الكتاب: إلغاء الديمقراطية البيضاء
المؤلف: جويل أولسون
المترجم: عبدالله فاضل
الناشر : أطلس للنشر والتوزيع


يقوم هذا الكتاب، للأكاديمي والناشط الراحل جويل أولسون(1967-2012)، على سؤال محوري يبحث في ما إذا كانت السياسات والممارسات العنصرية الأمريكية جزء مكون من التقاليد الديمقراطية في هذا البلد، والديمقراطية البيضاء ذاتها، وليست نقيضا لها؟

على عكس الافتراض السائد بأن التمييز العنصري والديمقراطية نقيضان، أي أن هناك تناقض بين مثل الديمقراطية الأمريكية وممارساتها يمكن معالجته بالإصلاحات المؤسسية، أو بنشر الوعي .



وفي التمهيد للكتاب الذي وضعه باسيليوس زينو، أستاذ العلوم السياسية بجامعة يورك / كندا، يشرح زينو كيف أنه على الرغم من أن الكيان السياسي الأمريكي هو كيان ديمقراطي، فإن "عرقنة" المواطنة منذ لحظة التأسيس سمحت للمواطن الأبيض، كما يجادل أولسون، بأن يحتل مكانة عرقية تتيح له في الوقت ذاته أن يشعر بالمساواة مع بقية المواطنين البيض والامتياز على غير البيض، فالمواطنة الأمريكية لم تكن فقط هوية سياسية تحدد الحقوق والواجبات ضمن الحيز العام، بل كانت تاريخيا شكلا من أشكال الوضع الاجتماعي الذي حدد من يحق له أن يكون عضوا كاملا مساهما في الجمهورية الأمريكية، ومن يحظر عليه ذلك.

ويرى زينو أن أهمية الكتاب تكمن في تتبع جذور "التناقض الظاهري" الذي يسمح باستمرار اشكال من العنصرية والمواطنة السلبية ضمن أطر الديمقراطية الأمريكية البيضاء،إضافة إلى أنه يتناول أسس منظومة الهيمنة العرقية التي وضعت لاستغلال عمل الأمريكيين الأفارقة. ويضيف أن أولسون يركز على البياض وعلى كيفية ارتباطه بالمواطنة، وعلى علاقات القوة، وعلى المشاركة، واضعا مفهوم العرق في سياقه التاريخي. كما يدعو إلى التفكير بنظرية سياسية عن العرق، ولكنه لا يقصد ب"العرق" الإشارة إلى اختلافات بيولوجية أو ثقافية بين البشر. فهو يرى أن العرق يكتسب معناه من تحويله إلى إطار ينظم الناس في مجموعات وأدوار محددة بهدف حكم الكيان السياسي، وأن سياق ظهوره يرتبط بالمراحل الأولى من تطور الرأسمالية.

معضلة أمريكية

يبدأ أولسون كتابه بالتأكيد على حقيقة أن المجتمع الأمريكي يعيش تناقضات حادة إذ تتخلل القضايا العرقية، تقريبا، كل جانب من جوانب الحياة في الولايات المتحدة، وبقدر ما يبدو التمييز والديمقراطية متناقضين فإنهما، على نحو ما، متعايشان في النظام السياسي الأمريكي. ويشير إلى ما ذكره المنظّر السياسي وليام بورغارت دوبويز في كتابه"غسق الفجر" حول أن العرق يمثل مشكلة مركزية تواجه الديمقراطية في الولايات المتحدة والعالم.

ومن الأسئلة التي تثيرها هذه المشكلة هو كيف يستطيع الأمريكيون الأفارقة والملونون في أنحاء العالم، أن يصبحوا جزءا من الديمقراطية التي كانت فيما ممضى حكرا على البيض؟ وكيف ستتحول الديمقراطية الأمريكية ، على سبيل المثال، إذا ما جردت من سيادة البيض؟ هل ستصير ببساطة أشمل، أم أن طبيعتها ستتغير جوهريا؟.

ويرى أولسون أن النظرية السياسية لم يكن لديها الكثير لتجيب به عن أسئلة دو بويز، لأنها لم تنظّرللعرق بوصفه فئة سياسية، لقد تم التعامل معه على أنه أمر يقع خارج السياسة. وفي السياق ذاته يرى جونار ميردال في كتابه"معضلة أمريكية" أن الامريكيون عموما متمسكون بقيم المساواة والكرامة الأساسية والحق بالعدالة والفرص العادلة، وهي القيم التي نص عليها إعلان الاستقلال، لكن المشكلة تكمن في أن مثال المساواة لا يتجسد دائما في الواقع.

يقول أولسون إن تأثير ميردال يخيم على المحاولات المعاصرة لمعالجة "المعضلة" العرقية حتى بين نقّاده مثل روجر سميث. كلاهما يؤمن أن المثل الديمقراطية متمايزة عن الممارسات والأيديولوجيات العرقية،ولذلك فكلاهما يعزل العرق عن الديمقراطية. إذ يعتقد ميردال أنه إذا امتلك المزيد من البيض وعيا كاملا بالتناقض بين إيمانهم بالمساواة الإنسانية وحقيقة خضوع السود، فسيعملون من أجل إزالة الفجوة بين المثل والممارسات.

ويتابع أولسون: لكن ماذا لو فهمنا العبودية، والاستيلاء على أراضي الهنود الأمريكيين، وتشريعات جيم كرو، وبرامج المزارعين المكسيكيين، على أنها متناغمة تماما مع التقليد الديمقراطي، لا على أنها حلقات مؤسفة من انتهاك أعراف المساواة في ذلك التقليد؟.

يرى أولسون أن النظرية الديمقراطية ـ الإلغائية تقدم الأدوات الفكرية لتبديد "العفريت" على حد تعبيره، فهي ترى أن المواطنة البيضاء هي العقبة الأساسية أمام المشاركة الديمقراطية، وهي تشدد على القوة لا على الاعتراف، وعلى الامتياز لا على الاستبعاد، وهي تفترض أن الدافع إلى ديمقراطية أوسع لا يكمن في مجتمع لا عرقي ويلفت أولسون إلى رأي المؤرخ إدموند مورغان الذي يقول أن صعود الحرية والمساواة في هذا البلد (الولايات المتحدة) ترافق مع صعود العبودية. فليس هناك تناقض بين المثل الديمقراطية وممارسات العبودية، فلقد اعتمدت أولاهما على القاعدة الاقتصادية للثانية.

ويعتقد مورغان أنه هاهنا تكمن المفارقة المركزية في التاريخ الأمريكي. يقول أولسون ليست المسألة في أن التمييز العرقي يشكل"معضلة" للأمريكيين البيض، ولا في أن المواطنة الليبرالية تتعايش مع التقاليد التي تستبعد الملونين، إنما هي بالأحرى في أن بنية المواطنة الأمريكية ذاتها بيضاء، إن جل التاريخ الأمريكي يتلخص في: أن تكون مواطنا يعني أن تكون أبيض، والعكس صحيح. إن الاضطهاد العرقي يجعل الديمقراطية التامة مستحيلة، لكنه أيضا قد جعل الديمقراطية الأمريكية ممكنة. وبالعكس جعلت الديمقراطية الأمريكية الاضطهاد العرقي ممكنا. إذ لا العبودية و لا الفصل العنصري كان من الممكن أن يستمر من دون موافقة الأغلبية البيضاء الضمنية أو الصريحة. فالديمقراطية الأمريكية ديمقراطية بيضاء، كيان سياسي تحكمه مصالح المواطنين البيض، وتتميز بعلاقات المساواة والامتياز في الان ذاته: مساواة بين البيض الذين يتمتعون بامتيازات بالمقارنة مع أولئك الذين ليسوا بيضا.

تحالف الطبقات الأبيض

يرى أولسون أن التحدي المركزي هو كيفية توسيع المشاركة السياسية في مجتمع اتسم تاريخيا بالتمييز العرقي، ويعتقد أن مفتاح هذا التحدي يكمن في المواطن الأبيض، وأن مهمة السياسة الديمقراطية هي إلغاء هذا المواطن. ويقول أنه في السنوات التكوينية من الديمقراطية الأمريكية كانت المواطنة دليلا حسيا، واقعيا جدا، على أن المرء ليس عبدا، ولا يمكن أن يصير عبدا.

يقترح أولسون في الفصل الأول من كتابه، مستخدما أعمال دو بويز، تعريفا سياسيا للعرق يبين ما هو البياض، وكيف أنه أساسي للتجربة الديمقراطية الأمريكية. ويجادل بأن تحالفا عابرا للطبقات يكمن في أساس النظام العرقي الأمريكي، تحالف بين الطبقة المسيطرة وشريحة من الطبقة العاملة، وهذا التحالف يمنح الامتيازات لأعضائه، وهم مقابل ذلك يضمنون الاستقرار الاجتماعي الضروري لمراكمة رأس المال.

يقول أولسون إن دوبويز يرى أن هذا التحالف ينتج نوعا عالمين من العرق، العالم الأبيض والعالم الداكن. وفيما يتمتع العالم الأبيض بالحقوق الديمقراطية والمساواة السياسية، يخضع العالم الداكن لطغيان الأغلبية البيضاء.

ويطبق أولسون هذه النظرية عن العرق على المواطنة الأمريكية في الفصل الثاني حيث يقدم عرضا تاريخيا موجزا لأصول المواطنة البيضاء، ويبين أن النضال من أجل المواطنة كان أيضا نضالا من أجل الانضمام إلى التحالف عابر الطبقات. فحين كافح العمال الأمريكيون لتحديد أنفسهم بأنهم مواطنون فقد كافحوا أيضا ليصبحوا بيضا. ويلفت أولسون لى أن هناك مرحلتان للديمقراطية البيضاء، تفصل بينهما حركة الحقوق المدنية. ويعالج الفصلان الثاني والثالث مشكلة المواطن الأبيض في المرحلة الأولى وفي مرحلة ما بعد حركة الحقوق المدنية، حيث يصبح البياض معيارا يجعل مزايا البيض المتراكمة تترسب في عمليات المجتمع العادية أكثر مما هو تعبير عن المكانة.

يخلص أولسون في الفصل الأخير من كتابه إلى رسم مخطط قاتم لـ "الديمقراطية الإلغائية" وهي سياسة، بحسب ما يقول، من شأنها أن تلغي المواطن الأبيض من أجل توسيع المشاركة الديمقراطية، بالإضافة لى التخلص من النظام العرقي. وفي هذا الصدد يقترح استثمار إمكانات "الفكر السياسي الراديكالي الأسود" وسيلة لإعادة تخيل الديمقراطية، ولتخفيف البراغاماتية الخانقة في النظرية الديمقراطية المعاصرة.

يرى أولسون أن النظرية الديمقراطية ـ الإلغائية تقدم الأدوات الفكرية لتبديد "العفريت" على حد تعبيره، فهي ترى أن المواطنة البيضاء هي العقبة الأساسية أمام المشاركة الديمقراطية، وهي تشدد على القوة لا على الاعتراف، وعلى الامتياز لا على الاستبعاد، وهي تفترض أن الدافع إلى ديمقراطية أوسع لا يكمن في مجتمع لا عرقي، ولا في منح جدارة متساوية لجميع الأعراق، بل في رؤية عالم لا يحتاج فيه أحد لأن يكون أبيض. إنها سياسة قائمة على مبدأ بسيط: لا يمكن لأي امتياز أن يضاهي عالما خاليا من الامتيازات.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب الديمقراطية السياسة امريكا كتاب سياسة ديمقراطية عرض كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة من هنا وهناك أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدیمقراطیة الأمریکیة یکمن فی من أجل لا على على أن

إقرأ أيضاً:

مخاوف من تصاعد صراع الكونغو الديمقراطية إلى حرب إقليمية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

يثير طلب جمهورية الكونغو الديمقراطية الحصول على دعم عسكري لمواجهة هجوم متمردي حركة "أم 23" المستمر منذ أشهر تساؤلات حول احتمال تحول الصراع في هذا البلد الواقع وسط إفريقيا إلى مواجهة إقليمية واسعة النطاق.

وفي إطار الاتفاقيات الأمنية والعسكرية، تدخلت بوروندي المجاورة لدعم القوات النظامية الكونغولية في محاولتها التصدي للمتمردين، الذين حققوا تقدمًا ميدانيًا وسيطروا على مناطق استراتيجية في شرق البلاد. كما أرسلت الحكومة الكونغولية وفدًا إلى تشاد للقاء رئيسها محمد إدريس ديبي إنتو، بهدف بحث إمكانية الحصول على دعم عسكري إضافي.

يسعى الرئيس الكونغولي، فيليكس تشيسيكيدي، إلى وقف زحف "أم 23" بكافة الوسائل، سواء عبر الجهود الدبلوماسية أو التحركات العسكرية.

وفي هذا السياق، يرى المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الإفريقية، محمد تورشين، أن "الكونغو الديمقراطية تحاول بكل السبل تأمين دعم إقليمي، وطلبها المساعدة من تشاد يعكس أهمية الجيش التشادي، الذي يتمتع بخبرة كبيرة في مواجهة الجماعات المسلحة مثل بوكو حرام في منطقة الساحل الإفريقي".

وأضاف تورشين في تصريح لـ"إرم نيوز" أن الجيش الكونغولي يأمل في الاستفادة من خبرة الجيش التشادي، نظرًا لاعتماد الحركات المتمردة في المنطقة على تكتيكات حرب العصابات، وهو الأسلوب الذي يجيده الجيش التشادي.

وأشار إلى أن استجابة تشاد لطلب الكونغو الديمقراطية قد تعزز فرص كينشاسا في وقف تقدم "أم 23"، كما قد تفتح الباب أمام تعاون عسكري أوسع بين دول المنطقة لتعزيز الأمن والاستقرار. واعتبر أن ذلك لن يكون في مصلحة الجماعات المتمردة والانفصالية، لأن التحالفات الإقليمية القوية قد تحد من نفوذها وتضعف أي دعم خارجي تتلقاه.

بينما تُعد بوروندي حليفًا رئيسيًا للكونغو الديمقراطية، تواجه رواندا اتهامات بدعم متمردي "أم 23"، مما يزيد من احتمالات توسع دائرة الحرب.

وفي هذا السياق، حذر المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الإفريقية، قاسم كايتا، من أن "أي دعم عسكري من تشاد للكونغو الديمقراطية، سواء عبر العتاد أو القوات، قد يؤدي إلى تفاقم الصراع واتساع نطاقه، بل وربما يصل إلى مستوى التدخل الدولي".

وأضاف كايتا لـ"إرم نيوز" أن "شرق الكونغو الديمقراطية غني بالموارد الطبيعية، مما يجعله محل أطماع العديد من الأطراف. وبالتالي، فإن تدخل جهات خارجية قد يؤدي إلى تدويل النزاع، بدلًا من احتوائه، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني في المنطقة".

في ظل هذه المعطيات، يبقى مصير الصراع في الكونغو الديمقراطية رهنًا بتطورات الدعم العسكري الإقليمي والدولي، وما إذا كان سيؤدي إلى حل الأزمة أو تصعيدها إلى حرب إقليمية شاملة.

مقالات مشابهة

  • رئيس "الإنجيلية" يشكر السيسي على قرار إعادة تشكيل مجلس أوقاف الطائفة
  • قراءة تفكيكية في كتاب “التصوف والسياسة في السودان” للدكتور عبد الجليل عبد الله صالح
  • مخاوف من تصاعد صراع الكونغو الديمقراطية إلى حرب إقليمية
  • تصاعد التوتر في الكونغو الديمقراطية وسط تحركات إقليمية لمواجهة متمردي أم 23
  • وزيرة الشباب مثّلت رئيس الحكومة في حفل اختتام ورشة شبابية حول المواطنة
  • «الحماية الاجتماعية» سلطنة عمان .. فصاحة سياسية وجماليات المواطنة
  • السوداني يقدم كتاب شكر وتقدير بمناسبة عيد المعلم
  • العراق في موقع سيء بمؤشر الديمقراطية لعام 2024
  • الدار البيضاء: توقيف شخص وحجز 2825 قرصًا مخدرًا
  • السياسة الطاقية بالمغرب.. أية رهانات للانتقال؟ قراءة في كتاب