تحذير من نفاد الوقت.. كيف ترى السعودية والإمارات تطورات البحر الأحمر؟
تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT
تحذيرات متتالية تطلقها دول الخليج بعد التوترات المتصاعدة في البحر الأحمر، على خلفية الهجمات المستمرة التي تشنها جماعة الحوثي باليمن التي تصنفها واشنطن جماعة إرهابية، بينما يكشف مختصون لموقع "الحرة" تداعيات ذلك التصعيد وتأثيره على المنطقة ومدى إمكانية "حل الأزمة".
قلق خليجيالسبت، قال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان في مقابلة مع شبكة "سي.
وحثت الإمارات الولايات المتحدة على دعم الوقف الفوري لإطلاق النار في الحرب الإسرائيلية على غزة، محذرة من أن خطر اندلاع حريق إقليمي يتزايد يوميا مع استمرار الصراع المستمر منذ ثلاثة أشهر، بحسب تقرير لوكالة "بلومبرغ"، نشر الأحد.
وقالت سفيرة الإمارات لدى الأمم المتحدة، لانا نسيبة، في مقابلة عبر الإنترنت من نيويورك: "نحن بحاجة إلى وقف إنساني لإطلاق النار الآن، ولا يمكننا الانتظار 100 يوم أخرى".
والأسبوع الماضي، أعربت الخارجية الإماراتية، عن قلقها البالغ من تداعيات الاعتداءات على الملاحة البحرية في منطقة باب المندب والبحر الأحمر، والتي تمثل تهديدا غير مقبول للتجارة العالمية ولأمن المنطقة والمصالح الدولية.
#الإمارات تعرب عن قلقها البالغ من تداعيات الاعتداءات على الملاحة البحرية في منطقة باب المندب والبحر الأحمرhttps://t.co/vifmmb50tQ
— MoFA وزارة الخارجية (@mofauae) January 12, 2024وفي حديثه لموقع "الحرة"، يؤكد المحلل السياسي الإماراتي، عبد الخالق عبد الله، أن الإمارات تنسق مع السعودية من أجل "سلامة الملاحة" التي تعد قضية هامة جدا لأبوظبي التي يهمها سلامة الموانئ بالقرن الأفريقي والبحر الأحمر.
والإمارات والسعودية أعلنتا صراحة وبوضوح أنهما ضد التصعيد في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وليس أمام أبوظبي سوى الدعوة لوقف التصعيد، لأنها ليست في سياق "استفزاز الحوثي أو إيران"، حسبما يشير المحلل السياسي الإماراتي.
وهذا التصعيد لا يهدد أمن دولة بعينها في المنطقة، لكنه تهديد لأمن وسلامة الملاحة السيادية الدولية، حسبما يقول عبد الله.
ويرى عبد الله أن الأزمة الحالية ليست قضية السعودية أو الإمارات أو أي من دول المنطقة لكنها "قضية دولية"، وجاء تدخل الولايات المتحدة ليزيد الأمور "صعوبة وتعقيدا"، على حد تعبيره.
والأربعاء الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، تصنيف جماعة أنصار الله (الحوثي) مجموعة إرهابية عالمية، مصنفة بشكل خاص، وذلك اعتباراً من 30 يوماً من اليوم.
وأشار بيان صادر عن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى أنه ومنذ نوفمبر شن الحوثيون هجمات غير مسبوقة على السفن البحرية الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن وكذلك على القوات العسكرية المتمركزة في المنطقة للدفاع عن سلامة وأمن الشحن التجاري".
وتابع أن هذه الهجمات التي استهدفت حركة الشحن الدولي أدت إلى تعريض البحارة للخطر وتعطيل التدفق الحر للتجارة وتعارضت مع الحقوق والحريات الملاحية".
وأكد البيان أن "هذا التصنيف يسعى إلى تعزيز المحاسبة على الأنشطة الإرهابية للجماعة. وإذا أوقف الحوثيون هجماتهم في البحر الأحمر وخليج عدن فستعيد الولايات المتحدة تقييم هذا التصنيف".
ومن جانبه، يشير أستاذ الدراسات السياسية والاستراتيجية السعودي، محمد بن صالح الحربي، إلى أن تصاعد التوترات في منطقة البحر الأحمر يهدد سلامة "ممر حيوي مهم".
والسعودية "تشعر بالقلق" وتسعى لخفض التوتر في مواجهة "حرب استقطابات ومحاور وتنافس دولي"، ضمن التوترات بين إيران وحلفائها من جانب والولايات المتحدة وإسرائيل من جانب آخر، وفق حديثه لموقع "الحرة".
ويؤكد أن البحر الأحمر "ممر حيوي واستراتيجي"، والسعودية والدول المطلة عليه تتأثر نتيجة التصعيد المستمر، الذي يؤثر على الاقتصاد الكلي العالمي.
ويوضح الخبير الاستراتيجي السعودي أن السعودية تطل على أغلب سواحل البحر الأحمر، بامتداد أكثر من 1600 كيلومتر، وباعتباره "ممر حيوي استراتيجي للسلع والنفط"، فالتصعيد يؤثر على المملكة، وعلى العالم بأكمله.
لماذا يتواصل "التصعيد"؟اليمن أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية، وقد دمره نزاع عمره نحو عقد تسبب في إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، واندلع النزاع في البلاد عام 2014.
وسيطر الحوثيون على مناطق شاسعة في شمال البلاد أبرزها العاصمة صنعاء، في العام التالي، تدخلت السعودية على رأس تحالف عسكري دعما للحكومة اليمنية، ما فاقم النزاع الذي خلف عشرات آلاف القتلى وتسبب بواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية، وفق الأمم المتحدة.
ومنذ نوفمبر، يشن المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران والذين يسيطرون على أنحاء واسعة من اليمن هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، وتسعى واشنطن إلى تقليص القدرات العسكرية للجماعة، لكنهم مازالوا يُشكلون تهديدا لأمن واستقرار المنطقة.
ويعتقد مسؤولون غربيون أن إيران هي التي توفر المعدات الأكثر تقدما للحوثيين منذ سنوات ما سمح لهم بشن هجمات خارج حدود اليمن.
ويؤكد عبد الله أن جماعة الحوثي تستهدف السفن تحت ادعاء "دعم الفلسطينيين في قطاع غزة"، وذلك على خلفية الحرب بين إسرائيل وحركة حماس المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى.
وإذا أخذنا مزاعم الحوثي بقدر من الجدية فإن "استمرار الحرب بغزة" يعني استمرار الجماعة ومعها إيران في استهداف السفن وبالتالي تهديد حرية الملاحة بالبحر الأحمر، حسبما يشير المحلل السياسي الإماراتي.
وحسب عبد الله فإن ما ينبغي التركيز عليه حاليا هو "وقف الحرب في غزة، وهو قرار بيد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، وحده"، على حد تعبيره.
وبالتالي فإن "علاج الأزمة يكمن في غزة وليس اليمن وهو بيد نتانياهو"، وفي مقابل ذلك فإن "الحوثي وإيران مسؤولان مسؤولية كاملة عن التوتر في البحر الأحمر الذي يزداد احمرارا"، وفق المحلل السياسي الإماراتي.
ويشدد على أن إيران ترسل رسالة عبر جماعة الحوثي مفادها أن "طهران تسيطر على مضيق باب المندب وقراره بيدها".
ومن جانبه، يرى الحربي أن الأحداث في البحر الأحمر، ترتبط بتوتر وتصاعد بين الولايات المتحدة وإيران.
وواشنطن تتعامل مع الأزمة "خطوة بخطوة، وقواعد الاشتباك مازالت سارية"، لأن جميع ضربات الحوثي لم تصيب السفن إصابات مباشرة تعرقل الحركة بالممر الملاحي، وفق الخبير الاستراتيجي السعودي.
وحسب الحربي فإن للتصعيد تأثيرات اقتصادية على رأسها " ارتفاع أسعار التأمين والشحن والعبور والمرور من المنطقة"، ما يؤثر على الدول المطلة على البحر الأحمر في المقام الأول.
وأدت الهجمات التي شنتها جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران على سفن في البحر الأحمر وما حوله خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى تباطؤ التجارة بين آسيا وأوروبا وأثارت قلق القوى الكبرى من تصعيد الحرب في غزة.
ودفعت هجمات الحوثيين الكثير من شركات الشحن البحري، من بينها "ميرسك" الدنماركية، إلى تحويل مسار سفنها عبر رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا.
ويمر نحو 12 بالمئة من التجارة البحرية العالمية عادة عبر مضيق باب المندب المؤدي إلى جنوب البحر الأحمر، لكن عدد الحاويات التي تمر في هذا الممر المائي انخفض بنسبة 70 بالمئة منذ منتصف نوفمبر، وفق وكالة "فرانس برس".
متى تنتهي الأزمة؟تعكف إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، على صياغة خطط لحملة عسكرية مستمرة تستهدف جماعة الحوثي، بعد أن فشلت 10 أيام من الضربات في وقف وردع تصعيد الجماعة وهجماتها على التجارة البحرية، وفق تقرير لصحيفة "واشنطن بوست".
ودفعت هجمات الحوثيين الولايات المتحدة في ديسمبر إلى تشكيل تحالف بحري دولي يسير دوريات في البحر الأحمر لحماية حركة الملاحة من هجمات الحوثيين.
ووجه التحالف ضربات استهدفت الحوثيين في اليمن للمرة الأولى في 12 يناير، طالت رادارات وبنية تحتية لصواريخ ومسيرات.
وتسعى الإدارة الأميركية لتقويض القدرة العسكرية الرفيعة المستوى للحوثيين بما يكفي للحد من قدرتهم على استهداف الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن، وكذلك توفير رادع كافٍ حتى تتمكن شركات الشحن التي تتجنب المخاطرة من استئناف إرسال السفن عبر الممرات المائية في المنطقة.
وتأمل الولايات المتحدة أن تؤدي الضربات، بالتزامن مع حملة الحظر التي شنتها الأسبوع الماضي والتي أسفرت عن شحنة من الرؤوس الحربية الصاروخية، إلى تجريد الحوثيين ببطء من أقوى أسلحتهم.
ويربط عبدالله التطورات في البحر الأحمر بتوقف الحرب في غزة أو استمرارها، مطالبا "الولايات المتحدة بالضغط على الحكومة الإسرائيلية الحالية لوقف الحرب في القطاع"، حتى ينتهي التصعيد بالبحر الأحمر.
ويقول: "حتى الآن، لا أحد يستطيع حتى الآن التأثير على نتانياهو".
وبالتالي التهدئة في البحر الأحمر قد تكون مرتبطة بـ"تغيير الحكومة الإسرائيلية الحالية"، وقد تكون الحكومة القادمة "حكومة نهاية حرب"، وفق المحلل السياسي الإماراتي.
وفي السابع من أكتوبر، بدأت إسرائيل هجومها على غزة ردا على هجوم شنه مقاتلو حركة حماس والذي أسفر عن مقتل 1200 شخص معظمهم من المدنيين وبينهم نساء وأطفال، وخطف 253 كرهائن إلى غزة لا يزال نصفهم تقريبا في القطاع، وفق السلطات الإسرائيلية.
ووصلت حصيلة القتلى العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة إلى 25105 قتيلا غالبيتهم من النساء والأطفال، فيما وصل عدد الإصابات إلى 62681 جريحا منذ بدء الحرب، فضلا عن عددا من الضحايا ما زالوا تحت الركام وفي الطرقات ولا يمكن الوصول إليهم، وفق ما أعلنته وزارة الصحة التابعة لحماس في القطاع.
لكن على جانب آخر، لا يرى الحربي أن التصعيد في البحر الأحمر مرتبط بالحرب في غزة، ويقول إن "غالبية السفن مملوكة لعدة دول، وتمر عبر عدة موانئ، وليست جميعها مملوكة لإسرائيل".
وإسرائيل لا تتلقى الدعم والمعونة عبر البحر الأحمر ولكن عبر المتوسط وجوا، وبالتالي فإن تلك الادعاءات الحوثية "غير صحيحة"، وتستخدم إيران تلك المزاعم لتحقيق "زخم سياسي"، وفق الخبير الاستراتيجي السعودي.
ومنذ أسابيع، يستهدف الحوثيون، سفن تجارية في البحر الأحمر أو قرب مضيق باب المندب، قائلين إنها مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إليها.
ويمر نحو 12 بالمئة من التجارة البحرية العالمية بمضيق باب المندب في جنوب البحر الأحمر، لكن منذ منتصف نوفمبر تراجعت حركة عبور الحاويات من هذا الشريان الحيوي بنسبة 70 بالمئة، وفق ما يفيد خبراء بالملاحة البحرية.
وفضلت الكثير من شركات الشحن تعليق مرور سفنها في المنطقة، واختارت مسار رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا، وهو طريق أطول وأكثر كلفة.
ويشير إلى أن حلفاء إيران في المنطقة وبينهم الحوثي يضغطون على الولايات المتحدة لتحقيق مكاسب بشأن "الملف النووي الإيراني والإفراج عن أموال طهران".
ويؤكد الخبير الاستراتيجي السعودي، أن حل الأزمة في البحر الأحمر يرتبط بالتوصل لتسوية واتفاق بين الولايات المتحدة وإيران، بشأن تلك الملفات.
وفي العام 2018، انهار الاتفاق الدولي الذي تم التوصل إليه في العام 2015 والذي يقيد أنشطة طهران النووية مقابل رفع العقوبات الدولية عنها، وذلك بعد انسحاب واشنطن منه بقرار من الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب.
وانسحبت الإدارة الأميركية السابقة من "الاتفاق النووي" المبرم مع إيران وأعادت فرض عقوبات على طهران.
وبسبب هذه العقوبات تمتنع الكثير من الدول والشركات العالمية عن التعامل مع الحكومة الإيرانية أو حتى مع شركات إيرانية وذلك خوفا من أن تطالها العقوبات.
وسعى الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى إعادة إحياء هذا الاتفاق من خلال مفاوضات أُجريت في فيينا، لكنها توقفت منذ صيف العام 2022.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: فی البحر الأحمر وخلیج عدن الولایات المتحدة هجمات الحوثیین جماعة الحوثی الحرب فی غزة باب المندب فی المنطقة عبد الله
إقرأ أيضاً:
الحوثيون وضعوا واشنطن في مأزق استراتيجي
#سواليف
قد لا تكون الحملة الأمريكية البحرية والجوية على #الحوثيين كافية لإسكاتهم. وأمام #واشنطن إما التصعيد البري وهو مشكلة، أو #الانسحاب وهو مشكلة أكبر. رامون ماركس – ناشيونال إنترست
يرفض الحوثيون اليمنيون الرحيل. ورغم جهود البحرية الأمريكية وحلفائها، نجحت جماعة متمردة متناحرة في إغلاق أحد أكثر الممرات المائية استراتيجية في العالم – #البحر_الأحمر – لما يقرب من عامين. واضطرت غالبية حركة الملاحة البحرية إلى سلوك طريق رأس الرجاء الصالح الأطول والأكثر التفافًا وتكلفةً حول طرف أفريقيا. وفشلت #واشنطن في الحفاظ على #حرية_الملاحة في أحد أهم نقاط الاختناق البحرية في العالم.
لقد منحت الثورة التكنولوجية في الحرب البحرية، التي أحدثتها أنظمة الصواريخ المضادة للسفن والطائرات المسيرة، جماعة متمردة صغيرة القدرة على إغلاق مضيق باب المندب الاستراتيجي في البحر الأحمر. ويحمل هذا الوضع المتوتر المستمر تداعيات خطيرة على الولايات المتحدة كقوة بحرية عالمية.
مقالات ذات صلة المهندسة المغربية ابتهال أبو سعد توجه أول رسالة بعد فصلها من مايكروسوفت / فيديو 2025/04/09الدرس الأول، بلا شك، هو التكنولوجيا. فالطائرات المسيّرة وأنظمة الصواريخ الأرضية قادرة الآن على تدمير السفن الحربية السطحية على بُعد مئات أو حتى آلاف الأميال من السواحل الساحلية. وتُبرز هجمات الحوثيين في البحر الأحمر الوضع الصعب الذي تواجهه البحرية الأمريكية. فبعد أن فقدت مكانتها كأكبر قوة بحرية في العالم – بعد أن تخلت عن هذه المكانة للصين – تبحث البحرية عن أساليب جديدة للتعامل مع الطائرات المسيّرة والصواريخ المضادة للسفن.
وقد أثبتت حاملات الطائرات والسفن الحربية القديمة، المجهزة بطائرات مأهولة باهظة الثمن ومتطورة وأنظمة صواريخ، أنها غير ملائمة تمامًا لهذا العصر الجديد من الحروب. كما أن تطوير قدراتها لمواجهة هذه الأسلحة عملية قد تستغرق سنوات من البحرية والكونغرس لتطويرها وتحسينها.
والدرس الثاني هو أن البحرية مرهقة. فقد اضطرت إلى إبقاء ما يصل إلى مجموعتين من حاملات الطائرات مرابطتين في منطقة البحر الأحمر لصد هجمات الحوثيين على السفن الحربية والتجارية. ورغم هذه القوى الجبارة، لا يزال البحر الأحمر مغلقاً فعليًا. وفي هذه الأثناء، لا تزال التحديات المتنافسة في أجزاء أخرى من العالم تستدعي اهتمام البحرية الأمريكية، ولا سيما الصين. وهناك يواجه أسطول المحيط الهادئ الأمريكي، الذي يتألف من حوالي 200 سفينة، أكثر من 400 سفينة حربية تابعة لجيش التحرير الشعبي مباشرة.
من المشكوك فيه للغاية أن تتمكن البحرية الأمريكية من بلوغ حجم البحرية الصينية. فأحواض بناء السفن الأمريكية المتقادمة لا تملك القدرة الإنتاجية اللازمة. ومع ذلك، فإن المهمة الأساسية لأسطول المحيط الهادئ هي الدفاع عن حلفاء الولايات المتحدة في المعاهدات، الفلبين واليابان وكوريا الجنوبية، في أي صراع مع الصين. كما يجب أن يكون مستعداً للدفاع عن تايوان حتى بدون التزام بمعاهدة دفاعية.
وإلى جانب الصين والحوثيين، يجب أن تكون البحرية مستعدة أيضًا لمواجهة إيران. ففي وقت سابق من هذا العام، طُلب منها المساعدة في الدفاع عن إسرائيل من موجات من الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة الإيرانية، بينما كانت تصد في الوقت نفسه هجمات الحوثيين في البحر الأحمر. وقد يكون هجوم كبير من البحرية على البرنامج النووي الإيراني وشيكاً.
في مواجهة كل هذه التحديات المتنوعة، تصبح ضرورة حصر مجموعة أو أكثر من حاملات الطائرات الأمريكية في البحر الأحمر لمواجهة هجمات الحوثيين الصاروخية والطائرات المسيرة خياراً مكلفاً وخطيراً، وفي نهاية المطاف، غير قابل للاستمرار على المدى الطويل.
وعلى الأرجح، أدركت إدارة ترامب هذا الأمر، فصعّدت حملة الحوثيين، مخصصة موارد أكبر من القوة الجوية (بما في ذلك طائرات B2 التابعة لسلاح الجو) لجهود أكثر توجهاً نحو الهجوم لهزيمة الحوثيين نهائياً. ويبقى أن نرى ما إذا كانت القوة الجوية وحدها كافية لتحقيق نصر حاسم. وتشير النتائج الأولية إلى أن القوة الجوية المُسرّعة قد لا تكون كافية. فعلى الرغم من إنفاق أكثر من مليار دولار على الذخائر الجوية في ثلاثة أسابيع فقط، استمرت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر بلا هوادة. وإذا لم تتمكن القوة الجوية من إسكات الحوثيين بشكل دائم، فسيكون على واشنطن اتخاذ قرار صعب.
إن أحد الخيارات هو ببساطة الانسحاب من البحر الأحمر وترك الحلفاء الأوروبيين يواصلون التعامل عسكرياً مع الحوثيين. فأوروبا الغربية، في نهاية المطاف، تعتمد اقتصادياً على الوصول إلى طريق النقل عبر البحر الأحمر أكثر من الولايات المتحدة. إضافةً إلى ذلك، يمتلك حلفاء واشنطن الأوروبيون مجتمعين أكثر من 1000 سفينة حربية تحت تصرفهم. وخلافاً للوضع العسكري على البر في أوروبا، حيث يمتلك حلفاء الناتو قدرات عسكرية أقل للتعامل مع روسيا وأوكرانيا، ينبغي أن تكون قواتهم البحرية على قدر المسؤولية في البحر الأحمر، حتى لو انسحبت البحرية الأمريكية. ولا شك أن هذا ربما كان ما يدور في ذهن نائب الرئيس جيه دي فانس عندما انتقد مؤخراً الأوروبيين ووصفهم بـ”المستغلين” في حملة البحر الأحمر.
مع ذلك، وخاصةً في أعقاب الانسحاب الأمريكي المتسرع من أفغانستان، فإن انسحاب الولايات المتحدة من القتال سيكون رسالة خاطئة لإيران. فسيُفسر على أنه علامة أخرى على التراجع الاستراتيجي الأمريكي. بل إن قرار إدارة ترامب بالتصعيد يشير إلى أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بحماية حرية الملاحة في المناطق النائية، حتى في الحالات التي تكون فيها المصالح الاقتصادية الأمريكية أقل تأثراً من مصالح الدول الحليفة.
بينما لم يُصب الحوثيون سفينة حربية أمريكية أو طائرة مأهولة بعد، فإنهم يواصلون محاولاتهم. وإذا لم يفلح السلاح الجوي وحده في القضاء على التهديد، فقد تضطر الولايات المتحدة إلى دراسة المزيد من التصعيد، بما في ذلك احتمال فرض حجر بحري وغارات برية.
لقد وضع الحوثيون الولايات المتحدة في مأزق استراتيجي، ولم يتركوا لها خيارات جيدة. لا يمكن لمصداقية واشنطن أن تستمر في تحمل تعادل طويل الأمد ومجمد. وهذا صراع يجب على الولايات المتحدة حلّه، وإلا ستدفع ثمنه الاستراتيجي. وقد يأتي الوقت الذي لن يكون فيه أمام واشنطن خيار آخر سوى التصعيد أكثر، أو مواجهة نكسة أخرى شبيهة بانتكاسة أفغانستان، هذه المرة على يد الحوثيين.