أخْوَنَةُ الجَيشِ السُّودانِي المُفْتَرَى عَليه..
تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT
yuotl2468@gmail.com
علي أحمد التولي
ARIZONA USA
=لقد تعرَّضَ الجيشُ السودانيُّ لعمليَّةِ تسْيِيْسٍ مِمَّا حَدَا بأنْ يكونَ هوَ الإشكال الجوهريّ في معضلةِ الحكم السوداني، في القبضِ بتلابيب المهنيَّةِ العسكريَّة وإعادَةِ بناءِ جيش.. بعيدًا عن تَسْيِيْسِهِ العقائديِّ الذي ورَّثَ تقاليدَ نَرجِسِيَّةِ القادة العسكريِّين وأحلام ذوي الرُّتب العسكريَّة -خاصَّة خريجي الكليات العسكرية- فتناوَبَتْ على السودان بدكتاتورياتٍ بغيضة.
=إن الإجرام الذي ظلَّ يتعاظَم أمرُهُ منذ أنْ أخذَ الاخوان المسلمون يدِبُّون به نحو السلطة منذ العام 1949 بشكل غير معلن.. في تنظيم سِرِّيِّ ومحاولة دؤوبة لاختراق المهنية العسكرية لبناء قواعدهم داخل الجيش وانقضاضهم، وتكالبهم، وتهافتهم على كل شيء لتأمين سلطتهم المباشرة وغير المباشرة على جميع الحقب.. فهو الدَّاءً العُضَال الذي صار يفتُّ في عَضُدِ الدولة السودانيَّة والسُّوسُ الذي ظلَّ يَنْخر بكلِّ قوَّة في (مِرِقِ وَرَصاص) أي؛ عماد سقفِ البلادِ وعرشِ سيادتِها.. حتَّى بلغَ بهم الاعتدادُ بما آل إليهم مِن كلِّ مفاصلِ الإقتصاد وَبِمَا أفضَى بهم إلى انقلابِ البشير بدعوى ثورة الإنقاذ.. قاصمةُ ظَهْر الهُوِيَّةِ السُّودانيَّة والبلاء المستطير.. الذي مازال يفتكُ ويمزِّقُ عُرَى الدَّولة..
=إنَّ هذا التنظيم المستمد من جماعة حسن البنا بمصر.. أخذ منهم كل القبح الاخواني.. في أن تكوين جيش إسلامي حيث تمت الولادة الحقيقية لهذا التنظيم بكل ثقله في خلخلة كيان الدولة "حينما لجأَ الضابط الإخواني أبوالمكارم عبدالحي إلى السودان هاربًا من ثورة يوليو 1952 في مصر وملاحقتها لعناصر الحركة، وكان أبوالمكارم هو المسؤول عن الجهاز الخاص للحركة في مصر، وهو الجهاز المسؤول عن العمل السري داخل الجيش والشرطة، وبالتالي انتقلت الأسرار والتجربة كاملة إلى السودان، لتكوين البناء القاعدي في تعامل حركة الإخوان المسلمين السودانية مع الجيش وفي أسلوب العمل السري والتخطيط للوصول إلى السلطة لحقب لاحقة" .
=هذا على الصعيد العسكري وهو جوهر مقالنا هذا.. لأن هذه التسييس العقائدي يمثل لدى التنظيم الإخواني البوتقة التي ينصهر فيها جِمَاعُ مُكَوِّنِهم التفكيري لغايَةٍ لا يَعلمُ مَداها عَرَّابُوهُ.. فهو يسعى في تطوير مُخطَّطٍ مُنْفتِحٍ على مزيد من الجرائم في حقِّ الحياةِ المدنيَّة في دولة المنشأ التنظيمي وهي مصر أو تنظيم الإخوان في السودان، فقد كان عرَّابُهم (حسن الترابي) يَغْلو في أطماعِ التنظيم وأوْهَامه.. خاصة بعد أن أحكم التنظيم قبضته بتلابيب الحكم في السودان تحت جنرالِهم البشير الذي كان مغمورًا في زُمْرَةِ أَخْوَنَةِ القَادَةِ العَسكريين.. سعت جماعة التنظيم لمخططات الإطاحة بالرؤساء في أنظمة دول الجوار الإقليمي عربيًّا وإفريقيًّا.. وتمَّ لهم تغييرُ عددٍ من الأنظمة.. ولكن الطامَّة التي مازال يجني عواقبها الشعب السوداني.. في أجزاء عزيزة من أراضيه.. هو محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك بأديس أبا با.. وما طالته من "قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1070، المتخذ في 16 أغسطس 1996، بعد إعادة تأكيد القرارين 1044 (1996) و1054 (1996) بشأن محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في مؤتمر قمة منظمة الوحدة الأفريقية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في 26 يونيو 1995 والجزاءات اللاحقة، فرض المجلس جزاءات الطيران على حكومة السودان بعد فشلها في الامتثال لطلبات منظمة الوحدة الأفريقية بتسليم المُشتَبه فيهم".
في العام 1959 استطاع المراقب العام للإخوان المسلمين (الرشيد الطاهر بكر) خلخلة النسيج المِهني للجيش بإقامة علاقات ذات خصوصية مع ضباط الجيش بالمنطقة الشرقية؛ حتى وصل إلى أن يشكل تحالفًا معهم في مشروع الإطاحة بالفريق عبود، في ما عُرف بانقلاب نوفمبر 1959 بقيادة المقدم علي حامد؛ الذي تم احتواؤه فتم إعدام خمسة من الضباط وإحالة الرشيد بكر للسجن. ورغم أنَّ التنظيمَ قد أنكر ضُلُوعَهُ إلا أنَّه قامَ بأدَاءِ صَلاةِ الغائِبِ على هؤلاء الضباطِ لأنهم أعضاء انْضَووا تحت لواءِ هذا التسييس العقائدي للجيش..
= في الستينيات والسبعينيات تغلغل الإخوان في أوساط طلَّاب الكليَّات والمدارس الثانوية مع التركيز على تجنيد الطلاب العسكريين.. والإخوان دائمًا ما يَخْطِبُون وُدَّ الحِزبَيْنِ اليَمِينِيين (الاتحادي والأمة) على أيسر ما يمكن بتشغيل اسطوانة الدين واستعداء الأحزاب اليسارية.. وإشاعة مناهضة العلمانية.. كانت هذه الصلات قديمة قبل أن يتحقَّق للسودان استقلاله.. بتقديم مشائخ المعهد العلمي وخريجي الأزهر.. لمنهاضة خريجي كلية غردون والجامعات البريطانية وجامعة بيروت.. ولكن أمر السياسة عندهم محسوم النتائج باعتبار أن لهم قاعدة داخل المؤسسة العسكرية لم يسبقهم عليها منافس..
= لقد سعى التنظيم الإخواني إلى أبعد من كل هذا بعد نجاح انقلاب البشير.. أخذ التنظيم في تجييش الشعب.. واستعداء القبائل وشنَّ حروبًا طاحنة في الجنوب أدَّت لانفصاله.. وفي جبال النوبة، والنيل الأزرق، ودارفور، وشرق السودان.. وقام بقمع ثورات قام بها الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والطلاب.. أراق كثيرًا من الدماء ونكَّلَ وعَذَّب الكثيرين مِنَ المُناهضين لسياسته.. ففي مشاريع تجييشه قام بخلقِ مليشياتٍ وكياناتٍ مِن القُوَى العسكريَّة والشرطيَّة تجلُّ عن الوصف.. ومن ضمن هذا الخلْط والتَخَبُّط في استحداثِ قُوًى تحمِي النظام وتُقِيمُ إلى الأبد وفق ما يزعمون كان التجييش القبليّ لقبيلة المسيريَّة المتاخمة والمتداخلة مع قبيلة دينكا نوق.. فكان موسى هلال وظهور حميدتي الذي خَلا لَه وجْهَ القُرْبَى إلى القصر الرئاسي حتى تربَّع عليه منافسًا للبرهان ربيب تسييس الإخوان البغيض.. هذه المنافسة التي أفضَت بهم إلى هذه الحرب الضروس التي يُعَاني وَيْلاتها الشعب السوداني الآن.. =وكل هذا يتلخص في جملة تلك الأسباب آنفة الذكر ضمن مخططات الإخوان المسلمين وتَوَسُّعَاتِهم بعد أنْ آلَ لهُم الجيشُ سياسيًّا؛ صارت هذه الخُطط التَّوَسُّعِيَّة في التسليح.. والآن بعد أن استمرَّت هذه الحربُ لأكثرَ من تسعة أشهر وقد استنفد الجيش طاقته؛ رَأوا أن يتمَّ تجييشُ الشعبِ.. والذي هو مطيَّة كِلا الطرفين المتحاربين وضحيَّة هذا الصِّراع..
= ستظلُّ مُعْضِلةُ إعادةِ بناءِ جَيشٍ سودانيٍّ مهنيٍّ متعافٍ عن أمراض التَّسييسِ الحزبيِّ مِن أوْلى اهتماماتِ المَراحِل الفاصَلة بينَ عُهودِ التِّيْهِ السياسيِّ؛ تحت نَيْر الدكتاتوريات البَغِيضَةِ، وبينَ استشرافِ مستقبلٍ خالٍ مِن كلِّ انتهازيَّة حزبيَّة وأهواء الساسَةِ والنُّخَبِ.
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
ندوة لـ«تريندز» في مجلس اللوردات البريطاني: التصدي للتطرف مفتاح الاستقرار العالمي
أبوظبي (الاتحاد)
أخبار ذات صلةأكدت ندوة علمية نظمها مركز تريندز للبحوث والاستشارات، في مجلس اللوردات البريطاني ضرورة مكافحة التطرف كخطوة أساسية لضمان الأمن والاستقرار على المستويين المحلي والدولي، مشددة على أهمية تصحيح الأيديولوجيات المتطرفة، وتوفير بدائل تعليمية واقتصادية واجتماعية تمنع انتشار الفكر المتشدد، لا سيما بين الشباب، الذين يعدون الفئة الأكثر استهدافاً من قبل الجماعات المتطرفة.
ودعا المشاركون في الندوة، إلى ضرورة تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية في بريطانيا، أسوةً ببعض الدول الأوروبية التي اتخذت إجراءات حازمة لمواجهة خطر الجماعات المتطرفة.
وأكدوا أن هذا التصنيف من شأنه أن يحدّ من أنشطة الجماعة، ويمنعها من الاستفادة من التمويلات العامة أو العمل تحت غطاء المنظمات الخيرية، محذرين من أن التهاون في هذا الملف يؤثر على المجتمعات والاستقرار العالمي.
وأكدت الندوة، أن مواجهة التطرف تحتاج إلى نهج شامل يجمع بين الحلول الأمنية، والفكرية، والتكنولوجية؛ لضمان مستقبل أكثر أماناً واستقراراً للجميع.
واستضاف مجلس اللوردات البريطاني الندوة التي تُعد الثانية خلال أقل من شهرين، تحت عنوان «تعزيز الشراكة بين الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبريطانيا في مواجهة التطرف وتعزيز الرخاء»، برعاية فخرية من اللورد والني (Lord Walney)، وبحضور نخبة من أعضاء المجلس والباحثين والخبراء في مكافحة التطرف.
وأدار الندوة اللورد والني، الذي أكد في كلمته أن التطرف يشكل تهديداً عالمياً يتطلب استراتيجية دولية موحدة لمواجهته، كما ألقى اللورد دونالد أندرسون، عضو مجلس اللوردات، كلمة رئيسة شدّد فيها على أهمية تعزيز التعاون بين بريطانيا ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمجابهة التطرف، مشيراً إلى الدور الفاعل لمراكز الأبحاث في تحليل وفهم التحديات التي تواجه المجتمعات الغربية نتيجة انتشار الفكر المتطرف.
الحوار والمعرفة
في كلمته الرئيسة، أكد الدكتور محمد العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز، أن التعاون الدولي هو المفتاح الأساسي لمواجهة التطرف وتعزيز قيم التسامح. وأوضح أن مركز تريندز يعمل بجدية على تفكيك خطاب الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، من خلال تحليل علمي دقيق لمفاهيم وأيديولوجيات هذه التنظيمات.
وأشار إلى أن جماعة الإخوان تمثل المظلة الفكرية للتنظيمات الإرهابية، مؤكداً أن مركز تريندز كشف زيف أطروحاتها من خلال إصدار «موسوعة جماعة الإخوان المسلمين»، التي تتألف من 35 كتاباً تُرجم بعضها إلى 15 لغة عالمية، لتوفير المعرفة لأوسع شريحة من الباحثين والمتخصصين حول العالم.
وشدد الدكتور العلي على أن أوروبا بدأت في تشديد الرقابة على أنشطة الإخوان، لكنها لم تصل بعد إلى حظرها بالكامل، مما يستدعي تحركاً أوروبياً مشتركاً أكثر صرامة.
وقدم مجموعة من التوصيات، أبرزها، الكشف عن خطورة الخطاب الإخواني وتأثيره على استقرار المجتمعات، ومحاصرة مصادر تمويل الجماعة وتجفيفها لمنع استغلالها في دعم الأنشطة المتطرفة، واتخاذ إجراءات قانونية أكثر صرامة للحد من أنشطة التنظيم داخل أوروبا.
المشاركون
شارك في الندوة كل من السير ليام فوكس، رئيس مجموعة اتفاقيات أبراهام البريطانية، والليدي أولغا ميتلاند، النائبة السابقة في البرلمان البريطاني، وهانا بالدوك، المحررة بمجلة «التركيز على الإسلام السياسي الغربي»، وآنا ستانلي، الباحثة في منتدى الشرق الأوسط، وتوم توغندهات، عضو المجموعة البرلمانية لمكافحة التطرف، ودانيال كافتشينسكي، عضو البرلمان البريطاني، وأفيرام بيلايشي، رئيس مشروع مكافحة التطرف، والباحث الرئيسي عوّض البريكي، رئيس قطاع «تريندز جلوبال، والباحث الرئيسي عبدالعزيز الشحي، نائب رئيس قطاع البحوث في «تريندز»، والباحثين في «تريندز» شما القطبة، وزايد الظاهري.
التطرف وأيديولوجيات العنف
تناولت المناقشات استغلال الجماعات المتطرفة، مثل الإخوان المسلمين، لحالة السخط والإحباط لدى بعض الفئات المجتمعية، مستشهدين بأفكار سيد قطب، الذي منح الشرعية لاستخدام العنف تحت مفهوم «التكفير». وأكد المشاركون أن مواجهة هذه الأفكار تتطلب تقديم خطاب مضاد قائم على الأمل، الفرص، والكرامة، بدلاً من الاقتصار على الحلول الأمنية.
دور الاقتصاد
وأكد السير ليام فوكس، رئيس مجموعة اتفاقيات أبراهام في المملكة المتحدة، أن تعزيز التعاون الاقتصادي يمكن أن يساهم في الحد من التطرف، مشيراً إلى أن «صندوق ازدهار اتفاقيات أبراهام»، المقرر إطلاقه في أبريل المقبل، سيعمل على تمويل الشباب من مختلف الخلفيات على أساس الجدارة والاستحقاق، مما يوفر لهم فرصاً اقتصادية تقلل من احتمالية استقطابهم من قبل الجماعات المتطرفة.
وشهدت الندوة، نقاشاً حول اتفاقية درملانريغ، التي كان من المفترض أن تمثل لحظة تاريخية للتعاون بين المسلمين واليهود، حيث تم توقيعها بحضور الملك تشارلز، وتهدف إلى تعزيز التفاهم بين الأديان، لكن سرعان ما تعرضت الاتفاقية لضربة قوية بسبب المتطرفين.
موسوعة توثّق أنشطة الإخوان المسلمين
وتطرق باحثو «تريندز» في مداخلاتهم بالندوة إلى «موسوعة الإخوان المسلمين»، التي يقوم بإعدادها «تريندز للبحوث والاستشارات»، وهي عمل موسوعي ضخم مكوّن من 35 مجلداً يوثق أنشطة الجماعة وتأثيرها على المجتمعات المختلفة. وقد صدر منها حتى الآن 15 كتاباً تمت ترجمتها إلى الإنجليزية لجعلها متاحة للجمهور الغربي.
التوصيات
أوصى المشاركون في الندوة بضرورة التمييز بين الإسلام كدين والإسلاموية كأيديولوجية سياسية، مشيرين إلى أن هذا التمييز ضروري لمنع استغلال الدين كغطاء لنشر الأفكار المتطرفة. كما شددوا على ضرورة التعامل مع الإرهاب والتطرف كتهديد عالمي مشترك، من دون ربطه بدين معين أو جنسية محددة، بل باعتباره خطراً على المجتمعات كافة.
كما أوصى المشاركون بضرورة تشديد القيود المالية والتنظيمية على الجماعات المتطرفة في أوروبا، حيث الكشف عن تمويلات عامة تتلقاها منظمات تابعة للإخوان المسلمين داخل المملكة المتحدة، ما يجعل تعقب أنشطتها أو محاسبتها قانونياً أمراً معقداً. كما دعا اللوردات والخبراء والباحثون إلى الكشف عن المعلومات حول هذه الجماعات، على غرار ما قامت به بعض الدول الأوروبية، لتعزيز قدرة الحكومات على اتخاذ إجراءات أكثر صرامة.
وشدد المشاركون في الندوة على أن الاستقرار لا يتحقق إلا من خلال استراتيجية متكاملة تجمع بين المواجهة الفكرية، والإصلاحات الاقتصادية، والسياسات الاجتماعية، لضمان مكافحة التطرف بشكل فعّال. كما شدّد المشاركون على ضرورة التحرك السريع لتطبيق إجراءات مشددة ضد الجماعات التي تستغل الأزمات الاجتماعية والسياسية لنشر أيديولوجياتها المتطرفة.