الصراع الدائر الآن في غزة، وعموم فلسطين، والبحر الأحمر، واليمن، والعراق، وسوريا، وليبيا، والصومال، والسودان، يشكل جزءًا من بؤر الصراع التي حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على إشعالها، وإبقائها في حالة حريق دائم يلتهم الوجود العربي، ويكسر إرادته، في محاولة قديمة لتركيع العرب، وسحبهم على وجوههم كعبيد للولايات المتحدة الأمريكية التي لم تعد تكتفي بالاستيلاء على ثرواتنا، ولكنها تضيف اليوم رغبة أخرى وهي إذلال العرب، وتركيعهم تحت أقدام المتوحش الأمريكي الذي يتفاخر بعظمته وجبروته وقوته أمام الصين وروسيا على أرض وجثث العرب.
وأمريكا اعتادت أن تحارب الضعفاء، وتمارس عليهم أبشع أنواع التنكيل، والسحق حتى يكونوا عبرة للأقوياء، حتى تردع بهم أعداءها الحقيقيين، وهي إن اضطرت للدخول في حروب مع الأقوياء مثل روسيا، التي تحارب في أوكرانيا الآن، لا تدخل أبدًا بشكل مباشر ولكنها تستخدم دولاً كثيرة كأدوات وظيفية لإلحاق الضرر بروسيا دون أن تتعرض هي بشكل مباشر للحرب مع القوات الروسية بل إنها تترك قنوات مفتوحة دائمًا تستطيع من خلالها تخفيض الصراع وتوجيهه ضد هذه الدول التي استخدمتها أمريكا دونما تتحرك ضربات روسيا نحو أمريكا، أو أراضيها.
ولهذا فإن الحرب في أوكرانيا مثلاً التي تقودها أمريكا ضد روسيا منذ قرابة عامين لم يقتل فيها جندي أمريكي واحد على الرغم من أنها قتلت بأيدي حلفائها عشرات الآلاف من الجنود الروس، ولم يلحق الأذى منشأة أمريكية واحدة على الرغم من أن مدنًا روسية كثيرة لحقها التدمير بأسلحة أمريكية.
وأمريكا احترفت استخدام الدول لتحقيق مكاسبها، والحفاظ على مصالحها، وهي جاءت إلينا في منطقتنا العربية تقنع العرب أنها تحمي نفطهم، وثرواتهم، من نهب السوفييت وغيرهم، واكتشفنا أن كل النفط العربي يذهب إلى أمريكا وأوروبا بفتات من الأموال وحتى ذلك الفتات يعود للشركات الأمريكية لامتصاصها مرة أخرى من بنوك العرب.
وعندما حاولت أمريكا تفكيك الاتحاد السوفيتي السابق جاءت إلينا وأقنعت حكامنا بتجنيد شبابنا دفاعًا عن الإسلام في أفغانستان، وبعد أن ألحقت الهزيمة الكبرى بالاتحاد السوفيتي، وكان يمكن أن يتم تفكيكه بعد هزيمته في أفغانستان، أجلت الإدارة الأمريكية عملية التفكيك حتى لا ينسب هذا النصر لشبابنا، ويُنسب للعرب، وقامت هي بتفكيكه في العام 1991، ثم عادت لتنظم عملية كبرى للقضاء على هؤلاء الشباب بعد وصمهم بالإرهاب والتطرف وأيضًا جندت كل العرب لكي يقوموا بتجنيد هؤلاء وقتلهم في كل مدن العالم دون أن تخسر أمريكا جنديًّا واحدًا.
ثم بدأت في فرض إسرائيل علانية ودون أي مواربة كحاكم إقليمي لمنطقتنا العربية لا يمكن الحصول على الرضا الأمريكي، أو القروض والدعم الأوروبي دون المرور من بوابة تل أبيب، واخترعوا لنا ديانة جديدة نستبدل ديانتنا الإسلامية بها، أطلقوا عليها دون خجل أو مواربة الديانة الإبراهيمية، واشترطوا أن تكون طبعًا الريادة والسيادة وصاحب الفتوى والأمر والنهي في تلك الديانة الجديدة هم اليهود باعتبارهم الديانة الأقدر، وبزعم أن رسل وكتب تلك الديانة نزلت عليهم أولاً.
كانت هذه أكبر عملية لتركيع العرب وإذلالهم، فإذا كانت أمريكا قد نجحت في الاستيلاء على أموالهم، وثرواتهم ثم قرارهم فهي تعود اليوم لتستولي على دينهم والأخطر من كل ذلك، أن ما تقوم به واشنطن لا يتم تنفيذه عبر السياسة، وعبر الاحتواء فقط ولكن اليوم يتم عبر الصواريخ والطائرات واستخدام أبشع أنواع الأسلحة المحرمة دوليًّا ضد مدننا وموانينا وضد قادتنا في كل بقعة من بقع الصراع التي أشعلتها الولايات المتحدة الأمريكية.
الإذلال إذًا، انتقل من مراحل الخداع إلى مراحل الاحتواء
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
خبير علاقات دولية: دعم أمريكا لإسرائيل ثابت في عهد بايدن وترامب
قال الدكتور أيمن سمير، خبير العلاقات الدولية، ان الوضع في الشرق الأوسط لن يشهد تغييرًا حقيقيًا إلا بتغير النظام الدولي، فحين نصل إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب، يتيح تعددًا حقيقيًا للقوى العظمى، ويتجاوز هيمنة القرار الواحد للولايات المتحدة الأمريكية، حينها فقط ستتغير المعادلات الأصغر في المنطقة، أما في ظل استمرار الولايات المتحدة كالقوة الأولى والمسيطرة على العالم، فإن المعادلات القائمة، بما في ذلك الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، ستبقى على حالها.
تفاصيل قبول استئناف عامل على حكم إعدامه وتخفيفه بالمؤبدمسيرة ارتفاع "بتكوين" تتوقف مع اقتراب 2024 من نهايتهوأضاف سمير، خلال مقابلته، لـ «برنامج مصر جديدة»، مع الإعلامية إنجي أنور، المذاع على قناة etc، ان حرب غزة كشفت الكثير من الحقائق، حيث صنفت الأمم المتحدة الجيش الإسرائيلي ضمن “جيوش العار” نتيجة قتله للأطفال والنساء، وقد أجمعت كافة منظمات حقوق الإنسان في العالم، إلى جانب الأمم المتحدة بمختلف أجهزتها، من الأمين العام إلى أصغر موظف، على إدانة ما ترتكبه إسرائيل، واعتبار تلك الممارسات جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
وأوضح سمير، ان الولايات المتحدة الأمريكية، سواء في عهد بايدن أو ترامب، ستظل داعمة لإسرائيل، كما يبدو أن واشنطن تسعى لتكرار السيناريو السوري في إفريقيا، بما يفاقم الأزمات هناك، وعلى الرغم من وعود ترامب بوقف الحرب الروسية الأوكرانية، هناك أطراف لا ترغب في إنهاء تلك الحرب، ومع ذلك، نأمل أن يكون عام 2025 بداية لإنهاء موجة الحروب، وأن يصدق ترامب في وعوده بإنهاء الصراعات الدولية.