الجزيرة نت تتحدث لمروان القاضي أول عربي ينال جائزة الباحثين الشباب
تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT
فجر يوم 19 ديسمبر/كانون الأول 2023، استيقظ الدكتور ماهر القاضي كعادته مبكرا لأداء الفريضة، ثم تفقد سريعا بريده الإلكتروني ليتفاجأ بخبر سعيد: الحصول على جائزة عالمية.
حصل ماهر -الأستاذ المساعد في قسم الكيمياء والكيمياء الحيوية بجامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس الأميركية (UCLA)- على جائزة الباحثين الشباب المقدمة من دورية "إنيرجي ستوريج ماتيريالز".
وتقدِّم الدورية هذه الجائزة سنويا إلى ثلاثة من الباحثين الشباب الذين أثْروا مجال تخزين الطاقة بدراساتهم المتميزة، وأسهموا في تطويره إسهاما كبيرا. ويُعَد القاضي أول باحث مصري عربي يحصل على هذه الجائزة، ومن المتوقع أن يتسلم الجائزة رسميا خلال الربع الأول من عام 2024.
المزج بين الأبحاث والصناعة ميزة تساعد الباحثين على تطبيق دراساتهم في أرض الواقع (الجزيرة) من القاهرة إلى لوس أنجلوستلعب الصدفة أدوارا متنوعة في الحياة، وغالبا ما تكون هذه الصدفة "خيرا من ألف ميعاد".
تخرج القاضي في كلية العلوم بجامعة القاهرة، وخلال سنوات الماجستير عمل الباحث الشاب على تحضير "البوليمرات الموصلة"، وهي مواد بلاستيكية تتميز بقدرتها على توصيل الكهرباء، لذا تُسْتَغَل في تطوير المستشعرات الحيوية المختلفة. وقد حصد اكتشاف هذه البوليمرات جائزة نوبل في الكيمياء عام 2000.
وكما طور الباحثون البوليمرات الموصلة عبر الصدفة نتيجة خطأ غير مقصود في أثناء إجراء التجارب الكيميائية، دفعت الصدفة القاضي إلى لقاء ريتشارد كينر -الأستاذ بقسم علم المواد والهندسة في جامعة كاليفورنيا- عبر مؤتمر بالفيديو عن بعد، الأمر الذي دفع الباحث الشاب إلى الاستقرار في الولايات المتحدة الأميركية منذ العام 2009 لإجراء أبحاث الدكتوراه في معمل البروفيسور كينر.
وبعد مدة أدرك القاضي أن مجال البوليمرات الموصلة -رغم أهميته الكبرى- لم يعد يمتلك كثيرا من الاكتشافات في جعبته، وقدم الباحثون في مجاله عدة دراسات، وذلك إلى أن لعبت الصدفة دورا جديدا.
مكتشفو البوليمرات الموصلة حصدوا جائزة نوبل في الكيمياء عام 2000 (شترستوك) الغرافين.. المادة المعجزةتضمنت الدراسات التي أجراها المعمل البحثي الذي التحق به مروان القاضي العمل على تطوير المواد شديدة الصلابة، الأمر الذي دفعه إلى الاطلاع على أوراق بحثية عدة في هذا المجال.
ولعل أبرز الدراسات التي اطلع عليها القاضي كانت بعنوان "نهوض الغرافين" (The rise of graphene). وعن هذه الورقة يقول القاضي لـ"الجزيرة نت": "تسببت هذه الورقة في تغيير اتجاهي البحثي، فقد ساعدتني على اكتشاف مادة لم نكن حتى ذلك الوقت نعرف عنها كثيرا من التفاصيل".
والغرافين مادة تتكون من طبقة أحادية من الكربون، وتُستخرج من الغرافيت الذي يضم طبقات عدة من الغرافين. وتتضمن أشهر استخدامات الغرافيت تصنيع الأقلام الرصاص.
ويمتلك الغرافين مقومات عدة دفعت العلماء إلى تسميته "المادة المعجزة" منها: توصيل الكهرباء بكفاءة تتخطى كل المواد الموصلة المعروفة، وسُمكه شديد الصِغَر، ومتانته تتخطى الفولاذ، إلى جانب قدرته على تخزين الطاقة.
وهنا قرر القاضي استثمار جُل وقته ودراساته في تطوير استخدام هذه المادة المميزة من أجل استغلالها في صناعة بطاريات تخزين الطاقة وتطويرها، فأجرى دراسات عدة برزت منهم دراستان حققتا تأثيرا كبيرا في مجال علم المواد.
يمتلك الغرافين مقومات عدة دفعت العلماء إلى تسميته المادة المعجزة (شترستوك) أبحاث بارزةيمتلك الغرافين -كما أشرنا- مميزات غير محدودة، لكنه مادة يصعب إنتاجها على المستوى الصناعي الكبير، ويكتفي الباحثون بتحضيرها معمليا بكميات قليلة.
يقول القاضي: "أدركنا إمكانية استخدام الغرافين في صناعة جيل جديد من البطاريات ذات الكفاءة العالية، إلا أن الأمر استدعى تطوير وسيلة بسيطة وسريعة لتحضير هذه المادة بكميات وفيرة، وهو ما عملت على تحقيقه".
في شهر مارس/آذار 2012 نشر مروان القاضي ورقة بحثية بدورية "ساينس" تُقدم وسيلة جديدة لإنتاج أجزاء الغرافين القادرة على تخزين الطاقة التي يطلق عليها "المكثفات الفائقة".
ويشرح القاضي: "أنتج الباحثون الغرافين معمليا عبر استخدام تقنية الشريط اللاصق، وتعني وضع شريط لاصق على الغرافيت متعدد الطبقات، ثم نزع هذا الشريط ليصطحب معه طبقة رقيقة من الغرافين في كل مرة، وهي وسيلة بطيئة لا تصلح للاستخدام في مجال الصناعة".
ويضيف: "طورنا وسيلة جديدة للحصول على الغرافين تضمنت استخدام الليزر الموجود في أجهزة أقراص الفيديو الرقمية (DVD) للكتابة على الغرافيت ومن ثَم استخلاص طبقة الغرافين الرفيعة".
وفي شهر فبراير/شباط 2013، نشر القاضي دراسة في دورية "نيتشر كوميونيكيشنز" عن كيفية استغلال التقنية السابقة في إنتاج مكثفات فائقة الدقة تستطيع أن تُخزن الطاقة وتستهلكها في الأجهزة شديدة الصغر، كما هو الحال في المستشعرات الحيوية التي تتصل بالجسم.
المزج بين الدراسة والصناعة.. سر التميزلم يكتف القاضي بالعمل الأكاديمي، إنما حرص على تحويل دراساته البحثية إلى واقع ملموس. فإلى جانب عمله أستاذا مساعدا، تقلد القاضي منصب رئيس العلوم والتقنية في شركة "نانوتك إنيرجي" الأميركية، وهو أيضا عضو مؤسس بهذه الشركة.
يعلق القاضي: "أعتقد أن أحد العوامل المهمة التي أدت إلى حصولي على هذه الجائزة المزج بين الأبحاث والصناعة، فهذه ميزة نسبية مهمة تساعد الباحث على تطبيق دراساته وتحقيق الفائدة المرجوة منها في أرض الواقع".
وتعمل نانوتك إنيرجي على تطوير أنواع مختلفة من البطاريات المعتمدة على الغرافين، ويأمل الباحث الشاب أن يخرج أولى منتجات هذه الشركة إلى النور خلال النصف الثاني من العام الحالي.
يقول القاضي: "لأن الغرافين من الموصلات الفائقة، ومن المواد شديدة الصلابة والمرونة في نفس الوقت، نحاول استخدام هذه المادة في تصنيع بطاريات فائقة تستطيع تشغيل مختلف الأجهزة والقطاعات.. إن بطاريات الغرافين مناسبة لتشغيل مراكز المعلومات الكبرى (Data centers) مثل أمازون، كما تستطيع دعم الشبكات الكهربائية مختلفة الأحجام بطاقة ثابتة، هذا إلى جانب تشغيل الأجهزة الإلكترونية المختلفة مثل الموبايل والدراجات الكهربائية".
الجائزة تؤكد السير في الطريق الصحيحأكد القاضي أن الجائزة ما هي إلا "تقدير لإسهامه العلمي"، و"إشارة إلى سيره في الاتجاه الصحيح"، الأمر الذي يقدم له حافزا ضخما تجاه بذل مزيد من المجهودات لإثراء علم المواد، وهو المجال الذي يعده أحد أهم المجالات العلمية.
يقول: "أعتقد أن تخصص علوم المواد يستدعي اهتماما كبيرا من قِبَل الباحثين والمؤسسات العلمية، فالتقدم في هذا المجال الخطير يحدد مدى هيمنة الدول اقتصاديا -وربما سياسيا- على باقي دول العالم".
وعن إمكانية تضمين صناعة بطاريات تخزين الطاقة داخل حدود وطننا العربي، يوضح القاضي أن توطين هذه الصناعة "ليس أمرا مستحيلا، لكنه يستدعي وجود إرادة حكومية قوية، وآليات تنفيذ محكمة، مع توفير الدعم اللوجستي اللازم لمثل هذا النوع من الصناعات".
وأشاد القاضي بسعي المغرب نحو توطين تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية، واعتبر أنه البلد الذي يسعى إلى الريادة في سوق إنتاج السيارات الكهربائية العالمي.
وينهي حديثه بالقول: "آمل أن تسعى الدول العربية إلى تجهيز بنية تحتية قوية تسمح بتصنيع البطاريات مستقبلا، فكلنا نعلم أن العالم بأكمله يتجه نحو توليد الطاقة النظيفة وتخزينها، الأمر الذي سيُعظم حجم سوق صناعة البطاريات".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: تخزین الطاقة الأمر الذی
إقرأ أيضاً:
مبادرة “بالعربي” تحصد جائزة مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية بدورتها الثالثة
حصدت مبادرة “بالعربي”، إحدى أبرز المبادرات المعرفية التابعة لمؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، والرامية إلى تشجيع استخدام اللغة العربية ومفرداتها في الحياة اليومية جائزة مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية بدورتها الثالثة، تقديراً للإنجازات الكبيرة التي حقَّقتها في خدمة اللغة العربية ونشر الوعي اللغوي بين أفراد المجتمعات العربية. وكرَّم مجمع الملك سلمان للغة العربية، فريق المؤسَّسة خلال حفل تكريم الفائزين بالجائزة والذي تم تنظيمه مؤخراً في العاصمة السعودية الرياض.
وأعرب سعادة جمال بن حويرب، المدير التنفيذي لمؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، عن بالغ سعادته بحصول مبادرة “بالعربي” على هذا التكريم الرفيع الذي يثبت من جديد نجاح المؤسَّسة في تعزيز اللغة العربية وتكريس حضورها داخل الأوساط المعرفية والأدبية والمجتمعية، وتوسيع مساهمتها في المحتوى الرقمي العربي على الشبكة العنكبوتية، وقال سعادته: “لطالما سعت المؤسَّسة إلى إطلاق المبادرات واحتضان الفعاليات التي تُعنى باللغة العربية وتؤكد مرونتها وحيويتها وقدرتها على احتواء إبداعات الفكر الإنساني في كل زمان. وتمثِّل مبادرة “بالعربي” مثالاً نموذجياً في هذا السياق، إذ نجحت على مدار السنوات في تحفيز الأجيال الشابة لاستخدام لغتهم العربية كلغة تواصل على منصات التواصل الاجتماعي، وعمَّقت معرفتهم بكنوز العربية وقدرتها الاستثنائية على تقديم أساليب متنوعة ودقيقة للتعبير عن الأفكار”.
وأضاف سعادته: “يمثِّل الفوز بهذه الجائزة حافزاً جديداً للمؤسَّسة لمواصلة جهودها الدؤوبة في دعم اللغة العربية وتعزيز استخدامها اليومي عبر مختلف القنوات، والتمسك بها لغةً للعلم والمعرفة، فهي تمثل هويتنا وتختزل تاريخنا الحضاري وتعبر عن انتمائنا الأصيل لحضارتنا العربية العريقة”.
وحصدت مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة الجائزة عن فئة المؤسَّسات لفرع نشر الوعي اللغوي وإبداع المبادرات المجتمعية، تقديراً لما حققته مبادرة “بالعربي” من تعزيز لحضور العربية على المستويين الإقليمي والدولي، عبر تشجيع الفئات الشابة على التوسع في استخدام اللغة العربية على شبكة الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي وتحفيزهم إلى إنتاج محتوى إبداعي يبرز جمالية اللغة ومكانتها الحضارية الفريدة.
ومن جهة أخرى، قدَّمت المؤسَّسة العديد من المشاريع الأخرى الدافعة لمسارات تمكين اللغة العربية، عبر استضافة العديد من المحاضرات والفعاليات، وإعداد الدراسات العلمية، وتنظيم الجلسات النقاشية التي تعنى بموضوعات الترجمة والأدب، فضلاً عن احتضانها المبادرات والمشاريع والفعاليات التي تُسهم في زيادة الوعي بأهمية اللغة العربية بصفتها جسراً للتواصل بين المجتمعات، ووسيلة حيوية لحمل الفكر واحتواء التطور العلمي والتكنولوجي المتسارع الذي يشهده العالم.
وتُعد الجائزة تأكيداً جديداً لأهمية التعاون بين المؤسَّسات المعرفية العربية من أجل تعزيز الهوية اللغوية وإثراء الحراك الفكري داخل الأوساط المختلفة، حفاظاً على التراث اللغوي العربي الغني، وترسيخاً لقدرة اللغة على استيعاب تطورات المستقبل بكل ما تحمله من تحديات وفرص.