شيخة الجابري تكتب: في المنتصف من الوقت
تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT
أن تقع في مأزق الدقيقة أو اللحظة الأخيرة من الوقت أو في منتصفه كيف لك أن تخرج منه، مثلاً أن ترغب في وداع قريب أو صديق أو حبيب وتلسعك الساعة بعقاربها في اللحظة الأخيرة، وقبل أن يأخذ طريقه للمطار مثلاً فما بوسعك أن تفعل، أو أن تكتبَ كلمة لمناسبةٍ ما وفي الدقيقة الأخيرة يُطلب منك تغيير بعض التفاصيل الدقيقة فيها فتقع في شَرك الوقت والفكرة معاً، إلى أيهما سوف ترضخ أوتميل أو من أي منهما تفر وإلى أين؟
هكذا تبدو حالة الذي لابد له، وأن يتصرف في اللحظات الأخيرة بأن يستقبل ضيفاً قد يكون غير مهيأ وقتها أو لحظتها لاستقباله، فهو في حاجة إلى أن يكون مع نفسه، أو أنه يوضّبَ أويحزم حقائب سفره ولابد أن يكون في المطار قبل الوقت بساعات كافية، ما عليه أن يفعل عندها هل يرفض استقبال الضيف، أم يستقبله ويجلس في حالة من الحيرة والقلق، كيف يمكن أن يُشعر ضيف الغفلة بأن يعي أنه على سفر، وأن الطائرة يمكن أن تغلق بابها وتغادر، ويبقى هو على الأرض يحتسي قهوة مرة مع ضيف ثقيل.
هكذا أيضاً حال من يكتشف وفي اللحظة الأخيرة أن عليه أن يغير أو يعالج مشكلة كوابح سيارته التي لن يتمكن من قطع الطريق بها للذهاب إلى عمله دون أن يقوم بصيانتها، وهو يعلم أن المسافة بين الفجيرة وأبوظبي قد تستغرق ساعات عدة والتأخير وارد في هذه الحالة، فهل هو يقع ضحية الصدفة أم الإهمال أم الظروف المناخية التي عجّلت باكتشاف المشكلة، عند ذاك ما عليه أن يفعل هل يغيّر السيارة أم يُصلح عطل سيارته، أم يتغيب عن العمل؟
هكذا تسير الحالة عند اللحظة أو الدقيقة المأزق التي أعتقد أن كُلّنا نعاني منها، غير أن أصعبها بل أسوأها أن تقضي السنوات تكتب عملاً أدبياً رصيناً وجاداً وفارقاً بين كل ما أنتجت من أعمال أدبية من وجهة نظرك، وفي اللحظة التي تنتظرها، وهي الموافقة على النشر، يأتي الرفض، هذه اللحظة ليست فاصلة في عمر الكاتب بل قاضية على طموحه وقاتلة لفرحة انتظاره التي ربما كان يحسبها بالأيام والساعات من عمره وعُمرِ المنتج الذي يشتغل عليه.
إن طُرقنا في التعامل مع الدقائق الضاغطة يختلف باختلاف الأسباب التي وُضعنا فيها نتيجة لظروف تحدث في الساعات التي نُقدم فيها على إنجاز عملٍ ما، يأخذ من وقتنا وجهدنا وصحّتنا، ثم نضطر إلى تغييره في المنتصف من الوقت. أخبار ذات صلة شيخة الجابري تكتب: احترسوا من البعوض شيخة الجابري تكتب: هذا الوطن غالٍ
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: شيخة الجابري أحوال
إقرأ أيضاً:
نهال علام تكتب: زوجات النبي ( 2 )
لماذا تزوج الرسول هذا العدد من النِساء الذي أبيح له دوناً عن كل الرجال؟ وهذا ما أقرته شريعة الرحمن بأن الاكتفاء بواحدة هو مربط الفرس والأصل في الإسلام، أما التعدد دون سبب واضح هو محض ظلم وافتراء، والنص القرآني واضح لن تعدلوا التي تعد بمثابة رادع لأي إفتاء، يستبيح الأمر إلا للضرورة القصوى، وبالالتزام بقسط العدل والرحمة، ودونهما على الرجل الإمساك وعدم السعي للفُرقة.
قبل أن يتم الرسول عامه الخامس والعشرون تزوج من السيدة خديجة وهي ابنة عم جده عبد المطلب، فأباها خويلد وجد الرسول هاشم أبناء عمومة فجدهم هو قصي جد الرسول الأكبر، خديجة التي ردت سادة قريش وأشرافها من الأغنياء، مال قلبها وعقلها إلى زينة الرجال، تزوجها وهو فتى لم يسبق له الزواج وهي لها زيجتين سابقتين جعلوها من أوفر أهل مكة مالاً وثراء، كما أنها تكبره بما يزيد عن الخمس عشرة عاماً.
إلا هنا قد تأخذنا الرواية لتفسير قد تجنح إليه عقولنا المادية إن لم تستكمل البحث عن كل جوانب الحكاية والرؤية النبوية والمشيئة الإلهية، فهذا الشاب مشهود له بالوسامة واللسان الحلو وأصالة النسب، ولكنه يعاني من ضيق ذات اليد، فلقد تربى في بيت عمه أبي طالب بحسب وصية جده عبد المطلب، فرغماً عن فقر أبي طالب وكثرة عدد عياله إلا أنه كان من أنبل وأكرم من عرفت قريش، وبلغ فيها مكانة واجلال لم يبلغه أحد، حتى أخيه العباس الأكبر سناً والأوفر مالاً والأقل عيالاً لم يبلغ تلك المنزلة بسبب حرصه الشديد على المال، لذا قد تذهب بنا الظنون أن الرسول هو من سعى مستغلاً محاسِنه للإيقاع بالسيدة خديجة في حبائل حبه طمعاً في مالها ونسبها.. لكن حاشاه، رغم أنه لو فعل ما كان مخطئ، دامت نيته أن يصون مالها ويحفظ أمانها.
لكن واقع ما حدث أن السيدة خديجة ذابت فيه شوقاً لما سَمعَت عنه من أمانة، لمستها عندما استأجرته ليتولى تجارتها، وأسرت ما في نفسها لأحدى صديقاتها وهي نفيسة بنت منية التي ذهبت لمحمد وسألته لماذا لم تتزوج؟ فأجابها بأنه لا يمتلك ما يلزم ذلك..
فقالت له وإن كُفيت ذلك ودُعيت لذات المال والجمال والشرف! وعرف منها أنها تتحدث عن السيدة خديجة التي مالت نفسه إليها لكن دون القدرة على التفكير أو التلميح بذلك، فأين هو من مالها! وبذلك الإقدام والتصريح من جانب أم المؤمنين تمت الزيجة التي استمرّت لمدة 28 عام.
16 عاماً قبل الرسالة و12 بعدها لم يجمع معها زوجة أخرى ولا اتسع قلبه لغيرها، ولم تبصر عينه إلا طيفها، في زمن كان للرجل ما شاء من عدد لا نهائي من الزوجات والجواري، وبالرغم أن النبي امتلك حُجة قوية وإن لم يكن التعدد في هذا الزمن بحاجة لقرينة، إلا أنه لم يفكر أبداً في التذرع بتلك الحجة الداعمة، فالسيدة خديجة لم يعش لها بنون فالقاسم وعبد الله ماتا وعمرهما شهور معدودة، وانجبت أربع زهرات في زمن كان فيه الوأد من نصيب البنات.
كان حقه أن يبحث عن الولود التي ستنجب له الولد المشهود كما جرت العادة في تلك الحدود، لكنه لم يفعل واكتفى بالسيدة خديجة دون عن نساء الدنيا، وحزن لفراقِها وانفرط بغيابها عُقد سعادته، وإنهار حصنه وفقد حضنه، فلم يكُن إلا فِراقاً استثنائياً فجع قصة حب غير منسية وعِشرة ليست بعادية، فكيف بعد هذا الحُب العظيم والجوي الشديد في قلب رجل قد تجاوز الخمسين، أن يتزوج تسع نساء في سبع سنوات!
بحسب المثل الصيني "الشخص الذي يسأل يبدو أحمق لقليل من الوقت، أما الشخص الذي لا يسأل فيظل أحمق للأبد" لذا فقد قررت أن أسأل حتى لا تلاحقني الحماقة وسوء الظن والأدب لما تبقى لي من العمر.
بعد انقضاء الحِداد على السيدة خديجة، شعر النبي بأهمية أن يكُن له زوجة تتعلم منه وتنقل عنه، وخاصة بعدما شارف العُمر على الانقضاء بحساب متوسط أعمار ذلك الوقت، لذا بحث عن صبية، وما كان أنسب من ذلك إلا عائشة ابنة رفيقه أبي بكر الصديق ولكنها كانت طفلة فطلبها من أبيها، ولم يُعقد الزواج إلا بعد سنوات عندما اشتد عودها وأكتمل تكوينها بحسب مقاييس هذا الزمان.
لكن أولى زيجاته الفعلية بعد وفاة أمّنا السيدة خديجة، كانت السيدة سودة بن زمعة التي توفى عنها زوجها الذي هاجر إلى الحبشة ورافقته في ذلك، وتحملت وعثاء السفر وعناء الأذى على يد الكفار، حتى عادا لمكة وتوفى زوجها، ولم تكن من الجمال ولا المال ولا الجاه لتكون مطمع لمن تملكت الدنيا عليه هواه، ولم يكن هذا الاختيار إلا تكريماً لكل من فقدت زوجها في سبيل الله، وهو ما تكرر مع زينب بنت خُزيمة وأم سلمة.
كلتاهما توفى عنها زوجها، ولم تكنا ذات مال أو جمال أو شباب أو جاه، بل زينب كانت امرأة تخطاها الشباب بخطى واسعة، حتى إنها توفت بعد شهور من زواج النبي بها، وهي الوحيدة بعد خديجة التي سبقت النبي للوفاة بصفة مؤكدة، لأن أقوال الفقهاء اختلفت في تاريخ وفاة السيدة صفية أو ريحانة اليهودية، كانت زينب لا تملك من المناقب إلا كونها طيبة ومحسنة حتى لقبت بأم المساكين من زمن الجاهلية، فأراد الرسول أن يكون لها عوضاً وتكريماً عن فقدان عائلها وزوجها.
أما أم سلمة فكانت ذات عيال كُثر ورفضت عرض رسول الله الكريم لأنها تخطت الشباب وليست من ذوات الجمال، ناهيك عن عدد العيال، ولكن الرسول أصر ليعيل ابنائها ويكون بيت النبوة هو البيت الذي يرعى ويربي ابنائها، وفي اختيار النبي لأمهاتنا الثلاث سودة وأم سلمة وزينب، رحمة مشمولة وجبر خاطر لنساء ترملن في مرحلة من حياتهنّ يعرض عن الزواج منها غالبية الرجال.
إحدى زيجات الرسول كانت ليحفظ حق أصحابه، وماء وجههم فلم يهن عليه حزن عمر بن الخطاب، الذي انتابه أثر استشهاد زوج ابنته خنيس السهمي وهو من أصحاب الهجرتين، حيث كانت ابنته حفصة على اعتاب العشرين حينها، عرض عمر على صديقيه ابي بكر وعثمان الزواج منها ولكنهما رفضا، فشكاهما عُمر لرسول الله، فبشره الرسول بأن حفصة سيتزوجها من هو خير من عثمان، وقد كان فتزوجها النبي، ليمسح الحزن عن قلب خليله، ويمد جسور المصاهرة بالعدل بين وزيريه أبو بكر وعمر، وامتدت جسور المصاهرة وقوة النسب لعلي وعثمان بأن زوجهما بناته.
وكان من فطنة النبي تلك الزيجة المباركة من جويرية، التي اعتقت بسببها رقبة مئة من أهل بيت قوم جويرية إكراماً للنبي عندما تزوجها فقالوا: أصهار رسول الله عندنا، أطلقوا سراحهم جميع، كما أن بتلك الزيجة أسلم أبوها وأهلها الذين كانوا من أشد أعداء النبي.
فجويرية كانت من سبايا بني المصطلق، لما رأى النبي أن هذه المرأة بنت سيد قومها الحارث الذي جمع الجموع لقتاله، تسترحمه وتستنجد به، للتخلص من الرق والعبودية، حفاظاً على كرامتها، وكرامة أبيها، وقومها، كان لا بدّ أن يستجيب لأمرها، فخيرها إذا كانت ترغب في أن يطلق سراحها أو يطلق سراحها ويتزوجها، فاختارت الزواج منه.
ومن الزيجات التي تستدعي التأمل في العام السادس من الهجرة، زيجته من أم حبيبة ابنة عمه الذي نزلت فيه سورة المسد، وهو أبي لهب المشرك الذي أصر على الكُفر، والذي هرعت ابنته رملة المعروفة بأم حبيبة للدخول في الإسلام وهاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش ولكنه تنصر بعد ذلك، ففارقته، وعندما علم النبي ذلك ، أرسل إلى النجاشي ملك الحبشة يطلب الزواج منها، تعويضاً لها عن الضرر الذي أصابها بخروجها من أرضها، واستعداء أهلها وخذلان زوجها.
في العام السابع من الهجرة تزوج الرسول من صفية بنت حيى وكانت يهودية، وكما قيل في الأثر كانت شديدة الغيرة على الرسول وذات مرة تجاوزت وتطاولت في حديثها معه فطلقها، ولكنها ندمت ندماً شديداً فردها، وذلك ليضرب لنا الرسول نموذج حياتي متكامل عن شكل العلاقات الأسرية حتى في لحظات ضعفها وقمة مشكلاتها، وكيفية التعامل معها وأن مراجعة النفس واجبة.
وفي ذات العام تزوج من مارية القبطية التي بعث بها الملك المقوقس كجارية أهدى بها الرسول، عرض عليها الإسلام فأسلمت وانجبت له إبراهيم وقد تجاوز الستين عام، واختارها الله من بين نسائه العشر اللاتي تزوجهن الرسول بعد خديجة لتكون أم ولده الوحيدة، وذلك ما أثار في نفوس أمهات المؤمنين غيرة شديدة، وفي ذلك التشريف الذي خصت به ماريا حكمة وما أعظمها.
وربما كانت رواية زينب بنت جحش هي الأكثر تداولاً لكل من تسول له نفسه التطاول على سيرة الرسول العطرة، فقالوا شغف بها حباً وطلقها من زيد بن حارثة الذي رباه بالتبني وأعتقه بعد أن اشترته خديجة، ولكن حاشاه فزينب لم تكن غريبة عنه، ليراها ففجأة يقع في هواها، فهي من بيت النبوة وابنة عمته أميمة، أحبها زيد حباً جماً وطلبها للزواج لكن أخوها رفض لأنه غير منسب وكان عبد قبل أن يعتقه الرسول ويتبناه، لكن الرسول تدخل وأقنع أخو زينب بأن بيت النبوة هو نهج للسنة الحسنة وقوانين الإنسانية، ونزلت في ذلك آية قرآنية تحث على ذلك، وتمت الزيجة وزينب تشعر بالنفور والجفاء تجاه زيد، فاشتكاها الأخير للنبي الذي قال له امسك عليك زوجك، لكن لم يعد في وسع زيد تحمل المزيد من تعالي زينب فطلقها، وكان قضاء الله نافذاً بأن يتزوجها الرسول من بعده، حتى يكون قانون التبني واضح في الإسلام، كما كان مع قاعدة التآخي التي جمعت بين الرسول وأصحابه وكانت في الجاهلية تمنع الزواج بين من تجمعهم تلك العلاقات.
في العام السابع من الهجرة أُذن للرسول بالحج كما كان اتفاقه مع أهل مكة في صلح الحديبية، وكانت لتلك الحجة أعظم الأثر في نفوس أهل مكة إذ رأوا من المسلمين نظاماً وتألفاً وعزة ورحمة، وإن لم يستطع من مالت نفسه أن يجهر خوفاً من بطش آل قريش وأن يُعرض نفسه وأهله للأذى، إلا تلك المرأة الشجاعة ميمونة بنت الحارث أخت زوجة العباس عم الرسول، وأخت أرملة عمه حمزة، فأسرت لاختها التي طلبت من زوجها العباس أن يعرض الأمر على ابن أخيه، الذي وافق تلبية لرغبتها وتمكيناً لها من إعلان إسلامها، كما رأى أن تلك المصاهرة ستمنحه مزيداً من الوقت في مكة عن المهلة المحددة بثلاث أيام، لذا عندما حان وقت الرحيل عرض على سادة قريش أن يُعرس بينهم ويقيم ولائم الطعام، لكن سادة قريش رفضت لما استشعروه من فيض تأثير محمد في نفوس قومهم فأصروا على رحيله، ولحقت به ميمونة بعد ذلك إلى المدينة، وكانت ميمونة آخر زوجاته وهي التي مرض النبي في بيتها قبل وفاته، وفي ذلك البيت جمع نسائه واستأذنهم أن يمرض في بيت عائشة، وقد كان حتى لقي ربه.
حبيبي يا رسول الله، لا شك أنك منزه عن الهوى وكل ما جئت به من بين يديك ومن خلفك وفوقك وتحتك ما كان إلا وحي يوحى، وما من خطوة إلا بهدف ومبلغها حكمة، ووقعها رحمة وتداعياتها نور، ومبتداها فرح ومنتهاها فرج، فيا أبا القاسم وعبد الله وإبراهيم، أبناء صلبك الذين لم يكتب لهم الحياة لتكون أباً حقاً لكل المسلمين، نسألك شفاعة بحق ما حمل قلبك من رقة ووداعة، فكم كانت الحياة قاسية لم نبلغ فيها فك العُقد ولا حل الكُرَب، وما اتكأنا لتمضي الأيام إلا بالشوق للقاءك، أقرئك السلام يا سيد الأنام وخير الكِرام.