صدى البلد:
2025-02-16@14:30:03 GMT

شروق شعبان خصر تكتب: في شهر جبر الخواطر

تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT

مما لا شك فيه أن الأيام والليالي لها تمايزات تتيه بها فخراً على بعضها البعض؛ ففضلت ليله القدر على غيرها، وفضل شهر الصيام على غيره. وإذا كان الإنسان يعيش مع ربه في حاله من الرجاء يرجو منه سبحانه الجبر لخاطره فإن مدخل العبادة وجبر الخاطر عند الله في رمضان هو أن يستلهم الإنسان هذا الخُلق متأسياً به في رجب وشعبان.

 


من هذا المنطلق كانت صنائع المعروف، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الاخرة، فمن سار بين الناس جابراً للخواطر أدركه الله في جوف المخاطر، وجدير بنا أن نقول: إن الأجمل من الجمال جبر الخواطر وكل إنسان منا قد حُفِرت في ذاكرته صور لأناس كان لهم عظيم الأثر في حياته بمواقف قد سطرت أو بكلمات قد غلفت أرواحهم بكل لطف  أو حتى بتصرف أثلج قلوبهم في أوقات هم بأمس الحاجه فيه لمن يجبر كسرهم ويداوي فيه جراحهم.

إن جبر الخواطر من أعظم العبادات الخَفِيَّة التي يتقرب بها العبد إلي ربه جل جلاله وعظم سلطانه، فهو خلق إسلامي عظيم إن دل على شيء فإنما يدل على سمو روح، وعظمة قلب، ورحابة صدر، وسلامة عقل، يجبر فيه المسلم نفوساً قد كسرت وقلوباً قد فُطِرت وأجساماً قد أُرهقت من متاعب الحياة ومشقاتها، فما أجملها من عبادة! وما أعظم أثرها على النفوس! يقول الامام سفيان الثوري: "ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلي ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم". 

إن أجر هذه العبادة في وقتها المناسب يفوق كثيراً من أجور العبادات والطاعات مما يضفي على هذا المصطلح جمالاً وبهاءَ. 

إن الجبر كلمة مأخوذة من أسماء الله الحسني وهو الجبَّار جل جلاله وهذا الاسم بمعناه الجميل يطمئن القلب ويسكن الروح فهو سبحانه الذي يجبر الفقر بالغني، والمرض بالصحة، والخيبة والفشل بالتوفيق والأمل، والخوف والحزن بالأمن والأمان، فهو جبَّار متَّصِف بكثرة جبره لحوائج الخلق أجمعين، فقد جبر خاطر سيدنا يعقوب عليه السلام فرد عليه ولده يوسف وأخاه.

وفي جبر الخواطر لذة لا يعرفها إلا من جربها، كما فيها من تفريج الكرب وتيسير الأمور مع الأجور ما لا يعلمه إلا الله، فحاول دائماً أن تكون إنساناً لا شيء يريحه أكثر من عمل الخير وجبر الخواطر.

جَبْرُ الخَواطِرِ لو علِمْتَ – عِبادَةْ
في القلْبِ تورِثُ بهْجةً وسعادَةْ

وهيَ النَّجاةُ مِنَ المَتاعِبِ والأسَى
وهيَ الرِّضا للرُّوحِ فوْقَ العادَةْ

وبها يقيكَ اللهُ كــلَّ بَلِيَّةٍ
وبها يُبَلِّغُكَ المُنَى وزِيادَةْ

فاحْرِصْ عليْها ما حييتَ – فإنَّها
لكَ في الليالي نَجْمَةٌ وَقّادَةْ

واعلم أخي القارئ أن الذي يجبر خواطر الناس إنسان يستحق من القلب شكراً ودعاءً بأن يجبر الله خاطره. 

وحين تنكسر الخواطر فالتزم أنت جبر الخواطر يحمك الله تعالي من المخاطر، واعلم أنها عبادة لا ينساها الله القوي الجبار.
كُن بَلسَماً إِن صارَ دَهرُكَ أَرقَما
وَحَلاوَةً إِن صارَ غَيرُكَ عَلقَما

إن إماطة الأذى عن المشاعر وقلوب الناس لا يقل درجة عن إماطة الأذى عن طريقهم اجبروا الخواطر، وراعوا المشاعر، وانتقوا الكلمات، وتلطفوا بأفعالكم، ولا تؤلموا أحداً بأقوالكم، "وقولوا للناس حسناً" فمن جَبَر جُبِر، ولعل الخاطر الذي تجبره يحبه الله، فيحبك الله، فيجبرك لجبرك خاطر يحبه، فكما تدين تُدان وبالكيل الذي تكيل يُكال لك.

ويكفي لمعرفة مدى أهمية هذا الخلق وعظم فضله أن نعلم أنه من أهم ما تميز به النبي صل الله عليه وسلم، وعليه فإن من الخصائص التي تميز بها شهر رجب الحرام أنه يعد شهر جبر الخواطر.

فلله فقد جبر الله خاطر سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم برحلة الإسراء والمعراج، بعد أن اشتد عليه أذى المشركين في مكة، ولما لجأ إلى أهل الطائف عاملوه كمعاملة أهل مكة له أو أشد، ولما رجع إلى مكة لم يستطع دخولها إلى في جوار أحد المشركين، فكافأه الله عز وجل وجبر خاطره برحلة الإسراء والمعراج.

وحري بنا أن نجبر خواطر الناس في هذا الشهر العظيم بكلمة طيبة، أو لمسة حانية، أو بسمة ضاحكة، أو نظرة راضية، أو تفريج كربة مكروب، أو أخذ بيدي ضعيف، أو إطعام مسكين، أو مسح على رأس يتيم. 

وفي الختام، أسأل الله عز وجل أن يجبرنا، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صل الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: "اللهم اغفر لي وارحمني وأهدني واجبرني وارزقني".

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: جبر الخواطر

إقرأ أيضاً:

أمين الفتوى: العفو خلق نبوي عظيم ومفتاح لنيل رحمة الله

أكد الدكتور علي فخر، أمين الفتوى بدار الإفتاء، أن العفو من أعظم مكارم الأخلاق التي دعا إليها الإسلام، وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قدوة في التحلي بها، حيث كان يعفو حتى عن من ظلمه وأذاه.

العفو طلبًا لعفو الله

وأوضح الدكتور علي فخر، خلال لقائه في برنامج «فتاوى الناس» المذاع على قناة الناس، أن الإنسان إذا تأمل في خلق العفو، سيدرك أنه بحاجة إلى عفو الله ورحمته، مستشهدًا بقول الله تعالى: «وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ»

وأضاف أن المسامحة والتجاوز عن أخطاء الآخرين هي من صفات المؤمنين الصادقين، لافتًا إلى أنه حين يكون هناك خلاف بين شخص وآخر، ويطلب منه الناس العفو، يجد في نفسه تمسكًا بحقه وتشددًا، ولكنه لو تذكر حاجته إلى عفو الله، فسيكون أكثر تسامحًا.

لماذا نعفو عن الآخرين؟

وأشار إلى أن الإنسان أحوج ما يكون إلى عفو الله، فهو سبحانه القادر على العقاب ولكنه يعفو عن عباده، فكيف يطلب الإنسان العفو من الله وهو لا يعفو عن الناس؟.

وحث أمين الفتوى الجميع على المسارعة إلى العفو، حتى لو تعرضوا للظلم، لأن العفو سبب في نيل رحمة الله ورفع الدرجة عنده.

العفو مفتاح الرحمة والمغفرة

وختم الدكتور علي فخر حديثه بتأكيده أن من لم يعفُ عن الناس في الدنيا، فكيف سيطلب العفو من الله يوم القيامة؟ لذا، فإن العفو عن الآخرين ليس ضعفًا، بل قوة ورفعة في الدنيا والآخرة.

مقالات مشابهة

  • وفيق صفا: علاقتنا باليونيفيل جيدة.. وعلى السلطة والجيش عدم الضغط على الناس
  • أمين الفتوى: العفو خلق نبوي عظيم ومفتاح لنيل رحمة الله
  • علامات الساعة الصغرى والكبرى كما وردت في القرآن والسنة
  • التسامح في الإسلام.. كيف يعكس العفو عن الناس رحمة الله؟.. فيديو
  • الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: جاه سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم (1)
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
  • إمام مسجد عمرو بن العاص: شعبان شهر ترضية رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا السبب
  • «داعية إسلامي»: النصف من شعبان ليلة التجلي الأعظم والمغفرة الواسعة
  • دعاء النبي ليلة النصف من شعبان.. ردده يجبر الله بخاطرك جبرًا يتعجب منه أهل السموات والأرض
  • خالد الجندي: أي عمل صالح لن يشفع لمن يقع في هذا الخطأ