معًا نتقدم.. ودور القطاع الخاص
تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT
◄ القطاع الخاص ما زال غير قادر على الإسهام في حل ملف التوظيف لغياب السياسات التحفيزية
◄ المؤشرات والأرقام تؤكد التحديات الكبيرة أمام القطاع الخاص
◄ فك شفرة القطاع الخاص يستوجب إجراء تغيير حقيقي في الفلسفة والأدوات والسياسات والنظر إلى رجال الأعمال على أنهم صُنّاع المستقبل
د. يوسف بن حمد البلوشي **
yousufh@omaninvestgateway.
com
تتقدم بلادنا بخطى واثقة للارتقاء إلى مصاف الدول المتقدمة، ويستوجب ذلك أن يتحرك الجميع معًا- حكومة ومجتمعاً وقطاعاً خاصاً- بشكل متلازم، لأن تأخر أيٍّ من الأطراف يعني تأخر الجميع.
ولا يخفى أن المؤشرات المحلية والأجنبية تقول إنَّ الحكومة تتقدم بوتيرة عالية وهناك تحسن في الأداء على مختلف الأصعدة، ولسنا هنا بصدد الحديث عن ذلك ولا عن قطب التنمية الثاني المتمثل في أفراد وأسر المجتمع العُماني، لأننا نخصص حديثنا هنا عن قطب التنمية الثالث؛ وهو: القطاع الخاص، والذي لا تستقيم معادلة التنمية بدونه؛ فهو يمثل صمام الاستدامة للإيرادات الحكومية وتوفير الوظائف للباحثين عن العمل بعيدا عن هزات أسعار النفط. ولا يخفى الاهتمام الكبير بالقطاع الخاص في جميع الأمم؛ لأنه أساس البناء والموكل إليه التعامل مع جميع التحديات، وهو الأقدر عليها أينما كانت مراحل نموها. وتتزايد أهمية القطاع الخاص في الدول التي تسعى إلى تحقيق نقلات نوعية في هيكلة اقتصادها نحو الإنتاج والتصنيع والتصدير وزيادة الاندماج في سلاسل التوريد العالمي؛ أي تسعى للتنويع بمعناه الواسع، وسلطنة عُمان من بينها؛ حيث سطّرت الخطة التنموية طويلة الأجل والمتمثلة في رؤية "عُمان 2040"، التوجّهات الرئيسية القادرة على إحداث النقلات النوعية في الاقتصاد الوطني، ومن أهمها الاندماج والتعاون الدولي من خلال قطاع خاص ممكن وتنافسي، وكذلك لا يخلو حديث لقائد البلاد المفدّى- حفظه الله- من التأكيد على الدور المحوري للقطاع الخاص.
وفي محاولة لسبر أغوار القطاع الخاص والتعرف على بعض المؤشرات والتي تستوجب منِّا قراءة متأنية وتحليلًا عميقًا، أملًا في الوصول إلى السياسات العامة المطلوبة لاستعادة زخم نموه؛ كونه العامل الأهم في تعظيم الاستفادة من الموارد الطبيعية والبشرية والمكانة المرموقة للسلطنة، فإنَّنا- في سبيل ذلك- سنتجنب آراء وقناعات عموم رجال الأعمال وأفراد المجتمع ومتخذي القرار، على أن نرتكن إلى بعض الإحصاءات- وإن كانت شحيحة- في محاولة لاستنطاقها، علّها تُعين على تشخيص أوضاعه.
أولًا: أبدأً بالقضية الوطنية الأهم للأمان الاقتصادي والاجتماعي؛ وهي قدرة القطاع الخاص على توليد الوظائف، من خلال دخول الأعداد المتزايدة من أبناء عُمان والتي تقدر بـ60 ألفًا إلى سوق العمل سنويًا في مهن مناسبة، وعلى الرغم من أن مجتمعًا تعداده في نهاية ديسمبر 2023 لا يزيد عن 5.16 مليون نسمة منهم 56.7% عُمانيين (أي 2.9 مليون نسمة)، ولو استثنينا منهم صغار وكبار السن وربات المنازل، نجد أن النسبة المتبقية ليست كبيرة، إلّا أنها لا تزال تمثل مُعضلة يصعب التعامل معها، منذ عقود، والسبب الرئيس- من وجهة نظري- هو كيفية التعاطي مع القطاع الخاص وتحفيزه بالسياسات المناسبة.
فعلى الرغم من أنَّ شركات القطاع الخاص هي المشغل الأكبر للمواطنين، إلّا أننا نلاحظ أن المؤشرات الإحصائية تشير إلى تراجع قدراته في استحداث فرص العمل للعاملين العُمانيين في القطاع الخاص. وتشير المؤشرات إلى أننا قد خسرنا، خلال الشهور الإحدى عشرة المنقضية من هذا العام، ما يزيد عن 11 ألف وظيفة للعُمانيين في القطاع الخاص المؤمن عليهم أو ما نسبته 4.0% مقارنة بالعام 2022، في وقت نحن أكثر ما نحتاج إليه، توليد الوظائف؛ الأمر الذي يمثل مؤشرًا خطيرًا يحب التوقف عنده.
ثانيًا: تحمل الجريدة الرسمية التي تنشرها وزارة الشؤون القانونية مؤشرات مهمة في هذا الشأن؛ حيث تنقل بين صفحاتها نشر إعلانات بدء أعمال التصفية لشركات القطاع الخاص، والتي أوضحت أن عدد الشركات التي تم تصفيتها خلال العامين الماضيين 2022 و2023 يتجاوز 7 آلاف شركة، وهذا رقم كبير لاقتصاد يحاول النهوض وتشجيع الشركات المحلية واجتذاب الشركات الأجنبية.
ثالثًا: في إحصائية مُماثلة نُشرت في "تقرير المجتمع" الصادر عن جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، يشير التقرير إلى "انسحاب 1225 مشروعًا بمساحات بلغت 12 مليون متر مربع بعضها كانت في مراحل الإنتاج"، ولا يخفى عدد الشركات التي تُعاني من تعثر وضوائق مالية أجبرتها على البدء في تسريح موظفيها ونقل أعمالها إلى دول مجاورة.
رابعًا: وهو مؤشر في غاية الأهمية لرفد الميزانية العامة بالإيرادات أسوة بالدول المتقدمة التي نسعى إلى الوصول إليها، وهو إيرادات ضريبة دخل الشركات؛ حيث تشير التقديرات إلى أن في حدود 3% فقط من إجمالي الشركات تدفع ضريبة، بينما 97% من الشركات لا تدفع ضرائب، وأن عدد الشركات التي تدفع ضريبة في تناقصٍ، والضريبة المُحصّلة من هذا البند لا تحمل أهمية نسبية كبيرة في إجمالي الإيرادات العامة؛ وهي في تناقص.
ولضيق المساحة، لن أُسهِب في استعراض مؤشرات مدى إقبال المستثمرين والشركات المحلية على توسعة أعمالهم في السلطنة، ناهيك عن تواضع حصاد السلطنة من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
لذا نقول إن هناك العديد من الأسباب لتباطؤ وتيرة نمو القطاع الخاص، نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر: أن التحسُّن في أوضاع المالية العامة ومؤشرات الاقتصاد الكلي المدفوع بارتفاع أسعار النفط، لم ينعكس على تحسُّن مؤشرات القطاع الخاص، وهذه مُعضلة تتكرر مع كل موجة صعود وهبوط لأسعار النفط في مراحل النهضة في عقودها الخمسة المنصرمة.
تستوجب الحلول المتاحة لفك شفرة القطاع الخاص، مراعاة العديد من التطورات والتغيرات المتسارعة محليًا ودوليًا، وإجراء تغيير حقيقي للفلسفة والأدوات والسياسات للتعامل معه والنظر إلى رجال الأعمال على أنهم صُنّاع المستقبل.
ولا يخفى أن هناك تحديات واضحة في عناصر الإنتاج التي تمثل أبجديات بيئة الأعمال، بدءًا من رأس المال ونُدرته، وارتفاع تكلفته وصعوبة اشتراطاته، وسوق العمل، وتدني الإنتاجية، والقدرة على الابتكار في القطاع الخاص، إضافة إلى ضعف معدلات الادخار والاستثمار وشكلية الشراكة بين القطاعين العام والخاص دون آلية رسمية للحوار بين القطاعين، لمعالجة التحديات واستغلال الفرص، وكذلك أهمية وجود الإدارة الاقتصادية القادرة على ضبط التنسيق بين الجميع؛ بما فيها الحكومة، والقطاع العام، والقطاع الخاص، ومجلس الشورى، والجمعيات المهنية، ومؤسسات المجتمع المدني، على تحديد دور ومهام كل طرف بوضوح في المرحلة المقبلة.
ومن جانب آخر، ما لا يمكن حصره لا يمكن قياسه وإدارته، ولا بُد من الارتقاء بمنظومة الإحصاءات الشحيحة الخاصة بالقطاع الخاص، والفصل بينه وبين شركات القطاع العام؛ لتحديد مساهمته الحقيقية في الناتج المحلي والتكوين الرأسمالي والصادرات وتوليد الفرص، وذلك من أجل إيجاد قواعد بيانات قابلة للتحليل والتشبيك والربط لإيجاد الفرص المتاحة لشركات القطاع الخاص. كما إنه من المهم إيجاد توليفة للشراكة بين أقطاب التنمية، القطاع الخاص والحكومة ومصالح الأفراد ومؤسسات المجتمع.
وختامًا نقول.. إن سلطنة عُمان تمرُّ بمرحلة تحوُّلات اقتصادية مُهمة، فبعد النجاح في التعامل مع قضايا اقتصادية مُركّبة كتلك المرتبطة بالوضع المالي وارتفاع الدين العام وانخفاض التصنيف الائتماني وغيرها، لا بُد من تغيير آليات التعامل مع القطاع الخاص، وضرورة فهم المعطيات المحلية والإقليمية، وإجراء تغيير جوهري في الأدوار بين الحكومة وشركات القطاع الخاص؛ بما يتوافق مع المرحلة وحاجات التنمية، بحيث تُركِّز الحكومة على تمهيد الأرضية وتجهيز الأُطر والممكنات المناسبة للقطاع الخاص لينهض ويقوم هو الآخر بدوره في رفد الميزانية وخلق فرص العمل واستجلاب العملة الأجنبية.
ولتحقيق هذا التحول لا بُد من تبني مبادرات استراتيجية غير الممارسات التقليدية السائدة؛ إذ إن هناك غياب واضح لدور القطاع الخاص ورجال الأعمال، ولذا لا بُد من شحذ هممهم وتحفيزهم وتمكينهم ومساعدتهم على النجاح، لأنَّ هناك أدوارًا للاستثمار والإنتاج والتصنيع والتصدير والزراعة والصيد والسياحة واللوجستيات، وهي أدوار أصيلة للقطاع الخاص، ويجب على الحكومة أن لا تُقحم نفسها فيها؛ فالقطاع العام وُجِدَ لخدمة شركات القطاع الخاص كي تتمكن من تحريك عجلات الاقتصاد، وكذلك خدمة المواطنين، ليعيشوا سعداء في مستوى معيشي مناسب، أمّا غير ذلك فليس سوى تكرار لأخطاء تقليدية.
وأخيرًا.. نقول إنَّنا نحتاج لشغف وإرادة الجميع لتحقيق التنمية المنشودة، ونؤكد أنَّ البناء على حضارة الأقدمين يستوجب عطاءً مختلفًا من الحاضرين، لفك شفرة التنمية، كما إنه يتطلب- وبقوة- شغف الشباب القادمين.
والوطن من وراء القصد.
** البوابة الذكية للاستثمار والدراسات
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
العور لـ «الخليج»: 22 ألف شركة في القطاع الخاص توظف أكثر من 116 ألف مواطن
حوار: رائد برقاوي
أكد الدكتور عبد الرحمن بن عبد المنان العور، وزير الموارد البشرية والتوطين - وزير التعليم العالي والبحث العلمي بالإنابة، أن سياسات التوطين حتى الآن حققت نتائج تاريخية استثنائية غير مسبوقة، حيث وصل عدد المواطنين في القطاع الخاص إلى أكثر من 116 ألف مواطن يعملون في 22 ألف شركة، تشمل مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية، مؤكداً العمل على تقليص فجوة الوظائف عبر تقديم امتيازات إضافية للمواطنين، وتعزيز جاذبية تلك الوظائف عبر العديد من المبادرات والشراكات.
وقال الوزير في حوار مع «الخليج»،: «اليوم، يبلغ عدد الملتحقين بالقطاع الخاص من المواطنين الإماراتيين أكثر من 116 ألف مواطن، وهو إنجاز تاريخي غير مسبوق، ونموذج ناجح ينبغي التعلم منه. ويتوجب علينا الاستثمار في قطاعات وأنشطة اقتصادية واعدة، كالصحة والتكنولوجيا والتعليم وغيرها من المجالات الأخرى، من أجل تحقيق إنتاجية عالية جداً بالنسبة للموظف، حيث إن الإنتاجية والتكنولوجيا مرتبطتان بشكل وثيق جداً. ولدينا من الكفاءات الوطنية الكثير من الأمثلة التي ترفد سوق العمل في القطاع الخاص».
وخلص الوزير إلى أن برنامج «نافس» استراتيجي ومهمته تعزيز تنافسية الموطنين ودورهم للالتحاق بسوق العمل والقطاع الخاص، ولا بد من استكمال المنظومة المتكاملة من خلال إيجاد شراكة حقيقية بين المدرسة والجامعة ونظامنا التعليمي من جهة، وبين سوق العمل وشركات القطاع الخاص لتبني الطلاب المواطنين من على مقاعد الدراسة. وتالياً نص الحوار:
نجاحات ملموسة
بصفتك وزيراً للموارد البشرية والتوطين.. موضوع نافس حقق نجاحات ملموسة، لكن المشكلة الحقيقية التي تواجه القطاع الخاص أن المقبلين على العمل فيه يريدون أن يفصلوا طريقة العمل وساعاته حسب أقرانهم في الحكومة، ما يحدث هو نوع من عدم الانسجام بين جهة العمل والباحث عن عمل؟
التوطين في القطاع الخاص لا ينحصر بمجرد عملية توظيف بمعنى تأمين فرص عمل للمواطنين، إنما هو مساهمة فعلية ومشاركة فعالة للمواطنين في الاقتصاد الوطني عبر نوعيات الوظائف المستهدفة والتي ترتبط بالاستراتيجيات والأولويات الاقتصادية للدولة وخططها الاقتصادية الطموحة التي أساسها وعمادها الرئيسي الكادر المواطن القادر على قيادة المرحلة المقبلة وتعزيز التنمية المستدامة في الدولة.
وقد حققت سياسات التوطين إلى الآن نتائج تاريخية استثنائية غير مسبوقة، حيث وصل عدد المواطنين في القطاع الخاص إلى أكثر من 116 ألف مواطن يعملون في 22 ألف شركة، تشمل مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية، وهو الأمر الذي سيتعزز مع انتهاء مهلة مستهدفات التوطين مع نهاية العام الجاري، سواء للشركات التي يعمل لديها 50 موظفاً فأكثر من خلال تحقيق نمو سنوي بنسبة 2% في توطين وظائفها المهارية أو لدى الشركات المحددة المشمولة بتوسيع مستهدفات التوطين، والتي لديها من 21 – 49 عاملاً، وتحقيق التزاماتها بتوظيف مواطن واحد على الأقل حتى نهاية العام، والتي يبلغ عددها نحو 12 ألف منشأة مختارة ومحددة تعمل في 14 نشاطاً اقتصادياً مستهدفاً.
كل تلك المؤشرات وأعداد المواطنين العاملين في القطاع الخاص، والمواطنين المقبلين على العمل، فضلاً عمّا تشهده الأيام المفتوحة للتوظيف التي تنظمها الوزارة من إقبال من قبل المواطنين، تؤكد وعي المواطنين بأهمية وجودهم في القطاع الخاص، والفرص المستقبلية المتاحة لهم، وتغير نظرتهم إلى العمل في هذا القطاع الحيوي والمهم.
مقترحات جديدة
هل لديكم أي مقترحات جديدة لزيادة جاذبية المواطنين للعمل في القطاع الخاص؟
هنا لا ننكر واقع زيادة جاذبية وظائف القطاع الحكومي للمواطنين إلا أننا عملنا على تقليص فجوة الوظائف عبر تقديم امتيازات إضافية للمواطنين العاملين في القطاع الخاص وتعزيز جاذبية وظائف القطاع الخاص عبر العديد من المبادرات والشراكات، والتي في أولويتها الامتيازات التي يقدمها برنامج نافس من دعم لأجور المواطنين العاملين في القطاع الخاص، والتعويضات الخاصة بأفراد الأسرة، وفقاً لمستوى دخل المواطن، والمساهمة في تسجيل المواطنين ضمن أنظمة التأمينات والمعاشات، فضلاً عن منح المواطنين العاملين بالقطاع الخاص الأولوية في الإسكان، عبر إضافة نقاط تفضيلية لهم، وكذلك بالنسبة للأولوية في وظائف القطاع الاتحادي بعد مرور ثلاث سنوات على التزام المواطنين بالعمل في القطاع الخاص.
وأشير هنا إلى أن قانون العمل الموحد في الدولة قلص إلى حد كبير فروق العمل بين القطاع الحكومي والخاص من خلال توحيد الإجازات الرسمية وساعات العمل، وغير ذلك من الامتيازات.
وأوضح هنا أنه يتم التركيز على طبيعة وظائف القطاع الخاص المحددة للمواطنين، بوصفها الأساس في تعزيز جاذبية وظائف القطاع الخاص، من خلال التركيز على الوظائف المهارية، التي تحقق شروط الارتقاء الوظيفي، وإثبات الذات، ناهيك عن واقع تنظيم سوق العمل والشروط والضوابط التي تحكم ساعات العمل والإجازات في القطاع الخاص، وبيئة العمل، ومستويات الصحة والسلامة وغيرها، والتي تحقق نسب التزام رائدة، وتحظى بالأولوية لدى قطاع التفتيش في الوزارة، ما عزز من جاذبية وظائف القطاع الخاص للمواطنين.
السياسات الحكومية
هل من سياسات حكومية جديدة لتحسين إنتاجية الموظفين سواء بالحوافز أو توظيف التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي؟
أن السياسات الحكومية في المستقبل، ستكون أكثر ارتباطاً بمدى إنتاجية الموظف مع الحوافز المقدمة له من قبل المؤسسة أو الشركة أو الوزارة أو الجهة الحكومية، ودخول مثل هذه المنظومة مستقبلاً في النظام التعليمي والجامعي، يساعد بشكل كبير على الوصول إلى مستهدفات جذب 1.3 تريليون درهم من الاستثمارات الأجنبية المباشرة. العالم من حولنا يتغير سريعاً، والوظائف تتبدل وتستحدث وتتغير، وأصبحت تكنولوجية ورقمية وسريعة. ونحن في الوزارة نتبنى أحدث التقنيات والذكاء الاصطناعي لتسهيل سرعة إنجاز المعاملات والخدمات، والتخفيف من حجم الضغط الكبير الذي يواجهه موظفو الوزارة. كما أن تبنينا لهذه التقنيات ساهم في قيامنا بإعادة توزيع مواردنا البشرية في المهام التي تتطلب رقابة بشرية، وبالتالي رفع كفاءة موظفينا الإنتاجية، حيث مع كل مليون معاملة يتم تنفيذها باستخدام التقنيات الحديثة والأتمتة والذكاء الاصطناعي، يتم إعادة توجيه 15 موظفاً من موظفينا لأداء مهام تتطلب إشرافاً بشرياً. مع العلم، أن الوزارة تتعامل مع 100 ألف معاملة يومياً.
برنامج وطني
يكثر الحديث عن «نافس» وأنه قد يصار إلى تطويره بشكل يحول كل ما يوفره من مزايا للمواطنين على القطاع الخاص نفسه.. هل هذا صحيح؟
في هذا الجانب لا بد من التعريف بأن برنامج «نافس» الذي تم إطلاقه في عام 2021، هو برنامج وطني يهدف إلى رفع الكفاءة التنافسية للكوادر الإماراتية، وتمكينها من شغل وظائف مختلفة في القطاع الخاص في الدولة، ويندرج تحت مظلّة ومبادرات مشاريع الخمسين التي تهدف بشكلٍ أساسيّ إلى تحقيق نقلة نوعية في المسار التنموي في الدولة، وقد تمكن البرنامج من تحقيق نقلة نوعية في أعداد المواطنين العاملين بالقطاع الخاص، حيث بلغ عدد المواطنين المعينين في القطاع الخاص 81 ألف مواطن بعد إطلاق برنامج نافس من إجمالي 116 ألف مواطن يعملون في شركات القطاع الخاص.
ولذلك فإن ملف التوطين في القطاع الخاص يمضي بثبات وفق خطة ومسيرة واضحة، تستهدف إزالة العقبات أمام توظيف المواطنين وتقديم الدعم للشركات الملتزمة، والدفع بعجلة التوطين إلى الأمام، ومنح فرصة للشركات للتعرف إلى واقع تنافسية المواطنين ومستوى كفاءتهم، وإزالة ما يسمى بحواجز الخبرة، عبر دعم الشركات بالعديد من الميزات، وتعزيز تنافسية وظائف القطاع الخاص بدعم أجور المواطنين، في مرحلة الحصول على الخبرة.
وما أود الإشارة إليه هو إن المواطنين العاملين في القطاع الخاص يحصلون على الدعم الحكومي، غير أنه بمثابة دعم وتسهيل على الشركات، وهي ليست امتيازات خاصة إضافية للمواطنين، إنما تصحيح لأوضاعهم، وجميعها تعد من واجبات الشركات تجاه موظفيها.
زيادة القدرة التنافسية
هناك فرق بين إلزام القطاع الخاص بتوظيف المواطنين وبين استقطابهم من قبله، هل من سياسات حكومية لتمكين هذا القطاع ليصبح جاذباً للعمل بدل إلزامه بالتعيين؟
كما ذكرت سابقاً، عملية التوطين ليست عبارة عن عملية توظيف وتوزيع للمواطنين في سوق العمل، إنما عملية تمكين متكاملة، فأهم أهداف برنامج نافس هو الارتقاء بمنظومة التنمية البشرية الإماراتية، وإعداد رأس مال بشري إماراتي منتج ومستدام في القطاع الخاص، لتحقيق أهداف المشاركة الاقتصادية الفاعلة للمواطنين الإماراتيين، بما يدعم اقتصاد الدولة، وبناء شراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، وتمكين القطاع الخاص، بحيث يكون محركاً رئيسياً في المسيرة التنموية للإمارات، إضافة إلى زيادة القدرة التنافسية للقوى العاملة الإماراتية، وإرساء الأسس لتمكين المواطنين من شغل الوظائف في القطاع الخاص خلال مدة خمس سنوات كمرحلة أولى من تاريخ إطلاقه، من خلال تقديم التوجيه والتدريب المهني وخدمات الإرشاد والمشورة للمشاركين في البرنامج، في سبيل تعزيز عملية استقطاب العمالة للقطاع الخاص.
ومن الطبيعي أن تصبح علاقة العمل طبيعية بين المواطن وشركات القطاع الخاص، وأن تتحمل شركات القطاع الخاص التزاماتها تجاه المواطنين أسوة ببقية العاملين، خصوصاً أنهم يقدمون قيمة مضافة للشركات، التي تمكنت من اختبارهم، والتأكد من اندماجهم في بيئة عمل خلال مدة الدعم، حيث من الممكن انتقال المواطن إلى شركات أخرى تقدم مزايا أفضل أو غيره بعد حصوله على الخبرة والتطور الوظيفي بناء على تنافسيته وخبرته العملية من دون اللجوء إلى «نافس» ليستمر نافس في دعم الموظفين الجدد.
تجنب الغرامات
أغلب مؤسسات القطاع الخاص جادة في تعيين المواطنين لتجنب الغرامات.. لكن أحياناً لا تجد مواطنين يرضون بطريقة عملها.. كيف يمكن حل هذه الإشكالية؟
اعتمدت وزارة الموارد البشرية والتوطين منهجية الشراكة في علاقتها مع القطاع الخاص، خصوصاً في عملية التوطين، وخلال مرحلة إطلاق مستهدفات التوطين السنوية، وعملت على تنظيم العديد من اللقاءات وورش العمل لشركات القطاع الخاص لإطلاعها على المنافع والمزايا طويلة الأمد التي تعود عليها جراء توظيف الكادر المواطن، وأصحاب التخصصات من المواطنين الخريجين من أرفع الجامعات والكليات صاحبة السمعة الرائدة عالمياً.
وأؤكد إنه لم يكن لواقع ملف التوطين أن يحقق هذا النجاح المبهر، لولا قناعة الشركات بواقع كفاءة المواطنين وتنافسيتهم في سوق العمل.
وبالنسبة لواقع وطبيعة أعمال الشركات، فقد تم اختيار الوظائف بناء على دراسات واقعية وبيانات حقيقية عن طبيعة تخصصات المواطنين، بالتوازي مع القطاعات الاقتصادية المستهدفة ذات الأولوية الاقتصادية للدولة في المرحلة المقبلة، والتي تعزز الابتكار والتنافسية، وتدعم مسيرة الدولة للانتقال للاقتصاد المعرفي، وأن تكون ضمن أكثر ثلاث دول نمواً اقتصادياً في العالم.
قلصنا مدد إنجاز خدمات من أيام إلى دقائق
رداً على سؤال عن تأخر إنجاز المعاملات في وزارة الموارد البشرية، وهل هو حقيقي أم مصطنع من قبل المكاتب الوسيطة، بهدف شرعنة وجودها رغم التطور التقني، قال الوزير الدكتور عبد الرحمن بن عبد المنان العور، إن وزارة الموارد البشرية والتوطين تتبنى استراتيجية التحول الرقمي في الخدمات، وعززت الذكاء الاصطناعي في خدماتها، كما يتم العمل حالياً على تقليص مدة إنجاز المعاملات والتكامل بين الجهات لتقليص المتطلبات، ضمن برنامج تصفير البيروقراطية الحكومية، والذي نجح في تحويل العديد من الخدمات التي كانت تحتاج إلى أيام إلى آنية يتم اعتمادها خلال دقائق، وقلص مدد إنجاز العديد من الخدمات الأخرى إلى يوم واحد أو أيام بمستويات لا تقل عن 80%، كما وصلت نسب تقليص متطلبات بعض الخدمات إلى 100%، إضافة لإطلاق جميع الخدمات بصيغتها الذكية، وبالتالي يتم تقديمها في أي مكان وعلى مدار اليوم. وبحسب الوزير فيمكن للمتعاملين الاطلاع على مدة الإنجاز المتوقعة لأي خدمة، والتواصل مع الوزارة وتسجيل الاقتراحات والملاحظات التي تتم دراستها بعناية، وأؤكد هنا أن تطلعات وآراء المتعاملين كانت أساساً لأولوية تحويل الخدمات وتعديلها.
وقال: «أعتقد أن غالبية عوامل التأخير تعود إلى عدم وضوح البيانات المقدّمة، أو نقصها وهي الحالات الوحيدة التي يمكن أن تعود فيها المعاملة للاستكمال، ويمكن للمتعاملين تقديم معاملاتهم والاطلاع على وضعها وسيرها عبر منصات الوزارة. ولذلك فيمكن أن يبرر عدد من العاملين في المراكز أخطاءهم في البيانات أمام المتعاملين بتأخر المعاملة في الوزارة، وقد أعلنت الوزارة مراراً عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي جهودها لتسهيل وتسريع المعاملات، وخصوصاً عبر باقات الخدمات التي تشمل غالبية معاملات الشركات والعمال والعمالة المساعدة، ويتم تقديمها بسرعة وكفاءة عالية، وتحقق مستوى الريادة في المعاملات الحكومية، والتجربة السعيدة لزيارات العملاء ورحلاتهم مع خدمات الوزارة». وفي ما يتعلق بمراكز الخدمة، أوضح الوزير إنها تعمل تحت رقابة الوزارة ووفق معايير وضوابط محددة وسبق للوزارة أن سحبت تراخيص مراكز نتيجة مخالفتها لهذه الضوابط والمعايير.
التوطين استراتيجية شاملة ومسيرة لن تتوقف
لدى سؤاله عن إعلان الحكومة أن دعم المواطنين الذين يتم تعيينهم عبر «نافس» في القطاع الخاص وحصولهم على رواتب من الحكومة مستمر حتى عام 2026، فماذا بعد ذلك التاريخ؟
قال، وزير الموارد البشرية والتوطين، إن مسيرة التوطين ماضية ولن تتوقف، وتنطلق من رؤية شاملة للمرحلة الاقتصادية المقبلة، وتعزيز التنافسية واستدامة الريادة في الدولة، والتي أساسها الكادر المواطن المؤهل، ولذلك فإن عملية التوطين اليوم ترتبط باستراتيجية شاملة للحكومة تنطلق من الرؤية الاستشرافية الثاقبة للقيادة الرشيدة لمستقبل دولة الإمارات.
وأضاف العور: «لذلك فإن عملية التوطين مستمرة، وتتم مراجعة نتائجها وتحليلها في كل مرحلة، ليتم بناء عليها إصدار القرارات المستقبلية بناء على التوجهات والرؤية الشاملة. فعملية دعم الأجور والحوافز المالية ليست هي الأساس الذي تقوم عليه عملية التوطين، إنما تنطلق من نظرة شاملة أساسها الثقة بإمكانات الكوادر الوطنية وتنافسيتها، والتي ستتيح اندماج المواطنين في وظائف القطاع الخاص، وحصولهم على رواتب مجزية من دون عملية الدعم أسوة بأقرانهم في وظائف القطاع الخاص المعروفة بتنافسيتها في مستوى الأجور عالمياً». وأوضح الوزير أن هذه المرحلة تمثل تحدياً لإعادة الثقة، وتخطي مرحلة النظرة السلبية، وتصحيح واقع التوطين، وإعادة تنظيم سوق العمل بما يسهم في تعزيز جاذبية وظائف القطاع الخاص، وتمكين المواطنين بفاعلية من المساهمة في مسيرة التنمية المستدامة، والناتج القومي للدولة.
وقد أثبت المواطنون تنافسية عالية على مستوى الأعمال، وتحظى الشركات التي يقودها الكادر المواطن بمستوى ريادي عالمي، ضمن مجالات الريادة والابتكار والتحول للاقتصاد المعرفي، فالمواطنون أبناء هذه البيئة التي خبروها جيداً ونشأوا فيها، وحاصلون على تخصصات وخبرات وظيفية عالية، تعد من الأفضل على مستوى العالم، وجميع وسائل الدعم المقدم تؤكد ثقة القيادة بإمكانات المواطنين وتنافسيتهم، ولذلك فإن النظرة إلى واقع التوطين ضمن واقع الدعم لا تصب في الإطار والاستراتيجية الصحيحة وهي نظرة ضيقة.