عربي21:
2024-07-03@19:07:10 GMT

هل نحن مناصرون لأنفسنا قبل الفلسطينيين؟

تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT

كنتُ أتمعن في الحديث الشريف القائل، فيما معناه: "فتن كقطع الليل المظلم إذا أخرج أحدهم يده لم يكد يراها" وأتعجب، كيف يمكن أن تجعل الفتنة الليل يظلم على الناس في النهار أو تطفئ الأنوار في الليل، وأتعجب أيضا من قول أبي الطيب المتنبي:

وليس يصح في الأذهان شيء    إذا أحتاج النهار إلى دليل

مرّت السنوات، أسرعت بنا العقود، انهارت رويدا رويدا منظومة المفاهيم الرئيسية القائم عليها؛ لا وجودنا أو شعورنا بماهيتنا كعرب ومسلمين، بل الأساسية في إدراكنا كُنه أنفسنا ومَنْ نكون.

أعترف أن الأمور لم تكن من الأساس في وضعها الصحيح المطلق، بل لربما أعلى البعض من القول بأن الوضع المثالي غير متوفر في هذه الحياة من الأساس، لكننا على العموم نشأنا وتفهمنا معنى الوجود في ظل منظومة "كامب ديفيد" التي تتحدى منذ عام 1979م، تُبقي علنا على الكيان الصهيوني المعروف بإسرائيل صديقا لا عدوا استراتيجيا، لا تمس كون إخواننا الفلسطينيين أقرب إلينا من شغاف قلوبنا.

تدرجنا على سلم الحياة ونحن نرقب ونلمس كيف يحرص الصهاينة على إفساد حياتنا ومنظومة القيم، بداية من مصر بالكلية. فهمنا عمليا أن بلدنا يمثل قلب الأمة الذي إن ضعف ووهن أصيبت الأمة في مقتل، تراقصت أمام أعيننا التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من بعد العلمية، هتفت جميعها بأن البقاء للأكثر ضجة وفسادا وقابلية للتغيير دون التزام بمهنية أو ضمير أو حتى بكاء على غير مصلحته الخاصة. وكم رأينا منظومة القيم والأعراف يُعصفُ بها لصالح الكذب والتدليس والخداع، فيكسب المفسدون ويخسر الصادقون الشرفاء المخلصون الأحرار!

وكلما ازدادت الأمور تغيرا وقابلية للانفتاح على المزيد من السوء خرج مَنْ يؤكد بأننا في أزهى عصور الديمقراطية، وأن حكامنا يمثلون الخلفاء الراشدين، ووجدنا "البعض" إنما يتوهمون ويخوضون في "أوهام وترهات عبثية" ليس لها مكان إلا في أذهانهم، إنهم أرباب الذهب واللؤلؤ والمرجان مقابل تغيير نقي أرواحهم والقبول برؤية الخديعة والغش والتدليس والشرور على أنها من مستوجبات الخير والإصلاح.

وهكذا تمادت الأمور لمزيد من الانفتاح على السوء والقابلية عبر سنوات طويلة تحولت فيها العلاقات السرية المؤذية والمصالحة المخبأة مع العدو إلى اتفاقيات معلنة في دول عربية، أو ينقصها حفل التتويج، وبالتغلغل المستمر ومدافعة الإصلاح وأهله في المجتمعات، أو تقصير كثير من المصلحين المفترضين وتواكلهم. وعلى إثر زلزال الربيع العربي قاوم الأشرار من الطبقات الحاكمة وأعجزوا المحاولة وحكموا على الوطن العربي بالبقاء في الظلام لسنوات لا يعلم إلا الله مداها، وهكذا اجتمع مراد الغرب مع الصهاينة مع حكام عرب للأسف من أجل استمرار النزف العربي.

وهل ينكر منصف أن ما فعله بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي -مثلا- بسوريا ومصر جرّأ الصهاينة على الفلسطينيين أكثر أو أن تاريخ هذا التجرؤ ممتد طويل؟ فعلى سبيل المثال، لما استنكر الرئيس المصري الراحل حسني مبارك تعامل الاحتلال مع الانتفاضة الأولى عام 1987م رد عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها بأن الانتفاضة لو قامت في مصر لردعها مبارك خلال أقل من أسبوعين، وهو التصريح الذي كان يشير بوضوح إلى أن تعامل الصهاينة مع الفلسطينيين وقتها أفضل من تعامل النظام مع المصريين، وهل مذابح الفلسطينيين أنفسهم على يد طرف من الأنظمة المحسوبة على العرب بعامة عنا بعيدة؟

ووصل الحال بنا إلى "طوفان الأقصى"، وسواء أكانت المبادرة الهجومية خالصة أم داخلها شيء ولو بسيط من الاستدراج الصهيوني -كما يحلو للبعض القول- فإننا بدأنا عهدا جديدا من عهود الصراع، تبتدر فيه المقاومة العدو بالضربة الأولى. يحار العقل والقلب في تحمل ما يحدث، يعترف الأول بضرورة تحمل العواقب أيا ما كانت طالما كانت لنا الضربة الأولى للمرة الأولى تاريخيا من داخل الأرض المحتلة، يضرس الأخير و"يضرب بمنجل" من حجم الإبادة الجماعية المنظمة التي يقوم العالم بها نحو مليونين ونصف المليون من سكان غزة.

نضج الصراع ونما حتى بدت عضلات المقاومة قوية، وفي المقابل تجمع العالم الغربي على الأقل ضدها، لكن الخيبة الثقيلة أن نظل عربا ومسلمين نشاهد ما يحدث لأكثر من شهرين فيما تستمر حياتنا، استمرارا نشك معه في إنسانيتنا قبل عروبتنا، يعجز معه القلم عن التعبير وتشمئز الروح من استمرارها على قيد الحياة وهي تعرف أن الدور سيحل بها بعد أهل غزة إن آجلا او عاجلا ولا تحتاج لدليل عليه.

ترى كيف عشنا لنشهد هذا الضلال العالمي واللا وجود لقدرة منصفة على التصدي للإرهاب الصهيوني المعلن الطويل المدى والممتد؟ وكيف نعيش لأكثر من مائة يوم دون أن ننصفهم أو نعرف خطة لوقف المقتلة الضارية ومخطط تهجيرهم؟ وماذا عن الألم الذي ينتظرنا في غد؟ ترى هل نحن فلسطينيون في الدم والتكوين مع الإنسانية والعروبة والدين، أم شياطين خرس نرى الحق فلا ننصره أو نتبعه لنؤذي أنفسنا قبل غيرنا أولا؟

ورحم الله الشاعر الراحل صلاح عبد الصبور، الذي قتلته في النهاية الكلمة رغم سعيه العملي لمهادنة نظام الراحل أنور السادات والقبول بما يسمى التطبيع مع الصهاينة:

معذرة صحبتي
قلبي حزين من أين آتي بالكلام الفرح؟

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة غزة تضامن مجازر العالم العربي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

جرائم مُمنهجة بحق الأسرى الفلسطينيين

 

لا يزال الاحتلال الإسرائيلي يُمارس أبشع الجرائم بحق الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في سجونه في ظروف اعتقال بالغة القسوة، ولا يتورع عن إذلالهم وإهانتهم بشتى الطرق وحرمانهم من أبسط حقوقهم المتمثلة في الأكل والشرب والرعاية الطبية، مع تعريضهم لشتى أصناف الإهانات الجسدية والنفسية، في وضع مزرٍ وصعب للغاية لم يتعرض له الأسرى منذ 1948 وحتى اليوم.

لقد بلغت الغطرسة والعنجهية بهذا المحتل المجرم أن صاروا يطلبون من الأسرى أن يقوموا بالعواء كوسيلة للحصول على الطعام، في مشهد يعكس حجم الإجرام الذي وصل إليه الاحتلال، فضلاً عن القتل والسحل، ويظهر ذلك من خلال الإحصائيات التي تتحدث عن أنَّ معظم الأسرى الفلسطينيين المُفرج عنهم مُؤخرًا من سجون الاحتلال الإسرائيلي يعانون من مشكلات صحية واضحة جراء التعذيب والتجويع والجرائم الطبية الممنهجة التي ترتكب في حقهم.  

ويجري كل ذلك في ظل صمتٍ تامٍ وغيابٍ للكثير من المُنظمات الحقوقية الدولية ومنظمات حقوق الإنسان، التي كشف "طوفان الأقصى" أنها منظمات تخدم مصالح دول بعينها على حساب دول أخرى، وأن بعضها لا يمت لحقوق الإنسان بصلة.

إنَّ قيم العدالة والحق تستلزم من المجتمع الدولي أن يستيقظ من سباته العميق، وأن يشرع في اتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بحماية الشعب الفلسطيني من هذا العدو الغاشم، الذي لا يتردد لحظة في أن يفتك بالمدنيين العُزل، مهما كانت التداعيات؛ لقناعته بأنه قادر على الهروب من المساءلة والعقاب.

 

 

 

مقالات مشابهة

  • بعد أن دمرتها الحرب الأهلية.. الحياة تعود لمحمية غورونغوسا بموزمبيق
  • هل ينجح مسلسل فول آوت في إعادة اللعبة إلى الحياة؟
  • أول ظهور للمطرب عبد الله الرويشد بعد شهور من العلاج في ألمانيا
  • مهرجان العلمين يتصدر تريند «فيس بوك».. وطني من الدرجة الأولى
  • جرائم مُمنهجة بحق الأسرى الفلسطينيين
  • "الأورومتوسطي لحقوق الإنسان": انتهاكات إسرائيل ضد الأسرى الفلسطينيين يندى لها جبين الإنسانية
  • كيف تعامل الإسرائيليون مع الأسيرين المحررين؟
  • انتشال جثمان الشاب الذي سقط في بئر عمقة 6 متر بالمنيا
  • نادي الأسير الفلسطيني: الاحتلال حول السجون الإسرائيلية إلى معازل تفتقر لكل مقومات الحياة
  • في ذكرى وفاته| «ملحن الروائع» تقرير بالقناة الأولى عن الموسيقار الراحل محمد الموجي