الزيارات السلطانية.. متابعة ميدانية وجسور تواصل
تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT
لم تكن خواتيم العام المنصرم عادية في حساب منجزات التنمية الشاملة في البلاد، وكذلك هي اليوم في بواكير هذا العام ولمّا ينقضِ الشهر الأول منه بعد، مع حرص جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- على التأكيد على حزمة مرتكزات استشرافية عززها جلالته تطبيقا عمليا بعد إعلانها وتأكيدها منذ خطابه الأول للشعب في يناير 2020م، أتت خواتيم العام الماضي مع إعلان مراسيم وتوجيهات سلطانية سامية كلها ساعية للنهوض بمستوى معيشة الفرد وتحقق أمانه الاجتماعي، واستقراره النفسي في كل متعلقات صندوق الحماية الاجتماعية وقانون العمل، كما تأتي الخواتيم تعزيزا لنظرة جلالته الاقتصادية التي حمل آفاق تصوراتها الرحبة مع زياراته الدولية المعززة لجسور التعاون الاستثماري الاقتصادي، وبناء شراكات حقيقية مع دول لها تأثيرها وثقل إمكاناتها اقتصاديا وسياسيا تفعيلا لكل ممكنات السلطنة دبلوماسيا واقتصاديا.
ثم يتبدّى العام الحالي وبشارات الخير آتت أكلها شعبيا عبر تلمس جنى توجيهات وقرارات سبقت، ومراسيم سلطانية أسست لهذه الحالة الراهنة من الرضى الشعبي والاحتفاء المجتمعي بما وجدوه من قائد وفى ما وعد ساعيا للمزيد.
ثم تأتي زيارة جلالة السلطان المفدى لمحافظة مسندم بأقصى شمال السلطنة تأكيدا على أن لا قصيّ يبعد عن متابعته وتواصله مع شعبه حيثما كان، وحرصا من جلالته على المتابعة الميدانية المباشرة لمشروعات التنمية وخططها الخمسية الواعدة بمحافظة مسندم التي احتفت بمختلف فئاتها وولاياتها بهذه الزيارة المباركة، زيارة سلطانية تجاوزت الخبر للعيان، والنقل للبيان فتلمست كل البلاد احتفاء الشعب بأكمله(لا أهالي مسندم وحسب) بهذه الزيارة وهذا الاهتمام الذي ينبئ بالكثير من المأمول من توقعات الغد الأفضل للمحافظة خصوصا وللبلاد عموما، من ذلك ما أُعلن مباشرة خلال وبعد هذه الزيارة السلطانية التي أسعدتنا جميعا لهذه المحافظة الرائعة تاريخا وموقعا وإمكانات بشرية.
وليس من قبيل المصادفة - يقينا - أن تواكب زيارة جلالته لمحافظة مسندم زيارة أخرى تفضَّلت بها السيدة الجليلة حرم جلالة السلطان المعظم -حفظها الله ورعاها- إلى محافظة البريمي، هذه الزيارة التي شملت مركز الوفاء لتأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة، وواحة صعراء، وحصن الحلة والتي التقت خلالها بفئات مختلفة من أهالي المحافظة رجالا ونساء ما هي إلا تأكيد على ذات الفكرة التواصلية التي آمن بها قائدنا المفدى، فتمثلنَّاها في كل عمان واقعا ملموسا بدءا بإشراك فئات الشعب المختلقة في وضع الخطط ورصد التحديات واقتراح المشاريع، وليس نهاية بالحضور ميدانيا لتلمس واقع المحافظات عن قرب، ومتابعة مراحل تنفيذ الخطط الخمسية، وتذليل صعوباتها وتجاوز تحدياتها إن وجدت.
جسور محبة وقنوات تواصل تؤكد حرص جلالته والسيدة الجليلة حفظهما الله ورعاهما على استقراء حاجة أبناء الشعب عن كثب عبر حوارات مباشرة وإصغاء وديٍّ فاعل لا يستثني أحدا ولا يقصي أي فئة من فئات المجتمع إيمانا بالتكامل عبر الاختلاف، والتميز عبر التعاون والتمكين، وما غبطة المجتمع بهذه الزيارات وترقب باقي المحافظات لها إلا تأكيد على أثر التواصل بين الحكومة والشعب، وتعزيز ثقة كل من القائد والشعب في جدوى المشاركة والتعاون وصولا لغد نراهن جميعنا على تحققه وبلوغه.
ختاما: لا يمكن مع الاحتفاء بالمتحقق من منجزات هذه المرحلة الفارقة من عمر التنمية -على تحدياتها ومتغيراتها- إلا التقدير والشكر لقائدنا المفدى مستبشرين بالأجمل من المنجز المحتفى به عبر ما تم تنفيذه من تعزيز صندوق الحماية الاجتماعية رفدا للواقع المحلي المعاش وتهيئة لمرحلة قادمة من الانتعاش الاقتصادي بالسلطنة، أو بشارات الغد القادم عبر المعلن عنه من مشاريع واعدة قادمة يأتي في مقدمتها صندوق عمان المستقبل، ومشاريع منطقة الدقم، ولكل مرئيات تنموية يعول عليها في القادم من عمر التنمية بقيادة حكيمة من لدن جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه-.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: جلالة السلطان
إقرأ أيضاً:
280 عاما من التأسيس.. عُمان قصة وطن وحكمة قيادة
رامي بن سالم البوسعيدي
في قلب شبه الجزيرة العربية، حيث تلتقي الجبال الشاهقة بالصحراء الذهبية، وحيث تهامس الأمواج شواطئ المحيط الهندي، تقف سلطنة عُمان شامخة بتاريخها العريق، الذي خطته أيادٍ حكيمة وقلوب مؤمنة بالوطن، ومن بين الصفحات المضيئة في تاريخها الذي يمتد لأكثر من 5 آلاف عام، تبرز قصة تأسيس دولة البوسعيدي عام 1744 على يد الإمام أحمد بن سعيد، وهي قصة تُجسد الإصرار على الوحدة والاستقرار رغم تحديات الزمن.
في القرن الثامن عشر وبالتحديد قبل 280 عاما كانت عُمان تعيش بين أمواج متلاطمة من الصراعات الداخلية والغزو الخارجي، وفي وسط تلك الأزمات برز رجل من صحار، واليها الحكيم أحمد بن سعيد البوسعيدي، كان قائداً بالفطرة، يجمع بين الحزم والرؤية البعيدة، عندما اجتاحت القوات الفارسية السواحل العُمانية، وقف أحمد بشجاعة واستطاع إلحاق الهزيمة بالغزاة، مما أكسبه ثقة الناس والتفافهم حوله.
لم يكن أحمد بن سعيد يسعى للسلطة بقدر ما كان يحمل هم الوطن، وعندما التف زعماء القبائل حوله وأجمعوا على اختياره إمامًا لعُمان عام 1744، أدرك أن المهمة ليست سهلة، بدأ بتوحيد الصفوف وترسيخ الأمن الداخلي، واضعاً أسس دولة حديثة تقوم على التوازن بين القيم التقليدية ومتطلبات العصر، وأعاد بناء أسطول بحري قوي، جعل من موانئ عُمان مثل مسقط وصحار، مراكز تجارية حيوية تربط الشرق بالغرب، وكان عهده إيذاناً ببدء فصل جديد من الاستقرار والازدهار.
منذ أحمد بن سعيد توالت أجيال من الحكام من أسرته، الذين ساروا على نهجه، يجمعون بين الحزم والحكمة في إدارة الدولة، وشهدت عُمان خلال هذه الفترات تحولات عديدة، من توسيع رقعة نفوذها البحري في المحيط الهندي، إلى بناء علاقات متينة مع القوى الدولية مثل بريطانيا، وفي القرن التاسع عشر عززت عُمان حضورها كقوة بحرية وتجارية بارزة، وكانت مسقط نقطة جذب للتجار من الهند وأفريقيا والخليج، وكانت الدولة رمزاً للتنوع الثقافي والانفتاح على العالم، لكن كانت هناك تحديات كبيرة، وتوالت الانقسامات القبلية والضغوط الخارجية التي هددت في أوقات عديدة استقرار البلاد، إلا أن حكمة قادة البوسعيد وتكاتف الشعب أبقيا السفينة في مسارها الصحيح.
وفي عام 1970، أشرقت عُمان على حقبة جديدة مع تولي السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور - طيب الله ثراه - مقاليد الحكم، كان الوطن حينها مثقلاً بالتحديات، لكن السلطان قابوس حمل في قلبه رؤية وطنية عميقة، وفي عقله خطة طموحة لنهضة شاملة، وقال يومها: " كان وطننا في الماضي ذا شهرة وقوة، وإن عملنا باتحاد وتعاون فسنعيد ماضينا مرة أخرى، وسيكون لنا المحل المرموق في العالم العربي"، ومنذ ذلك الحين انطلقت مسيرة النهضة المباركة، حيث تحولت سلطنة عُمان من دولة تعاني من شح الموارد إلى واحدة من أكثر دول المنطقة استقرارًا وازدهارًا، فقد شيد السلطان قابوس بنية تحتية متطورة، واهتم بالتعليم والصحة باعتبارهما أساس التقدم، وتوسعت شبكة المدارس والمستشفيات لتغطي كافة أرجاء البلاد، ومدّ الطرق بين المدن والقرى رافعًا شعار التنمية للجميع، وعلى الساحة الدولية أظهر السلطان قابوس حمه الله بُعد نظر استثنائي، واختار لعُمان دور الوسيط المحايد، مما أكسبها احترام العالم، فكانت وسيطًا في أزمات إقليمية ودولية، ترفع راية السلام في عالم يموج بالصراعات.
ومع انتقال القيادة إلى جلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور حفظه الله ورعاه، كان العالم يمر بظروف غير مسبوقة، من جائحة عالمية إلى تحديات اقتصادية كبرى، لكن جلالته جاء محملاً بروح التجديد والاستمرارية، متعهداً بمواصلة بناء الوطن على أسس النهضة التي أرسى قواعدها السلطان قابوس، وتبنى رؤية عُمان 2040، التي ركزت على تنويع الاقتصاد وشجيع الابتكار وتمكين الشباب ليكونوا قادة المستقبل، وأكد على دور عُمان كجسر بين الشرق والغرب، وحافظ على سياسة الحياد التي أصبحت جزءًا من هوية البلاد، ليواصل مسيرة البناء، التي تظهر عُمان مزيجاً نادراً من الثبات والتغيير، حيث يبقى جوهرها متجذرًا في التاريخ، بينما تنطلق نحو المستقبل بخطوات واثقة.
ما يميز عُمان عبر القرون هو قدرتها على الحفاظ على الاستقرار وسط منطقة مليئة بالتقلبات، ويعود ذلك إلى عوامل منها القيادة الحكيمة التي تميز قادة البوسعيد برؤية بعيدة المدى، وحس عميق بالمسؤولية تجاه الوطن بجانب التوازن الداخلي، فقد نجحت الدولة في تعزيز الوحدة الوطنية مع احترام التنوع الثقافي والمذهبي، كما أن الحياد الإيجابي له دور كبير في الاستقرار السياسي، فقد اختارت عُمان الابتعاد عن الحروب والنزاعات، وركزت على بناء جسور الحوار والسلام، وهذه السياسة نستطيع أن نقوم بأنها متوارثة جيل بعد جيل من السلاطين العظام لهذه الأرض الطيبة.
280 عاما على تأسيس دولة البوسعيد نقول فيها بأن عُمان اليوم ليست مجرد دولة، بل قصة وطن كتبها أبناؤها بحبهم وإخلاصهم، من أحمد بن سعيد الذي وحد البلاد وأسس أسرة البوسعيد، إلى السلطان هيثم بن طارق الذي يقود النهضة المتجددة، لتظل عُمان نموذجاً يُحتذى به في الاستقرار والحكمة، إنها أرض تسكنها روح الماضي ووهج المستقبل، حيث تُحكى حكاية أجيال نذرت نفسها لبناء وطن يليق بعظمة تاريخه وأحلام شعبه.