لجريدة عمان:
2024-09-16@16:07:54 GMT

ما يلزم لبناء المؤسسات الديمقراطية

تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT

توجد من حولنا وفرة من النماذج الواقعية التي يمكن الاستعانة بها لمساعدة كل من البلدان النامية والصناعية على بناء مؤسسات ديمقراطية أفضل. لكن تشيلي تقدم لنا، بمحاولاتها العقيمة لصياغة دستور جديد، درسا حول ما ينبغي تجنبه.

فبرغم كونها واحدة من أغنى الدول في أمريكا اللاتينية، لا تزال تشيلي تعاني من إرث دكتاتورية الجنرال أوجستو بينوشيه الوحشية وأوجه التفاوت التاريخية.

أحرزت تشيلي بعض التقدم في بناء المؤسسات الديمقراطية منذ استفتاء عام 1988 الذي بدأ التحول من الاستبداد، وقد نجحت البرامج التعليمية والاجتماعية في تضييق فجوة التفاوت في الدخل. ولكن تظل مشكلات كبرى قائمة. إذ تنتشر أوجه التفاوت العميق، ليس فقط في الدخل، بل وأيضا في القدرة على الوصول إلى الخدمات الحكومية، والموارد التعليمية عالية الجودة، والفرص في سوق العمل. علاوة على ذلك، لا تزال تشيلي تطبق الدستور الذي فرضه بينوشيه في عام 1980. مع ذلك، وفي حين كان من الطبيعي أن تبدأ من جديد، سلكت تشيلي الطريق الخطأ في هذا الصدد. فبعد استفتاء 2020 الذي أظهر دعما ساحقا لصياغة دستور جديد، عُـهِـد بالعملية إلى جمعية من المندوبين المنتخبين. لكن 43% فقط من الناخبين شاركوا في انتخابات 2021 لشغل مقاعد الجمعية، وكان عدد كبير من المرشحين ينتمون إلى دوائر يسارية متطرفة ملتزمة أيديولوجيا بقوة بصياغة دستور من شأنه أن يفرض تدابير صارمة ضد الأعمال التجارية ويهدف إلى إنشاء عدد لا يحصى من الحقوق الجديدة للمجتمعات المختلفة. وعندما طُـرِحَت الوثيقة الناتجة للتصويت، رفضها 62% من أهل تشيلي. ثم كررت محاولة ثانية ذات الإخفاقات، ولكن من الاتجاه الآخر. فقد عملت أغلبية يمينية في الجمعية، بتشجيع من ردة فعل الجمهور على النسخة الأولى، على صياغة دستور رُفِـضَ أيضا على أنه تجاوز الحدود. ولا بد أن تبدو هذه التجربة مألوفة، لأن تشيلي ليست الدولة الوحيدة حيث ضغطت كتلة ناشطة من أجل اتخاذ تدابير يعارضها أغلبية من الناخبين. في مختلف أنحاء العالم نشهد أحداثا مماثلة -وخاصة في الولايات المتحدة- ونتيجة لهذا تتدهور الثقة في المؤسسات. ولكن هل من الممكن إعادة بناء الدعم للديمقراطية؟ ربما يقدم عملي الأخير مع نيكولاس أجزنمان، وسيفات أكسوي، ومارتن فيزباين، وكارلوس مولينا بعض الدلائل. لقد وجدنا أن الأشخاص الذين يتمتعون بخبرة في التعامل مع المؤسسات الديمقراطية يميلون إلى دعمها، ولكن فقط إذا رأوا أن الديمقراطيات ناجحة في تقديم ذلك النوع من الأداء الاقتصادي، والخدمات العامة، وغير ذلك من النتائج التي يتوقعونها. الواقع أن ما يريده الناس من الديمقراطية في الظاهر يكشف لنا عن كثير. يتضاءل الدعم الذي تناله الديمقراطية أثناء الأزمات الاقتصادية أو الحروب أو غير ذلك من فترات انعدام الاستقرار، ويتحسن عندما يتمتع الجمهور بفوائد الخدمات العامة الجيدة، وتضيق فجوة التفاوت، ويتضاءل الفساد أو ينعدم. تبدو الدروس واضحة. فإذا كنا راغبين في بناء ديمقراطية أفضل، يتعين علينا أن نبدأ بقدرة المؤسسات الديمقراطية على تحقيق ما يريده الناس.

مع اتساع فجوات التفاوت في عدد كبير من البلدان وتزايد قوة الشركات العالمية، من المعقول أن تقدم الديمقراطيات قدرا أكبر من إعادة التوزيع وتدابير حماية أقوى للفئات المحرومة. ولكن مرة أخرى، يتعامل كل من اليمين واليسار مع الأمر بطرق مختلفة.

في حالة تشيلي، تبدو أجندة اليسار المتشددة المناهضة للأعمال غير حكيمة. والبديل الأفضل هو النموذج الذي ابتكرته الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية في الدول الإسكندنافية، والتي وصلت إلى السلطة بعد انهيار سوق الأوراق المالية عام 1929 وأزمة الكساد العظيم، عندما كان الاحتياج واضحا إلى تغييرات سياسية ومؤسسية كبرى لاستعادة الاقتصاد إلى الصحة والحد من التفاوت. يحيط بأصول الديمقراطية الاجتماعية في بلدان الشمال كثير من المفاهيم الخاطئة. ففي حين يبدو أن بعض المعلقين يعتقدون أن هذه البلدان كانت دائما ميالة نحو المساواة والتعاون، ينظر آخرون إليها باعتبارها قدوة «للديمقراطية الاشتراكية». لا يبدو أن أيا من التصورين صحيح. كانت كل من السويد والنرويج تعاني من عدم المساواة إلى حد كبير في بداية القرن العشرين. وكان معامل جيني للدخل قبل الضريبة في النرويج (وهو مقياس للتفاوت على مقياس من صفر إلى واحد) 0.57 في عام 1930، هذا يعني أن التفاوت بين الناس هناك آنذاك كان أكبر من أي مكان في أمريكا اللاتينية اليوم. كما شهد كل من البلدين صراعات صناعية متكررة.

كانت أحزاب العمال، التي أصبحت فيما بعد أحزابا ديمقراطية اجتماعية، تضرب بجذورها في الفِكر الماركسي. ولكن بحلول الوقت الذي وصلت فيه إلى السلطة، كانت بدأت تتحرك بعيدا عن التزاماتها السابقة بالثورة والأيديولوجية الصارمة. وبدلا من ذلك، أدارت حملاتها تحت مظلة واسعة، ووعدت بإدارة الاقتصاد الكلي على الوجه السليم والإصلاح العادل لسوق العمل والتعليم. من جانبه، تحول حزب العمال النرويجي في الاتجاه المعاكس لأجندته الماركسية المتشددة بعد أدائه الهزيل في انتخابات النرويج عام 1930. ومثله كمثل الأحزاب العمالية الدنماركية والسويدية في ذلك الوقت، أعاد الحزب توجيه تركيزه نحو مسائل أكثر عملية، فنفذ السياسات التي أرادها الناس. كما وعد الحزب بإصلاح تعليمي كبير لتحسين جودة التعليم في المناطق الريفية التي كانت متخلفة عن الركب. وبعد وصوله إلى السلطة مرة أخرى في عام 1935، تحرك الحزب بسرعة لتنفيذ «قانون المدرسة الشعبية» في العام التالي.

في عمل بحثي أخير مع توماس بيكارينن، وكجيل سالفانيس، وماتي سارفيماكي، أظهرنا أن إصلاح المدارس في النرويج حقق أكثر من مجرد تحسين جودة التعليم في المناطق الريفية. فقد خلف أيضا تأثيرا عميقا على السياسة النرويجية؛ لأن كثيرين من أولئك الذين استفادوا من الإصلاح (بدءا بالآباء) حولوا ولاءاتهم إلى حزب العمال، الأمر الذي ساعد بالتالي على إنشاء التحالف الكفيل بدعم نموذج الديمقراطية الاجتماعية المشهور الآن في النرويج. ببساطة، قدم الحزب الخدمات التي أرادها الناخبون، وكافأه الناخبون بالدعم الانتخابي. الحالة السويدية مشابهة في عموم الأمر. فبعد فوزه الانتخابي الأول عام 1932، حقق الحزب الديمقراطي الاجتماعي السويدي وعده بزيادة الأجور، والسلام الصناعي، وبيئة الاقتصاد الكلي المستقرة. ثم كوفئ في صناديق الاقتراع على مدى عقود عديدة تالية. ينطوي كل هذا على دروس لأولئك الذين يريدون تعزيز الديمقراطية وبناء مؤسسات جديدة لمكافحة التفاوت بين الناس وحماية المحرومين. يجب أن تكون الخطوة الأولى إظهار نجاح الديمقراطية من خلال صياغة أجندة إصلاحية تنجح في تقديم الخدمات للسكان. أما محاولات فرض سياسات متطرفة (من اليسار أو اليمين) على الناخبين فمصيرها الفشل -ومن المرجح أن تُـفـضي إلى تقليص الثقة في المؤسسات الديمقراطية بدرجة أكبر.

دارون عاصم أوغلو، أستاذ الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وهو مؤلف مشارك (مع جيمس أ. روبنسون) لكتاب لماذا تفشل الأمم: أصول القوة والازدهار والفقر.

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المؤسسات الدیمقراطیة

إقرأ أيضاً:

ضربة للغرب.. تشيلي تنضم لدعوى الإبادة الجماعية ضد إسرائيل

لاهاي - الوكالات 

أعلنت محكمة العدل الدولية أن دولة تشيلي قدمت، يوم الخميس، إعلانا بالانضمام لقضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقياضد إسرائيل بشأن الحرب على قطاع غزة.

وقال بيان صحفي للمحكمة "إن إعلان تشيليالتدخل في القضية جاء استنادا إلى المادة 63 من النظام الأساسي للمحك".

وفي 29 ديسمبر/كانون الأول 2023، رفعت جنوب أفريقيا دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية لانتهاكها اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948.

وأمرت المحكمة تل أبيب بمنع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، والحفاظ على الأدلة بشأن الجرائم المرتكبة في القطاع.

ومنذ ذلك الحين، طلبت عدة دول الانضمام إلى القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا، والتدخل في القضية باستخدام بند في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية يسمح لأطراف ثالثة بالانضمام إلى الإجراءات.

وفي مايو/أيار الماضي، أصدرت المحكمة الدولية أمرا إلزاميا بوقف العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح جنوبي القطاع، لكن إسرائيل رفضت الامتثال للقرار.

وتواصل إسرائيل عدوانها على قطاع غزة متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية ولتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.

مقالات مشابهة

  • الكتلة الديمقراطية: ندين القصف العشوائي الذي تمارسه مليشيا الدعم السريع ضد المدنيين في الفاشر
  • الصين تتسبب بإغلاق أكبر مصنع للصلب في تشيلي
  • الحرب على غزة مستمرة.. ولكن!
  • وزير إسرائيلي: قطار التطبيع سيستمر ولكن بعد أن نخضع أعداءنا
  • إغلاق أكبر مصنع للصلب في تشيلي بعد 74 عاما
  • ضربة للغرب.. تشيلي تنضم لدعوى الإبادة الجماعية ضد إسرائيل
  • الثقيل: يغضب من يغضب ويرضى من يرضى ولكن الحقيقة أن الهلال مختلف
  • تشيلي تطلب الانضمام إلى قضية “الإبادة الجماعية” ضد إسرائيل
  • الكوليرا يعود للانتشار.. لا اصابات حتى الان ولكن!
  • يورتشيتش: مواجهة الجيش الرواندي صعبة ولكن أثق في قدرات لاعبي بيراميدز