لجريدة عمان:
2024-11-05@04:49:24 GMT

ما يلزم لبناء المؤسسات الديمقراطية

تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT

توجد من حولنا وفرة من النماذج الواقعية التي يمكن الاستعانة بها لمساعدة كل من البلدان النامية والصناعية على بناء مؤسسات ديمقراطية أفضل. لكن تشيلي تقدم لنا، بمحاولاتها العقيمة لصياغة دستور جديد، درسا حول ما ينبغي تجنبه.

فبرغم كونها واحدة من أغنى الدول في أمريكا اللاتينية، لا تزال تشيلي تعاني من إرث دكتاتورية الجنرال أوجستو بينوشيه الوحشية وأوجه التفاوت التاريخية.

أحرزت تشيلي بعض التقدم في بناء المؤسسات الديمقراطية منذ استفتاء عام 1988 الذي بدأ التحول من الاستبداد، وقد نجحت البرامج التعليمية والاجتماعية في تضييق فجوة التفاوت في الدخل. ولكن تظل مشكلات كبرى قائمة. إذ تنتشر أوجه التفاوت العميق، ليس فقط في الدخل، بل وأيضا في القدرة على الوصول إلى الخدمات الحكومية، والموارد التعليمية عالية الجودة، والفرص في سوق العمل. علاوة على ذلك، لا تزال تشيلي تطبق الدستور الذي فرضه بينوشيه في عام 1980. مع ذلك، وفي حين كان من الطبيعي أن تبدأ من جديد، سلكت تشيلي الطريق الخطأ في هذا الصدد. فبعد استفتاء 2020 الذي أظهر دعما ساحقا لصياغة دستور جديد، عُـهِـد بالعملية إلى جمعية من المندوبين المنتخبين. لكن 43% فقط من الناخبين شاركوا في انتخابات 2021 لشغل مقاعد الجمعية، وكان عدد كبير من المرشحين ينتمون إلى دوائر يسارية متطرفة ملتزمة أيديولوجيا بقوة بصياغة دستور من شأنه أن يفرض تدابير صارمة ضد الأعمال التجارية ويهدف إلى إنشاء عدد لا يحصى من الحقوق الجديدة للمجتمعات المختلفة. وعندما طُـرِحَت الوثيقة الناتجة للتصويت، رفضها 62% من أهل تشيلي. ثم كررت محاولة ثانية ذات الإخفاقات، ولكن من الاتجاه الآخر. فقد عملت أغلبية يمينية في الجمعية، بتشجيع من ردة فعل الجمهور على النسخة الأولى، على صياغة دستور رُفِـضَ أيضا على أنه تجاوز الحدود. ولا بد أن تبدو هذه التجربة مألوفة، لأن تشيلي ليست الدولة الوحيدة حيث ضغطت كتلة ناشطة من أجل اتخاذ تدابير يعارضها أغلبية من الناخبين. في مختلف أنحاء العالم نشهد أحداثا مماثلة -وخاصة في الولايات المتحدة- ونتيجة لهذا تتدهور الثقة في المؤسسات. ولكن هل من الممكن إعادة بناء الدعم للديمقراطية؟ ربما يقدم عملي الأخير مع نيكولاس أجزنمان، وسيفات أكسوي، ومارتن فيزباين، وكارلوس مولينا بعض الدلائل. لقد وجدنا أن الأشخاص الذين يتمتعون بخبرة في التعامل مع المؤسسات الديمقراطية يميلون إلى دعمها، ولكن فقط إذا رأوا أن الديمقراطيات ناجحة في تقديم ذلك النوع من الأداء الاقتصادي، والخدمات العامة، وغير ذلك من النتائج التي يتوقعونها. الواقع أن ما يريده الناس من الديمقراطية في الظاهر يكشف لنا عن كثير. يتضاءل الدعم الذي تناله الديمقراطية أثناء الأزمات الاقتصادية أو الحروب أو غير ذلك من فترات انعدام الاستقرار، ويتحسن عندما يتمتع الجمهور بفوائد الخدمات العامة الجيدة، وتضيق فجوة التفاوت، ويتضاءل الفساد أو ينعدم. تبدو الدروس واضحة. فإذا كنا راغبين في بناء ديمقراطية أفضل، يتعين علينا أن نبدأ بقدرة المؤسسات الديمقراطية على تحقيق ما يريده الناس.

مع اتساع فجوات التفاوت في عدد كبير من البلدان وتزايد قوة الشركات العالمية، من المعقول أن تقدم الديمقراطيات قدرا أكبر من إعادة التوزيع وتدابير حماية أقوى للفئات المحرومة. ولكن مرة أخرى، يتعامل كل من اليمين واليسار مع الأمر بطرق مختلفة.

في حالة تشيلي، تبدو أجندة اليسار المتشددة المناهضة للأعمال غير حكيمة. والبديل الأفضل هو النموذج الذي ابتكرته الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية في الدول الإسكندنافية، والتي وصلت إلى السلطة بعد انهيار سوق الأوراق المالية عام 1929 وأزمة الكساد العظيم، عندما كان الاحتياج واضحا إلى تغييرات سياسية ومؤسسية كبرى لاستعادة الاقتصاد إلى الصحة والحد من التفاوت. يحيط بأصول الديمقراطية الاجتماعية في بلدان الشمال كثير من المفاهيم الخاطئة. ففي حين يبدو أن بعض المعلقين يعتقدون أن هذه البلدان كانت دائما ميالة نحو المساواة والتعاون، ينظر آخرون إليها باعتبارها قدوة «للديمقراطية الاشتراكية». لا يبدو أن أيا من التصورين صحيح. كانت كل من السويد والنرويج تعاني من عدم المساواة إلى حد كبير في بداية القرن العشرين. وكان معامل جيني للدخل قبل الضريبة في النرويج (وهو مقياس للتفاوت على مقياس من صفر إلى واحد) 0.57 في عام 1930، هذا يعني أن التفاوت بين الناس هناك آنذاك كان أكبر من أي مكان في أمريكا اللاتينية اليوم. كما شهد كل من البلدين صراعات صناعية متكررة.

كانت أحزاب العمال، التي أصبحت فيما بعد أحزابا ديمقراطية اجتماعية، تضرب بجذورها في الفِكر الماركسي. ولكن بحلول الوقت الذي وصلت فيه إلى السلطة، كانت بدأت تتحرك بعيدا عن التزاماتها السابقة بالثورة والأيديولوجية الصارمة. وبدلا من ذلك، أدارت حملاتها تحت مظلة واسعة، ووعدت بإدارة الاقتصاد الكلي على الوجه السليم والإصلاح العادل لسوق العمل والتعليم. من جانبه، تحول حزب العمال النرويجي في الاتجاه المعاكس لأجندته الماركسية المتشددة بعد أدائه الهزيل في انتخابات النرويج عام 1930. ومثله كمثل الأحزاب العمالية الدنماركية والسويدية في ذلك الوقت، أعاد الحزب توجيه تركيزه نحو مسائل أكثر عملية، فنفذ السياسات التي أرادها الناس. كما وعد الحزب بإصلاح تعليمي كبير لتحسين جودة التعليم في المناطق الريفية التي كانت متخلفة عن الركب. وبعد وصوله إلى السلطة مرة أخرى في عام 1935، تحرك الحزب بسرعة لتنفيذ «قانون المدرسة الشعبية» في العام التالي.

في عمل بحثي أخير مع توماس بيكارينن، وكجيل سالفانيس، وماتي سارفيماكي، أظهرنا أن إصلاح المدارس في النرويج حقق أكثر من مجرد تحسين جودة التعليم في المناطق الريفية. فقد خلف أيضا تأثيرا عميقا على السياسة النرويجية؛ لأن كثيرين من أولئك الذين استفادوا من الإصلاح (بدءا بالآباء) حولوا ولاءاتهم إلى حزب العمال، الأمر الذي ساعد بالتالي على إنشاء التحالف الكفيل بدعم نموذج الديمقراطية الاجتماعية المشهور الآن في النرويج. ببساطة، قدم الحزب الخدمات التي أرادها الناخبون، وكافأه الناخبون بالدعم الانتخابي. الحالة السويدية مشابهة في عموم الأمر. فبعد فوزه الانتخابي الأول عام 1932، حقق الحزب الديمقراطي الاجتماعي السويدي وعده بزيادة الأجور، والسلام الصناعي، وبيئة الاقتصاد الكلي المستقرة. ثم كوفئ في صناديق الاقتراع على مدى عقود عديدة تالية. ينطوي كل هذا على دروس لأولئك الذين يريدون تعزيز الديمقراطية وبناء مؤسسات جديدة لمكافحة التفاوت بين الناس وحماية المحرومين. يجب أن تكون الخطوة الأولى إظهار نجاح الديمقراطية من خلال صياغة أجندة إصلاحية تنجح في تقديم الخدمات للسكان. أما محاولات فرض سياسات متطرفة (من اليسار أو اليمين) على الناخبين فمصيرها الفشل -ومن المرجح أن تُـفـضي إلى تقليص الثقة في المؤسسات الديمقراطية بدرجة أكبر.

دارون عاصم أوغلو، أستاذ الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وهو مؤلف مشارك (مع جيمس أ. روبنسون) لكتاب لماذا تفشل الأمم: أصول القوة والازدهار والفقر.

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المؤسسات الدیمقراطیة

إقرأ أيضاً:

«النواب» يلزم أصحاب الأعمال بشروط مهمة لتشغيل الأطفال

واصلت لجنة القوى العاملة بمجلس النواب خلال اجتماعها اليوم، الإثنين، مناقشة الفصل الرابع من مشروع قانون العمل المتعلق بتشغيل الأطفال، حيث وافقت اللجنة على المادة 61، التي تنص على أن على صاحب العمل الذي يقوم بتشغيل طفل أو أكثر مراعاة الآتي:

تعليق نسخة تحتوي على الأحكام الواردة في هذا الفصل في مكان ظاهر بمحل العمل.تحرير كشف يوضح ساعات العمل وفترات الراحة، معتمد من الجهة الإدارية المختصة.إبلاغ الجهة الإدارية المختصة بأسماء الأطفال العاملين لديه، والأعمال المكلفين بها، وأسماء الأشخاص المسؤولين عن مراقبة أعمالهم.كما قررت اللجنة تأجيل مناقشة المادة 62 بعد جدل واسع حول تضمين مصطلح "الأقزام" ضمن فئة ذوي الإعاقة، حيث تمت مناقشة إمكانية إضافة نص خاص بهم في مادة منفصلة ضمن باب الأحكام العامة.

وتنص المادة 62 على أنه "مع عدم الإخلال بأحكام قانون الطفل الصادر بالقانون رقم (12) لسنة 1996، تقوم جهات التأهيل بإخطار الجهة الإدارية المختصة التي يقع في دائرتها محل إقامة الطفل ذي الإعاقة بما يفيد تأهيله، وتقيد لديها أسماء الأطفال الذين تم تأهيلهم في سجل خاص، وتسلم الطفل ذا الإعاقة أو من ينوب عنه شهادة القيد دون مقابل.

وتلتزم الجهة الإدارية المختصة بمعاونة الأطفال ذوي الإعاقة المسجلين لديها في الالتحاق بالأعمال التي تناسب أعمارهم وكفاءتهم ومحل إقامتهم، وعليها إخطار مديرية التضامن الاجتماعي في نطاق دائرتها ببيان شهري عن الأطفال ذوي الإعاقة الذين تم تشغيلهم.

كما وافقت اللجنة على المادة 63، التي تنص على أنه يُحظر على الأبوين أو متولي أمر الطفل - بحسب الأحوال - تشغيل الطفل بالمخالفة لأحكام هذا القانون، والقرارات التنفيذية الصادرة له.

مقالات مشابهة

  • «النواب» يلزم أصحاب الأعمال بشروط مهمة لتشغيل الأطفال
  • الانتخابات الأمريكية ديمقراطية.. ولكن!
  • إيران: جهّزنا كل ما يلزم للتغلّب على إسرائيل
  • بويصير: ما أبهى الديمقراطية.. أدليتُ بصوتي في الانتخابات الأمريكية
  • ‏قائد الحرس الثوري الإيراني: جبهة المقاومة وإيران ستجهزان نفسيهما بكل ما يلزم لمواجهة العدو
  • "كوب 16" يلزم الشركات بدفع أموال مقابل المعلومات الجينية
  • مستشار الأمن القومي الأمريكي سابقا: نريد مزيد من الهجرة ولكن بشكل قانوني
  • المرشد الإيراني: سنفعل كل ما يلزم في مواجهة الاستكبار عسكريا وسياسيا
  • علي المرشود: بيولي تفوق على جيسوس ولكن أدواته لم تساعده.. فيديو
  • سندٌ ضخم، ولكن مهمل*