يوسف السباعى يتعثر فى المعرض
تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT
بينى وبين معرض القاهرة الدولى للكتاب علاقة عميقة تنهض على عشق جارف للكتاب. عشق كان وما زال يهبنى فضائل لا نهائية من المعارف المثمرة الممتعة. هذا العشق ورثته عن الوالد العظيم المرحوم عبدالفتاح عراق ومن أشقائى الكبار، حيث كانت القراءة هى الفاكهة المقدسة التى نتناولها يوميًا فى بيتنا العامر بحب الحكمة والثقافة والأدب والفكر والفن.
أذكر جيدًا وأنا أطفل كيف كنت أطالع الأهرام كل صباح، وكيف أنصت إلى مناقشات الوالد مع أشقائى المرحوم إبراهيم والمهندس فكرى، رعى الله أيامه ولياليه، والمرحوم فوزى، وشقيقتى الراحلة ماجدة. كانت النقاشات لا تتوقف حول السياسة والدين والفكر والموسيقى والطرب والسينما والمسرح إلى آخره.
ولأنى كنت أصغر من أن أعى كل ما يقال، ولا حتى ربعه، فكنت أعتصم بالإنصات والمتابعة والتأمل، ولما دارت الأيام وانحشرت فى طور الصبا مع الصبيان، زاد ولعى بالقراءة، وعرفت الطريق إلى الكتب، بعد أن صادقت زمناً الصحف والمجلات.
هكذا إذن اصطحبنى شقيقى الأكبر إبراهيم إلى معرض القاهرة الدولى للكتاب للمرة الأولى. كان المعرض يقام آنذاك فى أرض الجزيرة (دار الأوبرا حاليًا)، حيث افتتح المعرض وزير الثقافة ساعتها الروائى الشهير يوسف السباعى.
فى ذلك الوقت كنت مفتوناً بروايته (آثار فى الرمال) التى تحولت إلى فيلم عام 1954 أخرجه جمال مدكور ولعب أدوار البطولة كل من فاتن حمامة وعماد حمدى وزهرة العلا.
المهم، فى يوم افتتاح المعرض فى 1977، قادنى تجوالى فى أروقته إلى جناح دار المعارف، لأفاجأ بالجزء الأول من مذكرات يوسف وهبى التى وضع لها عنواناً مثيراً هو (عشت ألف عام).
على الفور تناولت الكتاب من فوق الرف وشرعت فى قراءته بنهم. ذلك أن الوالد من عشاق يوسف وهبى، وكم شاهده على المسرح وفى دور السينما فى ثلاثينيات القرن الماضى وأربعينياته، وكم حكى لى عن أمجاد الرجل المسرحية ودوره الرائد فى فنون التمثيل، فعشقته كما عشقه أبى من قبل.
المهم، وأنا منهمك فى القراءة أقبل الوزير يوسف السباعى ليتفقد أجنحة المعرض وحوله كوكبة من مرافقيه. كان طويلاً بهياً مشرقاً ذا وجه أبيض تكسوه حمرة أجنبية، أما عيناه فخضراوان تشعان بوميض أخاذ، كأنه هبط أرض مصر من عالم آخر.
يمشى بخطوات منضبطة وحوله حاشيته مثل ملك. وفجأة تعثر معالى الوزير فى السجادة وكاد ينكفئ على وجهه، لولا أن سارع مرافقوه ولحقوا به قبل أن يرتطم رأسه بالأرض.
على الفور اعتدل الرجل واسترد هيبته وضبط هندامه، ثم واصل سيره بالجدية نفسها حتى اقترب منى وسألنى ماذا تقرأ؟ فأريته الكتاب دون أن أهمس فالحياء يمزق منى الحواس، فأنا أعرفه جيدًا، وكم رسمت ملامحه الفريدة التى أسرنى تناسقها الجميل.
ابتسم الرجل وربت كتفى أنا الصبى النحيف وقال لى بنبرة أبوية: (برافو عليك).
ثم واصل جولته وهو أكثر حرصًا حتى لا يتعثر مرة أخرى، بينما عدت إلى يوسف وهبى ومغامراته المذهلة!
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ناصر عراق المعرض معرض القاهرة الدولي
إقرأ أيضاً:
أكاذيب الهلالي على الحجاب
سعد الدين الهلالي شخصية تركت الفقه والعلم وراء ظهرها، واستقبلت كل ما يرضي السلطة، وما يرضي ما هو دائر في فلك السلطة، من حيث الشهرة، والجهات التي تفرح بطرح كل ما هو شاذ، وكل ما هو صادم للمسلمين فيما يلتزمون به من واجبات وفرائض، وما أكثر ما طرح في هذا المضمار.
لكن الصادم الحقيقي هو ما صدر عنه مؤخرا؛ في كلامه عن حجاب المرأة المسلمة، ففي لقاء على قناة العربية، قال كلاما هو أدخل في باب الكذب عن العلم، وزاد من جرأته في ذلك، أنه قدمه بالحلف بالله، فقال للمذيع: تصدق وتؤمن بالله، لم يذكر الحجاب في كتب الفقه إلا في شروط صحة الصلاة، ثم أكد ما يدل على أنه استقرأ المواضع في ذلك، فقال: لي مائة كتاب، وثمانمائة أو تسعمائة بحث، وأعمل في الفقه سنوات عمري، أي: أن الرجل مر على كل أبواب الفقه، في جميع المذاهب الإسلامية، فلم يجد فيها ذكرا للحجاب، إلا في شروط صحة الصلاة، أي: أنه مفروض فقط في الصلاة، أما خارجها، فليس مفروضا، ولا هو قضية مطروحة.
وهو كلام يمكن لأي طالب علم أزهري، ليس مختصا بدراسة الفقه كالهلالي نفسه، أن يرده عليه، بمجرد أن يخلو بنفسه، ويقدح زناد فكره، في أقل من خمس دقائق، سيخرج بمواضع كثيرة جدا، ذكر فيها الفقهاء حجاب المرأة، أو عورة المرأة، وعورة الرجل كذلك، فالفقهاء لا يذكرون كلمة حجاب أو نقاب، بل يتم التعامل مع هذا الحكم باسم العورة، فنجد حديثهم يتناول عورة الرجل مع الرجل، وعورة المرأة مع المرأة، وعورة الرجل مع المرأة، وعورة الرجل والمرأة المحارم، كل هذه مواضع تذكر في كتب الفقه في مواضع شتى، سنذكر بعضا منها دون كثير بحث، لنثبت بذلك أن الهلالي وأمثاله يفترون الكذب صراحة، في هذه المسألة.
لم يكن لنهتم بكلام الهلالي، لولا أن الموضوع يتعلق بواجب وفريضة دينية، وهي حجاب المرأة المسلمة، وأن ما ذكره سيستدل به آخرون في سياقات أخرى، فأردنا نسف ذلك الزعم، بأدوات الزاعم، لكنها بالحق، وليس بالتضليل الذي مارسه الهلالي، وهو واجب شرعي يقوم به أهل الاختصاص، حتى لا تنطلي حيل المدعين على شرع الله. أما ما طرحه الهلالي من أمر العورة وسترها، في شروط صحة الصلاة، فلن نتعرض له حيث إنه مقر به، لكن الموضوع يذكر أيضا في باب الحج، في ذكر إحرام الرجل وإحرام المرأة، وماذا لو بدا من أحدهما شيء من العورة، وكيف تحرم المرأة، وهل يجوز لها تغطية الوجه، حيث إن الوجه موضع خلاف بين الفقهاء هل يعد عورة أم لا؟
وإذا تركت الصلاة والحج، وانتقلت إلى الأحكام المتعقلة بالمسلم بعد وفاته، فستجد اهتماما بالغا من الشريعة والفقه، بأحكام عورة المسلم، فهناك نقاشات بالغة الدقة والأهمية، فيما يتعلق بعورة الميت الحسية والمعنوية، فيشترط في الغاسل ألا يمس أو النظر لعورة الميت، سواء كان الغاسل ذكرا يغسل ذكرا، أو أنثى تغسل أنثى، وشرط أن يكون كاتما للسر حتى لا يفشي يما يبدو له من سوء أو حسن خاتمة الميت.
ثم يناقش الفقهاء في باب الأحوال الشخصية، من حيث الزواج والطلاق، أحكام النظر للعورة، وسترها عن الأجانب، فتجد حديث الفقهاء عما يستثنى للخاطب رؤيته، وتدقيقه النظر في الوجه، دون اشتهاء، وعند الطلاق، يناقش الفقهاء كذلك ما يجوز النظر إليه من العورات، لو كان الطلاق له سبب يتعلق بذلك، كعيوب البكارة، أو ما يتعلق بعيوب أخرى.
وأبواب أخرى كباب الزنا، واللباس والزينة، والحظر والإباحة، ودخول الحمامات العامة، والقضاء، والشهادة، كلها أبواب يناقش فيها الفقهاء ما يحل وما يحرم النظر إليه من العورات، وما يحل وما يحرم لبسه والتزين به للرجال والنساء، وموضع الزينة الحلال، وموضع الزينة الحرام، وكلها أبواب لا تخلو من ذكر عورة الرجل والمرأة، سواء مع المحارم، بل مع غير المسلمين.
فهل يجهل سعد الهلالي هذه المواضع؟ الواضح أنه لا يجهلها، ويمينه الذي أقسمه، هو يمين غموس، للأسف، إلا إذا اعتراه مرض الزهايمر، أو النسيان والذهول، لكن الرجل كان مبالغا في كلامه، فلا أدري أين نشر (800) أو (900) بحثا، ويبدو أنه بات يتبنى رؤية صهره الشيخ خالد الجندي، الذي زعم أنه قرأ (500000) كتاب، وهو ما اضطر الشيخ الحويني رحمه الله، أن يحسب ذلك، وأنه كان يقرأ في كل ساعة مجلدا من مئات الصفحات وهو مستحيل، ولا يستوعبه عمره.
لم يكن لنهتم بكلام الهلالي، لولا أن الموضوع يتعلق بواجب وفريضة دينية، وهي حجاب المرأة المسلمة، وأن ما ذكره سيستدل به آخرون في سياقات أخرى، فأردنا نسف ذلك الزعم، بأدوات الزاعم، لكنها بالحق، وليس بالتضليل الذي مارسه الهلالي، وهو واجب شرعي يقوم به أهل الاختصاص، حتى لا تنطلي حيل المدعين على شرع الله.
[email protected]