لم تنقطع صلتها بالعرب منذ حكمها الكنعانيون قبل حوالي 3500 سنة قبل الميلاد، وحتى يومنا هذا، رغم وقوعها ضمن أراضي عام 1948 المحتلة، فكان أول من سكانها قبائل الشاسو الكنعانية، وهي قبائل سامية عربية هاجرت من جزيرة العرب.

وتوجد في فلسطين قريتان تحملان هذا اسم عرعرة، واحدة في النقب جنوب فلسطين التاريخية وتحمل نفس الاسم وهي عرعرة النقب، وأخرى قرب حيفا التي سنتحدث عنها هنا بشيء من التفصيل ، وكذلك توجد مدينة سعودية تحمل اسم مشابه وهي مدينة عرعر.



تقع عرعرة في منطقة وادي عارة في المثلث الشمالي ضمن لواء حيفا حاليا.


                                                مشهد بانورامي لقرية عرعرة

وهي ذات موقع استراتيجي هام يسيطر على سهل وادي عارة الممر التاريخي لعبور الجيوش من جنوب فلسطين إلى وادي عارة ومجدو ومرج ابن عامر وبيسان والجليل وحيفا وغيرها.

وتبلغ مساحتها حوالي 8.043 دونما وترتفع عن سطح البحر حوالي 170 مترا .

بلغ عدد سكانها عام 2021، نحو 25.823 نسمة، وتبلغ نسبة العرب في القرية 99.8% وكلهم من المسلمين. وجزء من سكان البلدة من عائلات ذات أصول مصرية، إذ كان معظم أجدادهم جنودا في جيش إبراهيم باشا الذي جاء من مصر إلى بلاد الشام في منتصف القرن الثامن عشر تقريبا.

سميت بها الاسم للدلالة على موقعها العالي من جبل الخطاف التي تقع عليه، حيث ورد الاسم في المصادر العربية مقترنا بالجبل. فقد ورد في رسالة بعثها القائد المسلم يزيد بن المهلب إلى والي العراق الحجاج بن يوسف يخبره بها أن الجيش الإسلامي أجبر العدو أن يهرب إلى عرعرة الجبل أي إلى أعلاه.

وهناك من يقول إن الاسم قد اشتق من شجر العرعر الذي كان منتشرا في المنطقة.

وربما كان اسم عارة مكتوبا بالألف (عارا) وهو اسم كنعاني بالنسبة لسكانها الأوائل كانت تخلو من حرف الغين فسموها عارا أو عيرونا كما هي مكتوبة في التاريخ القديم. وكلمة عارا تعني الغار وكان شجر الغار موجودا بكثرة في السهل الممتد أمام عارة، وكان القدماء يصنعون من شجر الغار أكاليل يضعونها على رؤوسهم عند الانتصار في القتال أو في المباريات الرياضية.

وذكرت كلمة عيرونا في كتابات فرعون مصر ثموتمس الثالث في القرن الخامس عشر قبل الميلاد حين غزا فلسطين.


                                                    مشهد جوي لقرية عرعرة.

وعارة كانت أقدم من عرعرة بكثير لأنه لم يكن لعرعرة اسم في الكتابات الفرعونية وأول ما ذكرت عرعرة كان في القرن الخامس ميلادي.

والقرية معروفة بأهميتها الإستراتيجية والعسكرية منذ العهد الروماني، وقد بنى الرومان على قمة جبلها قلاع رومانية لتأمين الطريق الذي يربط بين المدينة الرومانية قيسارية وبين مناطق الجليل. وقد اكتشف بها العديد من الآثار الرومانية في عدد من الكهوف أثناء تعبيد بعض الطرق في سنوات السبعينات التي أثارت بعض التساؤلات حول الديانة التي كانت سائدة في عرعرة في الفترة الرومانية.

وفي الفترة الصليبية تم ترميم القلاع الرومانية القديمة لصد الهجمات الإسلامية في منطقة وادي عارة. وفي عام 1265 استولى على القرية الظاهر بيبرس الذي قطع أراضي القرية بين أميرين اثنين من أمراء الجيش المملوكي.

وذكرت عائلات عرعرة في السجلات العثمانية في القرن السادس عشر وذلك لأول مرة. إلا أن هذه العائلات قد غادرت القرية واستبدلت بعائلات أخرى منذ نهاية القرن الثامن عشر التي ما زالت موجودة حتى اليوم.

كما كانت في بداية القرن التاسع عشر هجرة مصرية مكثفة إلى عرعرة نتيجة هروب الفلاحين من منطقة الدلتا المصرية من عبئ الضرائب التي فرضها محمد علي ونتيجة استقرار بعض الجنود المصريين بعرعرة بعد انتهاء الحكم المصري في سوريا.

اشترك العديد من سكان القرية بالجيش العثماني في فترة الحرب العالمية الأولى، وتم قطع العديد من غابات الأحراش الطبيعية التي كانت في ضمن أراضي القرية لاستغلالها لعمليات الحرب مما حول مناطق خضراء كثيرة إلى مناطق جرداء تبدو آثارها حتى يومنا هذا.

واشترك العديد من سكان القرية في ثورة  فلسطين الكبرى ما بين عامي 1936 و1939 وكان لهم دورا كبيرا في معركة وادي عرعرة التي اندلعت بين الثوار العرب وبين الجيش البريطاني الذي قام باستدعاء العديد من الفرق العسكرية من أجل إخماد الثورة التي انتشرت بسرعة في منطقة جنين.

وكان في عرعرة عام 1948 مركز عسكري للجيش العراقي، وكان وجود الجيش العراقي في عرعرة سببا لتوجه العديد من اللاجئين الفلسطينيين إلى القرية كمكان أمن من القوات الإسرائيلية. وفي عام 1949 تم تسليم القرية إلى منطقة نفوذ دولة الاحتلال وفق اتفاقية رودوس بين الأردن و"إسرائيل".

ولما دخل الصهاينة القرية قاموا بالاستيلاء على الأراضي في سهل الروحا، وبنوا في جبل الخطّاف فوق عرعرة مستعمرة كبير ومستعمرات أخرى حولها، فخسر أهالي القرية معظم أراضيهم، وقام الصهاينة بملاحقة من كان لهم نشاط بارز في محاربتهم، وعقدوا لهم محاكمات عسكرية حكمت بطردهم من البلاد مع عائلاتهم إلى الأردن، ولحقت بهم عائلات أخرى للانضمام إلى أبنائها الذين خرجوا من قبل.

 وبالرغم من قيام الصهاينة بإرهاب أهالي القرية وممارسة أشد أنواع الحكم العسكري عليهم ، فإن القرية لا تزال عربية وقد فرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية.

 ويذكر أن عرعرة لا تشرب الماء من شركة المياه الإسرائيلية، بل قامت بحفر بئر بينها وبين قرية عارة تديرها جمعية المياه من أهالي القريتين، كما قامت ببناء مدرسة ثانوية كاملة في منتصف الطريق بينهما، وملعبا كبيرا تقام فيه الحفلات والنشاطات الرياضية لعارة وعرعرة وغيرها من القرى المجاورة.


 تظاهرة على مفرق قرية عرعرة احتجاجا على سياسة الهدم في الاراضي المحتلة عام 1948.

ومثل باقي المدن والبلدات الفلسطينية تتعرض عرعرة بين الحين والأخر لمواجهات مع شرطة الاحتلال في الأحداث الكبرى التي تشهدها فلسطين، وأيضا في المظاهرات والاعتصامات التي تشهدها البلدة احتجاجا على سياسة الهدم وانتشار الجريمة وغيرها من قضايا تمس حياة أهالي البلدة أو البلدات والمدن الفلسطينية الأخرى.

المصادر

ـ محمد عقل، كتاب "المفصل في تاريخ وادي عارة"، القدس: مطبعة الشرق العربية، 1999.
ـ أبو الحسن علي المسعودي، كتاب "مروج الذهب ومعادن الجوهر"، بيروت : دار الفكر، 1997.
ـ مصطفى مراد الدباغ، موسوعة "بلادنا فلسطين"، عرعرة: دار الشفق، 1988.
ـ عارة في التاريخ، فلسطين في الذاكرة، 10/6/2007.
ـ عرعرة: قضاء حيفا، موسوعة القرى الفلسطينية.
ـ محمد محفوظ خليل يونس، كتاب "عرعرة وعارة جهاد وتاريخ لم يدونا من قبل".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير تقارير فلسطين التاريخية فلسطين تاريخ هوية تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة من هنا وهناك سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العدید من

إقرأ أيضاً:

قافلة دعوية لوعاظ مجمع البحوث الإسلامية في وادي النطرون

شاركت منطقة وعظ الغربية في قافلة مجمع البحوث الإسلامية بوادي النطرون، تحت رعاية الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، و الدكتور محمود الهواري، الأمين العام المساعد للدعوة والإعلام الديني، وبإشراف الشيخ محمد نبيل أبوالخير، مدير عام وعظ الغربية ورئيس لجنة الفتوى، بالتعاون مع منطقة وعظ البحيرة.

ضمت القافلة أعضاء من الوعاظ: الشيخ حسن فتوح حموده، الشيخ محمد الكريمة، الشيخ أحمد الزغبر، الشيخ محمد رمزي قطب، والشيخ عبده جمال، في إطار جهود مجمع البحوث الإسلامية لنشر الفكر الوسطي المعتدل وتصحيح المفاهيم، وإبراز سماحة الإسلام وزرع الوعي الناهض في الأفراد والمجتمعات.

تضمنت القافلة الدعوة إلى التسامح حيث تم التركيز على ضرورة تعزيز قيم التسامح و التعايش السلمي بين جميع أفراد المجتمع، بما يعكس روح الإسلام الوسطي، وكذلك تصحيح المفاهيم الخاطئة، حيث تناولت القافلة العديد من الموضوعات التي توضح المفاهيم الصحيحة للدين الإسلامي، مثل الحد من الفكر المتطرف وتعزيز مبدأ الاعتدال في التعامل مع القضايا الدينية.

كما تضمنت التوعية بحقوق الإنسان و تم تسليط الضوء على حقوق الإنسان في الإسلام، من خلال إبراز حقوق المرأة والطفل والأسرة، وتأكيد قيم العدالة والمساواة، والتحذير من الشائعات، حيث ركزت القافلة على أهمية الابتعاد عن الشائعات والمعلومات المغلوطة التي قد تضر بالمجتمع، مؤكدة على ضرورة التحقق من المعلومات قبل تداولها.

و تم التأكيد على أهمية العمل المجتمعي وتطوير روح التعاون بين الأفراد والمؤسسات من أجل تحسين الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين.

شملت أعمال القافلة زيارة مساجد، مدارس، معاهد، وحدات محلية، مجلس مدينة، وعدد من المؤسسات المتعددة في مركز ومدينة وادي النطرون.

مقالات مشابهة

  • القرية العراقية تحت النار.. إصابات واعتقالات بعد قرار استثماري
  • الوجود الأميركي بالشرق الأوسط.. 4 نقاط لفهم أبعاده الإستراتيجية
  • حروب أوروبا ضد الجلابة في عموم أفريقا القرن التاسع عشر
  • الفريق ركن خالد حفتر يشدد على تعزيز التنسيق بين مختلف الجهات الأمنية والعسكرية
  • بين محافظتين.. عملية أمنية لمنع أي نشاط إرهابي في وادي الموت
  • افتتاح الحركة المرورية على جسر وادي بوا جنوب الطائف
  • إزالة الحواجز الإسمنتية والأسلاك الشائكة التي وضعها النظام البائد أمام “فرع فلسطين” بدمشق وتسهيل حركة الآليات والمركبات أمام السائقين
  • الهلال في مواجهة الحسم أمام أهلي القرن
  • افتتاح القرية المصاحبة لـ"مهرجان كأس جلالة السُّلطان المعظم للهجن"
  • قافلة دعوية لوعاظ مجمع البحوث الإسلامية في وادي النطرون