من المتوقع، لا بل من البديهي، أن تقوم إسرائيل بأقصى ما يمكنها لاستهداف قادة حزب الله، أو القادة الفلسطينيين في لبنان، وسط معركة مصيرية، تحاول من خلالها أن تحفظ ماء وجهها، بعد مرور 4 أشهر على حرب غزة، خرجت منها خالية الوفاض.. فمشهدية استهداف القادة، تأتي ضمن خطة إسرائيل بنقل المعركة إلى أراضي أعدائها، وهي نفسها النظرية التي كان يشدّد على اعتمادها المؤسس الأوّل لكيان الإحتلال ديفيد بن غوريون، الذي كان يرى إبّان الخمسينيات بأنّ إسرائيل لا تمتلك بعدًا استراتيجيًا، وهذا ما يجبرها على نقل الحرب بأسرع وقت ممكن في حال نشوبها إلى أراضي العدو، لأنّ الحرب داخل الأراضي الإسرائيلية تعتبر حسب بن غوريون "هزيمة كبيرة جدًا".

ومن الحرب العسكرية، إلى الحرب التكنولوجية، تمكّنت إسرائيل من فرض سيطرتها، وتحصين نفسها لتقلب موازين القوى، وسط اتصال وثيق مع شركات أجنبية، استطاعت من خلاله توفير قوة اختراق جعلتها الأقوى في المنطقة.   "لبنان24" تواصل مع علي زين الدين، المختص بتكنولوجيا الإتصال والمعلومات، حيث شرح بالتفصيل كيف استطاعت اسرائيل تكثيف رصدها من 50 هدف سنويًا إلى 100 هدف يوميًا عبر الذكاء الإصطناعي. يؤكّد زين الدين أن الجيش الإسرائيلي استطاع صبل سمعته مؤخرًا في ما يتعلق بالبراعة التقنية والعسكرية، إذ بدأ بعد حرب غزة 2021 حربه الأولى في ما خصّ الذكاء الإصطناعي، وفي الحرب الأخيرة اليوم، كان هناك فرصة غير مسبوقة للجيش الإسرائيلي بإستخدام تقنية "غوسبل آي أي- Gospel AI"، التي شكّلت وحدة استخبارات عسكرية، ولعبت دورًا مهما في تحديد أهداف العدو، إذ وصلت الأهداف المرصودة إلى حدّ كانون الأول إلى 12 ألف هدف، ورصدت منازل ومواقع لنشطاء في المقاومة الفلسطينية، ليلعب هذا النظام دورًا حاسمًا لناحية إنشاء قاعدة بيانات بعشرات الآلاف من الأهداف، بالإضافة إلى تجميع معلومات عن القادة الفلسطينيين، حيث استطاع "غوسبل آي أي" أن ينشئ قائمة تضم أفرادًا من المقاومة مسموح استهدافهم، بفضل المعلومات التي رصدها إلكترونيًا. وهذا بالتوازي ما أكّده قائد جيش العدو السابق أفيف كوخافي، الذي قال إن الفرق المدعومة بقدرات الذكاء الإصطناعي، تستطيع، بمجرد تفعيل هذه التقنية، إنتاج كميات هائلة من البيانات، تترجم مباشرة إلى أهداف بشكلٍ أكثر فعالية من أي إنسان أو جندي يحاول الرصد لوضع قائمة الأهداف. ولكن كيف تأتي هذه البيانات؟ حسب زين الدين، فإنّه يؤكّد لـ"لبنان24" أنّ أشكال البيانات تأتي من خلال المعلومات التي تجمعها الطائرات المسيرة، الإتصالات المعترضة، والمعلومات المستمدة من مراقبة تحركات وأنماط سلوك الأفراد والمجموعات الكبيرة والهواتف الذكية، أضف إلى التصوير والنشر على مواقع التواصل. ومن هنا يؤكد زين الدين أن هذه التقنية سمحت للعدو بأن يستهدف منازل أعضاء المقاومة، إذ لم يكن قادرًا على استهدافها قبل تفعيل هذا النظام. من ناحية أخرى، حذّر زين الدين من النشر غير المدروس على مواقع التواصل الإجتماعي، إذ يشير إلى طرق ملتوية قد ينتهجها العدو للوصول إلى الهواتف، وتجميع المعلومات. فمثلا قد يعمد العدو عبر حساب وهمي إلى نشر خبر استشهاد أحد الأشخاص، وهذا ما قد يولّد حالة هلع بين أقارب الإسم المستهدف.. ومع بدء حركة الاتصالات داخليًا للإستفسار عن صحة الخبر، فإن العدو سيكون قادرًا عبر تقنياته من ربط مئات الإتصالات والرسائل بمختلف المناطق، وتحليلها بسرعة قياسية وهائلة، تسمح له بالوصول إلى مغزى أماكن تواجد هؤلاء الأشخاص، أو الوصول إلى أي إسم جديد أو رقم هاتف سيضمّه العدو إلى بنك أهدافه، بغض النظر عن ما إذا كان الهدفُ صحيحًا أم لا، حيث أن خطّة العدو تتلخص بردعٍ أوسع، وأضرار أكبر.   إحذروا الإتصالات والروابط بالتوازي، أصدرت إسرائيل عبر شركة "NSO"، في تل أبيب، تطبيق "Pegasus"، الذي يعتبر من أهم وسائل التّجسس الإلكترونيّ، إذ لُقّب بـ"القاتل دون أثر"، حيث يستطيع هذا التطبيق جمع البيانات حتى ولو كان الجهاز المستهدف غير متصل بالإنترنت. يشير زين الدين، إلى أن نقطة قوة البرنامج تتلخص بالجمع الهائل للمعلومات، إذ من شأنه اختراق "الواي فاي" عبر الجهاز الخليوي، بالإضافة للإتصالات الصوتية، والبريد الإلكتروني، وحتى قائمة الأسماء والأرقام الموجودة على الهاتف المُخترق. ويؤكّد زين الدين لـ"لبنان24" أن أحد أهم ميزات هذه التقنية استغلالها للثغرات غير المعروفة من قبل مالكي الهواتف، وهذا من شأنه أن يُصيب الهاتف بالبرمجيات الخبيثة.
وحذّر زين الدين بأن النقر على أي رابط مشبوه، من شأنه أن يسمح للعدو بالدخول إلى الهاتف وتجميع كافة المعلومات. ويضيف بهذا السياق:" العدو تمكّن من تطوير هذه التقنية، والتي باتت تعرف بالـ" Silent Zero Click Attacks"، أي الهجوم الصامت، والذي يتطلب فقط الإتصال بالشخص المستهدف عبر أي تطبيق، ويستطيع هذا الإتصال زرع الفيروس، واختراق الحسابات، لا وبل إعطاء نفسه صلاحية الوصول لأي ملف، حتى ولو لم يجب صاحب الهاتف على المكالمة، وهذا ما يشكّل نقلة نوعية بقدرات العدو الإستخباراتية". بالتوازي، الخرق بشكل عام لم يتوقف على ما يخص المقاومة وتحركاتها، إنّما امتد ليطال إدارات الدولة، إذ قال أحد الخبراء المتخصصين بالأمن السيبراني لـ"لبنان24" إن حادثة تعرض موقع مجلس النواب للقرصنة يوم أمس، تشكل دليلاً صارخاً على أن بيانات الدولة الإلكترونية باتت مهددة بالخرق لسبب أساسي قد يكون مرتبطاً بضعف الحماية. بحسب الخبير، فإنّ ما حصل يستدعي إستنفاراً سريعاً من قبل أجهزة الدولة المعنية لإعادة النظر بكل حسابات الوزارات والمرافق العامة على الإنترنت، علماً أن هذا الأمر يجب أن يكون بالتنسيق مع شركات متخصصة تعزز الحماية ويكون دورها التدخل التقني الفوري لوقف أي خرقٍ يحصل وسد الثغرات الناجمة عنه. كذلك، تبيّن اليوم أن موقع وزارة الشؤون الإجتماعيّة تعرض للخرق، حيث بات خارج الخدمة نهائياً. وفي بيان لها عبر "إنستغرام"، تبنت مجموعة تُطلق على نفسها إسم "R00TK1T" عملية الخرق، وقالت في بيان لها: "نحن R00TK1T!.. نعلن بكل فخر انتصارنا على الموقع الرسمي لوزارة الشؤون الاجتماعية في لبنان!.. من خلال تجاوز دفاعاتهم الأمنية الضعيفة بمهارة، نجحنا في اختراق أنظمتهم، وحصلنا على وصول غير مقيد إلى بياناتهم شديدة السرية. لقد ترك عملنا الجريء الوزارة في حالة من الفوضى والضعف". وفي بيانٍ لها، أكدت الوزارة حدوث الخرق، معلنة أن العمل جار على معالجة الأمر وإعادة الموقع إلى الخدمة. التوصيات الواجب إتباعها يؤكّد المختص بتكنولوجيا الإتصال والمعلومات الأستاذ علي زين الدين وجوب أن لا يكون أي شخص "عين العدو على المقاومة"، خاصةً بعد بنك الأهداف الهام الذي استطاع حزب الله تدميره على الحدود والذي أعمى أعين العدو تجاه لبنان على طول الجبهة، أقلّه لناحية المناطق المكشوفة على أعمدة الرصد التي تم تدميرها، أضف إلى صمّ أذن العدو المستعملة للتنصت عبر أعمدة وسائط الجمع الحربي. ومن هنا يؤكّد على أن الإسرائيلي مستميت لإعادة أجهزة الرصد ولو على رافعات، لافتًا إلى وجوب أخذ الحذر الشديد لناحية النشر على المنصات التي أثبتت ولاءها لـ"اللوبي الصهيوني". المصدر: خاص لبنان 24

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: هذه التقنیة زین الدین

إقرأ أيضاً:

الاستيلاء على الخرطوم أخذ عامين قبلها وهذا تخطيط يتجاوز المليشيا

هنالك قدر جغرافي، بني عليه خطأ سياسي واقتصادي وأمني، ألا وهو موقع (العاصمة المثلثة) .. هذا الموقع المتميز العنيد أسس للقاعدة أن من يسيطر على الخرطوم يسيطر على السودان، حتى الثورات تنطلق شرارتها في مدينة أخرى ولكن لا بد أن تسرق نخب الخرطوم شعلتها وتجعلها ثورة مغشوشة ثم ترسل للمدينة ذاتها لاحقا والية مجنونة تتحدث عن هدم السد ورفت الشريف الرضي .. قمة في الجحود والغرور الخرطومي.

هذه الحرب اعتمدت فيها المليشيا على هذا الخطأ، بل التخطيط للاستيلاء على الخرطوم أخذ عامين قبلها وهذا تخطيط يتجاوز المليشيا، بل ويتجاوز الدولة الوطنية، ويتجاوز حتى أجهزة المخابرات العالمية والاقليمية (غير الضالعة في المكر) .. لأنها لو توقعتها لحزمت أمتعتها أو استعدت .. ما حدث غدر يدرس في كتب التاريخ ويستحسن أن نتجاوز التلاوم الداخلي حوله .. لأن القصة كانت حرب احتلال واستيطان وتقسيم وتجريف ديموغرافي .. لا يضاهيه إلا وعد بلفور وسايكس بيكو .. لم يكن اطلاقا حدثا سودانيا في صراع سلطة داخلي .. يستحسن التركيز على الأساس الذي بني عليه نجاح المخطط، وهو (الخرطوم) هي التي سهلت للمليشيا ورعاتها ضربة تؤدي الى صدمة قاسية وشلل مؤقت لدولة تسيطر على 2 مليون كيلومتر مربع فيها 45 مليون مواطن وجيش عمره مئة سنة .. مخطط كاد أن يكشط قيادة جيش بكامله في نصف ساعة، والسذج يتحدثون عن رصاصة “المدينة الرياضية”!

وللمفارقة، الخرطوم أيضا هي من تسببت في دمار المليشيا لأنها انتشرت عسكريا واجراميا ولكنها لم تسيطر لأن السيطرة فيها معنى ال Governance وهي نهبت السفارات في اليوم الثاني وقدمت الدليل تلو الآخر أنها يمكن أن تكون أي شيء إلا دولة أو حتى قوة نظامية، وأن التفاوض مع الدولة الوطنية هو المخرج الوحيد لرعاة المخطط، بمعنى أن (الخرطوم) فضحت المليشيا ومن وراءها.

الآن الحرب ستنتهي بسقوط المليشيا في الخرطوم عسكريا .. ولكن هذه الحرب جائت لصياغة سودان جديد .. يتفادى خطأ (الخرطوم) .. وقد قطعنا نصف الشوط عمليا .. واستطاعت مدن السودان القيام بالأمر على صعوبته .. نعم صحيح صارت بورتسودان عروس السودان كله وليس عروس البحر الأحمر فقط، ولكن كل المدن ساهمت .. أنظروا الى صمود الأبيض حولين كاملين بحليب الشجاعة .. حتى فطمها دخول الصياد وصارت سودانا مصغرا، وصارت الهجانة جيشا مصغرا.

ان ميرم واحدة من ميارم الفاشر ذات وجه صبوح رفعت سكينا في وجه الغاصب، أعادت صولجان علي دينار المفقود الذي سرقه الانجليز.
مدن السودان كلها تساهم الآن في تحرير الخرطوم من عبئها التاريخي.

في هذا السياق .. ركزوا على الخطأ السوداني في التركيز على الخرطوم وكيف قاد هذا الخطأ للحرب وكان هو ذاته سبب فشل المليشيا ونهاية الحرب، فكروا كيف ستقودنا المحنة لنهضة مدن وحواضر السودان كله .. ركزوا على هذا ولا تنشغلوا بالرشوة التي نالها وليم روتو من لئام العرب لفتح قاعة يوقع فيها قائد ثاني المليشيا مع قفطان يدعوه الناس “قائد ثاني زوجته” على دفتر السقوط الذي يشبههم ويشبه حقارتهم ولا يشبه الشعب السوداني .. نعم صحيح .. تليق بكم العلمانية .. فالخبيث يركمه الله على بعضه!

مكي المغربي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • قمة أوروبية لدعم استمرار الحرب الأوكرانية ضد روسيا
  • الاستيلاء على الخرطوم أخذ عامين قبلها وهذا تخطيط يتجاوز المليشيا
  • عبد المنعم سعيد: إسرائيل متشوقة للحرب من جديد فى غزة .. وهذا أخطر ما فعلته حماس
  • حماس: سياسة التجويع هي امتداد لحرب الإبادة التي شنها العدو ضد غزة
  • التحديات التي تواجه خطة إعادة الإعمار
  • النائب فضل الله: سنكون شركاء حقيقيين وفعليين في الدولة ومؤسساتها
  • الحسيني يكشف عن الدولة التي اغتالت حسن نصر الله| ويؤكد: ليست إسرائيل
  • حماس ترحب بمخرجات القمة العربية.. وهذا تعليق إسرائيل
  • تراجع تاريخي في بورصة إسرائيل وكل القطاعات تهوي
  • سياسي أنصار الله: إغلاق العدو الإسرائيلي معابر غزة تصعيد خطير