منذ الإعلان عن تطوير تقنية تحرير الجينوم (كريسبر/كاس 9) في 2010، بدت تلك التقنية التي تكتسب أرضا جديدة يوم بعد آخر وكأنها عصا سحرية قادرة على تقديم حلول لمشاكل زراعية مستعصية، وكان آخر ما قدمته من حلول يتعلق بإعطاء نتائج تشير إلى أنها قد تكون الحل لتخليص مزارعي الأرز في أفريقيا من مشكلة فيروس التبقع الأصفر.

وينتقل فيروس التبقع الأصفر عن طريق الخنافس عبر الاتصال المباشر بالأوراق، ويشكل تهديدا كبيرا على زراعة الأرز في أفريقيا، حيث يتسبب بظهور بقع صفراء على الأوراق، مما يؤدي إلى انخفاض "الكلوروفيل" والتأثير على عملية التمثيل الضوئي. وتؤدي العدوى الشديدة إلى توقف نمو النبات، وانخفاض الغلة، وفي بعض الحالات موت النبات.

وفي أفريقيا، حيث يمتلك معظم المزارعين قطع أراض صغيرة، يُفقد ما بين 10% و100% من محصول الأرز بانتظام بسبب هذا الفيروس، مما يشكل مشكلة تهدد إنتاجية أفقر المزارعين.

والحماية الفعالة الوحيدة ضد الفيروس، هي تطوير أصناف من الأرز تحمل جينا مقاوما، غير أن إدخال الجين مباشرة أمر صعب بسبب مشكلات "العقم في الهجينة" بين الأنواع. وهنا يأتي الدور الذي يمكن أن تلعبه تقنية تحرير الجينوم (كريسبر/كاس 9).

صورة توضح الفارق بين نباتات الأرز العادية وتلك لتي تم اكسابها جين المقاومة (الفريق البحثي) العقم في الهجينة.. ماذا يعني؟

ويشير "العقم في الهجينة" إلى عدم القدرة على إنتاج ذُرية قابلة للحياة، ففي سياق الهجين بين الأنواع، غالبا ما يؤدي تزاوج الأفراد من أنواع مختلفة إلى مشاكل في الخصوبة في النسل الهجين، ويمكن أن يحدث ذلك بسبب الاختلافات في عدد أو بنية الكروموسومات، أو عدم التوافق الجيني، أو الاضطرابات في العمليات الإنجابية.

وبالتطبيق على السعي نحو إنتاج أرز مقاوم لفيروس التبقع الأصفر، فإن نوع الأرز الآسيوى (أوريزا إنديكا) يُزرع عادة في أفريقيا بسبب إنتاجيته العالية، غير أنه يفتقد لجينات المقاومة لفيروس التبقع الأصفر التي عثر عليها في بعض أحد أنواع الأرز البرية الأفريقية مثل "أوريزا غلابريما".

وعند محاولة إدخال جين المقاومة من الأرز البري مباشرة إلى الأرز المزروع، فإن النباتات الناتجة (الهجينة بين الأنواع) قد تواجه مشاكل العقم، حيث تؤدي الاختلافات الجينية بين النوعين إلى مشاكل أثناء الانقسام الاختزالي (انقسام الخلايا لتكوين الخلايا التناسلية)، وقد تُنتج النباتات الهجينة الأمشاج التي تكون عقيمة أو منخفضة الخصوبة، مما يجعل من الصعب عليها التكاثر.

وللتغلب على مشاكل العقم، يأتي دور تقنية تحرير الجينوم (كريسبر/كاس 9) التي يمكن أن تكون من خلال نقل الجين المطلوب من "أوريزا غلابريما" إلى "أوريزا إنديكا" مع الحفاظ على الخصوبة.

التبقع الأصفر يؤثر على التمثيل الضوئي ويوقف النمو ويتسبب بموت النبات ببعض الحالات (آن سبلاش) تقنية تحرير الجينوم.. كيف استخدمها الباحثون؟

ويعتمد استخدام تلك التقنية على عده خطوات، فُصلت في دراسة نشرتها دورية "بلانت بيوتكنولوجي جورنال"، وضمت باحثين من الأعضاء في مبادرة المحاصيل الصحية (مبادرة دولية تضم باحثين من دول العالم المختلفة)، وهذه الخطوات هي:

أولا- تحديد جين المقاومة:

فقد حدد الباحثون جين المقاومة الطبيعية ريمف2 من نوع الأرز البري (أوريزا غلابريما) والذي يوفر مقاومة لفيروس البقعة الصفراء.

ثانيا- تصميم إستراتيجية تحرير الجينوم (كريسبر/كاس 9):

فباستخدام "كريسبر/كاس9" صمم الباحثون إستراتيجية لإدخال جين المقاومة لفيروس البقعة الصفراء إلى نوع الأرز "أوريزا ساتيفا جابونيكا" الياباني، وذلك لاستكشاف ما إذا كان يمكن أن ينجح في أصناف "إنديكا" الآسيوية في أفريقيا.

ثالثا- تسليم مكونات (كريسبر/كاس 9):

إدخال مكونات كريسبر/كاس9، بما في ذلك بروتين كاس 9 والحمض النووي الريبوزي الموجه المصمم خصيصا لجين المقاومة ريمف2، في خلايا نبات "أوريزا ساتيفا جابونيكا"، ويمكن تحقيق ذلك بطرق مختلفة.

رابعا- التحرير المستهدف لجين المقاومة:

يستحث كريسبر/كاس9 تعديلات مستهدفة في جين المقاومة، وقد يتضمن ذلك إدخال طفرات أو تعديلات محددة لتقليد المقاومة التي تحدث بشكل طبيعي.

خامسا- التحقق من نجاح التحرير الجيني:

أكد الباحثون نجاح تحرير كريسبر/كاس9 عبر تحليل الحمض النووي الجينومي للنبات. وباستخدام تقنيات مثل تسلسل الحمض النووي أو طرق البيولوجيا الجزيئية الأخرى، تحققوا من وجود التعديلات المطلوبة في جين المقاومة.

سادسا- توليد النباتات المعدلة وراثيا:

نمت نباتات "أوريزا ساتيفا جابونيكا" التي خضعت لتحرير كريسبر/كاس9 بنجاح، وحملت جين المقاومة المعدل ريمف2 حتى مرحلة النضج.

سابعا- تقييم مقاومة الفيروسات:

عُرّضت  نباتات "أوريزا ساتيفا جابونيكا" المعدلة لفيروس التبقع الأصفر لتقييم مقاومتها، وذلك عن طريق التلقيح الخاضع للرقابة بالفيروس.

ثامنا- الانتقال لأفريقيا:

بعد نجاح التجربة المحدودة مع نوع "أوريزا ساتيفا جابونيكا" الياباني، والتي أثبت من خلالها الباحثون نجاح فكرتهم، يخططون حاليا لاستكشاف ما إذا كانت طريقتهم يمكن أن تنجح في أصناف "إنديكا" الموجودة بأفريقيا، مثل "كومبوكا" في كينيا.

يمكن للتغيير في أحد الجينات أن يؤثر على على جينات أخرى أو يغير المسارات الأيضية فيؤثر على صحة النبات ونموه (شترستوك) مخاوف مشروعة.. رسائل مطمئنة

ولا تزال تلك التقنية رغم ما حققته من نجاح، تثير مخاوف ذكر بعضها الباحث بمركز البحوث الزراعية المصري خالد باهي، ومنها أنها قد تؤدي إلى "تأثيرات غير مستهدفة".

يقول باهي في حديث هاتفي مع "الجزيرة نت": "يمكن أن تحدث تعديلات جينية غير مقصودة في مواقع أخرى غير الموقع المستهدف، وهو ما يؤدي إلى عواقب غير مرغوب فيها، مما يؤثر على الوظيفة الطبيعية للنبات أو يؤدي إلى إدخال سمات غير متوقعة".

ويعزو باهي حدوث ذلك إلى أن "فسيولوجيا النبات معقدة"، وهذا يعني أنه حتى التعديلات الدقيقة قد يكون لها عواقب غير مقصودة، حيث يمكن أن تؤثر التغييرات في أحد الجينات على التعبير عن جينات أخرى أو تغير المسارات الأيضية، مما قد يؤثر على صحة النبات ونموه بشكل عام".

ويضيف أن استخدام تلك التقنية أيضا في الزراعة يثير أسئلة أخلاقية، منها ما يتعلق بملكية الموارد الوراثية التي تحتوي على الجينات المرغوب فيها، والمخاوف بشأن سيطرة الشركات على الممارسات الزراعية.

ومن جانبها، عرضت "الجزيرة نت" هذه المخاوف المشروعة، على اثنين من كبار الباحثين المشاركين بالدراسة، وهما البروفيسور وولف فرومر من معهد الفسيولوجيا الجزيئية بجامعة "هاينريش هاينه دوسلدورف" الألمانية، ولورانس ألبار من معهد صحة النبات في مونبلييه بفرنسا، فحصلنا على ردود مطمئة تؤكد وعيهما بهذه التخوفات وحرصهما على تبديدها.

يقول فرومر: "نحن أجرينا تجربة محدودة على صنف الأرز في اليابان (أوريزا ساتيفا جابونيكا)، وبعد أن أثبتنا نجاح الفكرة، نخطط للتوسع لنقل جين مقاومة المرض لأصناف الأرز الآسيوي السائد زراعتها في أفريقيا، وسنبدأ بصنف كومبوكا في كينيا، وهذا يعني أن خطواتنا ليست متعجلة".

ونفى المخاوف من تأثيرات غير مستهدفة، وقال "استخدمنا النهج الأساسي لتقنية كريسبر/كاس9، ويؤدي ذلك إلى طفرات صغيرة غير موجهة في موضع محدد في الجينوم، ونحن الآن قادرون على القيام بذلك بشكل أكثر دقة، ولم نرصد أي عيوب أخرى في النبات المنتج".

وأضاف أن "الطفرات تحدث بشكل طبيعي طوال الوقت، لذلك لا أرى في الوقت الحاضر أي مخاوف أخلاقية أو بيئية، لا سيما وأننا علماء غير ربحيين تماما، وليس لدينا مصالح تجارية".

ويؤكد ألبارعلى ما قاله زميله فرومر، ويقول: "الطفرات التي أدخلها تحرير الجينوم في تجربتنا تشبه إلى حد كبير الطفرات الموجودة بشكل طبيعي في بعض أصناف أوريزا غلابريما البرية الأفريقية، وبالتالي فإن مثل هذه الطفرات لا يمثل مشكلة في حد ذاتها".

ويضيف: أنه "مع ذلك، لا يزال استخدام الأصناف التي طورتها تقنية كريسبر/كاس9 خاضعا للتنظيم في بعض البلدان، لكن عددا متزايدا من البلدان يعتبر الآن أن هذه التكنولوجيا لا تثير قضايا أخلاقية أو بيئية، وسمحت بالنباتات التي تم الحصول عليها بهذه الطريقة، فعلى سبيل المثال، يُسمح بالنباتات المعدلة بالجينوم في كينيا ونيجيريا".

ويوضح أن الخطوة التالية لهم هي استخدام هذه التكنولوجيا لنقل المقاومة في صنف الأرز الذي يستخدمه المزارعون الأفارقة بالفعل ويقدرونه، بالإضافة إلى ذلك، سيتم إجراء تجارب ميدانية في النظم الإيكولوجية الزراعية ذات الصلة قبل نشر التقنية للتأكد من أن الطفرة التي تم إدخالها لا ترتبط بآثار جانبية سلبية وأنها تستهدف سلالات الفيروس الموجودة محليا".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: تلک التقنیة فی أفریقیا یؤثر على یمکن أن فی بعض

إقرأ أيضاً:

العسومي: التكامل العربي الإفريقي بات أولوية ملحة في عصر التكتلات الاقتصادية العالمية

أكد عادل بن عبد الرحمن العسومي رئيس البرلمان العربي أنه في ظل التغيرات العالمية المتسارعة، وتعاظم التحديات التي تواجه الدول العربية والأفريقية في كافة المجالات، وخاصة في النواحي التنموية والاقتصادية، فإن التكامل العربي الإفريقي خاصة في المجال الاقتصادي، بات أولوية ملحة لكي تضع الدول العربية والأفريقية موطئ قدم لها في هذا السباق العالمي المحموم، موضحًا أن جهود الدفع بمسار التكامل العربي الأفريقي لا تقتصر فقط على الدور الذي تقوم به الحكومات في كلا الجانبين، وإنما يستطيع البرلمانيون، بما يمثلونه من بُعد شعبي للشراكة العربية الأفريقية، أن يكون لهم دور محوري في ترسيخ وتعزيز أسس هذه الشراكة.

ودعا "العسومي" إلى إطلاق خطة عمل مشتركة بين البرلمان العربي وبرلمان عموم أفريقيا لوضع آليات التعاون التي يمكن من خلالها الدفع بمسيرة التكامل العربي الأفريقي إلى الأمام، مشددًا على أنه "من غير المعقول ومن غير المقبول أن يكون لدينا برلمان يمثل صوت الشعب العربي، ونظير له يمثل صوت الشعب الأفريقي، ولا تكون بيننا آلية عمل منتظمة على أرض الواقع، ننسق من خلالها عملنا المشترك على نحو يلبي تطلعات شعبينا العربي والأفريقي في الأمن والتنمية والتقدم".

جاء ذلك خلال الكلمة التي ألقاها رئيس البرلمان العربي في افتتاح الجلسة العامة لبرلمان عموم أفريقيا التي عقدت بمقر البرلمان الأفريقي في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا، والتي شارك فيها رئيس البرلمان العربي كضيف شرف تلبية لدعوة معالي السيد فورتشن شارومبيرا رئيس برلمان عموم أفريقيا.

وقال "العسومي" في كلمته لقد آن الأوان أن تأخذ العلاقات العربية الأفريقية مسارها الطبيعي، الذي يتناسب مع إرثنا الحضاري والثقافي المشترك، ومع ما نمتلكه من إمكانيات لا تتوافر لدول أخرى. فقد حبانا الله بثروات طبيعية وعقول مُفكِرة وخبرات علمية وعملية وقوى عاملة وفيرة، ومن حق شعوبنا أن تتساءل: كيف تتوافر كل هذه المقومات، وما يزال مسار التكامل العربي الأفريقي دون المستوى المأمول؟.

وتطرق "العسومي" في كلمته إلى المجازر وجرائم الحرب التي يقوم بها كيان الاحتلال في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية منذ شهر أكتوبر الماضي، مؤكدًا أن العالم أجمع أمام هذا الواقع المؤلم القائم على ازدواجية المعايير، بات في أمس الحاجة إلى إعادة النظر من جديد في القواعد الحاكمة لإرادة المجتمع الدولي، وإعادة الهيبة والاعتبار للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، موجهًا التحية إلى مواقف الدول والشعوب الأفريقية المدافعة عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، داعيًا إلى تقديم كافة أشكال الدعم والمساندة من أجل نصرة الشعب الفلسطيني في محنته الراهنة، وحتى يحصل على كافة حقوقه المشروعة، وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها مدينة القدس، مضيفًا أن "كافة الأحداث والتطورات أثبتت أن هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة".

واختتم رئيس البرلمان العربي كلمته بقوله إن حقائق التاريخ والجغرافيا تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أن الدول الأفريقية تمثل العمق الاستراتيجي الأول للدول العربية، وشريكها الأساسي في بناء مستقبل يليق بشعبينا العربي والأفريقي.

مقالات مشابهة

  • واشنطن تقدم طلبا الى السلطة الفلسطينية بشأن إدارة غزة مدنيا
  • ملتقى الحوار الوطني الفلسطيني: فرصة متجدّدة للانطلاق
  • دعونا نضع حداً لحرب الضعفاء هذه: الجزء الثالث
  • 13 توصية لمؤتمر «صراعات القرن الأفريقي وتداعياتها على الأمن الإقليمي والمصري»
  • فيروس زيكا.. خطر يهدد الهند في صيف 2024 وينتقل إلى البشر عن طريق الاختلاط
  • العسومي: التكامل مع العربي الأفريقي أولوية في عصر التكتلات الاقتصادية العالمية
  • رئيس البرلمان العربي: التكامل العربي الأفريقي أولوية ملحة في عصر التكتلات الاقتصادية العالمية
  • جيش موريتانيا يناور ويتسلّح لمواجهة التوترات بالساحل الأفريقي
  • العسومي: التكامل العربي الإفريقي بات أولوية ملحة في عصر التكتلات الاقتصادية العالمية
  • "مناهضة الفصل العنصري" يطالبون بوقف جنون إسرائيل بشكل فعلي وليس شفوي