عبدالله علي صبري
عشر سنوات على اغتيال الدكتور أحمد شرف الدين وما تزال الفرقة السياسية اليمنية سيدة الموقف برغم أن مؤتمر الحوار الوطني الذي كان شهيدنا أحد أبرز رجالاته قد أسس لأرضية مشتركة كان بالإمكان البناء عليها لمعالجة أهم الأزمات والقضايا والمشكلات المستفحلة والانتقال إلى حياة سياسية جديدة تقوم على الشراكة في بناء الدولة المدنية الديمقراطية والحفاظ على وحدتها وسيادتها واستقلاليتها.
في مؤتمر الحوار الوطني 2013م خطف فريق أنصار الله المحاور الأضواء عن بقية القوى التقليدية والجديدة، وكان الشهيد الراحل حينها محور التأثير والتجديد في فريق بناء الدولة لدرجة أن تنظيم القاعدة الإرهابي قد حذر وهدد أعضاء المؤتمر من السير وراء الأفكار التي كان شرف الدين المهندس الرئيس لها..
على هامش المؤتمر التقيت الدكتور شرف الدين، وكأني أعرفه لأول مرة، ذلك أن اللقاءات السابقة كانت نادرة ومشمولة بالمجاملات الشخصية، أما هذه المرة فقد كان النقاش حول قضايا ومسائل وطنية متعلقة بحاضر ومستقبل البلد، وبرغم أهمية كل اللجان والموضوعات إلا أن الثقل الأكبر كان على فريق بناء الدولة الذي ينتظر منه أن يرسم ملامح النظام السياسي للدولة المدنية المنشودة، الأمر الذي جعل بقية أعضاء مؤتمر الحوار ينخرطون بشكل مباشر وغير مباشر في نقاشات فريق بناء الدولة، وكنت وغيري ننتهز فرصة الاستراحة بين جلسات المؤتمر للنقاشات غير الرسمية مع أهم المؤثرين بالمؤتمر وعلى رأسهم الشهيد شرف الدين.
غير أن ما جذبني أكثر إلى شخصية الراحل أنه هو الآخر كان مهتما بأداء بقية لجان مؤتمر الحوار، وكان يشجع كل صاحب رأي حر أو رؤية موضوعية، وقد فوجئت به أكثر من مرة يصافحني ويشجعني على بعض طروحاتي في المؤتمر ويقول بأنها في ميزان حسناتي عند الله..!
لدى الساسة وكما هو معتاد فإن الميزان مرتبط بالمصلحة الحزبية مثلا، وفي الحالة المتقدمة فإن قوة الآراء والمواقف مرتبطة بالمصلحة الوطنية العليا، وهذا ما كان يبدو عليه دور وأداء الدكتور أحمد شرف الدين الذي كانت مصلحة الوطن هي العنوان العريض لما يقول ويفعل. لكن الأهم من ذلك أن الشهيد كان يبتغي وجه الله أولا وأخيرا، وقد مزج بين العقلانية السياسية والصوفية الروحانية بشكل جعلت حتى من يختلف معه يعترفون له بالمصداقية والموضوعية وصوابية الرأي.
وبالنسبة لي فقد كنت اغتنم فرصة الود القائم بيننا، فأسأله كثيرا عن أنصار الله وهل يمكن أن تصبح الحركة حزبا سياسيا، وكيف للحركة أن تتجاوز فخاخ المذهبية الطائفية والقبلية العصبية، فكانت إجاباته الرصينة والعميقة تشدني أكثر إلى الرجل وإلى أنصار الله..
إلا أن الفترة الأهم التي كنت فيها قريبا من الدكتور الشهيد هي الأيام الثلاثة التي سبقت فاجعة اغتياله، إذ كنت عضوا بلجنة ضمانات تنفيذ قرارات مؤتمر الحوار، التي تشكلت قبيل إسدال الستار على مؤتمر الحوار. في هذه اللجنة التي كان الوقت ضاغطا عليها، حاولنا أن نتلافى أكبر أخطاء المؤتمر، الذي وإن توصل إلى مخرجات مهمة إلا أنه عجز عن التوصل إلى آليات وضمانات التنفيذ، وكان على اللجنة أن تعالج هذا الخلل في بضع جلسات..
طغت النقاشات الحزبية على أداء اللجنة، فيما كان الشهيد يتحدث بلغة المصلحة الوطنية العليا، ما جعل غالبية أعضاء اللجنة ينحازون إلى رؤى وأفكار الشهيد، الأمر الذي أثار حفيظة القوى التقليدية، التي حذرت هادي من أداء اللجنة، فدعانا إلى اجتماع طارئ، تحدث فيه عن خطورة المرحلة، وأن الوقت لم يعد متاحا لمزيد من النقاش داخل اللجنة وأنه لا بد من إنهاء أعمال مؤتمر الحوار، بل إنه هدد بالاستقالة من رئاسة الجمهورية أيضا.
عشية ذلك اليوم كان على اللجنة أن تنهي عملها بالحد الأدنى من التفاهمات، وفي صبيحة اليوم التالي كانت فاجعة اغتيال الدكتور أحمد شرف الدين..
لم أستوعب الصدمة.. وأسدل الستار على مؤتمر الحوار بتلك النهاية الحزينة. وبالنسبة لي فإن اغتيال الدكتور وهو الرجل المحاور والمسالم والشخصية الجامعة فيما يقول ويفعل، قد فتح الباب على تساؤلات لا حدود لها.
كان طيفه حاضرا معي كلما سنحت لي فرصة للتأمل والمراجعة، ولا أدري متى قرأت العبارة التالية المنسوبة للشهيد، لكنها كانت حاسمة.
يقول الشهيد أحمد شرف الدين:
لسنا أهل دنيا، نحن أهل مسيرة، ولذلك لا نبتغي من انضمامنا إلى هذه المسيرة دنيا، ولا نريد زائلا، ولا نريد متاعا، إنما نريد أن نحقق الهدف الذي أمرنا الله تعالى أن نحققه، وهو السير إليه في مسيرة جماعية، نحن نسير الآن في مسيرة جماعية، والله سبحانه وتعالى سيبارك هذه المسيرة وسينصرها لأنها تتجه إليه ولا تتجه إلى أحد غيره.
ارتاح قلبي وعقلي إلى مصطلح “مسيرة جماعية” فقررت أن أكون واحدا من أبناء هذه المسيرة على خطى الشهيد الدكتور أحمد شرف الدين.. وقد كان.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: مؤتمر الحوار بناء الدولة
إقرأ أيضاً:
البابا يستقبل المشاركين في الندوة الثانية عشرة لدائرة الحوار بين الأديان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
استقبل قداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان صباح اليوم الأربعاء المشاركين في الندوة الثانية عشرة لدائرة الحوار بين الأديان مع "مركز الحوار بين الأديان والثقافات" في طهران وللمناسبة وجه البابا كلمة رحّب بها بضيوفه وقال يسعدني أن ألتقي بكم خلال ندوتكم الثانية عشرة. كما تعلمون، هذا تعاون طويل يجب أن نفرح به جميعًا لأنه يصب في صالح ثقافة الحوار، موضوع أساسي وعزيز جدًا بالنسبة لي.
وقال البابا فرنسيسإن مصير الكنيسة الكاثوليكية في إيران، "القطيع الصغير"، عزيز جدًا على قلبي. أنا على دراية بوضعها والتحديات التي تواجهها لكي تواصل مسيرتها وتشهد للمسيح وتقدم مساهمتها لخير المجتمع بأسره، بعيدًا عن التمييز الديني أو العرقي أو السياسي، أهنئكم على اختيار موضوع هذه الندوة: "تربية الشباب، وخاصة في العائلة: تحدٍ للمسيحيين والمسلمين". موضوع جميل جدا! فالعائلة، مهد الحياة، هي المكان الأوّل للتربية. فيها يخطو المرء خطواته الأولى ويتعلم الإصغاء والتعرف على الآخرين واحترامهم ومساعدتهم والعيش معهم. يمكن العثور على عنصر مشترك في تقاليدنا الدينية المختلفة في المساهمة التربوية التي يقدمها المسنون للشباب؛ فالأجداد بحكمتهم يضمنون التربية الدينية لأحفادهم ويشكلون حلقة وصل حاسمة في العلاقة العائلية بين الأجيال. إن تكريم الأجداد هو أمر في غاية الأهمية. وهذا التديُّن الذي يُنقل بدون شكليات وبشهادة الحياة يعتبر ذا قيمة كبيرة لنمو الشباب. وأنا لا أنسى أن جدتي هي التي علمتني كيف أصلي.
وأضاف :"من الممكن أيضًا أن نجد تحديًا تربويًا مشتركًا، للمسيحيين والمسلمين، في الأوضاع الزوجية المعقدة الجديدة ذات التباين في الدين. في هذه السياقات العائلية يمكننا أن نجد مكانًا مميزًا للحوار بين الأديان و إن ضعف الإيمان والممارسة الدينية في بعض المجتمعات له تأثيرات مباشرة على العائلة. نحن نعلم مدى التحديات التي تواجهها في عالم يتغير بسرعة ولا يسير دائمًا في الاتجاه الصحيح. ولهذا السبب، تحتاج العائلة إلى دعم الجميع، بما في ذلك دعم الدولة، والمدرسة، والجماعة الدينية التي تنتمي إليها، والمؤسسات الأخرى، لتتمكن من أداء مهمتها التربوية على أفضل وجه.