كم كتكوتًا فى هذه الصورة؟ كم ثمنها إذا كان ثمن الواحد منها نصف قرش؟ إذا مات منها ثلاثة فكم كتكوتًا تبقى؟ كبرت الكتاكيت الباقية وكان من بينها «ديكان» فكم عدد الفرخات الباقية؟ الإجابة عن الأسئلة السابقة تلخص معنى علم الحساب «الرياضيات»، لتكون هناك إجابة واحدة عن السؤال الواحد أو المعادلة الحسابية الواحدة، إجابة لا تقبل التنوع أو التعدد أو الاختلاف، بعكس مناهج السياسة والاقتصاد التى ترسم الخطط وتضع التوقعات وتصنع المؤشرات، وتحدد الأسعار، وتتحكم فى الإجابة حاضرًا ومستقبلًا كيفما تشاء.
ويبدو أن الأستاذ «عمرو أديب» فى برنامجه «الحكاية» أراد مفاجأة الجميع، وقرر دمج مناهج العلوم السابقة وما يؤثر فيها مع علم الفلك والتنجيم، وسأل «ليلى عبداللطيف» المعروفة بـ«سيدة التوقعات»، عن «إلهامها» بشأن مستقبل الاقتصاد والجنيه المصرى فى 2024؟!
لتبتسم «سيدة التوقعات»، ثم تفتش فى الأوراق، لتخبرنا بأن الجنيه المصرى سيتعثر بسبب التطورات فى المنطقة، ثم سيعود ويتحسن ويرتفع بشكل غير مسبوق وينتعش معه الاقتصاد المصرى، لأنها ترى فى أوراقها أن أكثر من دولة عربية ستحمى الاقتصاد والجنيه المصرى، وخاصة من الأشقاء فى دول الخليج، ليؤكد ويتأكد الإعلامى «المخضرم» فى دهشة تغمرها البهجة هذا «الإلهام»، بإعادة توجيه الإجابة فى شكل سؤال: «الله يبشرك بالخير، يعنى إنتِ شايفة أن الدنيا فى 2024 هتتحسن وأن الجنيه هيرجع بقوة، بفضل مساندة الإخوة فى الخليج؟ ليرتد التأكيد مرة أخرى بنعم».
ثم تابعت سيدة التوقعات «إلهامها» وقالت: «إنها ترى أن الأراضى والبيوت اللى «حقه» أى ثمنه مليون جنيه سيصير بخمسة ملايين، وأن البيوت والأراضى هتغلى قوى دون معرفة السبب، والزراعة هتتحسن والصناعة كمان»، ولا تدرى «سيدة التوقعات» بهذا التتابع أنها قد ضربت علوم الحساب والفلك والاقتصاد ومناهج السياسة فى مقتل، لأنه كلما ارتفعت الأسعار، كان ذلك دليلًا على انهيار العملة وخفض قيمتها وتدهورها!
وهنا يجب استحضار خبراء «علم النوايا»، ليجيبوا عن السؤال: لماذا أراد عمرو أديب «حشر» مستقبل الجنيه والاقتصاد المصرى فى أوراق السيدة «ليلى عبداللطيف»؟، وهل يدخل هذا السؤال فى باب الترفيه والتسالى والفضول، أم ينتمى لفصول النوايا السيئة؟!
تزداد الإجابة تعقيدًا إذا قفز خبراء التحليل الاستراتيجى إلى حلبة الصراع، وخرج السياق من نطاق «علم النوايا» إلى فضاء التكهنات والرسائل المبطنة، والشفرات المتضاربة حسب الأهواء والأغراض و«الأجندات».. والسبب فى ذلك كله هو المخضرم «عمرو أديب»!!
الحسنة الوحيدة فى الموضوع، أن رياح اللقاء بين «أديب» و«سيدة التوقعات» قد ضربت شراع ذاكرتى وحركتها بقوة نحو الماضى البعيد، عندما تعرض أحد الأقارب إلى السرقة، وقرر المسروق أن يفتح «المندل» ليعرف من السارق، ثم استدعونى كطفل لم يتجاوز عمره الخمس سنوات، لأجدنى جالسًا أمام «طشت صغير» مملوء بالماء، وقد ربط صاحب «المندل» رأسى بـ«شال» أبيض، وقال بعد أن تمتم بكلمات غريبة، عندما ترى شيئًا فى الماء أخبرنى.
مرت دقائق صامتة، ثم كرر الرجل السؤال: هل رأيت شيئًا؟، وكانت إجابتى مثل الدقائق التى مرت، ثم بدأ الرجل يخبرنى الإجابة، ألم تر أحدًا يرتدى عباءة بيضاء، يكنس الأرض ويرش الماء أمام دكانه؟!
لم أفكر كثيرًا، ووجدت «الشال» الأبيض الملفوف حول رأسى يهتز أمامى فى الماء، فقلت له: نعم، وهنا انتبه الحاضرون، وكأن الكنز فتح أبوابه، وحضرت الأسياد واستجابت للنداء، ثم قال صاحب «المندل»: عندما ينتهى الرجل من الكنس ورش الماء.. «عرفنى».
تحرك رأسى ومعه وجهى الغارق فى ماء «الطشت»، وسط ابتسامة تخفيها براءة طفولتى، وعندما تأخرت الإجابة، بدأ يلقنها لى مرة تلو الأخرى، هل أتى رجل على حصان أبيض؟ قلت: نعم، هل نزل وجلس على الكرسى؟ قلت: نعم.
كانت الإجابات سريعة بقدر أسئلة الرجل، تلك السرعة جعلته يكتشف أمرى قبل أن يكشف السارق، أو يكتشف «المسروق» وهم صاحب «المندل»، فقرر الرجل استبدالى بطفل آخر، وقال إننى لا أصلح!، وتم له ما أراد، وانتهت القصة، ليفتحها الإعلامى «عمرو أديب» بعد أربعة عقود من الزمان فى ثوب جديد يتناسب مع الأيام وضحكاتها المدفونة فى الصدور.
فى النهاية.. نحتاج إجابة حقيقية، ورسالة واضحة، نطمئن لها وبها عن مستقبل الجنيه، وفقًا لعلوم الحساب ومناهج السياسة والاقتصاد، بعيدًا عن «طرائق» أهل المندل!.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أشرف عزب علم الحساب الرياضيات تحدد الأسعار عمرو أدیب
إقرأ أيضاً:
منير أديب يكتب: ترامب ما بين صفقة لم يحققها وحلم يسعى لتحقيقه
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ليس كل ما تُريده الولايات المتحدة الأمريكية تستطيع أن تفعله، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يستطع إقرار صفقة القرن التي طرحها قبل أكثر من 4 سنوات، صحيح نقل السفارة الأمريكية كما وعد إلى القدس، ولكن بقيت إسرائيل في عزلتها الإقليمية.
صفقة القرن التي طرحها ترامب في هذا التوقيت لم تنل إسرائيل منها شيئًا غير نقل السفارة، وهو أمر يبدو شكليًا، فواشنطن منحازة لإسرائيل منذ إنشائها في العام 1948، بل وتعتبرها الولاية 51، وكان هذا واضحًا من حجم التسليح الذي قدمته أمريكا في الحرب الإسرائيلية الأخيرة.
ربما فشل دونالد ترامب في إقرار هذه الصفقة في ولايته الأولى في العام 2016، وهو ما جعله يُعيد الحلم مرة ثانية، ولعل المسمى تغير من مجرد صفقة للقرن إلى حلم القرن، ولعل الصفقة تحولت إلى صفعة على وجه واشنطن لم تتخف منها حتى الآن.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل تحولت الصفقة إلى مجرد حلم غير قابل للتمكين أو التنفيذ؟ فعندما تتحول الأحلام الممكنة إلى أحلام مستحيلة تظل في طور الحلم، ويبدو أن هذا ينطبق على ما طرحه دونالد ترمب وأصر عليه.
أمريكا دولة كبيرة اقتصاديًا وعسكريًا، وهناك تحالف استراتيجي بين نيويورك والقاهرة، ولكن هذا التحالف مبنى على المصلحة، ومحددات الأمن القومي المصري، وهذا ما يدفعنا إلى القول، إن القاهرة سوف تظل على موقفها من رفض تهجير الفلسطينيين إلى أراضيها.
رفض القاهرة ليس مرتبطًا برفض تهجير الفلسطينيين إلى أراضيها وفقط، ولكن رفض مبدأ التهجير عمومًا حتى ولو كان لدولة ثالثة بخلاف القاهرة والأردن، وهذا الموقف مرتبط بدفاع القاهرة عن القضية الفلسطينية ورفض أي محاولات لتصفيتها.
لا تستطيع واشنطن أن تفرض وجهة نظرها على القاهرة فيما يضر بأمنها القومي، ولا أحد يملك قرار القبول من عدمه، ولذلك السعي للضغط على القاهرة لن يأتي بأي نتائج سوى مزيد من التشدد في موقفها.
صحيح القاهرة تعيش ظروفًا اقتصادية ليست على ما يُرام، لكن الجبهة الداخلية تُدعم وتؤيد القيادة السياسية في كل قرارتها التي تتعلق برفض التهجير وما يترتب عليها، إيمانًا منها بضرورة هذا الدعم، ولأن الرأي العام المصري لديه مواقف حادة من إسرائيل على خلفية الحروب التي خضناها معها على مدار سبعين عامًا ويزيد.
لن تستجدي القاهرة المواقف العربية، ولن تنتظر مزيدًا من الدعم والتأييد لموقفها من رفض التهجير، ولكنها ستظل تواجه أي محاولات من شأنها تصفية القضية الفلسطينية، مهما تعرضت لتشويه سواء من أصحاب القضية أو من بعض المنتفعين.
الموقف الأمريكي الذي يُراهن على مزيد من الضغوط، لكن يجد أمامه إلا قيادة وشعب سوف يتمسكان بالثوابت الوطنية؛ فهما على نفس اتحادهما في حرب العام 1973، هذه ليست شعارات ولكنه واقع على الأرض.
الموقف الأمريكي يُشجع على مزيد من الفوضى في المنطقة العربية، وإسرائيل سوف تكون مضطرة لأنّ تحصد ثمار غرسها، دولة معزولة لديها عدوات مع الشرق والغرب، ولن يظل ميزان القوة لصالحها طوال الوقت.
وأي قوة نتحدث عنها؟ إذا أنها فشلت فشلًا ذريعًا في مواجهة المقاومة الفلسطينية بعد حرب دامت خمسة عشرة شهرًا، فلم تُحقق أي هدف لها، لا تحرير الأسرى ولا القضاء على حماس ولا على حكمها، واضطرت في النهاية لاستجداء خروج هؤلاء الأسرى عبر طاولة المفاوضات.
دخلت تل أبيب في عداء مع الجميع، وباتت مرفوضة وملفوظة أيضًا من الجميع، بل تستجدي عداء القاهرة، وهي تعلم حجم مصر وقوتها وقدرتها، ولذلك سوف تقطف إسرائيل ثمار التصعيد مع القاهرة كما قطفته من قبل مع الشعب الفلسطيني عندما هاجمتها حماس في 7 أكتوبر عام 2023.
سيظل ما طرحه دونالد ترامب مجرد حلم، وهو ما سيؤثر على العلاقات المصرية الأمريكية، وستكون تل أبيب أكثر ضعفًا مما كانت عليه بسبب إصرارها على تهجير الفلسطينيين، وأقصد هنا المواجهات الأخيرة التي خرجت منها صفر اليدين رغم قوتها الباطشة.