بوابة الوفد:
2025-01-22@13:03:10 GMT

رواية بليل «غزة»

تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT

هذه رواية كتبت تحت جنح الليل، والخوف يعتلى صاحبتها أن تسقط شهيدة القهر والألم قبل أن تكملها، فلا نوم يأتى رحيمًا بها، ولا جفونها المثقلة أبت أن تطاوعها لكى تغفل عن شاشة التلفاز الضخمة الموضوعة على حائط منزلها فى القاهرة، تبث كل لحظة على الهواء مباشرة تفاصيل أحدث محرقة جماعية فى عصرنا الحديث بالصوت والصورة، وذلك عبر مئات التقارير الإخبارية عن سقوط آلاف المدنيين الفلسطينيين العزل بين جرحى وقتلى، وهم يدافعون عن بيوتهم ومدارسهم ومستشفياتهم، التى سقطت فوق رؤوسهم بلا رحمة ولا هوادة، فى انتفاضة اندلعت فى قطاع غزة منذ الـ7 من شهر أكتوبر 2023، للرد على الهجوم الأعنف والأشرس من جانب المحتل الصهيونى الخسيس.

أما الرواية فعنوانها «حائط بلا مبكى» لزميلتى فى المهنة والأعلى فى المقام الكاتبة «فكرية أحمد»، التى استطاعت فى مائة يوم فقط زمن اندلاع الانتفاضة حتى الآن، أن تسدل ستائر نوافذها المفتوحة للعالم، وأن تعتكف لتبحث وتنقب فى مئات الوثائق التاريخية، فتكتب وتسجل فى هذه الرواية كل شيء عن التاريخ الفلسطينى المجيد، حتى لا تنسى الذاكرة الجماعية العربية خريطة فلسطين القديمة بمدنها وحدودها ونخلها وبساتينها، حتى عشرات السجون الإسرائيلية البغيضة والمظلمة كسجن نفحة وهاشرون تذكرها الروائية «فكرية أحمد» مرتبطة بقصص نزلائها الحزينة كقصة «فريحة» التى أخذوها وهى فى طريقها من منزلها بمدينة الرميلة التى تبعد مسافة 38 كيلو مترا شمال غرب مدينة القدس، وهى حامل، فى طريقها لشراء ما تحتاجه للبيت، بتهمة اختراق الحاجز الأمنى، ومحاولة دهس الجنود لقتلهم!

كما أنهت الكاتبة «فكرية أحمد» الرواية بإرفاق فصل كامل فى اعتقادى أنه الأول من نوعه، باستثناء رواية الكاتب «صنع الله إبراهيم» «بيروت بيروت» للصور لمعظم الأحداث وأعمال الإبادة التى ينفذها الاحتلال، مبررة الأمر أنه إذا كانت آلة الإعلام الصهيونية ستحذف الصور والأحداث من ماكينات البحث الإلكترونى، فستجدها الأجيال فى هذه الرواية وفى مثيلاتها من الروايات الوثائقية، خاصة أن سلطات الاحتلال عمدت إلى حذف معلومات هائلة حول تاريخ فلسطين وتاريخ الاحتلال اليهودى الصهيونى والمقاومة الفلسطينية، وذلك من المناهج الدراسية للطلاب فى المناطق الواقعة تحت الاحتلال، وهو تعمد لتشويه الهوية، وحتى تنشأ أجيال لا تعرف شيئًا عن حقيقة الاحتلال وحقيقة أن فلسطين عربية وأرض خالصة لأصحابها.

وهو ماجعل الإعلامى والسيناريست محمد الغيطى فى الندوة التى أقيمت بنقابة الصحفيين لمناقشة الرواية، يجد أن رواية حائط بلا مبكى للكاتبة فكرية أحمد عمل وثائقى خطير، وأكد بإنصاف أن فكرية أحمد آخر عنقود السلسال الذهبى فى التوثيق الأدبى، معتبرًا أنه إذا كان يوجد إنصاف أدبى على الساحة لتم وضع هذه الرواية ضمن مناهج التعليم للطلاب فى المدارس لأهميتها.

تحكى الروائية «فكرية أحمد» لكى لا تنسى الذهنية العربية فى روايتها «حائط بلا مبكى» من خلال الشيخ الضرير «أبوصهيب» إمام المسجد الأثرى «القرمى» الكائن فى الحى الإسلامى بمدينة «القدس» العتيقة عن الصبى «محمد عبدالغنى أبوطبيخ سباعنة» أول طفل فلسطينى فدائى، استشهد عام 1929، ولم يتجاوز عمره الخامسة عشرة عامًا.

تروى «فكرية أحمد» على لسان الشيخ «أبوصهيب» أن الطفل الفلسطينى «محمد عبدالغنى» جاء من بلدة قباطية بالجنوب الغربى لمدينة «جنين»، وحينما رأى رئيس النيابات العامة البريطانى اليهودى «نورمان بنتويش» يغادر مكتبه فى القدس، وهو الذى أطلق قوانين تعسفية ضد الفلسطينيين خلال ثورة البراق أطلق عليه ثلاث رصاصات، فى محاولة لاغتياله، إلا أن الرصاصات أصابت فخذه فقط، لتكون أول محاولة اغتيال سياسية موثقة لدى إسرائيل.

لا تتوقف الروائية «فكرية أحمد» عن الحكى، تلهث طوال صفحات الرواية لتقول للقارئ كل شيء عن فلسطينيين حقيقيين يتنفسون كل صباح هواء مشبعًا بالبارود ورائحة الدم، فى محاولة للتأكيد بكلمات تشبه الصراخ أن حيواتهم اليومية عبارة عن ملحمة من النضال والتضحية.

فى رواية «فكرية أحمد» ستبكى مع «فريحة» فى سجن نفحة الإسرائيلى، وستستعيد الذكريات مع «ديما» وزوجها البطل «إبراهيم الزينى»، وستتخذ موقفًا إنسانيًا يبرر الخوف والرغبة فى الخلاص من تأنيب الضمير مع «أحمد العسيلى» أخو «ديما» معلم اللغة العربية، وصاحب ديوان شعرى وحيد فى حب فلسطين، الذى هاجر إلى فرنسا فرارًا بأولاده من مصير الموت الذى ينتظرهم فى أرض الوطن.

ختامًا أدعو الجميع لقراءة هذا العمل البديع للروائية «فكرية أحمد» الذى يذكرنى بـ«ثلاثية غرناطة» و«الطنطورية»  للجميلة الراحلة «رضوى عاشور»، «دخل الخيل الأزهر» لجلال كشك، «عزازيل» «النبطى» للدكتور يوسف زيدان، «البشمورية» للروائية سلوى بكر، وغيرها من الأعمال التى كتبت من لحم ودم لتبقى للأجيال القادمة.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: غزة سقوط آلاف المدنيين الفلسطينيين العزل فکریة أحمد

إقرأ أيضاً:

«سوليفيجيا».. رواية عاطفية نفسية لبريهان أحمد بمعرض الكتاب 2025

صدرت حديثًا رواية «سوليفيجيا» للكاتبة الدكتورة بريهان أحمد عن دار ريشة للنشر والتوزيع، هذه الرواية الدرامية النفسية تستعرض تأثير الماضي على الحاضر من خلال حياة البطلة، إذ تشارك بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ56، المقرر انطلاقه 23 يناير الجاري، ويستمر حتى 5 فبراير المقبل. 

تدور الرواية في إطار زمني متداخل، مسلطة الضوء على التجربة العاطفية والنفسية لبطلتها بيسان، وسط اضطرابات الثورة المصرية عام 2011، كما تستعرض علاقاتها مع أصدقائها وأحبائها في جامعة عين شمس.

تقدم الرواية تصورًا عميقًا لحالة نفسية نادرة تُعرف باسم «سوليفيجيا»، التي تعني التعلق المرضي بالماضي والانفصال عن الواقع، ما يعكس أزمات الهوية والانكسارات العاطفية التي تعاني منها البطلة، إذ تتشابك الأحداث بين ذكريات حب بيسان الأول والثاني، وتجاربها في المسرح، ومخاوفها من الوحدة، وصولا إلى سعيها للعلاج النفسي بمساعدة الطبيبة مريم يعقوب.

وتستعرض الرواية مشاهد ثقافية وسياسية حية، إذ تتنقل الأحداث بين دار الأوبرا وبيت السناري، وتتناول أحداثا محورية مثل زلزال 1992 وغرق عبارة السلام، ما يُضفي بعدا تاريخيا وإنسانيا عميقا، مرورا بمشاهد ثقافية وسياسية حية.

بريهان أحمد، كاتبة وباحثة أكاديمية ومعلمة لغة عربية لغير الناطقين بها، وُلدت عام 1992 في حي حلمية الزيتون، تخرجت في كلية الآداب جامعة عين شمس عام 2013، حصلت على درجة الماجستير في الدراسات السردية عام 2019، عن رسالتها بعنوان «ثالوث المحرمات في الرواية العربية».

كما نالت درجة الدكتوراه عن رسالتها «العبودية والإبادة العرقية في الرواية العربية: دراسة ثقافية في نماذج مختارة»، وعملت في الصحافة ولديها العديد من المقالات والدراسات الأدبية المنشورة في المواقع والمجالات النقدية، تُعتبر مجموعتها القصصية «بقايا جيل التسعينيات 1992»، أول أعمالها الأدبية المطبوعة.

مقالات مشابهة

  • رسالة لمناوى وجبريل ما تسقط الفاشر سقطت برلين
  • دنيا سمير غانم عايشة الدور
  • شعوب العصافير الملونة «الأخيرة»
  • الباشا والثورة المنسية
  • مهلا مهلا.. ياوزير التعليم!
  • مسرحية الأرتيست
  • سيدة من غزة
  • درة: فيلم وين صرنا يعبر عن اللحظات الإنسانية ومعاناة الفلسطينيين
  • البكالوريا.. و"هموم" الثانوية
  • «سوليفيجيا».. رواية عاطفية نفسية لبريهان أحمد بمعرض الكتاب 2025