شروق شعبان خصر تكتب: في شهر جبر الخواطر
تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT
مما لا شك فيه أن الأيام والليالي لها تمايزات تتيه بها فخراً على بعضها البعض؛ ففضلت ليله القدر على غيرها، وفضل شهر الصيام على غيره. وإذا كان الإنسان يعيش مع ربه في حاله من الرجاء يرجو منه سبحانه الجبر لخاطره فإن مدخل العبادة وجبر الخاطر عند الله في رمضان هو أن يستلهم الإنسان هذا الخُلق متأسياً به في رجب وشعبان.
من هذا المنطلق كانت صنائع المعروف، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الاخرة، فمن سار بين الناس جابراً للخواطر أدركه الله في جوف المخاطر، وجدير بنا أن نقول: إن الأجمل من الجمال جبر الخواطر وكل إنسان منا قد حُفِرت في ذاكرته صور لأناس كان لهم عظيم الأثر في حياته بمواقف قد سطرت أو بكلمات قد غلفت أرواحهم بكل لطف أو حتى بتصرف أثلج قلوبهم في أوقات هم بأمس الحاجه فيه لمن يجبر كسرهم ويداوي فيه جراحهم.
إن جبر الخواطر من أعظم العبادات الخَفِيَّة التي يتقرب بها العبد إلي ربه جل جلاله وعظم سلطانه، فهو خلق إسلامي عظيم إن دل على شيء فإنما يدل على سمو روح، وعظمة قلب، ورحابة صدر، وسلامة عقل، يجبر فيه المسلم نفوساً قد كسرت وقلوباً قد فُطِرت وأجساماً قد أُرهقت من متاعب الحياة ومشقاتها، فما أجملها من عبادة! وما أعظم أثرها على النفوس! يقول الامام سفيان الثوري: "ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلي ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم".
إن أجر هذه العبادة في وقتها المناسب يفوق كثيراً من أجور العبادات والطاعات مما يضفي على هذا المصطلح جمالاً وبهاءَ.
إن الجبر كلمة مأخوذة من أسماء الله الحسني وهو الجبَّار جل جلاله وهذا الاسم بمعناه الجميل يطمئن القلب ويسكن الروح فهو سبحانه الذي يجبر الفقر بالغني، والمرض بالصحة، والخيبة والفشل بالتوفيق والأمل، والخوف والحزن بالأمن والأمان، فهو جبَّار متَّصِف بكثرة جبره لحوائج الخلق أجمعين، فقد جبر خاطر سيدنا يعقوب عليه السلام فرد عليه ولده يوسف وأخاه.
وفي جبر الخواطر لذة لا يعرفها إلا من جربها، كما فيها من تفريج الكرب وتيسير الأمور مع الأجور ما لا يعلمه إلا الله، فحاول دائماً أن تكون إنساناً لا شيء يريحه أكثر من عمل الخير وجبر الخواطر.
جَبْرُ الخَواطِرِ لو علِمْتَ – عِبادَةْ
في القلْبِ تورِثُ بهْجةً وسعادَةْ
وهيَ النَّجاةُ مِنَ المَتاعِبِ والأسَى
وهيَ الرِّضا للرُّوحِ فوْقَ العادَةْ
وبها يقيكَ اللهُ كــلَّ بَلِيَّةٍ
وبها يُبَلِّغُكَ المُنَى وزِيادَةْ
فاحْرِصْ عليْها ما حييتَ – فإنَّها
لكَ في الليالي نَجْمَةٌ وَقّادَةْ
واعلم أخي القارئ أن الذي يجبر خواطر الناس إنسان يستحق من القلب شكراً ودعاءً بأن يجبر الله خاطره.
وحين تنكسر الخواطر فالتزم أنت جبر الخواطر يحمك الله تعالي من المخاطر، واعلم أنها عبادة لا ينساها الله القوي الجبار.
كُن بَلسَماً إِن صارَ دَهرُكَ أَرقَما
وَحَلاوَةً إِن صارَ غَيرُكَ عَلقَما
إن إماطة الأذى عن المشاعر وقلوب الناس لا يقل درجة عن إماطة الأذى عن طريقهم اجبروا الخواطر، وراعوا المشاعر، وانتقوا الكلمات، وتلطفوا بأفعالكم، ولا تؤلموا أحداً بأقوالكم، "وقولوا للناس حسناً" فمن جَبَر جُبِر، ولعل الخاطر الذي تجبره يحبه الله، فيحبك الله، فيجبرك لجبرك خاطر يحبه، فكما تدين تُدان وبالكيل الذي تكيل يُكال لك.
ويكفي لمعرفة مدى أهمية هذا الخلق وعظم فضله أن نعلم أنه من أهم ما تميز به النبي صل الله عليه وسلم، وعليه فإن من الخصائص التي تميز بها شهر رجب الحرام أنه يعد شهر جبر الخواطر.
فلله فقد جبر الله خاطر سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم برحلة الإسراء والمعراج، بعد أن اشتد عليه أذى المشركين في مكة، ولما لجأ إلى أهل الطائف عاملوه كمعاملة أهل مكة له أو أشد، ولما رجع إلى مكة لم يستطع دخولها إلى في جوار أحد المشركين، فكافأه الله عز وجل وجبر خاطره برحلة الإسراء والمعراج.
وحري بنا أن نجبر خواطر الناس في هذا الشهر العظيم بكلمة طيبة، أو لمسة حانية، أو بسمة ضاحكة، أو نظرة راضية، أو تفريج كربة مكروب، أو أخذ بيدي ضعيف، أو إطعام مسكين، أو مسح على رأس يتيم.
وفي الختام، أسأل الله عز وجل أن يجبرنا، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صل الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: "اللهم اغفر لي وارحمني وأهدني واجبرني وارزقني".
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: جبر الخواطر
إقرأ أيضاً:
رب الناس. إله الناس. ملك الناس
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
يزعم اليهود انهم شعب الله المختار، ويزعمون ان الله خلق الشعوب الاخرى كي تخدمهم. ويزعم بعض المسلمين ان الله ربهم وحدهم، في حين ترى فرقة من المسلمين ان الله خلق هذا الكون من اجل إعلاء شأنهم، وهو الذي امرهم بالتشدد والتطرف (حاشا لله). .
وقف الخطيب في احدى المساجد العربية ليحدث المصلين، فقال: ان الله رب المسلمين. . فقال له احدهم: كلا يا شيخ. بل رب العالمين. . لكن الشيخ أستأنف حديثه ولم يتوقف. ثم عاد وكرر كلامه السابق، فقال: ان الله رب المسلمين. فاعترض عليه آخرون، ثم كررها ثلاث مرات، فضج المسجد بصيحات المعترضين عليه. .
قالوا له: اتق الله يا شيخ. ألا تعلم ان الله رب العالمين وانه الرحمن الرحيم، وأنه رب الناس، وإله الناس، وملك الناس. .
عندئذ تنفس الشيخ الصعداء وخاطبهم بلهجة حازمة واعية. قال لهم: إذا كنتم تعلمون انه رب العالمين وانه الرحمن الرحيم فلماذا تنبذون الناس ؟. ولماذا تنعتونهم بالكفر والفسوق والعصيان ؟. لماذا قسمتم المجتمع إلى مسلمين وغير مسلمين، وإلى مؤمنين وغير مؤمنين؟. كيف سمحتم لانفسكم محاسبة خلق الله ؟. .
هذه هي المشكلة المتفشية الآن في معظم البلاد الإسلامية، وبخاصة في الشرق الأوسط، فالمسلحون الذين صعدوا إلى سدة الحكم في الشام يضعون العلويين في خانة الكفر والألحاد. ويضعون معهم الشيعة والمسيحيين، وعلى هذا القياس جاء تعاملهم مع الدروز والسريانيين والآشوريين والأكراد. . ولديهم فتاوى من الدعاة والمشايخ تقضي بقتل من لا ينتمي اليهم، والقتل عندهم متاح مباح لكل من يحمل السلاح. والحساب عندهم غير محدد بمكان وزمان. قد يقتحمون عليك بيتك ويسألونك هل انت علوي أم درزي أم شيعي أم إسماعيلي ؟. ثم يمطرونك بوابل من الرصاص ويردونك قتيلا في الحال، ويأخذون زوجتك سبية. ويصادرون أملاكك باعتبارها من الغنائم. .
غير مسموح لك بمناقشتهم. عندهم الشيعي كافر، والمسيحي كافر، والعلوي كافر، والفنزويلي كافر، والبرازيلي كافر، والهولندي كافر، واليوناني كافر، والصيني كافر. بمعنى آخر ان الشعوب والامم التي تعيش في القارات البعيدة وفي البلدان المجاورة كلهم كفّار ومصيرهم النار. والنجاة محسومة هذه الايام لمن يحمل بيده السلاح. ومحسومة ايضاً لأصحاب الضفائر الطويلة، الذين اغتصبوا السويداء والقنيطرة ووصلوا إلى جرمانا، وما ادراك ما جرمانا ؟. .
لكن اللافت للنظر ان امريكا هي التي أعطتهم السلاح، وهي التي منحتهم العتاد والذخيرة، ووفرت لهم الغطاء الدولي والدعم اللوجستي، وهي التي رسمت لهم خارطة الطريق (الجهادي) المعادي المسلح. وهي التي جندت لهم المشايخ والدعاة ومنحتهم الترخيص الرسمي لارتكاب التصفيات الجسدية بالصغار والكبار. .
ختاماً: نحن لا نخشى سواد الليل بل نخشى اصحاب القلوب السود. فسواد الليل ينقشع مع نور الفجر، وهؤلاء لا فجر لهم. .