الحماية الاجتماعية تعزّز رفاهية المواطنين
تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT
حيدر بن عبدالرضا اللواتي
haiderdawood@hotmail.com
ظنَّ بعض المواطنين أنَّ الجهات المعنية ربما تتأخر في تحويل المبالغ التي تم تخصيصها من أجل الحماية الاجتماعية إلى حساباتهم، أو أنها قد تتجاوز الموعد المحدد وهو الثامن عشر من شهر يناير الجاري، فقد كثر الحديث والنقاش عن الموضوع قبل تحويل هذه المبالغ إلى حسابات المواطنين؛ حيث كان يرى البعض صعوبة تصديق هذا الأمر؛ أي تخصيص مبالغ جديدة لكبار السن والأطفال والمعوقين وغيرها من الفئات الاجتماعية الأخرى المحتاجة، في الوقت الذي أوقفت فيه الحكومة بناء الكثير من مشاريع البنية الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وتوجهّت بإصدار اللوائح والقرارات بضرورة وقف الإنفاق المالي غير المنضبط في المؤسسات الحكومية، والعمل وفق خطة التوازن المالي، والتوجه نحو تسديد الدين العام ودفع الفوائد المترتبة عليه، ودمج بعض المؤسسات الحكومية، والتقليل من المشاركات الخارجية في المؤتمرات والمعارض والندوات، وإلغاء الملحقيات الثقافية والإعلامية في بعض الدول، واتخاذها العديد من الإجراءات الأخرى لوقف أي هدر مالي محتمل في الكثير من البنود المالية الحكومية.
أدى هذا الأمر إلى نتائج سلبية ببعض المؤسسات والشركات ورواد الأعمال، وإلى الحدّ من الحركة الشرائية لدى المواطنين، وتضررتْ المؤسسات، وزادت عمليات تسريح العمالة، في الوقت الذي شهدت فيه البلاد قرارات أدت إلى رفع وتيرة الرسوم والضرائب في عدد من البنود الاستهلاكية على المواطنين كفواتير الكهرباء والمياه والوقود، وزادت من مخالفات وقوف البلديات والسرعة وغيرها من الرسوم الأخرى لمؤسسات العمل والشرطة؛ الأمر الذي جعل أمر تصديق قرار تخصيص مبالغ الحماية الاجتماعية للمواطنين مستحيلًا ومثل الإشاعة.
غير أنَّ وصول الرسائل النصية للمواطنين بدخول المبالغ المخصصة لهم في حساباتهم في مختلف البنوك والمصارف، بدّد جميع تلك الأفكار، وخاصة لدى فئة المتقاعدين الذين يؤكدون اليوم أن هذه المبالغ ستعود عليهم بالكثير من المنافع العائلية والشخصية، خاصة وأن قيمة المبلغ تصل إلى 115 ريالًا عمانيًا؛ أي بواقع 298 دولارًا أمريكيًا. وهو مبلغ شهري لا يجب الاستهانة به؛ بل يرى البعض أن هذا المبلغ يمكنّهم اليوم من سد قيمة بعض الالتزامات المستعجلة لهم في الحياة.
هذه المبالغ المُخصّصة للفئات الاجتماعية تشكّل اليوم قاعدة جيدة للتوفير والادخار والرفاهية أيضًا خاصة لدى الأطفال؛ حيث إن كل طفل يبلغ عمره أقل من 18 عامًا سوف يستلم 10 ريالات عمانية شهريًا، وبواقع 120 ريالًا في السنة. وفي حال وجود عدة أطفال في نفس المنزل سوف تتضاعف هذه المبالغ لديهم، والتي يمكن أن تُكوّنُ رصيدًا ماليًا لهم في حال توجههم نحو الدارسة بالخارج مستقبلًا. كما إن جميع تلك المبالغ لدى المتقاعدين والأطفال والنساء والأيتام والأرامل تشكّل رصيدًا ماليًا كبيرًا إذا تم استثمارها في الإيداعات المصرفية؛ الأمر الذي سوف يُساعد المؤسسات المصرفية للاستفادة منها في تقديم التسهيلات للمؤسسات وتوسيع الأعمال التجارية في البلاد، والاعتماد عليها في عمليات الاقتراض الداخلي؛ باعتبار أن قيمة جميع تلك المبالغ سوف تصل في حدود 400 مليون ريال عماني سنويًا؛ أي بواقع 1.04 مليار دولار أمريكي. وفي كل عام سوف تزداد هذه المبالغ مع زيادة عدد المواليد في البلاد، خاصة وأن عدد متوسط مواليد الأسرة العمانية لا تقل عن 4 أطفال أن لم يزد عن ذلك.
لقد أنشأت الحكومة صندوق الحماية الاجتماعية وهو بمثابة مؤسسة رسمية مسؤولة عن كافة المبادرات وبرامج الحماية الاجتماعية في البلاد، ومنحته استقلالًا إداريًا وماليًا بموجب المرسوم السلطاني رقم (33/ 2021) والذي أعطى له مهمة تطبيق أحكام قانون الحماية الاجتماعية والتشريعات ذات الصلة بها، مع تمكينه من التعاون مع كافة الجهات المختصة ببرامج الحماية والتمكين والإدماج والرعاية والدعم؛ كي يتمكن من إيصال برامجه ومساعداته إلى جميع الفئات المستهدفة.
إنَّ نجاح صندوق الحماية الاجتماعية في توصيل البنود المالية للمواطنين في الوقت المحدد لهو مؤشر يؤكد التزام الدولة بإيصال هذه المنفعة لجميع أبنائها بغض النظر إن كانوا فقراء أو أغنياء؛ الأمر الذي أدى بهم للتوجه بالشكر والعرفان لمُجدّد النهضة العمانية حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- والحكومة الرشيدة، وتثمين هذه الخطوات التي ترمي إلى تعزيز منظومة الاستقرار الأسري والاجتماعي في البلاد، وإعطائهم الشعور بالطمأنينة والأمان المادي والأسري والنفسي، ومنحهم رؤية جديدة وناجحة للحياة المستقبلية. وأخيرًا فإن مبالغ الحماية الاجتماعية ستعمل بلا شك على تعزيز الحركة التجارية في البلاد بعد معاناة كبيرة واجهها البعض وأصحاب المؤسسات التجارية منذ تعرضهم لوباء "كوفيد-19" وحتى اليوم؛ فقد أدى التراجع إلى تأثر قطاعات التجارة والسياحة والعقار وغيرها بصورة كبيرة ونتج عن ذلك سرح بعض المواطنين الذين أصبحوا يبحثون عن وسائل الاستقرار الاجتماعي مرة أخرى.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ما تحتاجه مصر من البرلمان القادم
لكل مرحلة تاريخية احتياج بناء علي مؤثرات متنوعة من الأحداث إقليمية وعالمية وداخلية، فاحتياج المرحلة السابقة كان يتطلب تثبيت أركان مؤسسات الدولة التي كانت أشلاء بسبب أحداث 25 يناير 2011 وتبعياتها السياسية والأمنية والاقتصادية واجتماعية، بجانب موروثات أنظمة الحكم السابقة لذلك التاريخ التي امتدت لعشرات السنوات وصنعت تجميد للعقل الجمعي للجهاز الإداري للدولة واصبح في انفصام تام عن واقع السرعة التي تقودها الثورة العلمية في الخارج ومشتقات ذلك من رقمنه وحوكمة صنعت الكثير من التغييرات الجوهرية في حياة المجتمعات.
فمنذ الستينيات إلى 2013 عاشت الحياة السياسية حالة من الفر والكر ما بين الحزب الحاكم وحركة جماعة الإخوان الإرهابية، وفي الدائرة بعض الأحزاب الكرتونية التي تمثل شكل المعارضة، مما شكل فراغ سياسي داخل العقل الجمعي للمواطن والذي استغلته الجماعة الإرهابية للزحف عليه وملئ ذلك الفراغ وظهر ذلك جليا أثناء أحداث 2011 حيث اختفي الحزب الوطني تماما ولم يكن هناك إلا الجماعة الإرهابية تتصدر المشهد بدواع أيدلوجية ممزوجة بروية سياسية خادعة.
ولذا وجدت الدولة المصرية بعد 2013 نفسها أمام تحدي خطير يقود الوطن إلى الهاوية وهو عقل جمعي مصري يمثل المؤسسات والأفراد فارغ ومهلهل مهجن بثقافة الإخوان الإرهابية وفساد مستشري يقود ذلك العقل الذي أصبح اعمي وأطرش.
عند ذلك لم يكن هناك حل للمواجهة إلا محاولة تثبيت وتأهيل لمؤسسات الدولة بكل هدوء وصبر بعيدًا عن أي خشونة من أي نوع ربما تدفع تلك المؤسسات للانهيار، وعلي اثر ذلك كان يلزم أن يكون مجلس شعب 2015 والبرلمان الحالي بغرفتيه الذي ستنتهي مدته التشريعية هذا العام ذات صفات وسمات في التكوين والأداء تتسم بمتطلبات المرحلة في تثبيت وتأهيل مؤسسات الدولة والتعامل بهدوء وتريث وعدم الصدام الخشن معها الذي سيكون له انعكاسات سلبية علي تلك المؤسسات التي في اطار التأهيل والتعافي، وقد نجحت الدولة في ذلك رغم الهجوم التنظيري الذي لا يتضمن أي رؤية وطنية ذات أبعاد ثقافية.
وبالانتقال إلى البرلمان القادم بغرفتيه والذي بدأ الحراك السياسي بشأنه في الشارع المصري فالأمر يتطلب تغيير كلي في الشكل والمضمون، فمصر الأن تعافت وأصبحت قادرة على النهوض والانطلاق بعد أن تجاوزت تحديات كبير إقليمية وعالمية أهمها مخطط الشرق الأوسط الجديد القديم الحديث والمتجدد في سيناريوهات ظهوره والذي لن ينتهي ابدأ بأشكاله المختلفة ضد مصر.
لابد أن يتضمن ذلك البرلمان خبرات علمية وعملية وسياسية تستطيع اختراق العقل الجمعي وسياقته نحو العلم والابتكار عن طريق صناعة قرار غير تقليدي وتشكيل حكومة تتماشي مع ذلك الطرح في مقومات كوادرها البشرية، ولحدوث ذلك لابد أن تتدخل مؤسسات الدولة المعنية لتهميش دوافع الاختيار القائمة والمتمثلة في الايدلوجية الدينية والقبلية والنفوذ المالي وفسح المجال لأصحاب الرؤية والطرح الغير تقليدي ذات دوافع العلم والثقافة والابتكارات، وهذا سيساهم في الكثير من الأشياء أهمها هو البدء صناعة مشهد سياسي جديد يتصدر الصورة فيه هؤلاء الذين اصبحوا في حالة انزواء وتهميش.
اقرأ أيضاًبرافو وزير التعليم ولكن!
عيد قديسين الوطن مصر 25 يناير