حرب السودان و «دس المحافير»
تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT
حرب السودان و «دس المحافير»
فيصل محمد صالح
تتحدث كل أطراف النزاع السوداني والناشطون السودانيون بمرارة عن تقاعس المجتمع الدولي ودول الإقليم عن مساعدة السودان، وربما يضربون المثل بمناطق أخرى من العالم يهتم بها العالم ويعطيها الأولوية. في الوقت نفسه ربما تسمع الأطراف نفسها تتحدث عن رفضها للتدخل الدولي، وتصوغ الجمل الحماسية والهتافية عن السيادة السودانية.
قراءة وقائع الفترة الماضية ربما لا تصلح وحدها ولا تعين على محاولة البحث عن إجابة، ولا بد من الرجوع لماضي الحروب والأزمات السودانية، من حروب الجنوب، لحرب دارفور، وشرق السودان، للأزمات السياسية التي حدثت بعد فض الاعتصام، ثم ما حدث بعد انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، والاتفاق الإطاري، وحتى حرب الخامس عشر من أبريل (نيسان) الماضي التي لا تزال فصولها تجري الآن.
النتيجة المؤلمة، والتي ربما تكون جارحة للكرامة السودانية، لا تميل لصالح الحلول السودانية من دون تدخل خارجي، ففي كل المرات التي ذكرناها، لم يفلح السودانيون ولا مرة واحدة في حل مشاكلهم بأنفسهم، واحتاجوا دائماً إلى تدخل خارجي، إقليمي أو دولي، رغم أنهم استطاعوا قبل 67 عاماً إخراج دولتهم الوليدة من قبضة الاستعمار عبر توافق وطني نادر على إعلان الاستقلال من داخل البرلمان بالإجماع.
ولا يغرنك جعجعة البعض عندما يرون أن نتائج التدخل الدولي ليست في مصلحتهم، فيتباكون على السيادة الوطنية والكرامة المهدرة ويخرجون المسيرات بطرد فلان ومقاطعة علان، فتاريخهم هو الأكثر سواداً وظلاماً في تاريخ السودان، وأنا أعني أنصار النظام السابق الذين يقودون الآن الحملات ويسيطرون على مراكز القرار. فقد بدأت مفاوضات حل مشكلة الجنوب بوساطة منظمة «الإيغاد»، وقد تأبوا ورفضوا ثم جاءوا وجلسوا صاغرين لكل ممثلي النظام العالمي وأجهزة مخابراته ووقعوا على بروتوكول مشاكوس ثم اتفاقيات نيفاشا. بل إن بروتوكول آبيي الذي لا يزال يشكل مسمار جحا، كتبه المبعوث الأميركي من الألف للياء وأعطاه لممثلي الطرفين فوقعوا عليه.
وكل مفاوضات دارفور تمت بتدخل وسطاء دوليين، في أبوجا وفي الدوحة وأديس أبابا، وتبع ذلك دخول بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي المشتركة (يوناميد)، بمشاركة ما يقارب ثلاثين ألفاً من القوات الدولية. ثم بعد ذلك بدأت محاولات حل النزاع السياسي عبر وساطة الرئيس الجنوب أفريقي الأسبق ثابو أمبيكي، فيما عرف بمفاوضات خريطة الطريق. وكانت قمة الخزي حين جلس رئيسهم أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يترجاه أن ينقذهم من الضغوط الأميركية.
هل يعني ذلك أن التدخل الدولي أمر حميد لا بد منه، ولا بد أن نصطف ونرفع له اللافتات…؟
بالتأكيد لا، هو الدواء المر الذي له أعراض جانبية وتأثيرات سالبة، والأفضل منه بالتأكيد أن ينظر القادة السودانيون لحال بلادهم وشعبهم، فيقرروا الاعتراف بأخطائهم، ويعترفوا بالحالة المزرية التي أوصلوا لها البلاد، ثم يقرروا أن يتواضعوا ويجلسوا ويقدموا التنازلات المتبادلة لمصلحة الوطن والشعب.
ما قلته هو نوع من التفكير الرغبوي الذي لا توجد مؤشرات على قرب حدوثه، والبديل بالتالي للحفاظ على سلامة ما تبقى من البلاد وصيانة حيوات الملايين من السودانيين النازحين واللاجئين هو القبول بالوساطات الإقليمية والدولية والانخراط فيها بجدية واحترام لهذه الجهود.
تداعى الوسطاء الإقليميون والدوليون لمنبر جدة، فأفسدته ألاعيب الساسة ولم يستطع أن يتقدم خطوة، ثم عملا بسياسة «التبضع بين المبادرات»، انتقلوا لمبادرة «الإيغاد» ومدحوها سراً وجهراً، لكن سرعان ما انقلب عليها البرهان ووزارة خارجيته ببيانات «اللولوة» والتسويف. وحين حاصرتهم بقرار اللقاء المباشر غاب حميدتي فجأة من دون تفسير، ثم قال المقربون منه إنه لا يثق بالبرهان ووعوده لهذا اشترط وجود الوسطاء في اللقاء. هذه حجة لا يمكن بلعها، وهي لعب بالبديهيات، فراعي الضأن في الخلاء يعرف أن لا ثقة بين الرجلين، وإلا لما قامت الحرب، ولكن ما دام الطرفان قد وافقا على اللقاء فالأحرى أن يتم اللقاء، ثم إذا تنكر طرف حق للمجتمع الإقليمي والدولي أن يتخذ ضده كل ما يمكن من العقوبات.
وآخر المساخر ما تم خلال قمة «الإيغاد» الطارئة يوم الخميس الماضي في عنتيبي، فقد حضرها حميدتي وقاطعها قائد الجيش البرهان واشترط أن يتم اللقاء المبرمج بينه وبين حميدتي أولاً، وهي مجرد حجة، فلو ذهب لعنتيبي لتم اللقاء هناك، سواء على انفراد أو بحضور رئيس «الإيغاد» وربما قادة آخرين.
يشتم السودانيون المجتمع الدولي والإقليمي لعدم التدخل، وحين يتدخل بالوساطة يتهربون و«يدسون المحافير»، وهو مثل شعبي سوداني يتهكم على من جاءه الناس ليساعدوه في دفن جثمان أبيه فأخفى أدوات الحفر.
إن لم يستطع القادة السودانيون صناعة حل سوداني وعجزت هممهم عن ذلك، فليساعدوا الوسطاء الإقليميين والدوليين بنصف همة… لعل وعسى.
الوسومالبرهان الجيش الدعم السريع المجتمع الدولي انقلاب حرب السودان فيصل محمد صالحالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: البرهان الجيش الدعم السريع المجتمع الدولي انقلاب حرب السودان
إقرأ أيضاً:
تصريحات لممثل الولايات المتحدة بالأمم المتحدة في مجلس الأمن الدولي بشأن السودان وجنوب السودان
شكرا سيدتي الرئيسة، وأود أن أوجه الشكر أيضا للمديرة التنفيذية لوكالة الأمم المتحدة المعنية بالأطفال (اليونيسف) كاثرين راسل والأمين العام لأطباء بلا حدود كريستوفر لوكيير على إيجازيكما بشأن التطورات المروعة التي تتكشف في السودان، تدين الولايات المتحدة بشديد العبارة أعمال العنف الجنسي المرتبط بالصراع والمنتشرة في البلاد بحسب التقارير،
تصريحات للقائمة المؤقتة بأعمال الممثل الدائم للولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة السفيرة دوروثي شيا في خلال إيجاز في مجلس الأمن الدولي بشأن السودان وجنوب السودان
13 آذار/مارس 2025
بعثة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة
مكتب الصحافة والدبلوماسية العامة
القائمة المؤقتة بأعمال الممثل الدائم للولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة السفيرة دوروثي شيا
13 آذار/مارس 2025
بحسب إلقائها
شكرا سيدتي الرئيسة، وأود أن أوجه الشكر أيضا للمديرة التنفيذية لوكالة الأمم المتحدة المعنية بالأطفال (اليونيسف) كاثرين راسل والأمين العام لأطباء بلا حدود كريستوفر لوكيير على إيجازيكما بشأن التطورات المروعة التي تتكشف في السودان.
تدين الولايات المتحدة بشديد العبارة أعمال العنف الجنسي المرتبط بالصراع والمنتشرة في البلاد بحسب التقارير، والتي يرتكبها عناصر قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها على نطاق واسع. لا يمكن حتى تصور أعمال العنف المروعة هذه، بما في ذلك عمليات الاغتصاب الفردي والجماعي بحق نساء وأطفال لا يتجاوز عمرهم العام الواحد في بعض الحالات.
لقد انتشرت الأعمال الوحشية المماثلة في منطقة دارفور بشكل خاص بحسب ما أبلغ عنه فريق الخبراء التابع للجنة المعنية بالسودان بموجب القرار 1591، ونحن نرحب بالتقارير الحاسمة الصادرة عن هذا الفريق والخبرة التي يتمتع بها بشأن هذه المسائل وغيرها من القضايا.
ولكن الجرائم المروعة التي تحدث عنها مقدمو الإيجازات اليوم قد وقعت في مختلف أنحاء السودان. لقد تضاعف عدد المعرضين لخطر أعمال العنف الجنسي المرتبط بالصراع مقدار ثلاث مرات في غضون أقل من عامين، وبات يقارب 12,1 مليون شخص، أي 25 بالمئة من سكان البلاد. ولا بد من محاسبة مرتكبي هذه الأعمال.
وكما سمعنا، لم يوفر مرتكبو هذه الأعمال الرجال والفتيان، على الرغم من استهدافهم النساء والفتيات بشكل رئيسي، ونجد بين الضحايا مئات الأطفال، لذا لا بد من أن ينتهي ذلك على الفور.
نحن ندعم توصية فريق الخبراء بشأن محاسبة مرتكبي هذه الأعمال المروعة ومن يطيلون أمد العنف من خلال انتهاك الحظر المفروض على الأسلحة. وقد تم تفصيل هذه الانتهاكات بشكل مسهب في تقرير الفريق الأخير، والذي وصف عمليات نقل متكررة للأسلحة إلى دارفور من أراضي الدول المجاورة للسودان.
ونشارك فريق الخبراء قلقه إزاء استمرار الأعمال العدائية والقتال، مما أدى إلى إغلاق طرق رئيسية لتسليم المساعدات الإنسانية إلى أجزاء من دارفور.
وتدعو الولايات المتحدة الأطراف المتحاربة في السودان إلى وقف الأعمال العدائية بشكل فوري، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية بلا عوائق، وحماية المدنيين. لقد أوضحنا للطرفين أن مصالحنا تتمثل في استعادة السلام وإنهاء الصراع، فالسماح باستمرار هذا النزاع يشكل تهديدا للاستقرار والأمن في المنطقة وخارجها.
ونحن نرحب باتفاق مجلس الأمن الدولي على إصدار بيان صحفي يدين جهود قوات الدعم السريع الرامية إلى إنشاء حكومة موازية، ولكن لا يكفي أن نصدر بيانا واحدا. ونحن ندعو كافة الدول الأعضاء إلى مواصلة الضغط على الأطراف المتحاربة لوضع حد لأعمال العنف المروعة الدائرة في البلاد.
سيدتي الرئيسة، أود أن أضيف شيئا بشأن المساعدات الإنسانية. تماشيا مع القرار التنفيذي الصادر عن الرئيس ترامب بشأن إعادة تقييم وتنظيم المساعدات الخارجية التي تقدمها الولايات المتحدة، يجري وزير الخارجية روبيو مراجعة لكافة برامج المساعدات الخارجية لضمان اتساقها مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وقد وافق الوزير روبيو على إعفاء المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة التي تشمل الغذاء الطارئ، والأدوية، والمأوى، والمعيشة، بما في ذلك للسودان.
وأود أن أشير أخيرا إلى أن الولايات المتحدة تدعم الجهود التي يبذلها المبعوث الخاص للأمين العام لعمامرة لاستخدام مساعيه الحميدة مع الأطراف كافة في محاولة للتوصل إلى حل دائم للصراع من خلال الحوار.
نقلا عن موقع وزراة الخارجية الأمريكية