المعرفة والسُّلطة في التراث الإسلامي.. كتاب جديد للباحث سعيد علي نجدي في معرض الكتاب
تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT
يشارك في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2024 في نسخته الـ 55 المقرر إقامته في الفترة من 24 يناير وحتى 6 فبراير المقبل، كتاب "المعرفة والسُّلطة في التراث الإسلامي"، للباحث اللبناني د. سعيد علي نجدي، والصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات هذا العام.
يدور الكتاب بكامله حول الحركة الإسماعيلية، من بداياتها القرمطية حتى تجلّياتها المُعاصرة في الآغاخانية التي هي امتداد للنزارية فرع قاسم شاه.
عنوان الكتاب، وإن كان أشمل من موضوع الكتاب، إلّا أنّه في صميمه؛ إذ إنّنا لا نجد مثالًا على الصلة بين المعرفة والسلطة أجلى من الحركة الإسماعيلية، في بنيانها النظري وتاريخها السياسي. هذه الحركة الشيعية بقيت متّقدة منذ العصر الأموي حتى يومنا هذا. أثناء ذلك نجحت في الانتشار، بل والغلبة السياسية، والحُكم في المغرب ومصر وسوريا والعراق واليمن وإيران. كما امتلكت، منذ البداية وعلى طول انتشارها، عمارة نظرية بالغة التفصيل والتماثل والتجدّد، قبالة كلّ مرحلة، والانفتاح على ثقافات العصر ومذاهبه.
الإسماعيلية، منذ دعوتها الأُولى ومهما انعطفت بعد ذلك وتعدّدت، فإنّها منذ البداية كانت تنصبّ وتؤسّس جهازًا نظريًا مقابل السلطة، وعلى السلطة. لذا نجد أنّ تاريخها الفعلي هو هذه المزاوجة المستديمة بين البناء النظري والممارسة التاريخية. الدعوة المرتكزة إلى الإمام كانت، من أوائلها، تصنع يوتوبياتها السياسية بقدر متزايد من الهندسة النظرية، والإعلاء، والمقابلة بين الروحاني والأرضي، وجمعهما في نظام كوني ورؤية جامعة.
كتابُ "نجدي" يتقصّى ذلك، ويعرض له في مختلف محاوره وأركانه. إنّه على هذا النحو، ذلك المزيج من التاريخ الفعلي والإشراقات الفكرية التي تزاوج الممارسة والظرف السياسيَّين. نحن في الكتاب نقرأ، في وقت واحد، هذا التقاطع بين السياقين. الكتاب يتوقّف عند لحظات هذه المزاوجة، وعناوينها الكبرى، التاريخ من البدايات القرمطية حتى الدولة في المغرب ومصر وامتداداتها في سوريا واليمن والعراق وإيران، وطبيعة هذه الدولة في كلّ من مراحلها. ذلك يعني أنّ الكتاب، في صفحاته التي تزيد عن الأربعمائة، وفي عمله على النظام الإسماعيلي في بنائه المفهومي وتراتباته، وما يقابل ذلك من تأويل، وما يتزامن معه من أحداث، إنّما هو نوع من تاريخ مختصر، ومتكامل، للحركة الإسماعيلية.
ليس غريبًا أن يبدأ سعيد نجدي من النظام الإسماعيلي بهندسته ومراتبه، السابق وهو العقل الكلّي، والتالي وهو النفس الكلّية، الناطق وهو الرُّسل السبعة، الأساس الذي يلي الناطق. لا نقف فقط عند هذا التراتب، فهناك مقابله سلسلة من الأدوار، أدوار النطقاء وهي كبرى، أي أنّ الدور فيها يمتدّ من آدم حتى الإمام الناطق، والأدوار الصغرى للأئمّة المُتمّين، وتتضمّن سبعة بين كلّ إمام ومن سبقه.
هناك أيضًا الحدود وممثولاتها بين الملائكة وبين العقول. هناك الحدود العُلوية الخمسة والحدود السفلية الخمسة. هناك أيضًا مراتب الإمامة، الإمام المستقرّ والإمام المستودع كالحسن الذي بلغته الإمامة عن طريق الأخوة لا عن طريق البنوة كما هي القاعدة. يلي الإمام الحجّة أو الباب الذي يقابل العقل الرابع، الحجّة الذي يقابل العقل الخامس، فداعي الدعاة، فداعي البلاغ، فداعي المطلق، فداعي المأذون، فداعي المحصور، فالمكاسر، فالمكالب، فالمستجيب.
هناك أيضًا فلسفة العدد الفيثاغورسية، السبعة جمعت معاني العدد كلها، النقباء اثنا عشر، أبدان الحيوانات أربعة والطبائع أربعة. هناك أيضًا قطب الزمن الإمام وهو ما قبل العقل. لا يترك الله العالم خاليًا من إمام. الإمامة هي باطن مظاهره التنزيل، الأئمّة يعلمون الغيب وهُم فوق الخلق، وقد جعل الله الإمامة في نهاية الإنسان، وإذا كان الله هو النور فالإمام هو المصباح. هناك أيضًا التأويل الذي يستخرج من باطن النص نصًّا مقابلًا. القرآن يصبح بالتأويل نصًّا آخر، التأويل يقوم على المماثلة، على معادلة المثل للممثول، الشجرة التي أكل منها آدم مثل للقائم، الحجر الأسود مثل لحوّاء، والشجرة مثل للقائم المنتظر.
أمّا بِاسم، في الآية المعروفة، فهي النفس، والله فيها هو العقل، الرحمن هو الناطق، والرحيم هو الأساس. هكذا في جملة هذه المقابلات بين الأرضي والنوراني، بين الفوقاني والتحتاني، بين المثل والممثول، بين المراتب العلوية والمراتب السفلية، بين المعاني والأفلاك والباطن والظاهر، تتجلّى الهندسة الإسماعيلية للكون، هندسة يصعد فيها الإلهي إلى الغيب، ليسقط على الإمام الذي هو القطب والمحور.
هذا ما يعني أنّ الجهاز النظري، في تسلسله وتعدُّده وتفرّعه وتماثله، يجعل من الإسماعيلية منبعًا أيديولوجيًا وهندسة كونية كاملة. هنا يمكننا أن نتبيّن العلاقة الوطيدة، والتراكب والتماثل والتوازي، بين السلطة والمعرفة، بين النصّ كسلطة وكمعرفة في آن واحد، إذ يقع هكذا كبنية متقاطعة متداخلة.
ربما من هنا أهمّية النظري والأيديولوجي في النصّ الإسماعيلي. أهمّية جعلت الإسماعيلية تتشرّب نصّها من مصادر شتّى، هي جماع ثقافة عصرها، ففيها من الفلسفة ومن الأديان التوحيدية وغير التوحيدية، ما يجعلها، كعمل ثقافي، تنفتح على الجميع وتقبل الجميع وتتعايش مع الجميع. قد يكون هذا الانفتاح ميزتها الأُولى في النطاقَين: السلطة والعقيدة. وقد يكون كذلك في خطابها ودعوتها، كما هو في ممارستها التاريخية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: معرض القاهرة الدولي للكتاب المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الحركة الإسماعيلية هناک أیض ا
إقرأ أيضاً:
سيرة الفلسفة الوضعية (12)
د. أبوبكر الصديق على أحمد مهدي
المرحلة الثالثة - الفلسفة الوضعية
الشيخ: لا وقت الآن لمناقشة الظاهر والباطن والا طال النقاش بنا دهراً. بيد أنه واضح أنكم لا تؤمنون بطريقتنا؟
- صمت...
- الصمت جواب، فهل تؤمنون بطريقة أخرى؟
- لنا في الحياة سبيل آخر غير الطرق!
- إجابة مفجعة، ترى ماذا تأخذون على طريقتنا؟
- هل يتسع يا سيدي صدرك لصراحتنا؟
- انه أوسع مما تتصور.
- الحياة في حارتنا معاناة أليمة، انها صحراء مخيفة مليئة بالأكاذيب. صغار المريدين، وهم الكثرة الغالبة، حفاة خانعون.
- انهم راضون، والرضا مطلب روحي مضنون به على غير أهله.
- لا يملكون حيال قوتكم الا الرضا والا ماتوا جوعاً، ولكن لا شك في أنهم يمرون حيارى بهذا البيت الكبير الغارق في الرفاهية.
ما هي طبيعة المعرفة؟
... بالنسبة للوضعية: تتضمن المعرفة فرضيات مثبتة ومبرهنه، يمكن الاعتراف بها على أنها حقائق أو أنها قوانين. ففعل أو سلوك المعرفة هو مرجع نهائي، لا يمكن اختزاله في أي شيء آخر. لذلك، لا يوجد كائن يستطيع تفسير ذلك أو تعريفه. ويمكن للأشخاص الإشارة إليه مجرد إشارة بطريقة غير مباشرة فقط.
ويمكن السيطرة على الطبيعة الحقيقية للمعرفة بواسطتها هي نفسها فقط وبذاتها فقط وليس بأي شيء آخر دونها أو غيرها. وعلى الناس أن يميزوا فعل المعرفة أو سلوكها نفسه عن جميع البيانات والأفعال المجاورة، لإصلاح ذواتنا الروحية بشكل إيجابي، على مثل هذه البيانات، مثل الحكم والإقناع.
ولتعزيز قبضتهم على جوهر المعرفة، ومشاهدتها بوضوح تام، ينبغي عليهم، محاولة التعرف على سماتها المميزة. ومع ذلك، ينبغي عليهم أن يتجنبوا خطأ الفكر القائل بأن التخوف من السمات والخصائص المعينة للمعرفة يمكن أن يسيطر مباشرة على المرجع أو المصدر نفسه. ومن ناحية أخرى، يمكن معرفة هذه الميزات بناءً على اتصال حي وبديهي مع فعل المعرفة وسلوكها.
أما إذا نظروا إلينا كبشر، فإن الدور الأساسي الذي تلعبه المعرفة في حياتنا سوف يلتصق بنا تماماً. فكل رغباتنا وكل كفاحاتنا، وكل حبنا وكل كرهنا، وكل أفراحنا وكل أحزاننا، كلها نعم كلها تحمل راية المعرفة وتشير اليها. إنهم يؤمنون بالوعي وبالرغبة، وبالسعي، وبالمحبة، والمعرفة بهم وفهمهم وادراكهم.
عادة ما تكون المعرفة هي اعتقاد صحيح ومبرر جداً. وكان قد وصف أفلاطون المعرفة بدقة يحسد عليها، حين قال عنها بأنها "إيمان أو اعتقاد صحيح او حقيقي مبرر ومبرهن". وبشكل مختلف، المعرفة هي معرفة أو إدراك أو فهم لشخص ما أو لشيء ما، مثل الحقائق أو مثل المعلومات أو مثل الأوصاف أو مثل المهارات التي يتم اكتسابها من خلال الخبرات أو من خلال واسطة التعليم، أي من خلال الإدراك أو الاكتشاف أو التعلم.
عند مقارنة المعرفة بالحكمة، فإن المعرفة هي جمع الحقائق والمعلومات، والحكمة هي التوليف والتركيب -الجمع- للمعرفة والخبرات في رؤى تعمق معرفة المرء بالارتباطات وبمعنى الحياة. يمكن أن تشير المعرفة إلى المعرفة النظرية أو العملية لقضية ما. ويمكن أن تكون ضمنيةً (غير معلنة) أو صريحةً (واضحة)؛ ويمكن أن تكون أكثر أو أقل رسمية أو منهجية.
الفلسفة الوضعية بين الموضوعية والذاتية
تشير ديرفن Dervin)) (1977) إلى أن كلا الفلسفتين لهما أن تتعايشان معاً. وتميز ديرفن بين المعلومات الموضوعية (المعلومات A) والمعلومات الذاتية -الشخصية- (المعلومات B)، قائلة بأن المعلومات [A] هي المعلومات التي تصف الواقع، التركيب الفطري أو هي نمط الواقع، البيانات كما هي بدون تحريف وبدون تجميل.
أما المعلومات [B] فهي أفكار أو مؤلفات أو صور ينسبها الناس إلى الواقع. وبالمعنى الأكثر عمومية، تشير المعلومات [A] إلى الواقع الخارجي؛ والمعلومات [B] تشير إلى الواقع الداخلي.
وتتبع الفلسفة الوضعية نظرية المعرفة، والتي هي بدورها تحاول توضيح وتفسير وتوقع "ماذا يحدث في العالم الاجتماعي؟". مع التركيز على الانتظام (كأن يحدث شيء ما أو ظاهرة ما بانتظام وبتكرار وترتيب) وعلى الروابط السببية بين المكونات المكونة لهذه الظاهرة.
يعتقد الباحث الوضعي أن أي باحث في العلوم الاجتماعية يمكن أن يكون موضوعياً محايداً، ويقوم بإجراء تحقيقاته ودراساته كمراقب أو كمشاهد خارجي، لذلك يمكنه التحقيق في أو دراسة الأجزاء المجمعة لظاهرة اجتماعية ما في سبيل معرفة الكل. أي أنه يسعى إلى الانتظام والي الارتباطات السببية لتحديد العالم الاجتماعي والتنبؤ به.
الفلسفة الوضعية أو "الفلسفة الإيجابية" -كما يحلو للبعض تسميتها-، هي السائدة جداً في العلم. وهي تفترض أن العلم يقيس كمياً الحقائق المستقلة فيما يتعلق بواقع أو بوجود وحيد يمكن فهمه ويمكن استيعابه.
وبكلمات مختلفة، البيانات وتحليلها خالية من القيمة أو مجردة، والبيانات لا تتغير لأنها تكون تحت عين المشاهد أو تكون خاضعة لعملية المراقبة. أي أن الباحثين والدارسين يرون الكرة الأرضية أو الواقع أو الوجود من خلال "مرآة ذات اتجاه واحد".
ومن الناحية المعرفية، هناك فرق ملحوظ وظاهر بين النظام الوضعي والنظام الطبيعي. في حين أن الأول هو موضوعي في الأساس، نجد الثاني أو الأخير ذاتي في الأساس.
بشكل عام، الفلسفة الوضعية تعارض أو تختلف كليةً مع الميتافيزيقيا. فبحسب الفلسفة الوضعية، فإن الغرض من المعرفة هو مجرد وصف الظواهر التي يمر بها الناس ويرونها. وهدف العلم هو فقط التمسك بما يمكن للناس رؤيته ويمكنهم تقييمه وفهمه. ومعرفة أي شيء يتجاوز ذلك أو يكون ما وراء ذلك، قد يتبناه الوضعي، غير ممكن ولا شك في استحالته أو باليقين كله نقول بأنه مستحيل.
وعلى هذا النحو، فإن الوضعيين يبقون أنفسهم خارج العالم؛ الذي يقومون هم بدراسته وبتحليله. ولكننا، وفي المقابل، نجد الباحثين ضمن النماذج الأخرى يقرون بضرورة المشاركة في الحياة الواقعية إلى حد ما، من أجل فهم خصائصها وميزاتها الناشئة وإيصالها وتوصيلها للأخرين بشكل أفضل وبصورة جلية.
ووفقاً لنظرية المعرفة الوضعية، فإن العلم هو السبيل الوحيد للوصول إلى الحقيقة ولمعرفة كنهها والغوص في أعماقها، ولمعرفة العالم بشكل كافٍ بحيث يمكن التنبؤ به، وكذلك التحكم فيه وتسييره. فالعالم حتمي، ويعمل بموجب قوانين (السببية) "السبب والنتيجة" التي يمكن تمييزها إذا طبقنا الطريقة الوحيدة للأسلوب العلمي.
لذلك، فإن العلم هو في الأساس شأن ميكانيكي أو فقير العاطفة خاليها أو لا يميل عاطفياً انحيازياً في الفلسفة الوضعية، أي العلم دائماً وأبداً موضوعي ومحايد لدرجة متناهية في هذه الفلسفة.
ويتم استخدام نهج استنتاجي لفرضية النظريات القابلة للاختبار، تلك المستمدة من نتائج الدراسات. قد نتعلم ونعرف أن الطريقة لا تتناسب أبداً مع الحقائق بشكل سليم ومنطقي، وبالتالي يجب مراجعة العملية للتنبؤ بالواقع وتوقعه بشكل أفضل ومثالي. ويرى الوضعيين في التجريبية، الفكرة التي تمت تجربتها، محاولة للتمييز بين القوانين الطبيعية من خلال المعالجات المباشرة والمراقبة.
... وللسيرة سلسلة متتابعة من الحلقات...
bakoor501@yahoo.com