مَن قال إن هناك سوقًا سوداء للدولار فى مصر؟
تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT
أبرز مظاهر خداع الذات لدينا أننا مازلنا نتحدث عن سوق سوداء للعملة فى مصر، وفق التعبير الذى تم صكه منذ الستينيات.
كانت تجارة السوق السوداء فى الدولار كتجارة المخدرات فى الميزان الأخلاقى للجمهور العام… وقد كان يصادف أحيانًا مرور رجل من النوع المريب بالقرب من جالسين على مقهى أو تجمع ما، فينبرى أحدهم هامسًا للجميع: ده تاجر عملة!، مُحمِّلًا همسه بكل شحنة الإدانة الممكنة أو الواجبة.
كانت تجارة العملة أيضًا عملًا منتشرًا بدرجات، لكنه شائن، وتمارسه قلة هنا أو هناك، وهى ذات خلفية اجتماعية معينة أو سوابق.
كانت محاصرة هذا النشاط بشكل أساسى مهمة البوليس، وقليلًا ما تدخل البنك المركزى، لكن دور الأخير برز فقط عندما زحف أصحاب شركات الصرافة، والإخوانجية منهم بخاصة، إلى هذا المجال، وتوسعوا فيه وزادوا بأن قدموا خدمات لتهريب العملة بالعمولة، وعندها تدخل «المركزى» ضدهم باعتباره المنظم ومانح التراخيص.
تحركت تجارة العملة فى الأساس لتلبية طلبات فعلية لأغراض السفر والعلاج والدراسة بالخارج لأفراد أو أسر، أو جلب بضائع للأثرياء من لبنان إلى شارع الشواربى وأشباهه، وحتى مع تطوره بظهور دور شركات الصرافة والإخوان فى التسعينيات وما تلاها، ظل حجم الكتلة التى تدور فى فلك تلك التجارة محدودًا، ولو أن النشاط نفسه ظل مزعجًا لأجهزة الدولة لأنه تشابك مع مخاوف أمنية مشروعة من تغذية الإرهاب.
كل ذلك انطوى… عدى وفات… فات بشكل مرحلى أولًا فى الأسابيع التى سبقت تعويم الجنيه فى نوفمبر ٢٠١٦، حيث تفشّت حمى الدولار فى أرجاء المجتمع بنفس طريقة حمى الذهب فى أمريكا، ووقتها لم يعد بمقدور أحد أن يلوم أو يدين أحدًا، ولا حتى أن يلوم هذه السوق نفسها، ناهيك عن أن يصفها بأنها سوداء. ثم هدأت الأمور إلى أن صدر قرار تقييد الاستيراد بشدة فى مارس ٢٠٢٢، فوجدت مئات مليارات الجنيهات ومليارات الدولارات نفسها بلا عمل، وكان من الضرورى ملء الفراغ، ومن هنا تكوّن النظام الجديد بديلًا لما كنا نسميه السوق السوداء فى الدولار… نظام تم تأسيسه وبناء هياكله وشبكاته ومساحات حركته وآلياته بسرعة غير متوقعة، مُوظِّفًا تكنولوجيا المعلومات بمستوى ملحوظ من الكفاءة. تضمن النظام بناء مرجعية أولًا أو «بنش مارك»، حيث أحيا بعبقرية شريرة «قاعدة الذهب»، التى ألغاها نيكسون فى ١٩٧١، ولكن بشكل جديد، فأصبح سعر الذهب مسطرة قياس سعر أى شىء، بادئًا بالعملة، ثم كل السلع والخدمات التى تسمح طبيعتها بزجها فى عالم المضاربات. لم تستطع أجهزة الرقابة ملاحقة السرعة التى تم بها بناء هذا النظام المستحدث لإدارة السياسة النقدية الشعبية، فتعمق النظام، وتم دمج سعر الذهب مع الدولار فى ضفيرة واحدة، بحيث يأخذ كل زبون فى هذا النشاط المضاربى، التجارى، ما يناسبه، وتلقى النظام فى ٢٠٢٣ بخاصة دعمًا عولميًّا زاد من شعور أصحابه بالقوة والرسوخ.
بناء على ما سبق، فإن لدينا فى اللحظة الراهنة- ولأول مرة فى تاريخنا الحديث- بنكين مركزيين… أحدهما للدولة، له استقلالية وقانون، وتحت يديه الاحتياطيات الدولية وحصائل الدولة من النقد الأجنبى من القناة والغاز وصادرات الشركات العامة، وبعض حصائل أخرى، ويجاهد بكل حنكة وقدرات المحافظ المخضرم حسن
عبدالله، وبالنفَس الطويل، لضبط أسواق الصرف وإدارة النقد والسيولة، وضمان سلامة النظام النقدى والمصرفى، وأيضًا لكبح التضخم، و«بنك مركزى» للمجتمع يقوده كبار تجار الذهب، وتحت يديه حصائل متنوعة من العملة تغرد بعيدًا عن الجهاز المصرفى، وتزداد كتلتها يومًا بعد الآخر بحكم الإغراءات، وهو يعلن ويطبق «سياسته النقدية»، التى تشمل استهداف أعلى سعر للصرف وللعائد، بغض النظر عن أى عامل موضوعى. يسير «المركزى الشعبى» وفق مستشعرات خاصة حدسية، وقراءة خاصة لأى خبر أو معلومة، وهى قراءة مغموسة فى التحيزات، لكن مفعولها فى النهاية نافذ.
لهذا، فإننا، ونحن نطالب دائمًا بالتنسيق بين السياسة المالية والسياسة النقدية، أصبحت لدينا مهمة أخرى، هى حل معضلة العلاقة بين البنك المركزى الرسمى والمركزى الشعبى لأن الاختراع المصرى الحالى ليس له مثيل فى العالم.
مصباح قطب – المصري اليوم
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
انخفاض سعر الذهب العالمي مضغوطا بارتفاع الدولار
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
شهد سعر الذهب العالمي تداولات ضعيفة خلال جلسة اليوم الثلاثاء وذلك بعد انخفاض كبير يوم أمس بسبب عمليات البيع لتغطية خسائر المستثمرين في أسواق الأسهم، بينما تترقب الأسواق اجتماع البنك الفيدرالي الأمريكي الذي يبدأ اليوم ويستمر ليومين لمعرفة مستقبل السياسة النقدية الأمريكية وأسعار الفائدة.
يتداول سعر أونصة الذهب العالمي حالياً حول المستوى 2738 دولار للأونصة بعد أن سجل أعلى مستوى اليوم عند 2745 دولار للأونصة وأدنى مستوى عند 2737 دولار للأونصة وكان قد افتتح تداولات اليوم عند 2740 دولار للأونصة، وفق جولد بيليون.
وانخفض سعر الذهب العالمي أمس بنسبة 1% وهو أكبر انخفاض يومي منذ أكثر من شهر ليسجل أدنى مستوى عند 2730 دولار للأونصة قبل أن يقلص جزء من الخسائر ويغلق جلسة الأمس عند 2740 دولار للأونصة.
الانخفاض الكبير في سعر الذهب العالمي يوم أمس كانت نتيجة عمليات البيع في أسهم التكنولوجيا بعد الإعلان عن نموذج DeepSeek AI الصيني منخفض التكلفة ومنخفض الطاقة والذي زاد من عدم اليقين حول مؤشرات الذكاء الاصطناعي التقليدية.
وساعد إغلاق الأسواق الصينية لعطلة رأس السنة القمرية الجديدة بشكل كبير على تراجع أحجام السيولة النقدية في الأسواق الأسيوية اليوم، ولكن هذا لم يمنع عمليات بيع الذهب لتغطية الخسائر التي تكبدها المستثمرون في بيع أسهم شركات التكنولوجيا.
وينصب الاهتمام الآن على اجتماع السياسة للبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الذي يستمر يومين والذي يبدأ في وقت لاحق من اليوم على أن يتم الإعلان عن نتائج الاجتماع غداً، ومن المتوقع أن يترك صناع السياسات النقدية أسعار الفائدة دون تغيير لكن تترقب الأسواق رد فعل البنك الفيدرالي بعد مطالبات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه يريد من البنوك المركزية خفض أسعار الفائدة.
إذا أبقى البنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة دون تغيير فسيكون هذا أول توقف مؤقت في دورة خفض أسعار الفائدة التي بدأت في سبتمبر الماضي. بينما إذا أظهرت تصريحات رئيس البنك الفيدرالي جيروم باول الباب مفتوحا قليلا أمام خفض محتمل لأسعار الفائدة في الأشهر المقبلة، فقد يضغط هذا على عائدات السندات الحكومية الأمريكية شكل سلبي ويقدم دعم جديد لأسعار الذهب.
وبشكل عام يبدو الذهب مستعد لعام قياسي جديد بسبب عدم اليقين الاقتصادي المتزايد ومخاوف التضخم في ولاية ترامب الثانية بالإضافة إلى استمرار اقبال البنوك المركزية على شراء الذهب لتنويع الاحتياطي النقدي لديها.
وارتفع مؤشر الدولار الأمريكي خلال تداولات اليوم مقابل العملات الرئيسية ليبتعد عن أدنى مستوياته منذ 5 أسابيع التي سجلها يوم أمس، حيث لجأ إليه المستثمرين كملاذ آمن في ظل عملات البيع في أسهم التكنولوجيا.
ارتفاع الدولار الأمريكي زاد من الضغط السلبي على أسعار الذهب العالمي في ظل العلاقة السلبية بينهما، بالإضافة إلى كون ارتفاع الدولار يجعل سعر الذهب أقل بالنسبة لحاملي العملات الأخرى.
من جهة أخرى أعلن مجلس الذهب العالمي عن التدفقات النقدية إلى صناديق الاستثمار المدعومة بالذهب خلال الأسبوع المنتهي في 24 يناير، ليظهر انخفاض بمقدار – 7.7 طن من الذهب وهو أكبر انخفاض في التدفقات منذ منتصف نوفمبر الماضي.
وقاد الانخفاض خروج تدفقات نقدية كبيرة من صناديق الاستثمار المدعومة بالذهب من أمريكا الشمالية بمقدار – 20.9 طن ذهب بينما في المقابل تزايدت التدفقات إلى الصناديق الأوروبية بمقدار 12.1 طن ذهب.