وكالة الصحافة المستقلة:
2024-12-26@13:11:20 GMT

يا رب عندما تبكي قلوب الاطباء

تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT

يناير 21, 2024آخر تحديث: يناير 21, 2024

الدكتورة أروى محمد الشاعر

في أرض غزة العزة، أرض العنقاء ، تتصارع رشقات ألحرب والموت

مع نبضات الحياة، في تلك الأرض المعجزة تتكشف ملحمة بطولية تتخطى حدود المعقول، تسطرها أيدي الأطباء والطاقم الطبي. يخوض هؤلاء الأبطال معركة يومية لا تقل وطأة عن الحرب نفسها. إنهم جنود الجيش الأبيض حاملوا سلاح الشفاء، يحاربون في معركة لا تعرف الهدوء، أبطال يرتدون

معاطفهم الطبية كدروع، مسلحين بإرادة لا تلين وعزيمة لا تنكسر في وجه المحن.

يقفون كحراس للحياة وشهود على قيم الإنسانية التي تتفوق على كل الويلات.

يعمل جنود الإنسانية من الأطباء والممرضون والممرضات وأبطال

سيارات الإسعاف بلا كلل ولا ملل وبلا توقف، يواجهون الموت كل يوم، لكنهم لا يتوقفون عن النضال من أجل إنقاذ حياة إنسان . ينسجون أسطورة مؤثرة عن الشجاعة والمثابرة في وجه المعاناة اللامتناهية. يتحدون النقص الصارخ في الإمكانيات، ويجابهون الجروح العميقة والصرخات المدوية،

محاولين بكل ما أوتوا من قوة إعادة الحياة لأجساد معذبة، متحدين الظروف القاسية بروح لا تعرف الاستسلام، في بيئة تعد فيها الأدوية والتخدير ترفًا نادرًا إلى حد الغياب، ويصبح العمل الجراحي معجزة في حد ذاته، ومحاولة جبارة لإنقاذ مصابين على حافة الموت . رغم كل ذلك يواصلون مهمتهم الشريفة، يعالجون جراح المرضى التي لم يشهد مثلها تاريخ الحروب، بينها كثير من حالات بتر أطراف وحروق من الدرجة الرابعة وإصابات في الرأس،  ويجرون عمليات جراحية دقيقة أينما استطاعوا– على الأرض، في الممرات، في غرف مكتظة بعشرات المرضى ، بكل ما يمكنهم العثور عليه: الملابس للضمادات، والخل للمطهر، وإبر الخياطة كإبر جراحية، مستخدمين مهاراتهم الطبية لتجاوز نقص الأدوية والتخدير والمعقمات، زارعين الأمل في قلوب يعتصرها الألم والجوع والعطش.

تتجلى المأساة في أشد صورها عندما يُجبر الطبيب على إجراء عملية جراحية نتيجة الإصابات الخطيرة لأحد أفراد عائلته، أو عندما يكتشف أن الجريح الذي يحاول إنقاذه هو قريب أو صديق عزيز ، هذه المواقف القاسية تُعد اختبارات لقوة التحمل النفسي، وهنا تأتي لحظات التحدي للخوف وفظاعة الجراح التي أمامه، وذلك بقوة الصبر والإرادة في وجه أقسى محرقة لم يشهد مثلها تاريخ الحروب، تتمزق روحه بين مهنته وعاطفته، يحاول الحفاظ على هدوءه وتماسكه في مواجهة أفظع الظروف، فهل هناك أقسى من تلك الفاجعة من مشهد الطبيب الفلسطيني ماهر بسيسو الذين رأيناه يقوم ببتر قدم إبنة أخيه الممزقة عهد البالغة من العمر ١٦ عاماً نتيجة القصف الصهيوني الوحشي في بيتهم المحاصر بالدبابات على طاولة السفرة بدون تخدير لإنقاذ حياتها مستخدماً ليفة وصابون الجلي للتطهير ، كانت اللحظة مؤلمة وهو يحاول تهدئتها مواسياً إياها : قولي يا رب ، وهي بكل صبر ترد عليه يا رب الحمد لله وقلبه يبكي وهو يقول:  ربنا منزل عليها الصبر،  وبينما يهرع الطبيب أحمد أبو موسى لاستقبال الجرحى في المستشفى، يكتشف بصدمة أن من بينهم جثة ابنه وأبيه.، والدكتور إياد شقورة في غرفة الطوارئ يتفاجأ بجثامين أطفاله وأمه وإخوانه وأخته وأبنائها وأقاربه، وطبيب آخر يبحث عن ابنه بين المصابين في المستشفى برفقة زوجته قبل أن يعرض عليه أحد المصورين صورته ليخبره أنه بين الشهداء، وطبيب اَخر كان يهدئ من روع المصابين في المستشفى، عندما تفاجأ بابنه جثة ممددة أمامه. والكثير الكثير من المآسي الأخرى التي لا يمكن ذكر جميعها في هذا المقال.

في اليوم المشؤوم، عندما جاء الأمر من الاحتلال الصهيوني إلى هؤلاء الأطباء بإخلاء المستشفيات، في لحظة فارقة، كان الخيار يعني إما النجاة أو التضحية، اختار أطباء غزة الوقوف بثبات إلى جانب مرضاهم. لم يتزحزحوا، بل أصروا على أن يظلوا معهم . تلك القرارات كانت محفوفة بالتضحيات، ولكنهم قرروا أن يتحولوا إلى دروع بشرية من أجل إنقاذ من يحتاجونهم، مصرين على الوفاء بالقسم الطبي الذي أقسموه.

 

لقد حُوِّلَتْ المستشفيات من قبل آلة البطش الصهيونية والتي هي في الأحوال العادية ملاذًا للراحة والشفاء إلى ساحات مواجهة حيث الحياة والموت يتلاقيان. إن قرار أطباء غزة ليس مجرد موقف بطولي، بل هو رسالة حية تشهد على أن في الإنسان قوة تتجاوز حدود الذات، قوة تسمو فوق المخاوف والأهواء. لقد أرسوا صوت الضمير وأعطوا مثالاً حياً للعالم على معنى الشجاعة الحقيقية والتضحية النبيلة، تلك اللحظات التي اختاروا فيها البقاء، لم تكن مجرد لحظات في التاريخ، بل كانت إعلانًا عن أسمى القيم الإنسانية والبطولات الخارقة، إنها قصة أسطورة لا تُنسى، تحكي عن أطباء اختاروا الوقوف في وجه العاصفة، متسلحين  بإيمانهم وتفانيهم، متحدين كل الصعاب من أجل الحفاظ على حياة مرضاهم والمصابين. لقد أصبحت تلك الأيدي التي تتفانى في إنقاذ الأرواح رغم انها مقيدة بنقص المعدات والأدوية رمزًا للأمل والإصرار على الاستمرار، وصورة حقيقية لما يعنيه أن تكون طبيبًا في ظل الأزمات، ليس فقط معالجًا للأجساد، بل معززًا للروح، ومنارة أمل في بحر من اليأس.

لقد دمرت الكثير من المستشفيات والمراكز الطبية، وأصبح النجاح في إنقاذ حياة واحدة إنجازًا عظيمًا. الخسائر البشرية، سواء بين المدنيين أو الأطباء والطاقم الطبي، تضع عبئًا ثقيلًا على قلوبنا. فقد قُتل وشُرد مئات الأطباء والمسعفين، ومع ذلك، لا يتردد من تبقى منهم على قيد الحياة في السعي وراء كل فرصة لإنقاذ حياة.

إن تضحياتهم وجهودهم لا تقاس بمقاييس عادية. كل يوم يمثل نضالًا جديدًا، تحديًا آخر يتطلب شجاعة لا تُصدق وقوة نفسية هائلة. وعلى الرغم من الظروف المروعة التي يعملون فيها، يظلون مصدر إلهام وفخر لنا جميعًا.

قصة الأطباء في غزة تستحق أن يسمعها كل العالم. فهي تحكي عن الإنسانية في أصعب أحوالها، وتظهر كيف يمكن للروح البشرية أن تتجاوز الحدود وتصمد في وجه المحن. إنها قصة بطولة لا تقاس بالكلمات، قصة أمل ينبثق من الألم، وضوء يتلألأ في الظلام.

كطبيبة، أشعر بروابط عميقة مع هؤلاء الأبطال. الذين يغلقون جراح الوطن بخيوط الأمل تحت ضوء شموع خافت بأياديهم التي تتساقط منها الدموع على الأطفال الأبرياء في كل لحظة يخوضونها، يتحول هؤلاء الأطباء إلى أسطورة في حرب لا ترحم، ينقذون الأرواح البريئة من براثن الموت الزاحف.

كل يوم أتأمل في معاناة تلك الأرواح التي تصارع الموت، وأشعر بالأسى كوني طبيبة عاجزة عن تقديم يد العون لهم من البعد، هذا الشعور يعتصر قلبي، ويحول كل لحظة سكون إلى صرخة ألمٍ.

طبيبة أنا في وحدتي أحادث نفسي

أتأمل صور غزة ودموعي تتساقط على خدي.

أسمع صدى الأنين ودوي البكاء والفقد

كيف يمكنني أن أحتمل كطبيبة عجزي

وأنا لا أقوى على شفاء المحتاجين من البعد

عجز يؤلمني أكثر من جرح في جسدي

يثقل كاهلي ويحاصر روحي لا ينتهي.

المصدر: وكالة الصحافة المستقلة

كلمات دلالية: فی وجه

إقرأ أيضاً:

ماجستير عن "دور الصحافة الإنسانية فى مصر" بجامعة أسيوط

حصلت الباحثة شروق حسنين قاسم على درجة الماجستير بتقدير ممتاز عن رسالتها المقدمة إلى قسم الإعلام بكلية آداب أسيوط بعنوان "الصحافة الإنسانية بالمواقع الإلكترونية: دراسة تحليلية مقارنة للنموذجين الأمريكى والمصرى" 

وتكونت لجنة الإشراف والمناقشة والحكم من الأساتذة ، الدكتور صابر حارص أستاذ الإعلام المتفرغ بجامعة سوهاج "مشرفا و رئيسا"

والدكتورة شريهان توفيق مدرس الإعلام بجامعة أسيوط "مشرفا مشاركا"

والدكتور أحمد حسين أستاذ الصحافة بجامعة سوهاج "مناقشا خارجيا"

والدكتورة رحاب الداخلي رئيس قسم الإعلام بجامعة أسيوط "مناقشا داخليا" .

وقال الدكتور صابر حارص -المشرف الرئيسي على الرسالة- إن الصحافة الإنسانية بمفهومها التقليدي الذي بدأ في بريد القراء عام 1931 كان في جريدة الأهرام، ثم انتقل الأخوان التوأم مصطفى وعلي أمين بالصحافة الإنسانية نقلة نوعية 1954 وخصصا لها أبوابا مستقلة، ومحررين متخصصين، وربطها بمؤسسات خيرية، وأصبحت الصحافة الإنسانية في أخبار اليوم تساير التطور الأمريكي، وقدمت وقتها خدمات جليلة تحت عنوان ليلة القدر، ولست وحدك اللذان يستحقان رسالة علمية مستقلة ، مضيفا : أن الصحافة الأمريكية كانت أكثر تطورا وتقدما واهتماما بالصحافة الإنسانية، فخصصت لها مواقع ومدونات عديدة متخصصة في الشئون الانسانية فقط، بينما تقتصر الصحافة المصرية حتى الآن على مساحات ليست ثابتة، ينشر بعضها في مساحات صحافة المواطن ، وبعضها الآخر داخل صفحات الموقع .

مقالات مشابهة

  • شفرةُ الموت وعقيدة التكفير
  • مدير المستشفيات الميدانية بغزة: عيب على الإنسانية أن يتجمد أطفالنا ويموتوا من البرد
  • «الحزن تعدى صبري».. شمس البارودي تبكي على رحيل زوجها وابنها | صور
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي يعترف بقصف المنطقة الإنسانية في خان يونس
  • أزمة لصناع المحتوى.. يوتيوب تشن حملة على الفيديوهات التي تحمل عناوين مثيرة للانتباه
  • دعاء بداية العام الجديد.. اللهم جدد أرواح ذبلت وأهدي قلوب ضلت
  • الأمم المتحدة: "من المستحيل تقريبًا" إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة
  • مسؤول أممي: بات من المستحيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة
  • ماجستير عن "دور الصحافة الإنسانية فى مصر" بجامعة أسيوط
  • نبيلة عبيد تبكي مفيد فوزي في ذكرى وفاته: "ملوش زي وكان يعشق أعمالي"