أضواء على رائد حركة الإشعاع الثقافي والرياضي بريفي شمال نيالا (الملم كيلا) الرجل الملهم الأستاذ جعفر محمد عبدالرسول علي
تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT
بقلم : مكي إبراهيم مكي
__________
في العام 1962 ولد الأستاذ جعفر بن الفكي محمد عبد الرسول علي خليفة أحمد بدير بن الأمير يحي بن بكر بمنطقة الملم كيلا. كانت هذه المنطقة التاريخية ركناً اساسياً من أركان سلطنة دارفور في ذلك الوقت، وقد شهدت ميلاد السلطان علي دينار في إحدى قراها المعروفة باسم "شاواية السلطان".
يعد الأستاذ جعفر محمد عبد الرسول هو من أوائل الذين بدأوا مسيرة حركة الإشعاع الثقافي بريفي شمال نيالا الملم بلا منازع والرجل يعد صاحب سجل حافل بالإنجازات الثقافية والإعلامية والرياضة في تلك المناطق النائية المهملة ، فكان جعفر هو أول من أدخل التكنولوجيا إلى منطقة ريفي شمال نيالا الملم، وقدم العديد من المشاريع التي ساهمت في غرس بذور الاشعاع الثقافي والمعرفي والفكري والرياضي في الملم.
وذلك بطرحه ومبادراته في إنشاء الكثير من البرامج الثقافية المهمة والتي لعبت دورا كبيرا في تطوير حركة النهضة الثقافية في منطقة الملم ما ساعد في إبراز خصوصيتها ومكانتها في محليات شمال نيالا بولاية جنوب دارفور. وكان الاستاذ جعفر محمد عبدالرسول هو أول من جلب جهاز فيديو إلى ريفي الملم لأول مرة وذلك بعد عودته من اغترابه بالجماهيرية العربية الليبية في أواخر الثمانينات، وقد مثل ذلك حدثًا فريدًا على أهالي وشباب المنطقة الذين تفاجئوا بمشاهدة الأفلام والبرامج الوثائقية للمرة الأولى في حياتهم.
قام الأستاذ جعفر بتأسيس أول نادي ثقافي للمشاهدة ومتابعة البرامج التلفزيونية حيث يتجمع فيه أهالي الملم ليلاً لمشاهدة البرامج الثقافية المتنوعة، مثل الأفلام والمسلسلات التلفزيونية والأغاني لكبار الفنانين السودانيين. و بفضل ذاك النادي استمتع أهل الملم بمشاهدة الأفلام المتنوعة مثل "عمر المختار" وأفلام المغامرات الامريكيه - رامبو" و "بروسلي"- والأفلام الهندية في ذلك الزمن ، وتعرفوا على المطربين السودانيين الكبار صوتًا وصورةً مثل سيد، خلفية، وردي، إبراهيم عوض، ود الأمين، والكاشف،حسن عطية وغيرهم من الفنانين والمبدعين السودانيين.
وفي منتصف التسعينات، واصل جعفر مسعاه في رحلة نشر التنوير والوعي وسط أهله فعمل على إدخال التلفزيون إلى ريفي الملم لأول مرة في تاريخ المنطقة مما أدى إلى توفير هذه الخدمة الاعلامية لأهالي الملم والذين كانوا محرومين منها لفترات طويلة. وحدث ذلك بعد افتتاح محطة إرسال جبل مرة، والتي ساهمت بدورها في نقل البث التلفزيوني إلى هذه المناطق النائية. وقد أصبح منزل الاستاذ جعفر في حي البيطري بالملم، قبلة ومركزًا جاذبًا لشباب الملم من مختلف أحياء المدينة. حيث يتوافد الناس في الليالي المقمرة لمتابعة البرامج التلفزيونية المتنوعة، مثل المسلسلات الرمضانية، والأخبار العالمية، وأخبار الرياضة، ومشاهدة الدوريات المحلية والعالمية، بالإضافة إلى متابعة منافسات كأس السودان والدوري الممتاز، ومباريات (هلال - مريخ) كما يستمتعون بمشاهدة المسلسلات السودانية والتي ماتزال تأثيراتها خالدة في نفوس أهل الملم حتى الآن، مثل "سكة الخطر" و"الدهباية" وغيرها من البرامج التلفزيونية الرائعة التي تبث عبر تلفزيون السودان القومي.
ويعد ظهور التلفزيون إلى ريفي الملم آنذاك نقلة نفسية وثقافية مهمة في الحياة الاجتماعية والثقافية للأهالي وكل ذلك كان بفضل جهود الاستاذ جعفر ومساهماته الجبارة في أحياء هذه الأنشطة الثقافية والتي مثلت بلاشك مصدرا أساسيا في غرس ورفع مستوى الوعي لشباب المنطقة وتعريفهم بالثقافات المختلفة في السودان وتوسيع آفاقهم المعرفية حول العالم.
جهود الأستاذ جعفر لا تقتصر فقط على الحراك الثقافي والأنشطة التوعوية والفكرية فحسب بل ساهم ذلكم الإنسان بشكل كبير في مسيرة الحركة الرياضية بريفي الملم في نهاية الثمانينات وبداية الألفية الجديدة. فقد كان جعفر رياضياً موهوباً وحارساً مميزاً لفريق مدرسة نيالا الفنية، حيث لعب دوراً فعالاً في الفريق وساهم بشكل كبير في تحقيق النجاحات الرياضية لمدرسة نيالا الفنية.كما شارك جعفر في الدورة المدرسية في الخرطوم مع منتخب ولاية جنوب دارفور في حراسة المرمى، ولم يكتفِ بذلك فقط ، بل تعاون مع مجموعة من ابناء الملم ساهمت في تأسيس الاتحاد المحلي لكرة القدم في ريفي الملم، وشكلوا العديد من الفرق الرياضية المحلية مثل نادي الجديان الرياضي الذي كان جعفر هو كابتن له ومدافع فذ للفريق، وأنشأوا أيضاً نادي الطليعة الرياضي ونادي السهم ونادي الرعد. وقد خلقوا جواً من التنافس الرياضي الكبير بين هذه الأندية في الملم من خلال إقامة الدوريات المحلية الموسمية. واستمر نشاطهم الرياضي في الازدياد بتوسع النشاط الرياضي ليشمل جميع مناطق شمال نيالا، حيث تم تنظيم المباريات التنافسية ما بين الفرق المحلية في الملم ومدن أخرى مثل مرشنج التابعة لولاية جنوب دارفور، ومناطق ومدن شنقل طوباوية وطويلة بشمال دارفور.
كان الاستاذ جعفر حرفياً ماهراً في حقل الأعمال اليدوية مثل النجارة والبناء واجتهد في تطويرهذه المهنة خلال فترة دراسته في مدرسة نيالا الفنية،. حيث قام بدراسة الأساسيات وأصول فن ومهنة النجارة وعمل جاهدًا على تطوير مهاراته في مختلف مجالات الابداع والفن. وبعد إكمال دراسته، قرر جعفر نقل شغفه وموهبته في النجارة والبناء إلى عمل يستفيد منه الآخرون. فأسس مصنعًا خاصًا به لتلبية احتياجات الأثاث في المنطقة،والتي كانت تفتقر إلى وجود وحدة صناعية متخصصة في هذا المجال.
ولم يتوقف جعفر في تطوير مهاراته الشخصية والعملية فحسب، بل عمل أيضًا على إكساب تلك المهارات لشباب منطقته عبر توفير فرص التدريب والتأهيل. فقام بتوظيف العديد من الحرفيين من المنطقة، وقدم لهم التدريب والمساعدة في تحسين مهاراتهم.و بفضل تلك الجهود تطورت قدرات هؤلاء الحرفيين وتمكنوا من تحسين مهاراتهم في مهنة التجارة وتوفير الأثاث المنزلي عالي الجودة لسكان المنطقة.
كما يضاف الى السجل الحافل لمآثر الأستاذ جعفر و دوره الكبير في إثراء الحركة المسرحية والثقافية في ريفي الملم سيما وأنه كان عازفاً بارعًا على آلة الإيقاع الموسيقي، فعمد مع أقرانه من أبناء الملم في تلك الفترات على تنظيم المنتديات والمعارض الثقافية والليالي المسرحية في مدارس الملم خلال مواسم الإجازات الصيفية.وفي تلك السنين صارت مدرسة الملم منارة وشعلة تنبض بالحراك الثقافي بألوانه المتنوعة والمتعددةو كان الأستاذ جعفر أديبًا مفوها وإعلاميًا مطبوعا يهتم بتقديم الفقرات الإعلامية أثناء المناسبات الرسمية في الملم.
أسس الأستاذ جعفرمحمد عبدالرسول مكتبة ثقافية ضخمة في منزله بحي القادسيةو كانت هذه المكتبة تمثل منهلا ثقافيًا عذبا نلوذ إليه مع رصفائنا ونتصفح داخلها أمهات الكتب في مختلف المجالات المعرفية والأدبية والاجتماعية والثقافية. وقد أتاحت مكتبة الأستاذ جعفر فرصة لمحبي القراءة والاطلاع للاستفادة من المعرفة وتوجيههم نحو البحث عن المعرفة في ضروبها.
عرف الجميع من أهل ريفي الملم، عن الاستاذ جعفر محمد عبد الرسول بانه إنسان ملهم وملتزم بمساعدة الآخرين. وفي الآونة الأخيرة من مسيرة العمل الطويلة في المناحي الاجتماعية والثقافية والخدمية، أتجه جعفر إلى العمل الطوعي الانساني فاشتغل مع العديد من المنظمات الإنسانية والعالمية العاملة في مجال العون الإنساني في السودان ودارفور. وتخصص جعفر في إدارة المشاريع التنموية والتخطيط الاستراتيجي ، وقد نجح في تنظيم وتنفيذ العديد من الورش العملية التدريبية والتأهيلية للشباب في منطقة دارفور خاصة والسودان عموما. وقد أبرز نجاحاً منقطع النظيرفي التعاون مع هذه المنظمات في مجالات تخطيط وتنفيذ العديد من المشاريع التنموية المستدامة في مناطق السودان المختلفة والتي كانت تستهدف تحسين ظروف حياة المواطنين السودانيين ودارفور. إن سجلات تاريخ الاستاذ جعفر محمد عبدالرسول الابن البار لمناطق الملم كيلا، لحافلة ومترعة بالإنجازات والأنشطة الثقافة والرياضية والمسرحية وتطوير التكنولوجيا في ريفي شمال نيالا الملم ،وقد خلد جعفر بصمة قوية في المنطقة وألهم العديد من الشباب للاهتمام بالفنون والثقافة.
وقد كان نموذجًا يلهم الآخرين بقدراته الفنية والثقافية، ويبذل قصارى جهده لتنمية المجتمع وتعزيز الثقافة وقيم التسامح والتعايش السلمي بين مكونات المجتمع في الملم وكيلا ولعل هذه الكلمات المحدودة عن رحلة المسيرة الطويلة من البذل والعطاء في حق هذا الرجل الجميل المتصالح مع نفسه والآخرين والذي قدم عصارات جهده وفكره هو غيض من فيض ،التمنيات والدعوات القلبية الصادقة أن تحف العناية الإلهية بالحفظ والسلامة حياة وصحة الأستاذ جعفر محمد عبدالرسول المحبوب لدى جميع ذويه وأهله وعشيرته في الملم كيلا تلك الربوع الوادعة الجميلة بجمال مناخات جبل مرة، وبسماحة وكرم ومآثر الأولين من الآباء والأمهات والأجداد الذين خلدوا بصمات حية في جدار الأزمنة والأمكنة.
makibrhim@yahoo.com
/////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: العدید من جعفر فی
إقرأ أيضاً:
الكائنات الحية في تشرنوبل تحورت لتتغذى على الإشعاع
يظل انفجار المفاعل رقم 4 في محطة تشرنوبل للطاقة النووية بالقرب من مدينة بريبيات بأوكرانيا في 26 أبريل/نيسان 1986 أسوأ كارثة نووية في تاريخ البشرية، إذ تسببت في خلق منطقة حظر بقطر 30 كيلومترًا؛ ظلت حتى اللحظة منطقة مهجورة لأن مستويات الإشعاع لا تزال مرتفعة.
ومع ذلك، اكتشف العلماء داخل هذه المنطقة كائنا حيا بدا أنه نجا من هذه البيئة العدائية للغاية، وهو فطر أسود يسمى "كلادوسبوريوم سفايروسبيرموم"، وبشكل خاص لاحظ العلماء بقعًا للفطر على جدران المفاعل رقم 4، بل كانت توجه خيوطها مثلما يمدّ النبات جذوره نحو الغرافيت المشع بسبب الكارثة.
وقد أظهرت أبحاث أخرى أجريت في كلية ألبرت أينشتاين للطب أن 3 فطريات (منها كلادوسبوريوم سفايروسبيرموم) زادت كتلتها الحيوية بشكل أسرع في بيئة كان فيها مستوى الإشعاع أعلى 500 مرة من البيئة الطبيعية.
مفاعل تشرنوبل رقم 4 حيث وجد العلماء الفطريات المشعة (غيتي) تتغذى على الإشعاعفي البداية ظن العلماء أن تلك الخيوط تتفرع باحثة عن الكربون، لكن ثبت خطأ هذا الادعاء، وخلصت النتائج إلى أن تلك الفطريات تنمو في اتجاه مصدر الإشعاع المؤين بيتا وغاما.
وفي حين أن هناك العديد من حالات الكائنات الحية التي يمكن أن تعيش في ظروف قاسية مثل محطات الطاقة المشعة، فإن الفطريات المشعة هذه لم تكن تنمو "رغم الإشعاع" مثل تلك الكائنات، بل "بسبب الإشعاع"، إذ أصبح مصدر الطاقة الخاص بها، بحسب الدراسة التي نشرها فريق كلية ألبرت أينشتين للطب في دورية "بلوس وان".
وقد تبين للعلماء أن تلك الفطريات تحول الإشعاع المؤين إلى طاقة كيميائية لتغذية نموها، وهي العملية التي تسهلها صبغة الميلانين في خلاياها.
إعلانتحتوي تلك الفطريات المشعة على الميلانين، وهو الصبغة ذاتها الموجودة في الجلد البشري. ويلتقط الميلانين الإشعاع المؤين ويحوله إلى طاقة كيميائية، على غرار الطريقة التي يحول بها الكلوروفيل في النباتات ضوء الشمس إلى طاقة أثناء عملية التمثيل الضوئي.
أحد الفطريات التي وجدها العلماء في تشرنوبل (ويكيميديا) أفق للتطبيق العلميورغم أن هذه العملية ليست مطابقة لعملية التمثيل الضوئي، فإنها تخدم غرضًا مماثلًا وتحول الطاقة من البيئة لدعم نمو الكائن الحي. فتحت هذه الظاهرة، التي تسمى التمثيل الإشعاعي، آفاقًا مثيرة في أبحاث الكيمياء الحيوية والإشعاع.
ويعتقد العلماء حاليا أنه يمكن للفطريات المشعة أن توفر بديلًا طبيعيًّا أكثر أمانًا لاحتواء مستويات الإشعاع في المناطق الملوثة وخفضها. وتبحث فرق بحثية عدة في تطبيقات أخرى، وخاصة في مجال استكشاف الفضاء، إذ إن البيئة القاسية والمملوءة بالإشعاع في الفضاء من أهم التحديات التي تواجه البعثات الطويلة الأجل إلى المريخ وما بعده.
وقد تم بالفعل إرسال كلادوسبوريام سفايروسبيرمام إلى محطة الفضاء الدولية لإجراء تجارب لتحديد ما إذا كانت قدرتها الفريدة على تحمل الإشعاع يمكن أن تحمي رواد الفضاء من الإشعاع الكوني، وكانت النتائج الأولية واعدة.