ويسأل الذين يراهنون على قوة ردع "حزب الله" عن مدى قدرته على لجم النفس أمام هذا التصعيد الإسرائيلي، الذي لم يعد يلتزم بما يُعرف بـ قواعد الاشتباك"، خصوصًا في الأيام الأخيرة، حيث يُسجل تصعيد لافت للغارات الإسرائيلية على المناطق الحدودية الجنوبية، بالتزامن مع تصعيد من نوع آخر يتمثّل بالتهديدات المتواصلة بقرب نقل ما يجري في قطاع غزة إلى لبنان، وذلك بعدما تأكدت تل أبيب من أن "حزب الله" لن يرضخ للضغوطات الخارجية، وهو الذي أبلغ الذين يحاولون التفاوض معه بالنسبة إلى انسحاب عناصره إلى شمال الليطاني "أن خيّطوا بغير هذه المسّلة"، ولكنه ملتزم في الوقت نفسه بسياسة "ضبط النفس"، والتعامل مع الوقائع بالطريقة التي يراها مناسبة، وذلك مراعاة لـ "المصلحة الوطنية"، كما سبق أن أعلن أمينه العام السيد حسن نصرالله في أكثر من خطاب له، ولكنه أردف أنه إذا فُرضت عليه الحرب فإنه سيخوضها بكل ما لديه من قوة ليس دفاعًا عن أهل الجنوب فحسب، بل دفاعًا عن كل شبر من الأراضي اللبنانية.

  
 وهذه المعادلة الجديدة التي يحاول الإسرائيليون فرضها كأمر واقع لا مفرّ منه تجعل الكثيرين في الخارج والداخل قلقين عمّا يمكن أن تؤول إليه التطورات المتسارعة وفق "الأجندة" الإسرائيلية، وبالأخص بالنسبة إلى الأميركيين الذين يحاولون أن يضغطوا على تل أبيب لوقف عدوانها المستمر منذ مئة يوم وأكثر على غزة، وبالتالي وقف ممارسة سياسة الاستفزاز للبنان، ولكنهم لم ينجحوا في ما هم إليه ساعون ومخطّطون. وهذا الأمر يدعو إلى توقّع ما هو أسوأ، سواء في القطاع أو في الجنوب بعدما وصل القصف الإسرائيلي إلى مناطق كانت تُعتبر حتى الأمس القريب في منأى عن الاستهداف الإسرائيلي. 
ويفسّر بعض المحللين والخبراء العسكريين التراجع النسبي في وتيرة عمليات "حزب الله" قياسًا إلى الوتيرة التي كان يشهدها الميدان في السابق بأن وراء هذا "الهدوء" قد تأتي عاصفة يُحضّر لها بعد كشف الوجه الآخر للعدو الإسرائيلي أمام الرأي العام العربي والدولي، وبعد دحض ادعاءاته بأن قصفه للقرى الحدودية يأتي ردًّا على عمليات "المقاومة الإسلامية" إسنادًا لغزة، لكن هذا التراجع في عدد العمليات لا يعني من منظار "حارة حريك" دليل ضعف أو وهن في صفوف مقاتليها، بل هو دليل قوة عن مدى قدرة القيادتين السياسية والعسكرية على ضبط النفس وتوقيت نوعية العمليات وعددها على الساعة التي تلائم وضعية المقاومة وليس على توقيت يحاول العدو فرضه على مسرى المعارك القتالية. هذا الامر لا يعني ما ذهب إليه بعض المحللين من أن "حزب الله" اضطرّ إلى الأخذ ببعض النصائح التي وصلت إليه عبر رسائل أوروبية تدعوه فيها إلى التخفيف من عملياته العسكرية لسحب أي ذريعة تتحينها تل أبيب لتنفيذ مخططاتها العدائية ضد لبنان عمومًا، وإن كانت المقاومة موضوعة في الواجهة، وذلك على خلفية ما يواجهه بنيامين نتنياهو من مآزق في غزة، وهو يحاول التفتيش عن مخرج له منها فلا يرى إلى ذلك سبيلًا سوى فتح جبهة جديدة مع لبنان يعتقد واهمًا أنه يستطيع أن يحقق فيها نصرًا قد يعوضّ عليه ما لم يقدر أن يحقّقه في "حربه الغزاوية"، ولمواجهة ما يتعرّض له من ضغوطات داخلية من سكان المستوطنات الشمالية، التي تطالبه بتأمين عودة آمنة ومستدامة.   
وما يزيد من قلق القلقين بأن الأمور ذاهبة في اتجاه توسعة الحرب هو ما تبعثه اسرائيل من إشارات تعزز هذه الفرضية. ومن بين هذه الإشارات – الرسائل الحديث عن عمليات نقل جارية لوحدات الجيش الإسرائيلي بعدما سُحبت من غزة الى جبهة الشمال في انتظار ساعة الصفر، وتعمّد تسريب معلومات عن وصول وحدات خاصة سراً الى تل أبيب تمهيدا للدفع بها الى الحدود الشمالية. 
ويبقى السؤال الذي هو عود إلى بدء: إلى متى سيبقى "حزب الله" قادرًا على ضبط النفس؟   المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: حزب الله تل أبیب

إقرأ أيضاً:

دبلوماسيون: الهدنة خطوة إيجابية لوقف عمليات التدمير والقتل التي تمارسها إسرائيل

رحّب السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق، باتفاق وقف إطلاق النار فى لبنان والتزام الطرفين به، لافتاً إلى أن الاتفاق يتضمّن انسحاب «حزب الله» إلى شمال الليطانى، وانسحاب إسرائيل من جنوب الخط الأزرق، كما تم الاتفاق على انتشار الجيش اللبنانى على الحدود مع إسرائيل، لتصبح المنطقة تحت سيطرة قوات الأمن اللبنانية فقط، مع عدم السماح لأى قوة أخرى بالوجود فيها.

وقال «رخا»، فى تصريحات لـ«الوطن»، إن الاتفاق يُعد خطوة إيجابية، بصفة عامة لوقف عمليات التدمير والقتل التى تمارسها إسرائيل بلا مُبرّر، فى عملية انتقامية غير إنسانية، موضّحاً أن الاتفاق جاء بعد إصابة الطرفين بالإرهاق، فعلى الجانب الإسرائيلى، اعترف رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، خلال كلمته، بأن السبب الأول فى قبول الاتفاق هو إعادة سكان شمال إسرائيل إلى منازلهم خصوصاً أنهم يُشكلون ضغطاً اقتصادياً وسياسياً ونفسياً وأمنياً للمجتمع الإسرائيلى، بجانب إبعاد إيران عن المنطقة، وتحديداً جنوب لبنان، فضلاً عن إعادة ما سمّاه «بناء الجيش وتسليحه»، فى ظل ما يواجهه الجيش الإسرائيلى من هروب عدد كبير من المجندين وأزمة جنود الاحتياط، وهو ما أثر على الاقتصاد والإنتاج ومعدلات النمو، إلى جانب الإنفاق العسكرى وإنهاك القوات.

وأشار «رخا» إلى أن الاتفاق سيتيح الفرصة لـ«حزب الله»، لإعادة ترتيب البيت من الداخل والضغط الشديد عليه نتيجة خسائره التى تكبّدها خلال معاركه، والضغط السياسى الداخلى والخارجى، خصوصاً من سكان الجنوب، متابعاً أن الضغط الدولى مُورس على الطرفين من أجل وقف القتال وتحقيق الاستقرار، لأن لبنان هو الذى يعانى.

وعن آلية مراقبة تنفيذ الاتفاق، لفت إلى تشكيل لجنة تضم ممثلين عن الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، حيث تلعب واشنطن دوراً فى حماية مصالح إسرائيل، بينما تهتم فرنسا بالمصالح اللبنانية، نظراً إلى علاقاتها التاريخية، منوهاً بأن هناك صعوبات فى تنفيذ بعض بنود الاتفاق، خاصة فى ما يتعلق بنزع سلاح حزب الله، الذى يُعد موضوعاً شائكاً، بالإضافة إلى جهود الولايات المتحدة لدعم التفاوض حول الحدود البرية بين إسرائيل ولبنان، وأن هناك نقاط مراقبة داخل الأراضى اللبنانية لا تزال تُشكل تحدّياً، مشيراً إلى أن حزب الله ليس مجرد مجموعة مسلحة، بل هو قوة سياسية فاعلة فى لبنان، مما يجعل نزع سلاحه أمراً معقّداً.

من جانبه، شدّد السفير جمال بيومى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، على الحذر عند تقييم الاتفاق، فى ظل تساؤلات حول مدى جدية الأطراف، خاصة الجانب الإسرائيلى، موضحاً أن رئيس وزراء إسرائيل ليس محل ثقة، مرجحاً أن يكون السبب وراء توقيع الاتفاق هو بحثه عن أى وسيلة لوقف القتال على الجبهة اللبنانية، لأن الجيش الإسرائيلى لا يستطيع فتح جبهتين فى آن واحد، لذلك نرى أن هناك احتمالاً كبيراً لعودة القتال.

وأوضح «بيومى» أن حزب الله قد لا يقبل القيود المفروضة عليه، مما يزيد من خطر خرق الاتفاق، لأن الأوضاع الحالية غير مشجّعة، إذ يبدو أن الأطراف الثلاثة «إسرائيل، والولايات المتحدة، وحزب الله»، يرغبون فى استمرار القتال، ولكن الموافقة على الهدنة تضع الجميع أمام مسئولية احترام القانون الدولى، ويجب تنفيذ الانسحاب وفقاً للحدود المعترَف بها دولياً، لكن هناك دائماً احتمال لخرق الاتفاق من قِبل أى طرف، مشيراً إلى أهمية قرار مجلس الأمن رقم 1701، إذ إن هذا القرار مهم جداً، لأنه يمنح الحكومة اللبنانية حق السيادة على حدودها، ويمنع أى تهديدات من إسرائيل أو حزب الله، وإذا تم تطبيق هذا القرار بشكل صحيح، فإن لبنان سيستفيد بشكل كبير.

أما عن إمكانية أن يكون الاتفاق بداية للهدوء فى المنطقة والتوصّل إلى اتفاق أو هدنة إسرائيلية فلسطينية، فأكد أن الوضع فى غزة مختلف تماماً، لأن إسرائيل لديها طموحات أكبر فى غزة، وقد تكون أكثر حذراً فى التعامل مع هذه القضية.

مقالات مشابهة

  • ماذا ترك مقاتلو حزب الله في المنازل التي دخلوها في الجنوب (شاهد)؟
  • لماذا استهدف الاحتلال الجسور التي تربط لبنان بسوريا؟
  • دبلوماسيون: الهدنة خطوة إيجابية لوقف عمليات التدمير والقتل التي تمارسها إسرائيل
  • أقسى الضربات التي تبادلها حزب الله وإسرائيل في حربهما الأخيرة
  • حزب الله وجبهة الإسناد.. من التصعيد إلى الرضوخ
  • حماس تدعو لتصعيد الاشتباك مع الاحتلال الإسرائيلي في الضفة
  • قماطي: مستمرون في المقـاومة وسنعيد إعمار الضاحية الجنوبية لبيروت وجميع ما تهدم في كل لبنان ونعمل على إيواء العائلات التي فقدت منازلها جراء العدوان الإسرائيلي
  • وفد أمني مصري يزور تل أبيب في محاولات لوقف التصعيد مع لبنان
  • وفد أمني مصري يزور تل أبيب في محاولات لوقف التصعيد
  • نقطة غامضة في هدنة لبنان .. حق الدفاع عن النفس