منال الشرقاوي تكتب: أنا الخائن الأول
تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT
في متاهات الحياة، حيث يتشابك الوجود الإنساني بخيوط علاقات لا تُعد ولا تُحصى، يُجابه الإنسان، هذا الكائن الاجتماعي بطبعه، لحظات مفصلية تكشف عن مسارات الضعف والقوة في حياته.
في هذه الرحلة العاطفية العميقة، يُمكن أن تتخذ النفس دروبًا تؤدي إلى خيانتها، وذلك عبر ثلاثة مشاهد درامية تنطوي على أبعاد نفسية وعاطفية مُعقدة.
المشهد الأول: رحلة تحرير النفس من العلاقات السامة
في المشهد الأول من هذه الدراما النفسية، يجد الشخص نفسه غارقًا في علاقة تُنهكه نفسيًا، علاقة تُشبه العاصفة التي تُدمر كل شيء في طريقها. في هذا السيناريو، يغدو الإنسان كمن يسير في درب مظلم، مُتجاهلاً إشارات التحذير المُضيئة على جوانب الطريق، مستسلمًا لعلاقة سامة تُنهك قواه العقلية والروحية. إن الخروج من هذه الدوامة يتطلب شجاعة فكرية وعاطفية للاعتراف بالضرر الذي يُلحقه الفرد بنفسه، وليس ذلك إلا بمثابة إعلان استقلال الروح عن قيودها.
المشهد الثاني: الحنين إلى مُرتكبي الأسى
في المشهد الثاني، نشهد صورة الشخص وهو يتوق إلى أولئك الذين كسروا جناحيه، أولئك الذين زرعوا في قلبه شظايا الألم. هنا، يظهر الحنين كنوع من الخيانة العاطفية للذات، حيث يُحيط الفرد نفسه بأشخاص يُسببون له ألمًا، رافضًا الإفلات من قبضة هذه العلاقات المُدمرة. يتطلب الأمر هنا استكشافًا عميقًا للذات وإدراكًا بأن ليس كل فرد يستحق الحب والتقدير.
المشهد الثالث: إعادة الثقة في الذين خذلونا
وأخيرًا، يُظهر المشهد الثالث صورة للشخص وهو يُعيد الثقة إلى من خانوها في الماضي. هذا السيناريو قد ينبع من رغبة الفرد في الإصلاح وإعادة بناء الثقة المفقودة، لكنه يتطلب حذرًا وحكمة في التعامل مع هذه العلاقات المُعقدة والمُحملة بتاريخ من الخذلان.
وهنا نجد أنفسنا غارقين أحيانًا في تيارات علاقات معقدة ومتشابكة، حيث نواجه معضلات تتطلب منا الغوص أعمق لاكتشاف الذات. إن فهم كيفية التعامل مع هذه التحديات يفتح الباب أمام استكشافات جديدة لذواتنا وتطوير طرق فعّالة للتواصل والتفاعل.السر يكمن، في تحقيق التوازن بين العاطفة والعقل. يتجلى هذا التوازن في قدرتنا على النظر إلى العلاقات بعين الواقعية، مُدركين أن مشاعر الحنين أو الرغبة في إعادة بناء ما تهدم قد تقودنا أحيانًا إلى مسارات مليئة بالأشواك. وهنا، تبرز أهمية الفهم العميق لذواتنا وحاجتنا للابتعاد عن مسارات تلك العلاقات التي تفتقر إلى الصحة والاستقرار.
تتجسد خطوة أخرى مهمة في مواجهة هذه التحديات بإدراك قيمة الثقة والحذر في العلاقات. إن التعلم من تجارب الماضي وعدم تكرار الأخطاء يُعد جزءًا أساسيًا من عملية النمو الشخصي. من هذا المنطلق، يصبح التواصل الفعّال والصادق حجر الزاوية في بناء علاقات متينة ودائمة.
المسار نحو علاقات صحية يتطلب أيضًا التزامًا بالتطور الشخصي وتعزيز الذات. إن البحث المستمر عن النمو العقلي والروحي يساعد في بناء قوة داخلية تمكن الفرد من مواجهة التحديات بكل ثقة واقتدار.
وما بين كل مشهد من المشاهد الثلاث تمضي سنوات وتختفي أحلام ليحل محلها كوابيس ،لكنها للأسف في الواقع ، فأنا الخائن الأول لنفسي ، أنا من خنت مشاعري وعقلي ،لم يجبرني أحد على ذلك ،لقد كنت ردة فعل دون أن أدري!
ومع ذلك، في ظل هذا الاكتشاف المؤلم عن خيانة الذات، يلوح في الأفق بصيص من الأمل، شعاعاً من النور يتغلغل في ظلمة الليل. إن الخطوة الأولى نحو التغيير والتحرر من أسر هذه الخيانة تكمن في الاعتراف بالذنب، ليس كعبء يثقل الروح، بل كبداية لرحلة الشفاء والتجديد. من هذا المنطلق، يُصبح تبني الرحمة تجاه الذات واكتشاف القوة الكامنة في داخلنا ليس فقط ممكنًا، بل ضروريًا.
التحلي بالشجاعة لمواجهة الماضي وتقبل الأخطاء كجزء من رحلة النمو الشخصي يُمثل الخطوة التالية. من خلال هذا التقبل، يمكن للروح أن تجد السلام النفسي ، وللعقل أن يتصالح مع القلب. إن إعادة توجيه الطاقات نحو البناء والتطوير الذاتي يمنحنا القدرة على رسم مستقبل مشرق يتجاوز آلام الماضي.
لكن ماذا لو كان آخر مشهد في السيناريو بهذا الشكل ؟
رسالة توجهها لنفسك بعد لحظة إدراك وخطوات تصحيح ،المشهد الأخير للسيناريو:
في نهاية هذا المسار المليء بالتحديات والاكتشافات، أدركت بعمق أنني لست خائنًا لنفسي بل مُصحح المسار. كل تلك الخطوات التي بدت في البداية كأخطاء وتنازلات لم تكن سوى دروس تعلمت منها كيف أصقل شخصيتي وأُعيد بناء قوتي الداخلية. أنا الآن لست مجرد ناجٍ من ظروف الحياة، بل مُحارب قوي تغلب على معاركه الداخلية ونما منها.
كل خبرة، كل علاقة، وكل لحظة ضعف، كانت بمثابة فرصة ذهبية لتعلم شيء جديد عن الحياة وعن نفسي. من خلال هذا الفهم، أصبحت أكثر توازنًا وثقة، وتعلمت كيف أحافظ على سلامتي النفسية والعاطفية. الآن، أنظر إلى المستقبل بعين المتفائل، مُدركًا أن كل ما مررت به كان جزء ضروري في رحلتي لأصبح الشخص الذي أنا عليه اليوم. أنا لست خائنًا لذاتي، بل مُعدل لمساري، مستمدًا قوتي من كل تجربة عشتها.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
ميركل تكتب في مذكراتها عن مأزق التعامل مع ترامب وصفات بوتين
عندما انتُخب دونالد ترامب رئيسا للمرة الأولى في عام 2016، طلبت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل نصائح من بابا الفاتيكان البابا فرانشيسكو للتعامل مع الرجل، وذلك أملا في إيجاد طرق لإقناعه بعدم الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ.
وقالت ميركل، في مذكراتها التي نُشرت مقتطفات منها في صحيفة "دي تسايت" الأسبوعية الألمانية أمس الأربعاء، إن ترامب بدا لها معجبا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وغيره من الزعماء السلطويين.
وكتبت "كان يرى كل شيء من منظور المطور العقاري، وهي مهنته قبل دخول عالم السياسة.. لا يمكن بيع أي قطعة أرض إلا مرة واحدة، وإذا لم يحصل عليها هو فإن شخصا آخر سيحصل عليها. هكذا يرى العالم".
وكتبت ميركل أنها عندما سألت البابا فرانشيسكو النصيحة للتعامل مع أشخاص لديهم "وجهات نظر مختلفة تماما"، أدرك على الفور أنها تتحدث عن ترامب ورغبته في الانسحاب من اتفاقية باريس، وقال لها "شدي، شدي، شدي، ولكن لا تقطعي".
عند تسلّم ترامب للسطلة مطلع 2017، كانت ميركل من بين من بقي من الزعماء المنتخبين أطول مدة في السلطة. وفي وقت ساد التوتر عبر أرجاء العالم حول رئاسة ترامب، احتفظت المستشارة الألمانية بهدوئها وركزت على تكرار استدعاء قيم مثل الحرية وحقوق الإنسان، وذلك دفع البعض إلى وصفها بأنها "القائدة الحقيقية للعالم الحر"، وهو لقب محجوز عادة لرؤساء الولايات المتحدة.
أوكرانيا والناتومن جانب آخر، أقرّت المستشارة الألمانية السابقة بأنها سعت إلى إبطاء مساعي أوكرانيا للانضمام السريع إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بسبب مخاوف من احتمال حدوث رد عسكري من روسيا.
وتحدثت ميركل في مذكراتها عن قمة الناتو التي انعقدت في بوخارست عام 2008، والتي ناقشت طلبات أوكرانيا وجورجيا للانضمام إلى الحلف.
وأشارت إلى رغبة قوية لدى دول وسط وشرق أوروبا في الانضمام السريع إلى حلف الناتو، لكنها أوضحت أنها كانت تعتقد أن توسيع عضوية الحلف يجب أن يعزز الأمن ليس فقط لتلك الدول، بل للحلف ككل.
وقالت إن نسبة قليلة فقط من السكان الأوكرانيين دعمت الانضمام للناتو في ذلك الوقت، مما عزز مخاوفها. ورغم ذلك، يواجه موقفها تجاه أوكرانيا انتقادات مستمرة في كييف.
تجارب مع بوتينوحملت المقتطفات المنشورة من المذكرات أمس إشارت إلى تجاربها العديدة مع فلاديمير بوتين، ووصفته بأنه كان يبدو لها "رجلا يريد بشدة أن يؤخذ على محمل الجد".
وكتبت "لقد اختبرته كشخص لا يريد أن يُحتقر، مستعد للهجوم في كل الأوقات.. قد تجد ذلك طفوليا ومحتقرا، قد تهز رأسك عند ذلك. ولكن هذا يعني أن روسيا لم تختف أبدا من الخريطة".
وفي إشارة غير مباشرة إلى أن بوتين قرر غزو أوكرانيا بعد مغادرة منصبها مستشارة لألمانيا، نقلت عن الرئيس الروسي قوله "لن تكوني دائما مستشارة، وسينضمون إلى الناتو. أريد منع ذلك"، في إشارة إلى أوكرانيا.
وكانت ميركل أول امرأة تتولى منصب المستشار في ألمانيا، وقادت أكبر اقتصاد في أوروبا طوال 16 عاما بين عامي 2005 و2021.
ومن المقرر أن تنشر مذكراتها التي تحمل عنوان "الحرية. ذكريات 2021-1954" بداية من يوم الثلاثاء المقبل في أكثر من 30 دولة بالعالم، وفقا للناشر.
وستطلق الكتاب في الولايات المتحدة بعد أسبوع في حدث بواشنطن مع الرئيس السابق باراك أوباما الذي أنشأت معه علاقة سياسية وثيقة.