فجأة أبسط خريطة الكرة الأرضية أمامي وكأنني أراها لأول مرة وأتساءل: لماذا نحن هنا؟!! لماذا كل هذا الاشتعال في منطقتنا العربية؟!! أو فلنقل في منطقة الشرق الأوسط المحيطة بنا دون بقية مناطق الحياة على هذه الأرض، ماذا سيحدث إن هدأت تلك المنطقة الصاخبة ولو قليلًا رغم أنها من أغنى مناطق العالم في الثروات المادية والبشرية؟!! هل سيجد محررو نشرات الأخبار العالمية ومراسلو القنوات التليفزيونية حينها شيئًا يذكرونه؟!! في قلب هذه المنطقة الساخنة دائمًا عبر تاريخها المعاصر ستجد مصر وكأنما هي حجرة تتوسط منزلًا كبيرًا كل حجراته الأخرى مشتعلة بفعل حريق مدمر، ولكن لِقَدَرٍ لا يعلمه إلا الله ظلت هي وحدها آمنة من هذه الحرائق، وإن كانت بالطبع تتأثر بسخونة النيران المشتعلة في كل مكان حولها.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
خطط الضّم وخطط التوسع
منذ نشأة المشروع الصهيوني في المنطقة وهو يستهدف السيطرة على كامل الأرض الفلسطينية، وهي الخطوة الأولى دون شك من مشروع "النيل إلى الفرات"، وهو ما تكشَّف بعد هزيمة حزيران/ يونيو 1967 بالاستيطان المتسارع في شبه جزيرة سيناء. وبعد الانسحاب منها في الثمانينيات، عدا منطقة أم الرشراش/إيلات، انزوى الخطاب العلني عن مشروع ما تسمى "إسرائيل الكبرى" التي تشمل أجزاء من مصر والعراق والسعودية وسوريا، إلى جانب كامل فلسطين التاريخية والأردن ولبنان، ثم صعد تحالف اليمين القومي والديني إلى الحكم لأكثر من عقدين تحت حكم الليكود وكاديما منذ مطلع هذه الألفية، فعاد خطاب "إسرائيل الكبرى" مرة أخرى، دون ذكر هذه التسمية حرفيا.
كانت فترة ترامب الأولى فترة ذهبية لهؤلاء المتطرفين، فحرَّضت خطابات على ضم الضفة الغربية، كما تزايد الاستيطان في مناطقها، وكذا في أحياء القدس، وانتقلت سفارة الكيان إلى القدس لتأكيد انعدام الوجود الفلسطيني على كامل الأرض التاريخية لفلسطين، وسط مباركة عربية إما بالصمت المطبق، أو مكافأة الاحتلال على جرائمه بإبرام اتفاقيات تطبيع علاقات معه، وإجبار شعوب تلك الدول على الاحتفاء الشعبي بمَقدِم مغتصبي الكيان إلى بلادهم، فأثار ذلك الانحدار أبناء القضية فانتفضوا بطوفان كَنَسَ كل دَنَس ودَنِس.
حان وقت عدم الخوف من تأثير اللوبيات الصهيونية على الإعلام والسياسة، والإعلان بكل وضوح أن المشروع الصهيوني مشروع مدمِّر للمنطقة، بل وللبشرية
فتح -المجرم المطلوب للعدالة- بنيامين نتنياهو الباب لإعادة مسار القضية الفلسطينية إلى عام 1947، عندما كان يرفض الفلسطينيون القرار 181 القاضي بتقسيم وطنهم إلى وطن للعرب وآخر لليهود، ومع إعلان متطرفي اليوم مخططات ضم غزة والضفة والقدس، بات واجبا على المؤمنين بالحق الفلسطيني أن يتوقفوا عن الخوف من إعلان حق الفلسطينيين في كامل أرضهم التاريخية من البحر إلى النهر، ووجوب إسقاط المشروع الصهيوني، وأن يسعوا إلى فك الارتباط السخيف بين معاداة السامية وانتقاد الصهيونية.
حان وقت عدم الخوف من تأثير اللوبيات الصهيونية على الإعلام والسياسة، والإعلان بكل وضوح أن المشروع الصهيوني مشروع مدمِّر للمنطقة، بل وللبشرية. فما الذي يجعل الرئيس الأمريكي بايدن يقول إنه صهيوني، وإنه لا يجب أن تكون يهوديّا لتكون صهيونيّا؟! لماذا ترتهن أوروبا وأمريكا لقرارات اللوبيات الصهيونية رغم معارضة شعوبهما لهذا الارتهان؟! ألن يؤدي ذلك إلى تدمير مفاهيم الديمقراطية؟! ألا تعتبر أعداد الناخبين القليلة في الاستحقاقات الانتخابية الأوروبية أحد مظاهر رفض السياسات الحكومية، واليأس من تغيير السياسة الداخلية للدولة، وبالتالي اليأس من تغيير السياسة الخارجية؟! ألا تتصور الدول الكبرى، المستفيدة من النظام العالمي المُتَأَسِّس عقب الحرب العالمية الثانية، أن سلوكها يقوِّض هذا النظام؟!
المتبادِر إلى الذهن أن كل التحليلات والتقديرات الداخلية في مؤسسات الدول الكبرى تشير إلى خطورة حماية الدولة الصهيونية، وخطورة وضع عقبات أمام محاولات إنفاذ القانون أمام جرائمها، أو تسهيل إفلاتها من العقاب، حتى وإن كان الخطاب الرسمي داعما للاحتلال، لدوره الهام في تمزيق المنطقة وتعطيل حركة نموها. ورغم انتقائية الممارسات الدولية طول سنوات نشأة النظام الدولي الأممي، فإن حرب الإبادة التي تشنها الدولة الصهيونية على قطاع غزة ولبنان تجاوزت أي سقف سابق للإفلات من العقاب، أو تفسير نصوص القانون الدولي بحسب أهواء القوى العظمى، ما وضع النظام الدولي اليوم على المحك.
ومع أهمية تفكيك النظام الحالي، المحصور فعليّا في يد خمس دول، فإن المسار الحالي سيؤدي إلى تفكيك عنيف وبالحرب، لا بتفاعل دولي بين أقطاب النظام وتحالفاتهم، ولن يستفيد العالم من الحروب الدموية التي أصبحت أكثر قربا من أي وقت مضى، بعد نحو 90 عاما من توقف الحروب متعددة الأطراف/العالمية.
تستدعي الإعلانات الصهيونية المتكررة عن رفض حقوق الفلسطينيين في أرضهم، والدعوة إلى ضم ما بقي من الأرض، أو السماح لمغتصبيهم بالاستيلاء على الأراضي وإقامة مغتصبات جديدة، وحدوث كل ذلك بمباركة دولية دون إجراءات حقيقية؛ إعلانا فلسطينيّا مقابلا بالحق كامل الأرض التاريخية
تستدعي الإعلانات الصهيونية المتكررة عن رفض حقوق الفلسطينيين في أرضهم، والدعوة إلى ضم ما بقي من الأرض، أو السماح لمغتصبيهم بالاستيلاء على الأراضي وإقامة مغتصبات جديدة، وحدوث كل ذلك بمباركة دولية دون إجراءات حقيقية؛ إعلانا فلسطينيّا مقابلا بالحق كامل الأرض التاريخية، بل إن النقاش القانوني -رغم سخافته في الحالة الفلسطينية- يعطي الفلسطينيين الحق في دفع الاحتلال العسكري عن أرضهم، ويعطي داعميهم الحق في إعلان الدعم المطلق وغير المشروط لحقوقهم.
من غير المقبول أن يكون الاحتلال مدعوما من حكومات الدول الكبرى، ويُعلَن بالزُّور دوما حقُّه الكامل والمطلق في ضمان أمنه، وهو الأمن القائم على قضم أراضي الفلسطينيين وقتلهم يوما بعد يوم، وفي المقابل يُسلَّط السيف الدولي على رقابنا إذا نادينا بحق الفلسطينيين في كامل أرضهم، والعودة إلى الوراء أقل من 80 عاما فقط، وهو زمن قصير في عمر الأمم.
هناك فارق كبير بين معاداة المشروع الصهيوني الاستيطاني الدموي الهمجي، ومعاداة اليهود، بل إن الناظر إلى التاريخ الحديث يرى بجلاء أن اليهود عانوا في أوروبا ولم يعانوا في المنطقة بالطريقة ذاتها، ووصلوا إلى مناصب عُليا في السلم السياسي والاجتماعي قبل قيام الكيان الصهيوني، وذلك في وقت كانوا يوضعون فيه داخل مناطق محددة في أوروبا، وكان المسيحيون يعتبرونهم مسؤولين عن قتل عيسى عليه السلام، ما أشعل صراعا تاريخيا بين اليهود والمسيحيين، انتهى باللقاء على هدف إنشاء الدولة الصهيونية. وهذه الدولة وفلسفتها هي محل الاستهداف لا اليهود واليهودية، وتعمد الخلط أو الدمج بين الصهيونية واليهودية لا ينبغي قبوله، إذْ باسْم هذا الخلط أو الدمج يُمنع أي خطاب ناقد لمشروع الصهاينة رغم دمويته ووحشيته التي لا حدود لها.