في جناح هيئة قصور الثقافة.. استعادة نوادر الكتب في "ذاكرة الكتابة"
تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT
يصدر عن سلاسل مشروع النشر بالهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة عمرو البسيوني، مجموعة كبيرة من الإصدارات بمناسبة معرض القاهرة الدولي للكتاب 2024، الذي يبدأ فعالياته في الرابع والعشرين من الشهر الحالي بمركز مصر للمعارض الدولية، حيث تقدم الهيئة مشاركة ثرية في إطار برامج وزارة الثقافة.
تقدم سلسلة "ذاكرة الكتابة" مجموعة متميزة من العناوين بهذه المناسبة، منها موسوعة "المستشرقون" في ثلاثة أجزاء، تأليف نجيب العقيقي، دراسة وتقديم الدكتور حسام عبد الظاهر، ويعد هذا الكتاب مرجعا مهما لكل مهتم بالاستشراق ومدارسه ومناهجه وأعلامه، وكذلك يميط اللثام عن الكثير من الأمور المتعلقة بهذه القضية شديدة الأهمية في الفكر العربي الحديث.
من عناوين السلسلة كتاب "ما بعد الأيام" تأليف الدكتور محمد حسن الزيات، دراسة وتقديم إيهاب الملاح. ويتميز هذا الكتاب عن غيره من الكتب التي تناولت تجربة عميد الأدب العربي، بأن كاتبه كان شديد القرب من العميد، إذ تلقى العلم على يديه، ثم تزوج ابنته فيما بعد، وكان شاهدا على حياة طه حسين وأهم مواقفه، وظل ملاصقا له حتى رحيله عام 1973.
وكتاب "خطى مشيناها" تأليف الناقد والمؤرخ الأدبي عباس خضر، ويرصد بيئة التعليم في الأزهر وفي دار العلوم وفي الجامعة المصرية، من خلال تتبع سيرة حياة كاتبه، ويقدم صورة للمجتمع المصري منذ ثلاثينيات القرن العشرين، وذلك في أسلوب أدبي رفيع.
كما تقدم كتاب "نماذج بشرية" للدكتور محمد مندور، وفيه يتناول مؤلفه مجموعة من النماذج الدرامية العالمية بالنقد والتحليل، ومتتبعا للتأثير والتأثر في الآداب العالمية.
وصدر كتاب "عثمان بن عفان بين الخلافة والملك" للدكتور محمد حسين هيكل، والذي اجتهد فيه لتقديم تحليل شامل لمرحلة تولي ثالث الخلفاء الراشدين مقاليد الأمور، كما يلقي الضوء على تكوين شخصية عثمان، ويحلل الأسباب المختلفة التي أدت لنهاية رحلته بتلك الطريقة الدرامية.
أما كتاب "نحو ثورة في الفكر الديني" للدكتور محمد النويهي، فهو كتاب يضم وجهة نظر جريئة في الفكر الديني والمجتمعي، ولقد صدر للمرة الأولى عقب يونيه 1967 كمحاولة من الدكتور النويهي لرصد أسباب ما جري والمساهمة في شرح وتحليل أهم معوقات تقدمنا.
ومن الإصدارات كتاب "تاريخ سينا" لنعوم شقير، دراسة وتقديم، الدكتور أحمد زكريا الشلق، وهذا الكتاب يعد موسوعة متكاملة عن تاريخ سيناء وجغرافيتها، كما قدم كذلك رؤية ايكولوجية لسكانها وثرواتها الطبيعية ومنظومة علاقاتها الاجتماعية في مطلع القرن العشرين.
ومن العناوين المميزة كتاب "قهاوي الأدب والفن في القاهرة" تأليف عبد المنعم شميس، وفيه يواصل الكاتب رصدة للحياة الاجتماعية في القاهرة، حيث أصدر من قبل عدة كتب تناول فيها التحولات المجتمعية التي طالت الحياة الاجتماعية والفكرية في المحروسة.
وفي هذا الكتاب يرصد عبد المنعم شميس أهم المقاهي التي كانت منتدى للمثقفين والسياسيين في مصر، منذ مطلع القرن العشرين، كما يرصد أهم الأحداث التي بدأ شرارتها من فوق مقاعد هذه المقاهي ومن بين جنباتها.
وعن السلسلة يجد زائر المعرض كتاب "علاقات مصر بتركيا في عهد الخديو إسماعيل" تأليف الدكتور أحمد عبد الرحيم مصطفى، والذي يقدم فيه تحليلا علميا رصينا فترة من أعقد فترات التاريخ المصري الحديث والمعاصر، والتي انتهت بالاحتلال الإنجليزي فيما بعد.
أما كتاب "كتب ومؤلفون" للدكتور طه حسين، تقديم الدكتور سامي سليمان، فيضم بين دفتيه مجموعة من المقدمات التي كتبها العميد لبعض الإصدارات، وهي مقدمات شديدة الأهمية وتكشف عن شغف طه حسين الدائم بالبحث عن الإبداع وإلقاء الضوء عليه.
ويؤرخ الدكتور عبد العزيز رفاعي في كتابه "فجر الحياة النيابية" لبداية الحياة النيابية في مصر ، ويستعرض بذور الفكر السياسي وبداية الوعي لدى قطاعات مختلفة من المصريين.
وتقدم السلسلة كتاب "أصل الأنواع" تأليف تشارلز داروين، ترجمة إسماعيل مظهر، وهو كتاب لا غنى لقارئ عام أو مثقف عنه، حيث يضم خلاصة رؤية داروين التطورية، والتي شغلت العالم منذ خروجها للنور في نهايات القرن التاسع عشر، والتي امتد أثرها ليطال مختلف مشارب العلوم والفكر.
سلسلة ذاكرة الكتابة، تعنى بنشر أبرز الأعمال الفكرية والنقدية والأدبية التي صدرت في مصر منذ بدايات القرن العشرين، تضم هيئة تحريرها، المؤرخ الدكتور أحمد زكريا الشلق رئيسا للتحرير، والكاتب عماد مطاوع مديرا للتحرير، ومحمود إسماعيل سكرتيرا.
يشار إلى هيئة قصور الثقافة، تقدم مجموعة كبيرة من أحدث إصدارات سلاسلها بجناحها بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته ال 55، (صالة1 – جناحB3) تتجاوز 120 عنوانا جديدا، تتناسب مع جميع الفئات العمرية، وبأسعار مخفضة للجمهور، ويقام المعرض هذا العام بمشاركة عدد كبير من دور النشر المصرية والعربية وتحل عليه النرويج ضيف شرف هذه الدورة، وتم اختيار عالم المصريات الشهير الدكتور سليم حسن، شخصية المعرض، والكاتب الكبير يعقوب الشاروني شخصية لمعرض الطفل.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: مشروع النشر بالهيئة العامة لقصور الثقافة عمرو البسيوني معرض القاهرة الدولي للكتاب وزارة الثقافة سلسلة ذاكرة الكتابة القرن العشرین هذا الکتاب
إقرأ أيضاً:
تأملات في الكتابة عن العبقرية
في إحدى زياراتي إلى شارع المتنبي، أهداني صديقٌ كتابًا مترجمًا عن ليوناردو دافينشي، من تأليف والتر إيزاكسون وترجمة محسن بني سعيد. فأثار فضولي: كيف يمكن لمؤلفٍ أن يعالج شخصية موسوعية بحجم دافينشي دون الوقوع في شرك الإعجاب المبالغ فيه؟
إنّ التصدي لكتابة سيرة رجلٍ تُجمع الألسن على عبقريّته مغامرة قد تجرّ إلى درك التمجيد. فالتاريخ حافل بسِيَرٍ تحوّلت فيها الشخصيات إلى رموزٍ معصومة، بعيدًا عن التناقضات الواقعية. ولعلّ كتاب جورجيو فازاري حياة الفنانين «1550» مثال على الهالة الأسطورية التي أُضفيت على عمالقة النهضة، ما يفسّر جزئيًّا الأسعار الخيالية لأعمالهم اليوم، كبيع لوحة سلفاتور مندي المنسوبة لليوناردو بقيمةٍ قاربت 450 مليون دولار.
يعتمد إيزاكسون في كتابه منهجًا يجمع بين التأريخ والتحليل، متتبعًا أعمال ليوناردو ومشاريعه، من رسومٍ ولوحاتٍ وصولًا إلى ابتكاراته الهندسية. يُضيف بذلك بُعدًا علميًّا يبني على أحدث الاكتشافات، مثل نسب والدته الحقيقي، واكتشاف لوحة مبكرة للقديس سباستيان في مزادٍ فرنسي عام 2016، إلى جانب تحليلٍ بالأشعة تحت الحمراء يكشف عن فروقٍ بين نسختي عذراء الصخور. ويؤكّد المؤلّف أيضًا أنّ حقبة النهضة كانت زمنًا للعمل الجماعي، حين تلاقحت المواهب في ورشٍ مشتركةٍ تحتضن العقول المتقدة، فلا تكون العبقرية حِكرًا على فردٍ بعينه.
وقد جاءت سيرته أشبه برصد متحمّس لكل مشروع تبنّاه ليوناردو، لا بوصفها تأريخًا لحياته فحسب، بل استقصاءً لرحلة إبداعه. وليس في ذلك مأخذ، بل يُحمد للكاتب أنه يضع بين يدي القارئ أحدث ما توصل إليه الباحثون المعاصرون، من إثبات نسب والدته الحقيقي، إلى الكشف عن لوحة مبكرة للقديس سباستيان عُثر عليها في دار مزادات فرنسية عام 2016، فضلًا عن تحليل الأشعة تحت الحمراء الذي كشف الفروق بين نسختي عذراء الصخور.
كذلك، لا يغفل الكاتب عن الإشارة إلى طبيعة الفن في عصر النهضة، مؤكدًا أنّ العبقرية الفردية لم تكن وحدها المحرك، بل كان العمل الفني ثمرة ورش جماعية، حيث تتلاقى العقول وتتضافر الجهود، ليولد الإبداع من روح الجماعة لا من فردية النبوغ وحدها.
ولعلّ أبرز إنجاز لإيزاكسون هو رسم صورة ليوناردو فنانًا مسكونًا بالكمال حدّ الوسواس؛ إذ ينوء تحت وطأة مشاريعه التي لا تُستكمَلُ إلا بشقّ النفس، كما في التمثال الفروسي الضخم للودوفيكو سفورزا في ميلانو، والجدارية العظمى لمعركة أنغياري في فلورنسا، وحتى مشروعه الطموح لتغيير مجرى نهر أرنو. ويخصّص الكاتب مساحةً واسعةً لتحليل تنظيرات ليوناردو حول فن الرسم، مقارنًا إياها بلوحاته الباقية. وتبرز جرأته في مخالفته بعض المختصين، كما في تفسير الإصبع البارزة في لوحة القدّيس يوحنا المعمدان في متحف اللوفر، إذ يصرّ على أنها ابتكارٌ متعمَّد. وحتى إن لم نقتنع ببعض هذه الاجتهادات، فإنّ الكتاب يبهرنا بالرسومات الملونة واللوحات المدمجة التي تُعين القارئ على تتبع أفكار المؤلّف خطوةً خطوة، ولا سيما عندما يشرح تقنية سفوماتو التي جعلت لوحات ليوناردو تنبضُ بالحياة.
لكن لهذا التركيز الشديد سلبياته؛ إذ يقع إيزاكسون في شرك الحماسة المفرطة لعبقرية ليوناردو، ويورد إشاداتٍ قد تُبخس حقَّ معاصريه وأسلافه. ففي حقبته الفلورنسية الأولى، على سبيل المثال، لا نجد تفصيلًا وافيًا لأثر جوتو وماساتشيو، اللذين أثّرَا في تطوُّر فن الرسم وشكّلا أرضيةً ألهمت ليوناردو نفسه. ولعل السبب هو قناعة الكاتب بفكرة «العبقرية الخالدة عبر التاريخ»، إذ يرى في ليوناردو مثالًا فذًّا لا يحتاج إلى إرثٍ سابق. إلا أنّ هذه النظرة قد تغفل التراكمات الحضارية والعلمية التي أسهمت في تطوّره.
وفي هذا السياق، يلمّح إيزاكسون إلى أنّ ليوناردو سبق غاليليو ونيوتن في منهج البحث القائم على الملاحظة والتجريب، لكنه يتجاهل الجذور التي أرساها ابن الهيثم وجان بوريدان وغيرهما ممن وضعوا الأسس الأولى لنظريات الحركة. وليس لأحدٍ أن ينكر سبق ليوناردو في كثيرٍ من الجوانب، غير أنّ إغفال عناصر التأثر لا يزيد الصورة إلا تشويهًا بدلًا من أن يضفي عليها وهجًا مستحقًا.
وفي القسم الأخير من الكتاب، يستشهد المؤلف بعبارة شهيرة من إعلانٍ لشركة أبل، كتبها ستيف جوبز: «الذين هم مجانين بما يكفي ليعتقدوا أنهم قادرون على تغيير العالم، هم الذين يفعلونه حقًّا». ثم يمضي في نثر نصائح تحفيزية، تُضفي على الكتاب طابعًا احتفائيًا بالعبقرية، ولو كان ذلك أحيانًا على حساب حقائق التاريخ وسياقه الأشمل.
وإن كانت هناك مآخذ على تركيز الكتاب على عبقرية ليوناردو الفردية وإغفال السياق الأوسع، فإنّه يظلّ علامةً بارزةً فيما كُتب عن هذه الشخصية في المكتبة المعاصرة.
ومن الطبيعي أن يركّز إيزاكسون على ما يراه الأجدر بالاهتمام في شخصيةٍ فذّةٍ يصعب الإحاطة بكل أبعادها في مجلدٍ واحد. ورغم أنّ الكتاب تجاوز 800 صفحة، فإنّ القارئ الحصيف سيجد نفسه مدفوعًا للبحث عن مصادر أوسع، تتيح له رؤية أشمل للفترة التاريخية التي تألّق فيها ليوناردو، وتكشف عن بيئته الثقافية والاقتصادية التي أثّرت في إبداعه.
لقد نجح والتر إيزاكسون في إماطة اللثام عن جانبٍ كبيرٍ من عبقرية ليوناردو، وإنْ كان قد اكتفى أحيانًا بمقاربةٍ تُعلي من شأن الفرد على حساب تراكمات التاريخ. وبفضل الترجمة، ينفتح أمام القارئ العربي أفقٌ معرفيٌّ ثريٌّ حول شخصيةٍ يصعبُ حصرها في مجالٍ واحد، ليكتشف، في تفاصيل السيرة، كيف كانت مخيلة ليوناردو الجامحة وراء اختراعاتٍ حلّقت بأفكار البشر إلى آفاقٍ جديدة. وإذا أيقظ هذا الكتاب في أنفسنا الرغبة في تعميق البحث واستكشاف جذور عصر النهضة وامتداداته، فقد حقّق غايته، إذ إنّ الكشف عن عبقرية فنانٍ بحجم ليوناردو ليس غايةً في حد ذاته، بل مدخلٌ للتأمّل في رحلة الإبداع الإنساني، وفي الكيفية التي يرسم بها التاريخ ملامح من يُعدّون مناراتٍ ساطعةً في مسيرة الحضارة البشرية.