الكبرى التي تشهدها فلسطين، وأيضا في المظاهرات والاعتصامات التي تشهدها البلدة احتجاجا على سياسة الهدم وانتشار الجريمة وغيرها من قضايا تمس حياة أهالي البلدة أو البلدات والمدن الفلسطينية الأخرى.
المصادر
ـ محمد عقل، كتاب "المفصل في تاريخ وادي عارة"، القدس: مطبعة الشرق العربية، 1999.
ـ أبو الحسن علي المسعودي، كتاب "مروج الذهب ومعادن الجوهر"، بيروت : دار الفكر، 1997.
ـ مصطفى مراد الدباغ، موسوعة "بلادنا فلسطين"، عرعرة: دار الشفق، 1988.
ـ عارة في التاريخ، فلسطين في الذاكرة، 10/6/2007.
ـ عرعرة: قضاء حيفا، موسوعة القرى الفلسطينية.
ـ محمد محفوظ خليل يونس، كتاب "عرعرة وعارة جهاد وتاريخ لم يدونا من قبل".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير تقارير فلسطين التاريخية فلسطين تاريخ هوية تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة من هنا وهناك سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العدید من
إقرأ أيضاً:
شواطئ.. لماذا تتحارب الأمم؟ (2)
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يتابع ريتشارد نيد ليبو Richard Ned lebow الأستاذ الفخري في النظرية السياسية الدولية في قسم دراسات الحرب في كينجز كوليدج لندن وأستاذ فخري رئاسي في كلية دارتموث، فى كتابه بعنوان (لماذا تتحارب الأمم؟ دوافع الحرب في الماضي والمستقبل) والذي نقله إلى العربية إيهاب عبد الرحيم على بقوله: إن الطبيعة البشرية وفوضوية النظام الدولي يجعلان من الحرب ظاهرة متكررة، تعمل فوضوية النظام الدولي على تشجيع الأقوياء على "أن يفعلوا ما يشاءون"، كما صاغها الأثينيون لأهل جزيرة ميلوس Melians، في حين أن الضعفاء "يعانون ما لا بد منه".
هناك بطبيعة الحال، ارتباطات مهمة بين الحروب التي تدور بين الدول وتلك التي تنسب داخلها، إذ إن الدوافع نفسها توجه المشاركين فيها في كثير من الأحيان، كما تؤدى النزاعات الأهلية في بعض الأحيان إلى إثارة الحروب بين الدول، والعكس صحيح. يميز القانون الدولي بين الحرب الأهلية التي تدور رحاها بين طرفين من دولة واحدة، والحرب بين الدول، التي يصفها القانون بأنها منازعة مفتوحة ومعلنة بين دولتين مستقلتين، والتي تشنها حكومتاهما. يتسم هذا التعريف بأنه معقول، لكنه ليس مناسبًا تمامًا لأنه لا يشمل الصراعات التي لا يوحد فيها إعلان رسمي للحرب.
يمثل العنف الذي تمارسه جماعة ما ضد أخرى ممارسة موجودة منذ قديم الأزل. يمكن تمييز الحرب عن العنف بأهدافها السياسية ومفاهيم الأطراف المشاركة فيها حول طبيعتها الخاصة. وأصبحت الحرب الحديثة ممارسة اجتماعية متزايدة التعقيد، التي كانت تقوم على مفهوم الدولة: وحدة سياسية ذات سيادة تمتلك شبه احتكار لاستخدام القوة على أراضيها. وقد تطورت أهداف الحرب على مر القرون. ورغم أننا لا نعرف إلا القليل عن "الحرب" في عصور ما قبل التاريخ، لكننا نستطيع أن نفترض على نحو معقول أنها نشأت عن صراعات على النساء، وآبار السقي، وأراضي الصيد، والأراضي التي اعتبرت ذات قيمة لأسباب دينية أو اقتصادية. وفى وقت مبكر، أصبحت الحرب هي الوسيلة الرئيسية التي يسعى من خلالها الشبان ومجتمعاتهم إلى الحصول على الشرف، والهيبة، والمكانة. وتزودنا إلياذة هوميروس Homer بتحليل متعمق لمجتمع أرستقراطي في العصر البرونزي، الذي كانت فيه الحرب وسيلة للانتقام، وأداة لاكتساب الشرف. وبالنسبة إلى اليونانيين والطروادتين Trojans على حد سواء، لم يكن هناك أي تمييز بين الملك والدولة، أو بين المنازعات الخاصة والعامة. ومع تطور"المدينة" polis، والدول لاحقا، وقد حدث تحول مهم آخر نتيجة للقومية، والتجنيد العسكري الإجباري.
دفعت هذه التطورات ببعض العلماء إلى تفريق الحروب الحديثة عن كل ما سبقها. أن الحروب التي شنت "من أجل شرف شخصي، أو بغرض الانتقام، أو إثراء الملوك والنبلاء، والتي تميزت بها العصور الوسطى استبدلت على نحو متزايد باستخدام القوة كأداة من أدوات السياسة العامة لتحقيق أهداف سياسية". يعكس هذا الادعاء، من دون قصد، نجاح المؤرخين الألمان في القرن التاسع عشر في تطوير خطاب حول السيادة، والذي هدف إلى إضفاء الشرعية على سلطة الحكومة المركزية وعلى مشروع بناء الدولة. ومن المعالم المحورية لهذا الخطاب – وللنماذج الواقعية والعقلانية المعاصرة – نجد تصوير السياسة الخارجية باعتبارها عقلانية من الناحية الاستراتيجية، وأن الهدف منها هو زيادة سلطة الدولة. وفى حين صار الملوك، والنبلاء، والإمبراطوريات الآن مجرد تاريخ، بيد أنهم كانوا مسؤولين في كثير من الأحيان بإشهار سيوفهم لأسباب لا تتعلق كثيرًا بالواقعية السياسية Realpolitik. وطوال القرن العشرين، وصولا إلى القرن الحالي، فإن الشرف، والشعور بالمهانة، والانتقام، والشر المحض كانت – ولاتزال – تمثل دوافع قوية في الشئون الدولية. وفى كثير من الأحيان تخوض الدول حروبا لأسباب لا علاقة لها بالأمن إلا قليل، إن وجد. منذ عصر هيرودوت Herodotus، ظل المؤرخون يكتبون عن الحرب. وكثير من تلك الدراسات متضمنة روايات سردية ضخمة حول صعود وسقوط الإمبراطوريات والدول.
عند النظر في دوافع الحرب من منظور تاريخي، ينبغي لفت انتباهنا إلى ثلاثة تحولات مهمة في التفكير. يتعلق الأول، بطبيعة الثروة وانعكاساتها على العلاقات بين الدول. حتى مجيء آدم سميث Smith وعلم الاقتصاد الحديث، كان من المعتقد أن ثروات العالم متناهية، مما يجعل العلاقات بين الدول تشبه لعبة صفرية المحصلة، والتي كان يُعتقد فيها أن الزيادة في ثروة إحدى الدول لا بد أن تأتى على حساب الدول الأخرى. وبمجرد أن تعلمت النخب السياسية أنه يمكن زيادة الثروة الإجمالية عن طريق تقسيم العمل واستخدام مصادر الطاقة الميكانيكية واقتصاديات الإنتاج الواسع النطاق، أصبح التعاون الاقتصادي الدولي عمليا، وأصبح ينظر إلية في نهاية المطاف باعتباره وسيلة أخرى لتوليد الثروة.
بدأ التحول الثاني في التفكير في القرن التاسع عشر، وتسارعت وتيرته خلال القرن العشرين. وهو يتعلق بالسعي الجمعي مقابل الذاتي إلى تحقيق الأمن. لطالما ظلت التحالفات، سواء الرسمية أو غير الرسمية، جزءا من ممارسات السياسة الخارجية، لكنها اتخذت معنى جديدًا في مؤتمر فيينا. سعى المنتصرون في الحروب النابليونية إلى العمل بشكل جماعي للحفاظ على الوضع القائم بعد الحرب، وبالتالي الحيلولة دون اندلاع الثورات والحروب بين الدول من جديد.
أما ثالث التحولات في التفكير، وأحدثها، فيتعلق بطبيعة المكانة في الشؤون الدولية. منذ ظهور النظام الدولي الحديث، سعت القوى العظمى دائما إلى الحفاظ على السيطرة على المكانة، وعلى الوسائل التي يتم من خلالها تعريفها، وتحديد الجهات المسموح لها بالتنافس عليها. وطوال هذه الفترة، ظلت القوة العسكرية والنجاح في استخدامها الوسيلة الرئيسية للدول لكسب المكانة والاعتراف بها كقوى عظمى.
وللحديث بقية