في انتظار الموت.. 3 آلاف يوم على حصار مدينة تعز اليمنية
تاريخ النشر: 17th, July 2023 GMT
بصفته أحد وجهاء حي بريد الروضة شرقي مدينة تعز اليمنية، يستقبل منير الأكحلي تبرعات ضئيلة من السكان بما يكفل نصب ساتر من الصفيح يحجبهم عن مرأى القناصين الحوثيين المتمركزين في معسكر الأمن المركزي.
ويقع الحي في محيط المنفذ الشرقي للمدينة على خط التماس بين المقاتلين الحوثيين والقوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليا.
وأُجبر السكان على مغادرة الحي قبل أن يعود إليه بعضهم مضطرا، ومن بينهم الأكحلي الذي يقول إن الحي صار محاصرا بالمدفعية والقناصة والحياة فيه مجازفة.
ويشرح للجزيرة نت "أجبرني الحوثيون على مغادرة منزلي منتصف الليل، وصرت نازحا؛ وبعد أشهر خاطرت بالعودة، وساتر الصفيح منحنا بعض الحماية، وقبل ذلك سقط الكثير منّا برصاص القناصة، من بينهم صهري".
ومنذ اندلاع القتال في اليمن عام 2015، تسيطر القوات الموالية للحكومة على وسط مدينة تعز، بينما يُحكِم الحوثيون سيطرتهم على ضواحيها الشرقية والشمالية والغربية، بما في ذلك المنافذ الرئيسية للمدينة التي تحيط بها المرتفعات الجبلية من الجنوب.
وقد طوّق الحوثيون هذه المنافذ تماما ولم يبقَ أمام حوالي 800 ألف شخص -بحسب تقديرات سكانية- إلا سلوك الجبال على الأقدام والاعتماد على المواشي في نقل الأدوية والمواد العاجلة، قبل أن تستعيد القوات الحكومية السيطرة على طريق فرعي جنوب المدينة في مارس/آذار 2016 ليصير المنفذ الوحيد إلى المدينة.
المسافة من المكان الذي يجلس فيه هذا الطفل حتى مفرق شرعب المنفذ الغربي الرئيس لمدينة #تعز تقريبا 4.40 كيلو، ويمكن قطعها بالسيارة ب 5 دقائق تقريبا
لكن منذ 3000 يوم يقطع المواطنين تلك المسافة بـ 8 ساعات بسبب حصار مليشيا الحوثي الجائر لمدينة تعز#تعز3000_يوم_حصار#Taiz3000DaySiege pic.twitter.com/ki5VLYByGX
— زكريا الشرعبي (@Zak_sharabi) July 15, 2023
وبعد مرور 3 آلاف يوم، ينظم النشطاء والسلطات المحلية حملة تطالب بإعادة فتح المنافذ. ووفق بيان للمحتجين، فإن "هذا الحصار لا غرض عسكريا يبرره.. مما يعني أنه عقاب للمدنيين وانتهاك لاتفاقيات جنيف التي تحظر تجويع المدنيين كأحد أساليب القتال".
لكن علي القحوم، عضو المجلس السياسي التابع للحوثيين (أعلى هيئة تنفيذية)، يقول للجزيرة نت إن "هناك محاولات تضليل ممنهجة ومغرضة للتشويه والدعاية والكيد والابتزاز السياسي فيما يخص تعز".
ويضيف "مدينة تعز كبيرة، ولها طرق مفتوحة تربطها بعدد من مديرياتها، ويتنقل فيها الناس دون صعوبة، عدا طريق تربط بين المدينة والحوبان قُطعت بسبب المعارك، وأُغلقت من الطرفين".
غربة داخل المدينة
ويتمسك اليمني مطيع محمد بعمله في مصنع بمنطقة الحوبان، بعد أن فقد الآلاف من اليمنيين وظائفهم، غير أنه ابتعد عن أسرته ولا يعود إليها إلا في المناسبات والأعياد.
ويقول للجزيرة نت إن صعوبة التنقل بين منزله ومقر عمله حرمه من عائلته، رغم أن المسافة بين المنزل والمصنع لا تزيد على 4 كيلومترات كانت تستغرق 15 دقيقة قبل إغلاق الطريق، لكنه اليوم يقطعها في أكثر من 6 ساعات عابرا طرقا جبلية وعرة ونقاط تفتيش.
وصارت الحواجز الأمنية بمثابة كمائن، واتهم تقرير صادر عن السلطات الحكومية الحوثيين باختطاف 719 مدنيا من نقاط التفتيش على الطرق البديلة في تعز خلال 7 سنوات.
ويقول مطيع "أعيش في غربة، وكأنني في دولة وأسرتي في أخرى، والوصول إليهم صار مكلف ماديا وخطرا".
واضطُر فؤاد إبراهيم لبيع منزله وسط المدينة، وانتقل لمنطقة الحوبان حيث يقع دكانه، ويقول "صبرنا لسنوات حتى يُعاد فتح الطرق، وفي النهاية أُجبرت على بيع منزلي وغادرت الحي مرغما".
قبل الحصار على مدينة #تعز كان يصل عدد عمال القطاع الخاص في المنشأت الصناعية(18000) عامل.
بينما بعد الحصار تراجع العدد الى(9000) عامل فقط.
بالتالي بلغ عدد المتضررون حسب احصائية السلطة المحلية الى (9000) عامل .#تعز3000_يوم_حصار
— هدى الصراري Huda AlSarari (@h_alsarare) July 13, 2023
في انتظار الموتقبل عامين، حاول منير الأكحلي إسعاف قريبه الذي أُصيب بحمى "الضنك"، لكن صعوبة وصول السيارات للحي المغلق حال دون نقله إلى المستشفى ليموت داخل المنزل، وبعد أشهر لحق به والد منير الذي كان مريضا بالسرطان.
ويقول عضو اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان بالحكومة اليمنية ماهر العبسي، إن كل سكان تعز تأثّروا بالحصار بشكل مباشر أو غير مباشر، جراء ارتفاع الأسعار وانعدام الرعاية الصحية والمياه والخدمات.
ويشير للجزيرة نت إلى تلف شحنة لقاحات أطفال تابعة لمنظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة (يونيسيف) بعد بقائها مدة طويلة في الطريق.
وتتضاعف المعاناة لدى مرضى السرطان والفشل الكلوي الذين يترددون من الأرياف على المستشفيات المركزية داخل المدينة، من أجل الحصول على العلاج، ويُرغمون على قطع تلك الطرق.
ويقول العبسي "بعض مرضى السرطان والفشل الكلوي لا يذهبون للعلاج بسبب عجزهم عن دفع كلفة السفر وتحمل متاعب الطريق، وانتظروا الموت في منازلهم".
حياة مكلفة وشاقةوباتت المعيشة في المدينة مكلفة ومجهدة، وارتفعت الأسعار بسبب زيادة كلفة النقل الذي لم يعد له سوى طريق فرعي واحد ضيق يربط المدينة بمدينة عدن، وغالبا ما يُغلق لأيام بسبب وعورته ووقوعه على مجرى السيول.
ويلجأ السكان لحلول بديلة، إذ اضطروا للاعتماد على صهاريج المياه المنقولة على الشاحنات والمكلفة عوضا عن المياه المركزية التي انقطعت بسبب وجود أكثر من 80 بئرا مركزيا تضخ المياه في المناطق المحاصرة.
وقال محافظ تعز نبيل شمسان -في مؤتمر صحفي السبت- إن "الحصار تسبب بأزمة مياه تصل إلى 75% من احتياج السكان، وتدمير 50% من شبكة الطرق التي زاد طولها وكلفتها إلى 1000%، بينما ارتفعت أسعار السلع بنسبة 35%".
#تعز.. مطالب بترجمة التفاعل الرسمي مع حملة 3 آلاف يوم من الحصار إلى أفعال داعمة للتحرير وفك الطرقات وتحويل الأقوال إلى خريطة عمل.#تعز3000_يوم_حصار pic.twitter.com/N2z5OPNDop
— زياد الجابري ???? zeyad aljaberi (@zssiad) July 17, 2023
مفاوضات فاشلةوغالبا ما قايضت الحكومة اليمنية خلال جولات التفاوض إعادة فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة مقابل فتح الحوثيين المنافذ والطرق في تعز، ورغم تحقق المطلب الأول فإن الأخير لم يُنفذ.
ويقول عضو المجلس السياسي التابع للحوثيين علي القحوم إن فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة هو من تدابير الهدنة وخفض التصعيد التي تعالج الملفات الإنسانية لعموم اليمنيين كحزمة واحدة دون تجزئة، في إشارة إلى المفاوضات بين السعودية والجماعة.
والعام الماضي قادت الأمم المتحدة في العاصمة الأردنية عمّان مفاوضات لفتح الطرق في تعز، انتهت بمقترح لإعادة فتح الطرق تدريجيا.
ويقول عضو الوفد الحكومي في الفريق المفاوض لفتح الطرقات محمد المحمودي إن الحوثيين يرفضون فتح المعابر منذ مشاورات الكويت في عام 2016، حتى مفاوضات الأردن التي قبلتها الحكومة.
ويضيف للجزيرة نت أن قادة قبليين وسياسيين يمنيين قادوا جهودا لفتح الطرق، وقدموا مبادرة لفتح خمسة منها ووافقت عليها الحكومة، لكن الحوثيين لم يردوا على ذلك المقترح، كما أن الحكومة وافقت على مبادرة سابقة قادها أكاديميون لفتح المنفذ الشرقي ورفضها الحوثيون أيضا.
من جهته، يقول القحوم إن جماعته بذلت جهودا لفتح طريق آمنة وميسرة من مدينة تعز إلى الحوبان من جانب واحد، لكن الطرف الآخر تنصل ورفض كل الخيارات والآليات التي تؤمّن الطريق والمارة.
ويوضح المحمودي أن مقترح الحوثيين هي طريق مستحدثة تمر عبر مواقع عسكرية وخطوط مواجهات، مشيرا إلى أن الأولوية تكمن في إعادة فتح الطرق المغلقة بدلا من فتح طرق جديدة.
ويقول "لا ندري ما الذي يريده الحوثيون من استمرار الحصار، يبدو الأمر فقط عقابا لتعز وأهلها الذين أوقفوا مشروعهم".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: للجزیرة نت مدینة تعز
إقرأ أيضاً:
“ساعة للتاريخ”.. شهادة من قلب السياسة اليمنية
م. صلاح الدين عبدالله
في خضم الأحداث المتسارعة التي شهدتها اليمن عبر العقود الماضية، يبرز كتاب “ساعة للتاريخ” كشهادة حية على مرحلة مفصلية في التاريخ السياسي اليمني؛ الكتاب ليس مجرد توثيقٍ للأحداث، بل نافذةٌ يطلُّ منها القارئ على كواليس الصراع السياسي، والمناورات التي دارت بين القوى المحلية والدولية، من خلال تجربة شخصية غنية بالتحولات والصراعات.
لماذا هذا الكتاب؟
يستند “ساعة للتاريخ” إلى سلسلة من الحوارات التي أجريت مع الأستاذ محمد النعيمي- عضو المجلس السياسي الأعلى، أحد الفاعلين السياسيين الذين كانوا جزءًا من المشهد اليمني بكل ما فيه من تقلبات؛ فهو ذو القول الصادق، والرأي الصائب، والرؤية العميقة التي تجمع بين الهوية الإيمانية، والهوى الوطني والهواية المدنية، بعيداً عن الأهواء الذاتية والمناطقية والفئوية الضيقة؛ وتمتد الحوارات التي بُني عليها الكتاب إلى عمق الأحداث، فتتجاوز السرد التقليدي لتقدم تحليلًا معمّقًا لتاريخ اليمن الحديث، بدءًا من الصراع بين الملكيين والجمهوريين، مرورًا بتشكُّل الأحزاب السياسية، وصولًا إلى التدخلات الخارجية التي لم تزل تحاول رسم مسار البلاد حتى اليوم.
في مقدمة الكتاب، يوضح المحاور “الأستاذ/ عبدالرحمن الأهنومي- معد ومقدم برنامج ساعة للتاريخ الذي عُرض على قناة المسيرة الفضائية” أن الفكرة انطلقت من رغبةٍ في تقديم قراءة موضوعية لتاريخ اليمن السياسي من وجهة نظر شاهد عيان، وليس مجرد باحث يقرأ من الكتب؛ وهذا ما يجعل الكتاب مختلفًا عن غيره من الدراسات، فهو شهادة شخصية تخاطب القارئ بلسان من عاش التجربة، وليس فقط من حللها.
محتوى الكتاب.. بين السياسة والتأريخ
يقدم الأستاذ النعيمي رؤية تفصيلية لمراحل الصراع السياسي في اليمن، ويركز على أبرز المحطات التي شكلت المشهد العام، ومنها:
– الصراع بين الملكيين والجمهوريين، وكيف بدأت الحرب السياسية ودور القوة الثالثة، ومن كان اللاعب الأكبر في تحديد مصير اليمن في تلك الفترة؟.
– التأثير الإقليمي والدولي، وكيف لعبت السعودية دورًا في تشكيل المشهد السياسي اليمني؟.
– نشأة وتطور حزب “الاتحاد”، وكيف ظهر هذا الحزب؟، وما علاقته بالقوى السياسية الأخرى؟.
– الوحدة اليمنية والتحديات التي واجهتها، ولماذا لم تكن الوحدة كما تخيلها الكثيرون؟، وما الذي قد يعرقل نجاحها؟.
– التحولات الكبرى والثورات، وكيف تأثرت الأحزاب والتيارات المختلفة بالأحداث المفصلية؟.
– التحرر من التبعية والارتهان، وكيف صمد الشعب اليمني العظيم في مواجهة العدوان؟.
– الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة، وكيف يمكن لليمن أن تواكب التطورات العالمية حتى تصبح منافسة لتلك التطورات؟.
ما يميز الكتاب أنه لا يكتفي بعرض الوقائع، بل يسعى إلى فهم الخلفيات السياسية والاجتماعية التي دفعت باتجاه تلك الأحداث، مما يجعله مصدرًا مهمًا للباحثين، وصنّاع القرار، وحتى المواطن العادي الذي يريد فهم ما جرى بعيدًا عن الخطابات الرسمية والمواقف المعلبة.
لماذا يجب أن يُقرأ هذا الكتاب؟
لأنه شهادة تاريخية من الداخل، فليست كل الكتب السياسية تروي الأحداث من منظور من عاشها، لكن هذا الكتاب يحمل تجربة شخصية موثقة.
لأنه يكشف كواليس السياسة اليمنية، فيتناول قضايا لم تكن تُطرح بشكل مباشر، ويوضح كيف جرت الأمور خلف الأبواب المغلقة.
لأنه يقدم قراءة عميقة للأحداث، فالكتاب ليس مجرد أرشيف زمني، بل تحليل للأخطاء والدروس المستفادة، ما يجعله دليلًا لفهم مستقبل اليمن.
في الختام.. «هذا الكتاب» لا يُفوّت
يوضح الأستاذ النعيمي أهمية التوثيق السياسي، وكيف يمكن لهذه الشهادات أن تضيء الطريق للأجيال القادمة؛ فالتاريخ ليس مجرد ماضٍ يُحكى، بل دروسٌ تُستخلص، وتجاربٌ تكرَّر.
«ساعة للتاريخ” هو أكثر من مجرد كتاب سياسي، إنه وثيقة تنبض بالحياة، تأخذ القارئ إلى دهاليز السياسة اليمنية، حيث الحقيقة ليست دائمًا كما تبدو، ولكنها دائمًا تحمل أثرها على المستقبل.
إن اختيار عبارة “علينا أن نتعض من دروس التاريخ وعبره وعضاته” على واجهة الكتاب يعكس أسلوبًا غير تقليدي أكثر إثارة، لأنها توضح أن الكتاب يجمع بين الدرس والعبرة والأثر المؤلم الذي تتركه الأحداث في الذاكرة الجمعية؛ فكلمة “نتعض” تحمل في طياتها معنى التأثر العميق والاستفادة من التجارب بطريقة تتجاوز الإدراك العقلي إلى الإحساس الحقيقي بوقع الماضي؛ أما استخدام “عضاته” بدلًا من “عظاته”، فيكسر النمطية المعتادة في الحديث عن التاريخ، حيث يبرز الوجه القاسي له، ذلك الذي يعضّ الأمم والشعوب إن هي تجاهلت دروسه، ويجعل القارئ يتفاعل معه على مستوى أعمق، كأنه يستشعر الألم والتحذير المخفي وراء كل تجربة.
وبهذا التكوين، يصبح الكتاب أكثر تأثيرًا، فهو لا يكتفي بدعوة باردة لاستخلاص العبر، بل يدفع القارئ دفعًا إلى الشعور بأن التاريخ ليس مجرد روايات تُسرد، بل أحداث تُعيد تشكيل الواقع، إما بإلهام يقود للتغيير، أو بندوب تظل شاهدة على أخطاء لم يُتعظ منها.
هل تبحث عن قراءة مختلفة في التاريخ السياسي اليمني؟ “ساعة للتاريخ” هو الكتاب الذي تحتاجه.