الأقمار الصناعية تظهر تجريف جيش الاحتلال الإسرائيلي لـ16 مقبرة في غزة (صور)
تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT
كشفت شبكة «سي إن إن» عن جريمة جديدة قام بها الاحتلال الإسرائيلي بمقابر قطاع غزة، فاجتاح الاحتلال ما لا يقل عن 16 مقبرة في هجومه البري على غزة، ونتيجة لذلك دمر شواهد القبور وقلب التربة، وفي بعض الحالات تم استخراج الجثث.
القوات الإسرائيلية تدمر مقابر وتستخرج الجثثوفي خان يونس جنوب قطاع غزة، حدث تصاعد في القتال بوقت سابق من هذا الأسبوع، وقامت القوات الإسرائيلية بتدمير مقبرة واستخراج الجثث، وأفاد الجيش الإسرائيلي لشبكة «سي إن إن» أن هذا جزءا من جهوده في البحث عن رفات المحتجزين الذين احتجزتهم الفصائل الفلسطينية في السابع من أكتوبر 2023.
وتمت مراجعة صور الأقمار الصناعية ولقطات وسائل التواصل الاجتماعي التي تظهر تدمير المقابر، وشاهدها فريق «سي إن إن» مباشرة خلال السفر مع جيش الاحتلال الإسرائيلي في قافلة، وتشير الأدلة المجتمعة إلى وجود ممارسة منهجية مع تحرك القوات البرية الإسرائيلية عبر قطاع غزة.
ويعتبر تدمير المواقع الدينية مثل المقابر بشكل متعمد انتهاكًا للقانون الدولي، ما لم تكن هناك ظروف ضيقة تتطلب تحويل هذه المواقع إلى أهداف عسكرية.
الجيش الإسرائيلي يستخدم المقابر في بعض الحالات كمواقع عسكريةولم يتمكن متحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي من تفسير تدمير المقابر الـ 16 التي قدمت سي إن إن إحداثياتها، ولكنه أشار إلى أن الجيش في بعض الأحيان ليس لديه خيار آخر سوى استهداف المقابر التي زعم أن الفصائل الفلسطينية تستخدمها لأغراض عسكرية.
ووفقًا لجيش الاحتلال الإسرائيلي، فأن إنقاذ المحتجزين والعثور على جثثهم وإعادتها أحد مهامه الرئيسية في قطاع غزة، ولذلك جرى نقل الجثث من بعض المقابر.
وبحسب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي لـ«سي إن إن»، يتم تنفيذ عملية تحديد هوية المحتجزين في مكان آمن وبديل، مع ضمان الظروف المهنية المثلى واحترام المتوفين، وأضاف أن الجثث التي تم تحديد أنها ليست جثث المحتجزين يتم إعادتها بكرامة واحترام.
ووفقًا لتحليل سي إن إن لصور ومقاطع الفيديو عبر الأقمار الصناعية، يبدو أن الجيش الإسرائيلي استخدم المقابر في بعض الحالات كمواقع عسكرية، وقامت الجرافات الإسرائيلية بتحويل مقابر متعددة إلى مناطق تجمع، وجرى تسوية مساحات كبيرة وإقامة الحواجز لتحصين مواقعها.
وفي حي الشجاعية بمدينة غزة، جرى رصد وجود مركبات عسكرية إسرائيلية في مكان المقبرة، وتحيطها حواجز أو سواتو من جميع الجوانب، وتقارير إعلامية محلية أفادت بأن الجزء الأوسط من مقبرة الشجاعية تم تطهيره قبل الحرب، ومع ذلك أظهرت صور الأقمار الصناعية أن أجزاء أخرى من المقبرة تم تجريفها مؤخرًا، وكان وجود الجيش الإسرائيلي واضحًا اعتبارًا من 10 ديسمبر 2023.
التحقق بشكل مستقل من تاريخ أو مكان التقاط الصورةفي 18 ديسمبر 2023، نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي صورة دون تاريخ تظهر ما قال إنها منصة إطلاق صواريخ تابعة للفصائل الفلسطينية على أرض مقبرة الشجاعية، وللأسف لم تتمكن «سي إن إن» من التحقق بشكل مستقل من تاريخ أو مكان التقاط الصورة.
وجرى رصد مشهد مماثل من الدمار في مقبرة بني سهيلة شرق خان يونس، إذ كشفت صور الأقمار الصناعية عن عمليات التجريف المتعمد والتدريجي للمقبرة، وتم إنشاء تحصينات دفاعية على مدى أسبوعين على الأقل في نهاية ديسمبر وبداية يناير.
وفي مقبرة الفالوجة في حي جباليا شمال مدينة غزة، ومقبرة التفاح شرق مدينة غزة، ومقبرة في حي الشيخ عجلين بمدينة غزة، تم رصد شواهد قبور مدمرة وعلامات مداس ثقيلة تشير إلى مرور مركبات مدرعة أو دبابات ثقيلة فوق القبور.
وفي الأسبوع الماضي، مرت ناقلة الجنود المدرعة التي كانت تقل فريق سي إن إن مباشرة عبر مقبرة البريج الجديدة في مخيم البريج للاجئين الفلسطينيين في وسط غزة خلال خروجها من القطاع، ورصد القبور على جانبي الطريق الترابي الذي تم تجريفه حديثًا بواسطة الجرافات، وتم تأكيد موقع المقبرة من خلال تحديد الموقع الجغرافي للقطات التي التقطتها من داخل غزة في ذلك اليوم، وتم التحقق من ذلك من خلال صور الأقمار الصناعية.
علامات الدمار تظهر على القبورومع ذلك، لم تُظهر صور الأقمار الصناعية التي تحللتها «سي إن إن» سوى بعض علامات الدمار القليلة أو التحصينات العسكرية في المقابر الأخرى، ومن بين هذه المقابر، هناك مقبرتان حيث دُفن الجنود الذين سقطوا في الحربين العالميتين الأولى والثانية، بما في ذلك المسيحيون وبعض اليهود.
ولم يوضح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي سبب تحويل مساحات واسعة من المقابر إلى مواقع عسكرية أو سبب وقوف المركبات العسكرية في أماكن القبور السابقة، وأكد المتحدث لـ«سي إن إن» أنهم يلتزمون بالاحترام الكامل للموتى وأنه ليست هناك سياسة لإنشاء مواقع عسكرية خارج المقابر.
وتسبب توغل القوات الإسرائيلية في المنطقة المحيطة بمجمع مستشفى الناصر ومستشفى ميداني أردني بخان يونس في إلحاق أضرار جسيمة بالمقبرة، وهذا ما أظهرته صور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو التي استعرضتها شبكة سي إن إن وحددت موقعها الجغرافي.
وذكر جيش الاحتلال الإسرائيلي لشبكة سي إن إن، أنه عندما يتلقى معلومات استخباراتية أو تشغيلية مهمة، يقوم بتنفيذ عمليات دقيقة لإنقاذ المحتجزين في مواقع محددة إذ تشير المعلومات إلى احتمال وجود جثث المحتجزين.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: جيش الاحتلال الإسرائيلي إسرائيل غزة قطاع غزة المقابر القانون الدولي قوات الاحتلال الإسرائيلي جیش الاحتلال الإسرائیلی صور الأقمار الصناعیة الجیش الإسرائیلی قطاع غزة سی إن إن فی بعض
إقرأ أيضاً:
ماريز يونس: قصف الاحتلال المواقع التراثية اللبنانية ليست مجرد أعمال عسكرية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
شهد الاسبوع الماضي العديد من الانشطة العالمية، والحملات المتعلقة بسبل حماية البيئة والتراث من الحروب والتدمير الذي طال المنطقة العربية.
حيث قالت الدكتورة ماريز يونس، أستاذة علم الإجتماع في الجامعة اللبنانية، انه قد وافقت اليونسكو في اجتماعها الاستثنائي الذي عقدته في باريس يوم الإثنين 18 نوفمبر، على حماية 34 موقعًا أثريًا لبنانيًا، استجابة لجهود مكثفة بذلتها وزارة الثقافة اللبنانية لإقناع المجتمع الدولي بأهمية حماية التراث الثقافي اللبناني بعد تعرضه للقصف الإسرائيلي المتعمد.
واوضحت في كلمتها انه قد تعرضت مدينة بعلبك، التي تعد من أبرز مواقع التراث العالمي، لأضرار كبيرة نتيجة الغارات الجوية الإسرائيلية، فتضرر السور الخارجي للقلعة الأثرية، وسقطت أجزاء من بنيته.
بينما تعرضت "قبة دورس"، المعلم الأيوبي الشهير، لأضرار جسيمة أدت إلى تساقط بعض أحجارها التاريخية كما لحقت أضرار كبيرة بـ"المنشية" العثمانية، التي كانت تمثل مركزًا سياحيًا وثقافيًا هامًا، حيث دُمرت بشكل شبه كامل، مما يعكس خسائر مادية وثقافية فادحة.
أما مدينة صور، المعروفة بتاريخها الفينيقي العريق، فقد كانت هدفًا لسلسلة غارات جوية إسرائيلية دمرت أحياء كاملة تقع قرب مواقع أثرية بارزة مدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو. كما طال الدمار شارع صور البحري وبعض البيوت الأثرية بالقرب من مينائها العريق، مما أدى إلى تشويه جزء كبير من هويتها الثقافية والتاريخية. ناهيك عن خطر الانهيار الكامل لمواقعها الأثرية على المدى الطويل بحسب تقرير المجلس الدولي للآثار والمواقع (ICOMOS)، نتيجة الاهتزازات المتكررة العنيفة التي تتعرض لها المدينة جراء القصف الإسرائيلي العنيف.
واشارت يونس ان الاعتداءات الإسرائيلية لم تقتصر على بعلبك وصور، بل امتدت لتشمل مواقع أثرية وتاريخية أخرى، مثل سوق النبطية، الذي دُمر بشكل شبه كامل، وهو سوق تاريخي يمتد عمره لأكثر من أربعة قرون، ويُعتبر رمزًا للحركة الاقتصادية والاجتماعية في الجنوب اللبناني. كما استُهدفت منازل تراثية وقُرى تاريخية، منها قرية "رسم الحدث" في سهل البقاع، التي شهدت تدمير بيوتها الحجرية القديمة وأشجارها المعمرة بفعل القصف.
كما طالت الاعتداءات دور العبادة التاريخية، مثل كنائس بعلبك القديمة، ومساجد عدة، منها مسجد "كفر تبنيت" ومسجد النبي شعيب في بليدا، التي تعود للعصر العثماني، وتعرضت مآذنها ومبانيها للتدمير الجزئي أو الكلي.
وأكدت بان الهجمات الإسرائيلية على المواقع التراثية اللبنانية ليست مجرد أعمال عسكرية، بل هي انتهاك واضح لاتفاقية لاهاي لعام 1954 التي تنص على أن "أي ضرر يلحق بالممتلكات الثقافية هو ضرر للتراث الإنساني ككل". وهي استراتيجية إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى طمس الهوية الثقافية والتاريخية للشعب اللبناني،تحت حجج مفتعلة مثل "الاستخدام العسكري" أو "الدروع البشرية" لتبرير استهداف هذه المواقع.
بعلبك، مدينة الشمس، أقدم مدن العالم، ليست مجرد مدينة لبنانية؛ إنها شهادة حية على تعاقب الحضارات التي أسهمت في بناء الهوية الثقافية للبنان. تحولت بعلبك في العصور الرومانية، إلى مركز ديني ضخم، حيث شُيدت معابد مثل معبد جوبيتر وباخوس وفينوس، وهي رموز للهندسة المعمارية المتقدمة في ذلك العصر. لكنها قبل ذلك كانت مدينة فينيقية تجسد التفاعل الحضاري بين الشرق والغرب. احتضنت بعلبك التراث الإسلامي أيضًا، حيث أُضيفت اللمسات الإسلامية إلى معالمها الأثرية، مما جعلها رمزًا للتنوع والتعايش الثقافي. هذا المزج بين الحضارات يجعلها إرثًا إنسانيًا يتجاوز حدود لبنان ليصبح جزءًا من التراث العالمي.
قصف التراث: هجوم على الهوية الجماعية
فقد أشار إدوارد سعيد في كتاباته إلى أن تدمير التراث ليس مجرد تخريب مادي، بل جزء من استراتيجية استعمارية تهدف إلى فرض هيمنة ثقافية مفصولة تمامًا عن جذور الشعب الأصيلة. بيير بورديو من جانبه، يرى أن تدمير التراث ليس مجرد هدم للأبنية، بل هو عملية مدروسة تهدف إلى فصل الشعوب عن ماضيها، وإعادة تشكيل وعيها بما يخدم مصالح المستعمر. في الجزائر، استخدمت فرنسا تدمير التراث كوسيلة لكسر الروح الوطنية للشعب الجزائري. إلا أن هذه الممارسات لم تحقق غاياتها، بل شكلت أداة لتوحيد الجزائريين حول هويتهم الثقافية، مما ساهم في إشعال روح المقاومة.
في العصر الحديث، لجأت داعش إلى تدمير مواقع أثرية كجزء من مشروعها لتفكيك الهويات الثقافية، ومع ذلك، أعاد هذا التدمير تسليط الضوء على أهمية حماية التراث كجزء من الهوية الإنسانية، وفي فلسطين، يمثل تدمير المواقع التراثية جزءًا من سياسة أوسع تهدف إلى محو الذاكرة الفلسطينية.
فاجتماعات اليونسكو والجهود المبذولة لتصنيف المواقع الأثرية وحمايتها تُعتبر إنجازات كبيرة في مجال الحفاظ على التراث. لكن في زمن الحروب، يستخدم العدو الإسرائيلي هذه القوائم كأدلة للقصف والتدمير. وأصبحت المواقع الأثرية التي تحمل تصنيفات الحماية أهدافًا مباشرة لإسرائيل. هذه الديناميكية لا تعكس فقط استضعاف الدول التي تُنتهك آثارها، بل تكشف عن أزمة حقيقيقة لدى الفكر الحضاري العالمي. تلك الحضارة الغربية التي عولت على مفاهيم مثل التراث والحداثة، تُظهر تناقضًا حين تُستخدم أدواتها لتدمير ما أنشأته من قيم ومعانٍ. فهذه الجهود التي استثمرت في حماية التراث تُنسف في لحظة، مما يطرح سؤالًا وجوديًا: كيف يمكن لنظام عالمي يروج للحداثة أن يكون عاجزًا عن حماية ما يدّعي الحفاظ عليه؟.
وعن المفكر ميشيل فوكو يرى أن سلطة الحداثة تُعيد تشكيل القوانين لتبريرانتهاكاتها، وهو ما يتجسد في حروب "الإبادة الانسانية والثقافية" الإسرائيلية على غزة ولبنان، ما يحرج فكرالتنوير الذي اعتُبر تقدمًا للبشرية، فيما هو يتحول إلى ذراع أخرى تُستخدم لتقويض القيم التي أُنشئ من أجل حمايتها.
واوضح بان الحفاظ على التراث الثقافي لا يمكن فصله عن حماية الأرواح التي تُنتجه. البشر هم صانعو الحضارة، وغياب الحماية لهم يجعل أي جهود للحفاظ على التراث مجرد قشرة خاوية. استهداف مواقع مثل بعلبك وصور لا يهدف فقط إلى تدمير الحجر، بل إلى ضرب الروح الإنسانية التي تشكلت عبر قرون من التاريخ. المناشدات الدولية، رغم أهميتها، يجب أن تتحول إلى أدوات فعالة تحمي البشر قبل الحجر. هذه اللحظة الحرجة تتطلب رؤية جديدة تُعيد التفكير في أولويات الفكر الحضاري وتؤكد أن التراث الحقيقي يبدأ بحماية الإنسان.