مخدرات سوريا تربك الأردن.. ومبادرة من السويداء لوقف التهريب
تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT
تلقي عمليات تهريب الكبتاغون والمواد المخدرة القادمة من الأراضي السورية على الأردن حملا ثقيلا حيث باتت المملكة الأردنية أمام مواجهة خطر محدق قادم من حدودها الشمالي، وشهدت الأشهر الأخير تطورات دراماتيكية في زيادة محاولات التهريب وملاحقة تجار المخدرات والمهربين من قبل الجيش الأردني الذي خاض عدة مواجهات مع المهربين خلال الأسابيع الأخيرة.
وأعلن الجيش الأردني خلال الأيام الماضية عن عدد من العمليات العسكرية ضد المهربين على الحدود مع سوريا، بينها عملية في السادس من كانون الثاني/يناير الجاري، وأدت إلى مقتل 5 مهربين واعتقال 15 آخرين مطلع الشهر الجاري.
وبعد أيام، شن الجيش الأردني عملية أخرى أدت إلى القبض على 7 مطلوبين على علاقة مع عصابات التهريب وتجار المخدرات وقال في بيان إن العملية الأخيرة جاءت بعد التحقيق مع المهربين الـ 15 المقبوض عليهم في عملية 6 كانون الثاني/يناير 2024.
تجارة رائجة ومصدر دخل للنظام السوري
وحول نشاط عمليات التهريب وزيادتها خلال الفترة الأخيرة قال العقيد الطيار المنشق عن جيش النظام السوري والمحلل العسكري إسماعيل أيوب لـ"عربي21": إن عمليات تهريب المخدرات من الجنوب السوري إلى الأردن لم تكن وليدة اليوم، إنما بدأت منذ أكثر من سنة مع توغل وانتشار الميليشيات الإيرانية على الحدود الجنوبية لسوريا.
وأضاف أيوب أن هذه الميليشيات تعتمد على المخدرات وعمليات التهريب كمصدر دخل لها، إضافة إلى اعتماد النظام السوري على المخدرات كمصدر رئيس للدخل، بعد أن سيطرت الولايات المتحدة على مصادر النفط في شمال وشرقي سوريا، كما سيطرت القوات الروسية على الفوسفات وباقي الموارد الرئيسة في البلاد.
وأضاف أيوب في تصريحاته لـ "عربي21" أن "ما تم ملاحظته خلال العمليات العسكرية التي خاضها الجيش الأردني وإلقاء القبض على مهربين وتجار مخدرات، بحوزتهم أسلحة وعتاد حربي، يؤشر على أنهم مرتبطين بجهات أخرى ليس مجرد مجموعات تهريب، إنما هي مجموعات منظمة مرتبطة بجهات رسمية داخل إدارات النظام السوري، إلا أن النظام لا يصرح بشكل رسمي أنه يرعى عمليات التهريب بل على العكس يحاول إبعاد الشبهة عنه ويدين باستمرار عمليات التهريب".
تهريب لأغراض سياسية
وتعتبر عمليات التهريب من أكثر مصادر جني الأموال سواء كان تهريب سلاح أو تهريب بضائع أو تهريب مخدرات وهو أمر موجود بصورة دائمة في المناطق الحدودية في العالم.
إلا أن ما يحصل على الحدود السورية الأردنية يهدف إلى ناحيتين وفق تصريحات للدكتور بسام العموش الوزير الأردني السابق والذي قال لـ"عربي21"، إن "هدف عمليات التهريب على الحدود الشمالية للأردن يتم بغرض سياسي بالدرجة الأولى تحت عنوان المخدرات إضافة إلى مصادر دخل لمن يقف خلفه من المليشيات الإيرانية المنتشرة على الحدود الجنوبية لسوريا".
وأضاف العموش "أن الهدف الرئيس لعميات التهريب على الحدود الأردنية السورية الذي يشمل عمليات تهريب مخدرات وسلاح بقصد سياسي وهو إضعاف الأردن، وإنشاء خلايا داخل الأراضي الأردنية ويتولى تحقيق هذا الهدف إيران ووكلائها في المنطقة، وهم مصرون على الدخول الذي كانوا يتمنونه منذ أكثر من عشرين سنة سابقة".
وتابع الوزير الأردني السابق أن "أذرع إيران ماتزال تعمل بشتى الطرق لتحقيق هذا الهدف، وهو أمر معلن ومادي وضمن تخطيط إيران الدول المخربة في المنطقة، والتي اتسعت شهيتها التوسعية بعد احتلالها لأربع عواصم عربية على حد تعبير أحد المقربين من الحرس الثوري وهو محمد صادق الحسيني".
وأشار العموش إلى أن "هذه الأذرع الإيرانية على استعداد للقيام بكل ما هو مطلوب في سبيل الدخول إلى الأردن، الذي يخوض حربا حقيقية بالمدفعية والأسلحة الثقيلة بما فيها سلاح الجو الأردني الذي بدأ يضرب أوكار هذه المجموعات المرتبطة بإيران في الأرض السورية".
وفي ذات السياق يشير العقيد إسماعيل في تصريحاته لموقع "عربي21"، إلى أن "عمليات التهريب نشطت خلال الفترة الأخيرة، بالتزامن مع إخضاع عناصر من المليشيات ذات التابعة لإيران في الجنوب السوري، إلى تدريب إضافة إلى المتعاونين معها في إتمام هذه المهام، فضلا عن انتشار معامل للمواد المخدرة بالقرب من الحدود الأردنية في المناطق التي تسيطر عليها تلك المليشيات، ليتم تهريبها إلى دول عدة وأبرزها الأردن، من خلال الطائرات المسيرة أو المجموعات، وهذا ما يؤكد وجود جهات منظمة تقف خلف عمليات التهريب".
ضعف سلطة النظام السوري وبرودة في التطبيع
وفي سياق متصل ذكر وزير الاتصال الحكومي والناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، مهند المبيضين أن "ارتخاء وضعف السلطة في سوريا هو سبب التوتر على الحدود الشمالية للأردن معربا عن أمله في أن تلتفت حكومة النظام السوري لـ"الانفلات الأمني على الحدود".
ولفت المبيضين إلى أن "هناك تصعيدا بنوعية الأسلحة التي تستخدم من قبل المهربين على الجانب السوري"، مضيفا في تصريحات صحفية أن الأردن حذرت من خطورة التمدد الإيراني في المنطقة.
من جانبه أشار الوزير الأردني السابق بسام العموش في تصريحاته لـ"عربي 21"، إلى أن "الأردن يتمنى أن يقوم النظام السوري بمنع هؤلاء من عمليات التهريب وبناء على ذلك حاول التقرب من النظام السوري وإعادته للجامعة العربية لكن النظام السوري لم يقابل ذلك بأية خطوة".
وأرجع سبب ذلك إلى أن "الجنوب السوري يخضع لسيطرة المليشيات المدعومة من إيران"، مشيرا إلى أن "هناك على ما يبدو من هو مستفيد من تهريب الكبتاغون المزروع في البقاع الذي يسيطر على حزب الله وتقدر عائدات التهريب بالمليارات وهي تشكل مصدر كبير للأموال التي تعود إلى الحزب والمليشيات التابعة لإيران".
ورغم الخطوات التي تقدمت فيها الدول العربية للتقارب مع النظام السوري إلا أن جميع الشروط التي وضعتها الدول العربية للتقارب مع النظام لم يتم تنفيذ أي منها، ومن أبرز ما تقدمت به الدول العربية تجاه النظام هو الحد من عمليات تهريب المخدرات إلا أنها بدأت تنشط بشكل غير مسبوق، وبالتالي لم يحقق التطبيع العربي مع النظام أي خطوة حقيقة لفك عزلته السياسية.
وقال العقيد إسماعيل أيوب، إن "النظام السوري لم يعد له أي دور محوري في المنطقة بعد سيطرت عدة دول على سوريا، حيث تنتشر القوات الأميركية في الشمال الشرقي إضافة إلى توغل المليشيات الإيرانية وحزب الله في القرار السوري، وبالتالي لا يمتلك النظام أي إرادة أو تأثير وأي تطبيع عربي".
وأضاف أن "ذلك لن يجعل من سوريا هدف للمستثمرين نتيجة حالة الفلتان الأمني وعدم قدرة النظام السوري على السيطرة بشكل مطلق وربما أن تكون خطوات التطبيع سياسية ولن تكون ذات فاعلية إذا لم يتم التغيير السياسي والاستقرار الأمني".
عصابات منظمة وآخر الدواء الكي
ومع تواصل عمليات التهريب ومحاولات الجيش الأردني منع وصول شحنات التهريب إلى الأراضي الأردنية وملاحقة نجار المخدرات داخل الأراضي السورية للوصول إلى مصادر التهريب الأساسية.
وقال مدير الإعلام العسكري في القوات المسلحة الأردنية العميد الركن مصطفى الحيارى، إن عصابات منظمة تقف وراء التهريب من سوريا، مشيراً إلى أنّ المهربين تلقوا تدريبات عسكرية بعمل منظم تقف وراءه أجندات خارجية.
وحمّل الحياري في تصريحات لقناة "المملكة" الأردنية المسؤولية في عمليات التهريب إلى حكومة النظام السوري، مؤكدا أن الأردن تواصل أكثر من مرة مع النظام السوري بهذا الشأن لكن هذا التواصل لم يؤت ثماره.
ولفت إلى أن الجماعات المسلحة تصر على عمليات التهريب وإدخال المخدرات إلى الأردن بالقوة، مضيفا أن الأمر الآن لم يعد متعلقا بإدخال المخدرات فقط بل تعدى ذلك إلى السلاح.
وأضاف الحياري إن الهدف من تهريب السلاح إلى الأردن هو بناء حواضن ترعى التهريب في الداخل الأردني.
وعلّق على تهريب السلاح بالقول: "ما واجهناه هذه السنة تهريب أسلحة نوعية مثل صواريخ الآر بي جي وغيرها وهدف هذه الأسلحة هو مواجهة قوات حرس الحدود ومواجهة الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة بشكل عام، وذلك لإضعاف هذه الأجهزة وبالتالي إضعاف الدولة الأردنية وتحويلها إلى دولة مخدرات".
من جانبه قال العقيد إسماعيل أيوب، إن "زيادة عمليات التهريب أجبرت الجيش الأردني ملاحقة تجار المخدرات في الأراضي السورية وهذا ما حصل بالفعل بعد أن نفذ سلاح الجو الأردني عدة غارات جوية استهدف بيوت مهربين إلى أن عمليات الرصد الجوي لا يمكن تحديد من يكون داخل المنزل بدقة ما أدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين".
فيما أشار العموش إلى أن "الأردن يقاتل وسيستمر في مكافحة عمليات التهريب المنظمة والمطلوب تغليظ العقوبات القانونية على المستهلكين والتجار والمهربين"، مشيرا إلى "ضرورة تنفيذ هذه المطالب من الحكومة الأردنية ومجلس النواب والمتفق عليه شعبيا ورسميا لرفض دخول عملاء إيران إلى الأردن مهما كلف الثمن".
زعيم الطائفة الدرزية يمد يده للأردن
وحول زيادة عمليات تهريب المخدرات في جنوب سوريا أعلن زعيم طائفة الموحدين الدروز في سوريا، الشيخ حكمت الهجري، تأييده للضربات الأردنية التي تستهدف تجّار المخدّرات في سوريا، قائلاً: "عدونا وعدو الأردن واحد".
جاء ذلك خلال استقبال الشيخ "الهجري" لـ وفد من البلدات والقرى الجنوبية لمحافظة السويداء، من أهل المناطق الحدودية مع الأردن.
ودعا الهجري الأردن إلى تحديد ضرباته وضرورة التحقّق من عدم إلحاق أضرار بالمدنيين، لافتا إلى أن معالجة تهريب المخدرات يجب أن تتم بعيدا عن الأماكن المدنية مشيرا إلى أن الميليشيات الإيرانية في سوريا هي "الحامي لتجارة المخدرات".
مبادرة حركة رجال الكرامة
وفي سياق متصل أعلنت ما تسمى بحركة رجال الكرامة إحدى أكبر الفصائل العسكرية في السويداء، مبادرة من تسعة بنود موجهة إلى الأردن لتجنّب موت المدنيين خلال ملاحقة تجار المخدرات.
وأعلنت الحركة استعدادها لملاحقة جميع المتورطين بتهريب وتجارة المخدرات، بعد تقديم الجانب الأردني قوائم بأسماء المتورطين.
وانتقدت الحركة في بيانها النظام السوري وحملته المسؤولية المباشرة عن ملف المخدرات من تسهيل تحويل جنوبي سوريا إلى منطقة تخزين وتهريب، ودعت الحركة المجتمع المحلي والوجهاء والمرجعيات الدينية للوقوف عند مسؤولياتهم.
ودعت الحركة في بيان لها وجهته إلى الأردن أمس طالبت فيه وقف العمليات العسكرية ضد المواقع المدنية، وتوخي الحذر عند تنفيذ أي عملية، واطلاع الحركة على تحركاتهم العسكرية والتنسيق معها.
كما طالبت الحركة القيادات العسكرية في الأردن المسؤولة عن القصف السابق برفع الضرر الواقع على ممتلكات المدنيين، وتعويضهم على خسائرهم، والتحقيق الشفاف بمصادر معلوماتهم التي تسببت بقتل مدنيين، والاعتذار لذويهم معنويا، وتعويضهم ماليا، ووقف الاستهداف العشوائي للمساكن والأراضي الزراعية، التي تشل الحركة في القرى الجنوبية، وتتسبب بنزوح جماعي عنها.
ودعت الحركة الجهات في الأردن بالطريقة التي تناسبها، تسليمها لوائح بأسماء الموجودين ضمن محافظة السويداء ممن تعتقد أنهم متورطون في تجارة وتهريب المخدرات.
ودعت حركة رجال الكرامة الزعامات الدينية والاجتماعية والتقليدية في كل منطقة أو قرية من الجبل، والعائلات والشخصيات السياسية، لتصدير مواقف واضحة ومعلنة وغير مواربة، ضد كل من يتورط بتجارة المخدرات وترويجها وتهريبها ضمن مناطقهم، وتحديد المتورطين بالاسم، ومؤازرة الحركة في ملاحقتهم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سوريا السويداء سوريا الاردن الأسد السويداء المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عملیات التهریب تهریب المخدرات الجیش الأردنی النظام السوری عملیات تهریب إلى الأردن فی المنطقة على الحدود إضافة إلى مع النظام الحرکة فی فی سوریا إلا أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
ملتقى بسوريا بشأن استخدام نظام الأسد المخدرات أداة للقمع والسيطرة
دمشق- شهد فرع مكافحة المخدرات في مدينة جرمانا شرقي العاصمة دمشق أول أمس الجمعة أولى فعاليات مشروع "دولة فارماكون"، وهو ملتقى فني وثقافي ومشروع مجتمعي وحقوقي برعاية وزارة الثقافة السورية بدعم من منظمات ومؤسسات سورية مختلفة، ويشارك فيه فنانون ومثقفون وخبراء سوريون، لتسليط الضوء على العلاقة المركبة بين المخدرات والحرب في سوريا.
وانطلق المشروع بمجموعة من المعارض الفنية لأعضاء بتجمع الفنانين التشكيليين في جرمانا "تراكم"، واشتملت المعارض على مجموعة واسعة من اللوحات الزيتية والأعمال الفنية المعاصرة والمنحوتات المستوحاة من تجارب إدمان المخدرات والسبل الخاطئة لمكافحتها في عهد النظام السابق.
وأشار خالد بركة صاحب فكرة المشروع وأحد المنظمين في حديث للجزيرة نت إلى أن مشروع "دولة فارماكون" هو محاولة لتفكيك العلاقة المعقدة بين الحروب وتجارة المخدرات اجتماعيا وبصريا، وتسليط الضوء على كيفية استخدام النظام السابق الإدمان أداة للقمع والسيطرة.
وذلك إلى جانب تسليط الضوء على عدد من القضايا الحقوقية المرتبطة بالمدمنين كتغيير قانون المخدرات القائم ليصبح قانونا عصريا يتناسب مع الواقع الذي تشهده سوريا من انتشار كبير لظاهرة الإدمان، يضيف بركة.
وأوضح بركة أن سوريا قد تحولت تحت حكم دكتاتورية الأسد إلى إمبراطورية مخدرات عالمية تستخدم الكبتاغون عملة منشطة لاقتصادات الحرب ومصدرا لتمويل المليشيات ووسيلة لتخدير الجنود وإطالة قدرتهم على القتال.
إعلانوأضاف أنه في الوقت الذي كانت فيه الشحنات الضخمة المحملة بالمخدرات تهرّب من سوريا عبر الحدود كان النظام المخلوع يجرّم استخدام تلك المواد داخل البلاد ويعتقل المواطنين في السجون ويخضعهم للتعذيب الوحشي بتهمة استهلاك المادة نفسها التي كان يصدّرها بالملايين.
وقالت الفنانة التشكيلية رؤى بريك الهنيدي إن فكرة المعرض تفهم من خلال الاسم "فارماكون"، والذي يعني اسما طبيا يشير إلى معنيين متناقضين، أولهما يحيل إلى مادة الكبتاغون ومعناه في هذا السياق هو السم، وثانيهما يحيل إلى معنى "العلاج" باللغة اليونانية، وهكذا يمكن فهم المعرض بوصفه خطوة باتجاه التعافي من هذا السم.
وتضيف الهنيدي في حديث للجزيرة نت أن "اللوحات التي شاركت بها هدفها تغيير النظرة النمطية عن مدمني المخدرات والتنويه إلى ضرورة استبدال العقاب بالعلاج".
وأوضحت أن علاج الظاهرة يجب أن يكون من الجذور عبر معالجة المدمن بطريقة صحيحة بالتعاون مع الجهات المختصة ومعالجة أسباب إدمانه، سواء كانت نفسية أو اجتماعية أو مادية أو غيرها، معتبرة أن المعرض أقيم لتغيير مفهوم المدمن الذي لا يعد مجرما بل إنسانا وضحية.
أما عن دلالة إقامة هذا المعرض في مبنى فرع مكافحة المخدرات (سابقا) فتقول الهنيدي إنه يعكس الرغبة في أن يتحول هذا المكان الذي كان شاهدا على العقاب الهمجي للمدمنين إلى مكان لعلاجهم من إدمانهم.
وإلى جانب اللوحات الزيتية اشتملت المعارض على منحوتات وتشكيلات فنية تنقل جانبا من تجربة السجناء من المدمنين في فرع المخدرات، ومن بينها كانت أعمال الفنان سليمان عبيد الذي شارك بمجموعة من التشكيلات المصنوعة من مادة "الأبوكسي"، والتي تم عرضها في إحدى المنفردات (زنزانة لشخص واحد)، لتجسيد حالة السقوط والعذاب التي كان يعيشها المدمن في سجون نظام الأسد.
إعلانويقول سليمان للجزيرة نت "لطالما كان هذا المكان بمثابة الصندوق الأسود للنظام البائد، والعرض فيه تحديدا هو تأكيد على دور الفنان في التعافي من الصراع وإثبات إرادة شعب ما زال يقاوم الذل والهوان."
وبشأن رمزية أعماله يضيف سليمان "هذه الأعمال هي شكل من أشكال الألم والوجع الذي كان يعاني منه المدمن في الزنزانة، وللمفارقة فإن النظام الذي كان يصنع المواد المخدرة ويروجها هو ذاته الذي كان يعتقل ويحاسب متعاطيها، ومن هنا كان اختيار الثيمة السريالية لتشكيلاتي".
بدورها، ترى الفنانة التشكيلية دنيا أيوب أن أهم رسالة يمكن أن ينقلها هذا المشروع هي "تأكيد حقيقة التعامل والتعذيب القاسي الذي كان يتعرض له المدمنون في فرع مكافحة المخدرات، إلى جانب العمل على تحويل مفهوم المكافحة إلى مفهوم المعالجة والمساهمة في إعادة تأهيل المدمن ودفعه إلى المجتمع مجددا ليكون فيه فردا فاعلا ومتمكنا".
وعبّرت أيوب في لوحة "الفراشة" -وهي لوحة من الخرز الماسي والأبيض تصور فراشة وهي تسقط في شبكة- عن حالة ما قبل الإدمان عندما ينظر الشباب إلى المخدرات التي يظنون أنها مغرية (الشبكة الماسية)، لكنهم يكتشفون بعد حين أن ما وقعوا فيه لم يكن إلا فخ الإدمان المميت.
من جهته، أشار الفنان بسام الحجلي إلى أهمية تسليط الضوء على حقيقة ترويج "النظام البائد" المواد المخدرة لأغراض سياسية خلال سنوات الحرب، مما أدى إلى تغييب الإنسان الحر عن واقعه وأهميته وحقوقه في وطنه.
وأضاف الحجلي في حديث للجزيرة نت إلى أن المخدرات هي "قتل بطيء للذات البشرية وانهيار لقيم المجتمع، ويكون السوريون بخير عندما ينتهي مجتمعنا من المخدرات، ولا سيما جيل الحرب الذي انجر إلى هذه المواد، سواء على جبهات القتال أو داخل المجتمع".
واعتبر أن المخدرات كانت استثمارا سياسيا في عهد النظام البائد لضرب البلد والإنسان، مؤكدا على دور الفن في المراحل الانتقالية من حياة الشعوب بوصفه "عين الحقيقة".
وشهد المعرض اهتماما رسميا وأهليا محليا، إذ زاره وفد من محافظة ريف دمشق، على رأسه مسؤول منطقة الغوطة الشرقية الدكتور محمد علي عامر، إلى جانب عدد من مشايخ الطائفة الدرزية ووجهاء مدينة جرمانا.
إعلانوعن أهمية المعرض في هذا التوقيت، قال عامر إنه يمثل فكرة جديدة قام بها مجموعة من الفنانين والفنانات سموا أنفسهم "تراكم" تعبيرا عن تراكم الأفكار والتجارب والمعلومات التي يمكن أن تقترح حلولا لمرض الإدمان الخطير "الذي أصّله النظام البائد في المجتمع وروّج له بدلا من محاربته ليصل أثره بذلك إلى كل دول العالم".
ويرى المسؤول في حديث للجزيرة نت أنه "من خلال مثل هذه التجمعات والمشاريع وغيرها يمكن من وضع خطة بالتعاون بين المجتمع المحلي والدولة لتحويل المدمنين من أشخاص ينظر لهم المجتمع كمجرمين إلى أشخاص لهم واقع أفضل".
بدوره، قال خالد بركة إن التجربة كانت مهمة ومميزة وغنية وتسهم في تغيير الصورة النمطية عن مدينة جرمانا التي كانت توصم بأنها مركز للمخدرات.
وبشأن أهداف المشروع الممتد إلى 15 يوما، يرى بركة أنها متمثلة في إعطاء مساحة للفنانين لمشاركة أعمالهم، وتحويل الفن من فن صالونات ومعارض إلى فن مجتمعي وسياسي يعطي صوتا للفنانين.
ويعتبر مشروع "دولة فارماكون" الفني والمجتمعي الأول من نوعه في سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد المخلوع في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وهو استجابة مدنية وأهلية لظاهرة إدمان المخدرات التي تفشت بشكل غير مسبوق في سوريا التي حوّلها نظام الأسد إلى "إمبراطورية للمخدرات"، وفقا لتقارير صحفية عديدة.