التمييز العنصري جزء من الديمقراطية الأمريكية.. قراءة في كتاب
تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT
الكتاب: إلغاء الديمقراطية البيضاء
المؤلف: جويل أولسون
المترجم: عبدالله فاضل
الناشر : أطلس للنشر والتوزيع
يقوم هذا الكتاب، للأكاديمي والناشط الراحل جويل أولسون(1967-2012)، على سؤال محوري يبحث في ما إذا كانت السياسات والممارسات العنصرية الأمريكية جزء مكون من التقاليد الديمقراطية في هذا البلد، والديمقراطية البيضاء ذاتها، وليست نقيضا لها؟
على عكس الافتراض السائد بأن التمييز العنصري والديمقراطية نقيضان، أي أن هناك تناقض بين مثل الديمقراطية الأمريكية وممارساتها يمكن معالجته بالإصلاحات المؤسسية، أو بنشر الوعي .
وفي التمهيد للكتاب الذي وضعه باسيليوس زينو، أستاذ العلوم السياسية بجامعة يورك / كندا، يشرح زينو كيف أنه على الرغم من أن الكيان السياسي الأمريكي هو كيان ديمقراطي، فإن "عرقنة" المواطنة منذ لحظة التأسيس سمحت للمواطن الأبيض، كما يجادل أولسون، بأن يحتل مكانة عرقية تتيح له في الوقت ذاته أن يشعر بالمساواة مع بقية المواطنين البيض والامتياز على غير البيض، فالمواطنة الأمريكية لم تكن فقط هوية سياسية تحدد الحقوق والواجبات ضمن الحيز العام، بل كانت تاريخيا شكلا من أشكال الوضع الاجتماعي الذي حدد من يحق له أن يكون عضوا كاملا مساهما في الجمهورية الأمريكية، ومن يحظر عليه ذلك.
ويرى زينو أن أهمية الكتاب تكمن في تتبع جذور "التناقض الظاهري" الذي يسمح باستمرار اشكال من العنصرية والمواطنة السلبية ضمن أطر الديمقراطية الأمريكية البيضاء،إضافة إلى أنه يتناول أسس منظومة الهيمنة العرقية التي وضعت لاستغلال عمل الأمريكيين الأفارقة. ويضيف أن أولسون يركز على البياض وعلى كيفية ارتباطه بالمواطنة، وعلى علاقات القوة، وعلى المشاركة، واضعا مفهوم العرق في سياقه التاريخي. كما يدعو إلى التفكير بنظرية سياسية عن العرق، ولكنه لا يقصد ب"العرق" الإشارة إلى اختلافات بيولوجية أو ثقافية بين البشر. فهو يرى أن العرق يكتسب معناه من تحويله إلى إطار ينظم الناس في مجموعات وأدوار محددة بهدف حكم الكيان السياسي، وأن سياق ظهوره يرتبط بالمراحل الأولى من تطور الرأسمالية.
معضلة أمريكية
يبدأ أولسون كتابه بالتأكيد على حقيقة أن المجتمع الأمريكي يعيش تناقضات حادة إذ تتخلل القضايا العرقية، تقريبا، كل جانب من جوانب الحياة في الولايات المتحدة، وبقدر ما يبدو التمييز والديمقراطية متناقضين فإنهما، على نحو ما، متعايشان في النظام السياسي الأمريكي. ويشير إلى ما ذكره المنظّر السياسي وليام بورغارت دوبويز في كتابه"غسق الفجر" حول أن العرق يمثل مشكلة مركزية تواجه الديمقراطية في الولايات المتحدة والعالم.
ومن الأسئلة التي تثيرها هذه المشكلة هو كيف يستطيع الأمريكيون الأفارقة والملونون في أنحاء العالم، أن يصبحوا جزءا من الديمقراطية التي كانت فيما ممضى حكرا على البيض؟ وكيف ستتحول الديمقراطية الأمريكية ، على سبيل المثال، إذا ما جردت من سيادة البيض؟ هل ستصير ببساطة أشمل، أم أن طبيعتها ستتغير جوهريا؟.
ويرى أولسون أن النظرية السياسية لم يكن لديها الكثير لتجيب به عن أسئلة دو بويز، لأنها لم تنظّرللعرق بوصفه فئة سياسية، لقد تم التعامل معه على أنه أمر يقع خارج السياسة. وفي السياق ذاته يرى جونار ميردال في كتابه"معضلة أمريكية" أن الامريكيون عموما متمسكون بقيم المساواة والكرامة الأساسية والحق بالعدالة والفرص العادلة، وهي القيم التي نص عليها إعلان الاستقلال، لكن المشكلة تكمن في أن مثال المساواة لا يتجسد دائما في الواقع.
يقول أولسون إن تأثير ميردال يخيم على المحاولات المعاصرة لمعالجة "المعضلة" العرقية حتى بين نقّاده مثل روجر سميث. كلاهما يؤمن أن المثل الديمقراطية متمايزة عن الممارسات والأيديولوجيات العرقية،ولذلك فكلاهما يعزل العرق عن الديمقراطية. إذ يعتقد ميردال أنه إذا امتلك المزيد من البيض وعيا كاملا بالتناقض بين إيمانهم بالمساواة الإنسانية وحقيقة خضوع السود، فسيعملون من أجل إزالة الفجوة بين المثل والممارسات.
ويتابع أولسون: لكن ماذا لو فهمنا العبودية، والاستيلاء على أراضي الهنود الأمريكيين، وتشريعات جيم كرو، وبرامج المزارعين المكسيكيين، على أنها متناغمة تماما مع التقليد الديمقراطي، لا على أنها حلقات مؤسفة من انتهاك أعراف المساواة في ذلك التقليد؟.
يرى أولسون أن النظرية الديمقراطية ـ الإلغائية تقدم الأدوات الفكرية لتبديد "العفريت" على حد تعبيره، فهي ترى أن المواطنة البيضاء هي العقبة الأساسية أمام المشاركة الديمقراطية، وهي تشدد على القوة لا على الاعتراف، وعلى الامتياز لا على الاستبعاد، وهي تفترض أن الدافع إلى ديمقراطية أوسع لا يكمن في مجتمع لا عرقي ويلفت أولسون إلى رأي المؤرخ إدموند مورغان الذي يقول أن صعود الحرية والمساواة في هذا البلد (الولايات المتحدة) ترافق مع صعود العبودية. فليس هناك تناقض بين المثل الديمقراطية وممارسات العبودية، فلقد اعتمدت أولاهما على القاعدة الاقتصادية للثانية.
ويعتقد مورغان أنه هاهنا تكمن المفارقة المركزية في التاريخ الأمريكي. يقول أولسون ليست المسألة في أن التمييز العرقي يشكل"معضلة" للأمريكيين البيض، ولا في أن المواطنة الليبرالية تتعايش مع التقاليد التي تستبعد الملونين، إنما هي بالأحرى في أن بنية المواطنة الأمريكية ذاتها بيضاء، إن جل التاريخ الأمريكي يتلخص في: أن تكون مواطنا يعني أن تكون أبيض، والعكس صحيح. إن الاضطهاد العرقي يجعل الديمقراطية التامة مستحيلة، لكنه أيضا قد جعل الديمقراطية الأمريكية ممكنة. وبالعكس جعلت الديمقراطية الأمريكية الاضطهاد العرقي ممكنا. إذ لا العبودية و لا الفصل العنصري كان من الممكن أن يستمر من دون موافقة الأغلبية البيضاء الضمنية أو الصريحة. فالديمقراطية الأمريكية ديمقراطية بيضاء، كيان سياسي تحكمه مصالح المواطنين البيض، وتتميز بعلاقات المساواة والامتياز في الان ذاته: مساواة بين البيض الذين يتمتعون بامتيازات بالمقارنة مع أولئك الذين ليسوا بيضا.
تحالف الطبقات الأبيض
يرى أولسون أن التحدي المركزي هو كيفية توسيع المشاركة السياسية في مجتمع اتسم تاريخيا بالتمييز العرقي، ويعتقد أن مفتاح هذا التحدي يكمن في المواطن الأبيض، وأن مهمة السياسة الديمقراطية هي إلغاء هذا المواطن. ويقول أنه في السنوات التكوينية من الديمقراطية الأمريكية كانت المواطنة دليلا حسيا، واقعيا جدا، على أن المرء ليس عبدا، ولا يمكن أن يصير عبدا.
يقترح أولسون في الفصل الأول من كتابه، مستخدما أعمال دو بويز، تعريفا سياسيا للعرق يبين ما هو البياض، وكيف أنه أساسي للتجربة الديمقراطية الأمريكية. ويجادل بأن تحالفا عابرا للطبقات يكمن في أساس النظام العرقي الأمريكي، تحالف بين الطبقة المسيطرة وشريحة من الطبقة العاملة، وهذا التحالف يمنح الامتيازات لأعضائه، وهم مقابل ذلك يضمنون الاستقرار الاجتماعي الضروري لمراكمة رأس المال.
يقول أولسون إن دوبويز يرى أن هذا التحالف ينتج نوعا عالمين من العرق، العالم الأبيض والعالم الداكن. وفيما يتمتع العالم الأبيض بالحقوق الديمقراطية والمساواة السياسية، يخضع العالم الداكن لطغيان الأغلبية البيضاء.
ويطبق أولسون هذه النظرية عن العرق على المواطنة الأمريكية في الفصل الثاني حيث يقدم عرضا تاريخيا موجزا لأصول المواطنة البيضاء، ويبين أن النضال من أجل المواطنة كان أيضا نضالا من أجل الانضمام إلى التحالف عابر الطبقات. فحين كافح العمال الأمريكيون لتحديد أنفسهم بأنهم مواطنون فقد كافحوا أيضا ليصبحوا بيضا. ويلفت أولسون لى أن هناك مرحلتان للديمقراطية البيضاء، تفصل بينهما حركة الحقوق المدنية. ويعالج الفصلان الثاني والثالث مشكلة المواطن الأبيض في المرحلة الأولى وفي مرحلة ما بعد حركة الحقوق المدنية، حيث يصبح البياض معيارا يجعل مزايا البيض المتراكمة تترسب في عمليات المجتمع العادية أكثر مما هو تعبير عن المكانة.
يخلص أولسون في الفصل الأخير من كتابه إلى رسم مخطط قاتم لـ "الديمقراطية الإلغائية" وهي سياسة، بحسب ما يقول، من شأنها أن تلغي المواطن الأبيض من أجل توسيع المشاركة الديمقراطية، بالإضافة لى التخلص من النظام العرقي. وفي هذا الصدد يقترح استثمار إمكانات "الفكر السياسي الراديكالي الأسود" وسيلة لإعادة تخيل الديمقراطية، ولتخفيف البراغاماتية الخانقة في النظرية الديمقراطية المعاصرة.
يرى أولسون أن النظرية الديمقراطية ـ الإلغائية تقدم الأدوات الفكرية لتبديد "العفريت" على حد تعبيره، فهي ترى أن المواطنة البيضاء هي العقبة الأساسية أمام المشاركة الديمقراطية، وهي تشدد على القوة لا على الاعتراف، وعلى الامتياز لا على الاستبعاد، وهي تفترض أن الدافع إلى ديمقراطية أوسع لا يكمن في مجتمع لا عرقي، ولا في منح جدارة متساوية لجميع الأعراق، بل في رؤية عالم لا يحتاج فيه أحد لأن يكون أبيض. إنها سياسة قائمة على مبدأ بسيط: لا يمكن لأي امتياز أن يضاهي عالما خاليا من الامتيازات.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب الديمقراطية السياسة امريكا كتاب سياسة ديمقراطية عرض كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة من هنا وهناك أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدیمقراطیة الأمریکیة یکمن فی من أجل لا على على أن
إقرأ أيضاً:
وزير الخارجية: قيم الكرامة الإنسانية والعدالة والمساواة وعدم التمييز والتسامح من الركائز الأساسية لمصر
ترأس الدكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية والهجرة رئيس اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، اليوم الثلاثاء ٢٨ يناير، الوفد المصرى المشارك في جلسة الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان، في المجلس الدولي لحقوق الإنسان بجنيف، وذلك بمشاركة كل من: الدكتورة مايا مرسى وزيرة التضامن الاجتماعى، والمستشار محمود فوزي، وزير شئون المجالس النيابية والقانونية والتواصل السياسى، والدكتور ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المنسق العام للحوار الوطنى ورؤساء المجالس القومية للمرأة والطفولة والأمومة والأشخاص وذوى الإعاقة ورئيسة اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة عير الشرعية والاتجار في البشر، وممثلى الجهات الوطنية المختلفة ووزارتي العدل والعمل والنيابة العامة.
وزير اللخارجية والوفد المشارك في جلسة حقوق الإنسانوفيما يلى نص كلمة الدكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية ورئيس الوفد المصري
"السيد الرئيس، السادة رؤساء وأعضاء الوفود، السيداتُ والسادة،
أتشرف بالتواجد معكم اليوم في هذا المجلس الموقر لرئاسة الوفد المصري في إطار آلية الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان.. وأود أن أؤكد في البداية حرص مصر على التفاعل مع هذه الآلية، ومع مجلس حقوق الإنسان بوجه عام كمحفل هام لتبادل الخبرات وأفضل الممارسات، من خلال الحوار الموضوعي البناء القائم على أسس الاحترام المتبادل، والفهم للظروف وللتحديات وللقيم السائدة في كل مجتمع.
السيد الرئيس،
يعكس التقرير الوطني المقدم إلى آلية الاستعراض حجم الإنجازات التي تحققت في تنفيذ التوصيات التي تلقتها مصر من أخر مراجعة دورية لها في عام 2019، والتي ساهمت في تعزيز الجهود الوطنية الرامية إلى تحسين المناخ العام للحقوق والحريات، وذلك على الرغم من التحديات التي كانت ولاتزال تواجه مصر، بسبب الأزمات المتتالية التي شهدها العالم، والواقع الإقليمي المضطرب الذى تتواجد فيه.
ولقد تلقت مصر خلال جلسة الاستعراض الأخيرة لها في عام 2019 عدد 372 توصية، قبلت منها 301 توصية، وكثفت مؤسسات الدولة جهودها خلال الخمس سنوات الماضية لتنفيذ التوصيات التي قبلتها، وسيستعرض الوفد المصري بالتفصيل خلال الجلسة الجهود الحثيثة التي بذلت في هذا الشأن.
السيد الرئيس،
إن النهوض بأوضاع حقوق الإنسان في مصر بمفهومها الشامل، فى القانون والممارسة، لم يكن ليتحقق دون إرادة سياسية قوية، وبتوجيهات من فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، في إطار إقامة جمهورية جديدة وبناء دولة مدنية حديثة قائمة على أسس المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، دولة يتمتع فيها جميع مواطنيها بثمار التنمية دون تمييز.
ومما لا شك فيه أن وفاء مصر بتعهداتها الدولية في مجال حقوق الإنسان يعد جزءً من الرؤية الوطنية الشاملة، التي أتاحت لنا، خلال السنوات الماضية، إحراز تقدم مشهود على جميع المستويات، مع توفيرها أفاقًا رحبة لتحقيق المزيد من تطلعات الشعب المصري التي جسدها الدستور، في ظل شراكة مثمرة بين الدولة والمجتمع المدني والشركاء الدوليين والاقليميين، بهدف تعزيز حقوق المواطن المصري، وصون حريته، وكرامته الإنسانية، وتأكيد حقه في الحياة الكريمة الآمنة المزدهرة، وذلك من خلال إتباع مقاربة مصرية استندت إلى خمسة محاور أساسية على النحو التالي:
أولًا: صياغة واعتماد أول استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان للفترة 2021- 2026 تحت رعاية السيد رئيس الجمهورية، بمبادرة وطنية خالصة، ولمصلحة المواطن المصري في المقام الأول، لتحسين حياته وضمان تمتعه بحقوقه بمفهومها الشامل، وهى الاستراتيجية التي تم اعدادها بالتشاور مع كافة أصحاب المصلحة، وبالاستفادة من الخبرات الدولية واستنادًا إلى التوصيات التي تلقتها مصر من جلسة الاستعراض الأخيرة والآليات التعاهدية، ويحرص السيد رئيس الجمهورية على متابعة تنفيذ الاستراتيجية والاطلاع على تقارير تنفيذها حيث قمت بتسليم سيادته التقرير التنفيذي الثالث بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الانسان.
ثانيًا: مواصلة جهود توفير مناخ عام مواتي لتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية التي كفلها الدستور المصري، وهو ما تجسد في عدد من القرارات الهامة التي تم اتخاذها خلال الفترة الماضية، وفي إطار تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في مقدمتها إلغاء حالة الطوارئ في عام 2021، وتفعيل لجنة العفو الرئاسي لمراجعة سجلات المحكوم عليهم، والتي أسفر عنها افراجات متواترة لأعداد ممن تنطبق عليهم شروط العفو. بالإضافة إلى المراجعة المستمرة لقوائم الإرهاب ورفع أسماء عدد من المدرجين عليها، لمنح فرصة ثانية لمن توقفوا عن ممارسة النشاط الإرهابي، خاصة من الشباب وإعادة دمجهم في المجتمع، والغلق الكامل للقضية رقم 173 المعروفة بقضية التمويل الأجنبي مما ساهم في فتح صفحة جديدة مع المجتمع المدني، اعترافًا بالدور الهام الذي يلعبه كشريك أساسي في تحقيق التنمية.
ثالثًا: حماية وتعزيز حقوق الإنسان بمفهومها الشامل وعدم إعطاء أولوية لأى مجموعة من الحقوق على حساب مجموعة أخرى، من خلال اطلاق وتنفيذ عدد من المبادرات والمشروعات التي ساهمت في تعزيز الحقوق السياسية والمدنية بالتوازي مع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لضمان استدامة جهود التنمية، ومنها على سبيل المثال مبادرة الحوار الوطني التي شهدت جلساته مشاركة واسعة من كافة أطياف المجتمع المصري والأحزاب السياسية والمجتمع المدني لمناقشة عدد من القضايا الهامة، بما في ذلك قضايا شائكة لم تكن مطروحة منذ عقود، تعزيزًا للحق في المشاركة في الحياة السياسية والعامة والحق في حرية الرأي والتعبير. بالإضافة إلى تعزيز الحق في حرية الدين والمعتقد الذى يحتل أولوية متقدمة لدى القيادة السياسية في مصر لترسيخ قيم المواطنة والتسامح والتعايش السلمي. بالتوازي مع ذلك تم تنفيذ عدد من البرامج والمشروعات القومية لتحسين مستوى المعيشة للمواطنين وتعزيز الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر احتياجًا مثل مشروع حياة كريمة وبرنامج تكافل وكرامة، وتكللت هذه الجهود مؤخرًا بإطلاق مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان" والتي تهدف إلى بناء المواطن المصري وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية.
رابعًا: اتباع نهج قائم على احترام التزاماتنا الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان وضمان اتساق التشريعات والسياسات والبرامج والاستراتيجيات الوطنية مع هذه الالتزامات، من خلال تعديل عدد من التشريعات واستحداث تشريعات جديدة، أبرزها قانون تنظيم العمل الأهلي الذى كفل للمجتمع المدني العمل وتلقى التمويل بحرية، بالإضافة إلى مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد الجاري مناقشته في مجلس النواب، والذى سيحدث عند اعتماده ثورة تشريعية في مجال العدالة الجنائية لا سيما فيما يتعلق بضوابط ومدد الحبس الاحتياطي. كما عززت مصر من بنيتها المؤسسية بتفعيل اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان مطلع عام 2020 كمحرك لكافة جهود الدولة، وتم تكثيف برامج التدريب وبناء القدرات للعاملين في مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى تطوير الفلسفة العقابية من خلال غلق عدد كبير من السجون واستحداث مراكز جديدة للإصلاح والتأهيل تتسق مع أحدث المعايير الدولية بدلًا منها، فضلا عن جهود نشر ثقافة حقوق الإنسان لخلق أجيال جديدة واعية لما لها من حقوق وما عليها من واجبات.
خامسًا: تعزيز الانخراط مع الآليات الدولية والإقليمية المعنية بحقوق الإنسان، عبر الانتظام في تقديم التقارير الوطنية ذات الصلة.
السيد الرئيس،
بالإضافة إلى ما تقدم، تتواصل الجهود لتمكين جميع المواطنين من التمتع بحقوقهم التي كفلها لهم الدستور والقانون، بما في ذلك المرأة والطفل والشباب والأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن.
ولم تدخر مؤسسات الدولة المصرية جهدًا في سبيل تمتع الأجانب المقيمين على أراضيها بحقوقهم، وتحملت مسئولية كبيرة نيابة عن المجتمع الدولي لسنوات طويلة عبر استضافتها لأعداد هائلة من المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء بلغت حتى الآن 10.7 مليون أجنبي من 62 جنسية، وتحرص مصر على ضمان تمتعهم بكافة الخدمات الأساسية وإدماجهم في المجتمع المصري، وعدم إلزامهم بالبقاء في مخيمات أو مراكز للاجئين.. وأقولها بصراحة...إن قدرتنا على الاستيعاب ومواصلة الصمود باتت على المحك، لا سيما في ظل ضعف الدعم الدولي بما لا يتناسب مع حجم الضغوط الواقعة علينا. وتؤكد مصر تمسكها بثوابت موقفها الرافض لكافة مساعي التهجير أو تشجيع نقل أو اقتلاع الشعوب من أراضيهم سواء كان بشكل مؤقت أو طويل الأجل وبما يهدد الاستقرار ويقوض فرص السلام والتعايش بين الشعوب.
وختامًا، أؤكد لكم عزم مصر بإرادة سياسية متمثلة في السيد رئيس الجمهورية على المضي قدمًا نحو بذل مزيد من الجهود لتلبية طموحات شعبها العظيم في العيش الكريم والحياة الأمنة، وصون حقوقه وحرياته، وهى المسألة التي تحتل أولوية متقدمة وتمثل بوصلة أساسية في الجمهورية الجديدة، إذ باتت قيم الكرامة الإنسانية والعدالة والمساواة وعدم التمييز والتسامح من الركائز الأساسية لجميع الخطط والبرامج والاستراتيجيات الوطنية، ونتطلع إلى نقاش تفاعلي خلال الجلسة التي حرصنا على المشاركة فيها بوفد رفيع المستوى يضم السيدة وزيرة التضامن الاجتماعي والسيد وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات، ورؤساء المجالس القومية للمرأة والطفولة والأمومة وذوى الإعاقة واللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية وممثلين عن وزارات الخارجية والعدل والعمل والنيابة العامة، والأمانة الفنية للجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان.
شكرًا سيدي الرئيس."