كنائس مصر تحتفل بعيد الغطاس المجيد
تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT
«البلابيصا».. مصابيح البهجة الفرعونية حفظها الأقباط من الاندثار
«القلقاس والقصب».. أبرز الرموز الاحتفالية فى الثيؤفانيا
القديس يوحنا المعمدان.. مُهيِّئ طريق مُخلص الأمة
أسباب تسمية هذه المناسبة بـ«عيد الظهور الإلهى»
دقت أجراس الكنائس القبطية الأرثوذكسية يوم الجمعة الماضى احتفالاً بمناسبة عشية عيد الغطاس المجيد، المعروف كنسياً بـ«عيد الظهور الإلهى»، وهو من أهم الفعاليات الروحية والأعياد السيدية الكبرى حسب العقيدة الأرثوذكسية التى يستهل بها الأقباط احتفالاتهم فى العام الميلادى الجديد، كما يحمل معانى روحية جليلة متعلقة بأحد أسرار الكنيسة.
وبعدما امتلأت الكنائس الأسبوع الماضى فى عيد الميلاد لإحياء أول مناسبة إيمانية وهى ذكرى مولد يسوع المسيح، وبعد 8 أيام عادة ما تحتفل الكنيسة المصرية بعيد الغطاس فى 11 طوبة حسب التقويم القبطى، ويأتى بعد احتفالها بـ«عيد الختان» الذى يمر على الأقباط بعد ميلاد السيد المسيح، وتعد أبرز وأولى الفعاليات والطقوس الإيمانية التى تتمتع بمكانة روحية خاصة لدى جميع المسيحيين بمختلف الطوائف على الرغم من اختلافات موعد احتفال كل طائفة بهذه المناسبة.
ترأس قداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، مساء الجمعة الماضى، صلوات القداس الإلهى الاحتفالى بمناسبة عشية عيد الغطاس بالكاتدرائية المرقسية فى الإسكندرية بحضور رموز وأحبار الكنيسة المصرية، لإحياء ذكرى تعميد السيد المسيح على يد القديس يوحنا المعمدان فى نهر الأردن وخروج سر «المعمودية» للعالم المسيحى.
وقبل أيام من هذه المناسبة التى تحتفل بها الكنيسة المصرية اعتادت كنيسة الروم الأرثوذكس الاحتفال بـ«عيد الظهور الإلهى»، وعادة ما تجرى العادة فى كل عام بإقامة طقس تقديس المياه بعد الصلاة ثم تقدم «كعكة العام الجديد» حسب التقليد اليونانى الشهير، ويحتل الغطاس مكانة خاصة لدى الجميع وعادةً ما يقترن ببعض العادات والتقاليد القديمة المرتبطة بالطوائف.
سبب تسمية «الغطاس» بعيد الظهور الإلهى
يشتهر عيد الغطاس بعدة أسماء مختلفة مثل «الظهور الإلهى، الثيؤفانيا، أو ثيؤفانى، وإبيفانيا»، وترتبط هذه الألقاب بمعانٍ روحية ولغات متنوعة تأثرت بقصة المعمودية، وتحمل كل منها مكانة متعلقة بالإيمان المسيحى، فالاسم الأول يعكس معنى ظهور قوة الله الواحد «مثلث الأقانيم» وتأخذ عدة معانى مثل «طبيعة، ذات، كيان، شخص»، والأقنوم هو شخصية فريدة، وجميعها تعكس مفردات روحية مرتبطة بالعقيدة المسيحية تتعلق بكلمة المتجسد الذى يظهر معمداً فى نهر الأردن على يد القديس يوحنا.
وجاء هذا الاسم من ظهور الروح القدس على شكل «حمامة» كانت تستقر على كتفه حسبما ورد فى الكتب المسيحية، ولا يختلف هذا المعنى مع كلمتى «الثيؤفانيا، ثيؤفانى»، وهو تعبير لاهوتى مشهور فى العقيدة، وحسبما ورد فى الكتب الإيمانية فهو مأخوذ من اللغة اليونانية ومكون من شقين الأول «ثيؤسى» وتعنى «الله» والجزء الثانى هو «فانين» أى «يظهر».
وباعتبار هذه المناسبة التى شهدت معمودية المسيح هو ذات اليوم الذى كان فيه ظهور «الثالوث» واضحاً لذلك عرف بعيد الظهور الإلهى، أو الثيؤفانيا.
أما عن الاسم الثالث «إبيفانيا» فهى كلمة كثيرا ما تتردد عن عيد الغطاس أو الظهور الإلهى فى ذكرى المعمودية، وهى كلمة يونانية الأصل تنقسم إلى شقين؛ الأول هو «أبى» يعنى فوق، «فانيا» أى يضىء أو ظهور، وتتجسد فى معنى هذه الكلمة ظهور حلول الروح القدس على هيئة حمامة وانشقاق السماء، حسبما ورد فى بحوث الآباء عن عيد الظهور، وقد وردت كلمة «إبيفانياس» فى هذا الشكل اللغوى عن ذكرى مجىء السيد المسيح الأول وإتمامه الخلاص فداءً للأمة.
كانت للحظة عماد المسيح أثر روحى كبير فقد ظهر واضحاً لدى الجميع «الثالوث المقدس» حسب العقيدة الإيمانية، أثناء صعود المسيح من داخل نهر الأردن واقترن ذلك بالعلامة التى أعطيت ليوحنا المعمدان، مع انشقاق أو انفتاح السماء ووجود الحمامة التى استقرت على كتفه فى صورة خالدة لا يزال المسيحيون يحتفلون بها حتى اليوم، ويذكر فى كثير من المواضع المسيحية أن هذا الحدث هو تحقيق لقول إشعياء النبى فى نبوته حول تجسيد الروح القدس.
تاريخ الاحتفال بعيد الغطاس
يُعد عيد الغطاس من أقدم المناسبات الروحية هو وعيد القيامة، ويعود أول موضع ذكر فيه هذه المناسبة إلى القرن الثانى الميلادى، وفى القرن الرابع والخامس ميلادى كانت الكنائس تحتفل بعيد الظهور الإلهى لإحياء عيدى الميلاد ومعمودية المسيح بن مريم، ثم تحول فيما بعد أن تقام احتفاليتان منفصلتان والاحتفال بذكرى الميلاد وبعد أيام يتم الاحتفال بذكرى عماد المسيح.
وسنت شريعة المعمودية فى الكنيسة فيما بعد بالتغطيس لكل مسيحى، وهى ممارسة تطهيرية وترمز للتوبة وبداية الحياة المسيحية.
نهر الأردن الشاهد على سر المعمودية
كان نهر الأردن الشاهد على معمودية يسوع على يد القديس يوحنا الذى يعتبر مُربِّى المسيح وممهد طريقه، وانبعثت منها هذه المناسبة وانتشر للعالم المسيحى الاحتفال بـ«عيد الغطاس».
القديس يوحنا المعمدان.. ممهد طريق المسيح
يُعد «يوحنا المعمدان» من أبرز القديسين فى التاريخ القبطى، ويتبع نسل هارون ومن عشيرة كهنوتية وعاش فى كنف أبوين تقيين وهما زكريا الكاهن وإليصابات، بقرية عين كارم المتصلة بجنوب القدس بفلسطين، واعتبر مُهيِّئ الطريق ليسوع المسيح.
تمتع هذا القديس بشهرة روحية كبيرة على مر العصور حتى جاء عصر الإمبراطور هيرودس الرابع الذى أمر بقطع رأسه، فأخذت زوجة الإمبراطور «هيروديا» رأس القديس على صحن قديم ودفنته فى مكان بالقرب من قصر الحاكم واعتبرت هذه البقعة مقدسة تندرج فى قائمة الآثار الدينية التي قصدها الملايين.
«البرمون» صوم الأقباط قبل الغطاس
صام الأقباط اليوم الذى سبق العيد ويعرف كنسياً بـ«برمون الغطاس»، صوماً انقطاعياً والقاعدة الطقسية أن يكون البرمون يوماً واحداً أما إذا وقع العيد يوم الاثنين فيكون البرمون ثلاثة أيام، وأولها يوم الجمعة ويصام انقطاعياً للغروب، ثم يومى السبت والأحد يصامان صوماً عادياً، إذ لا يجوز فيهما الصوم الانقطاعى حسب الطقس الكنسى.
وإذا وقع العيد يوم الأحد فيكون البرمون يومين، الجمعة ويصام انقطاعياً والسبت صوماً عادياً، وتقرأ خلاله فصول يوم 10 طوبة، ويعد هذا الصوم الدرجة الأولى يستمر حتى المساء ولا يتناول فيه المأكولات البحرية وتُصلى الكنائس بالطقس السنوى المعتاد والإبصالية والطرح الذى يُطبق كل عام فى عشية البرامون.
عادات قديمة أحيتها الكنيسة
أخذ الاحتفال فى مصر عدة أوجه وتأثر بالحضارة الفرعونية وما كان يحدث فى مصر القديمة، فقد جمعت الكنيسة القبطية بين العقيدة واحتفالاتها مع العادات والتقاليد الاحتفالية فى الحضارة المصرية.
وكان الأقباط يحرصون على الاحتفال بالغطاس عند شاطئ النيل، وكثيراً ما كان يلقى أو يغطس فى مياه النيل كرمز لمعمودية السيد المسيح، ولكنه اكتسب الطابع المصرى عندما دمجت بين الطبيعة والاحتفال، ومن أبرز هذه المظاهر ما يعرف بـ«فانوس أو قنديل الغطاس» وهو عمل شعبى عبارة عن تفريغ فاكهة البرتقال ووضع داخلها الشموع وتعرف بـ«البلابيصا»، وكانت تستعمل للإنارة رمزاً لبهجة العيد وهى عادة مصرية قديمة، وكغيرها من المناسبات القبطية ارتبط هذا العيد ببعض المأكولات الموسمية مثل قصب السكر واليوسفى والبرتقال والقلقاس.
طقوس قبطية مميزة
يأخذ الاحتفال فى مصر طابعا فريدا ومذاقا خاصا، إذ عادة ما يرتبط احتفال عيدى «الميلاد والغطاس» بطقوس خاصة ويرتبطان فى طقس واحد وهو «اللقان» لا يتكرر سوى ثلاث مرات خلال العام، وتعنى فى المسيحية الاغتسال، عادة ما يقوم الأب القس برسم جبهة الرجال بعد الصلاة كرمز للاغتسال من الخطيئة، وصلاة لتبريك المياه.
«تطير المياه» بعيد الغطاس
يجد من يطلع على العادات القبطية خلال هذه المناسبة «طقس تطهير المياه» حيث يقوم الكاهن بإلقاء الصليب فى النهر ليباركه أسوة بتغطيس المسيح فى نهر الأردن.
اندرج طقس التعميد ضمن الأسرار السابعة بالكتاب المقدس وأصبح تقليداً مسيحياً يشير إلى دخول الإنسان تحت مظلة الإيمان بالمسيحية، ويؤول إلى القديس يوحنا المعمدان الفضل فى تطبيق هذا الطقس الذى انتشر وعُرف فيما بعد بـ«المعمودية» نسبةً له.
طرق احتفال مرتبطة بالحضارة الفرعونية
يرجع تفرد الكنيسة المصرية إلى تأثرها بالحضارة المصرية، ويبدو واضحاً هذا التميز فى طرق الاحتفال التى تعد بمثابة وثيقة حفاظ على العادات الفرعونية، وأخذت من النباتات والطبيعة رموزاً لها أسوة بهذه الحضارة، لذا يجد من يبحث فى طقوس الأقباط طابعا فريدا يرتبط بالطبيعة.
عادات ترمز للتوبة فى حياة الأقباط
وكثيراً ما يتناول الأقباط أطعمة خاصة بكل مناسبة وفى هذا العيد لا تخلو طاولة الطعام بالمنازل المسيحية فى مصر من «القلقاس والقصب» وعلى الرغم أنها عادة فرعونية ولكنها ذات رمز مقدس لدى الكنيسة ومعنى روحى للمعمودية، وهذا ما وصفه مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث، فى إحدى العظات والتأملات، التى تساهم فى عودة الإنسان الذى يريد التوبة إلى الله.
السبب العقائدى فى تناول القلقاس
ربط الأقباط بين نبات القلقاس وسر المعمودية من تطهير للإنسان من الخطيئة، ويرجع سبب تناوله فى الغطاس إلى احتوائه على مادة سامة ومضرة للحنجرة «وهى المادة الهلامية» إلا أن هذه المادة السامة إذا اختلطت بالماء تحولت إلى مادة نافعة، وأيضاً السبب فى آلية زراعته حيث يتم دفنه كاملاً فى الأرض.
«القصب» رمز التوبة والمعمودية
أما عن «القصب» فيُعد رمزاً للمعمودية بسبب موضعه فى الأماكن الحارة، وتشير إلى حرارة الروح التى ينمو فيها الإنسان باستقامة وهو ينقسم إلى عدة فقرات وكل فقرة تشبه الفضيلة التى يكتسبها فى حياته الروحية حتى يصل إلى العلو.
احتفالات الغطاس فى محافظات مصر
شهدت الكنائس القبطية فى مختلف الإيبارشيات بالمحافظات المصرية، يوم الجمعة، «قداس برمون» الصباحى، وفى المساء أقامت قداسات العيد واللقان، وبعض الطقوس التى تتمثل فى رفع بخور عشية، وتسبحة نصف الليل، ورفع بخور باكر، وتقديم الحمل، والإنجيل ثم العظة، وبدء طقس التناول، وختام القداس الإلهى الاحتفالى.
وترأس الآباء الكهنة فى كنيسة القديسين جوارجيوس والأنبا أنطونيوس بمصر الجديدة، وفى الكاتدرائية المرقسية التى احتضنت صلوات العيد لقداسة البابا فى الإسكندرية، وأيضاً كنيسة العذراء والبابا أثناسيوس فى دار السلام بالمعادى.
كما دقت أجراس الكنائس فى محافظات مصر احتفالا بذكرى تعميد المسيح، ومن أبرزها كانت كنيسة الشهيد مارمرقس الرسول المرقسية، إلى ترأس فيها القداس نيافة الأنبا غبريال أسقف بنى سويف، كما احتفلت مطرانية الوادى الجديد وتوابعها، وفى كنيسة القديس مار يوحنا المعمدان فى المريوطية بالهرم.
وغيرها من الكنائس التى أنارت شموعها ودقت أجراسها واحتضنت أبناءها فى صلوات القداس الإلهى الاحتفالى الذى يحتل مكانة روحية وذكرى إيمانية خاصة لدى الأقباط.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نهر الأردن معمودية المسيح عيد الظهور الإلهي القدیس یوحنا المعمدان الکنیسة المصریة هذه المناسبة السید المسیح بعید الغطاس نهر الأردن عید الغطاس عادة ما بـ عید فى مصر
إقرأ أيضاً:
البطريرك الذي لا يحمل رقماً.. الأقباط يودعون شيخ مطارنة الكنيسة القبطية الأنبا باخوميوس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
الأنبا باخوميوس؛ راهبٌ صنع من الزهد تاجًا، ومن الخدمة جناحين حلّق بهما في سماء الخدمة والإيمان، وُلد في شبين الكوم، من التجارة إلى الرهبنة، ومن التلمذة إلى القيادة، سار دربًا لم يحد عنه يومًا، حمل على عاتقه المسؤولية حين اختير ليكون أول أسقف يرسمه البابا شنودة الثالث وحين رحل البابا شنودة.
ألقى عليه القدر أمانة إدارة الكنيسة القبطية، عشرات من الأعوام تصل إلى السبعين من الخدمة شماسًا وراهبًا وأسقفًا ومطرانًا، منها حوالي ٥٤ سنة في خدمة الرعاية الأسقفية؛ لتكتب نهاية هذه الرحلة الحافلة بالعطاء يوم أمس الموافق 30 مارس بوفاة شيخ مطارنة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وقائم مقام البطريرك الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية ورئيس دير القديس مكاريوس السكندري بجبل القلالي عن عمر يناهز الـ 90 عاماً.
محطات في حياة القائم مقام
وُلد باسم سمير خير سكر في 17 ديسمبر 1935 بمدينة شبين الكوم بمحافظة المنوفية. حصل على بكالوريوس التجارة من جامعة عين شمس عام 1956، ودرس في الكلية الإكليريكية من 1959 إلى 1961. خدم كشماس في الكويت عام 1961، ثم ترهبن في دير السريان بوادي النطرون في 11 نوفمبر 1962 تحت اسم الراهب أنطونيوس السرياني. رُسم كاهنًا في 2 يناير 1966، وخدم في السودان من 1967 حتى مايو 1971. مثّل الكنيسة القبطية في عدة مؤتمرات دينية دولية، وكان عضوًا في مجلس الكنائس العالمي ومجلس كنائس الشرق الأوسط ومجلس كنائس أفريقيا
ولد الأنبا باخوميوس، باسم سمير خليل سكر، في 17 ديسمبر 1935م في شبين الكوم، وانتقلت أسرته إلى طنطا عام 1945م، حيث اعتاد الذهاب إلى كنيسة مارجرجس، التي كانت آنذاك كنيسة خشبية. وفي عام 1950م، التقى بالراهب مكاري السرياني، الذي كان أول من دعاه للتكريس في يونيو 1956م، وعرض عليه أن يكون مسؤولًا عن سكرتارية اللجنة العليا لمدارس الأحد.
منذ صغره، امتلأ قلبه بمحبة الخدمة، فبدأ خدمته في مدارس الأحد وهو في الثالثة عشرة من عمره، متنقلًا بين الزقازيق، الجيزة، شبرا، ودمياط، إلى جانب خدماته في القرى وأعمال الافتقاد. حصل على بكالوريوس التجارة من جامعة عين شمس عام 1956، ثم واصل دراسته في الكلية الإكليريكية من 1959 إلى 1961، ودرس كذلك بقسم الاجتماع في معهد الدراسات القبطية.
في عام 1961، أصبح أول شماس يخدم في الكويت مع القمص أنجيلوس المحرقي (نيافة الأنبا مكسيموس لاحقًا)، بتكليف من البابا كيرلس السادس، حيث أسسا معًا أول كنيسة رعوية قبطية بالخارج.
عاد من الكويت عام 1962، وعُرض عليه الكهنوت أكثر من مرة، لكنه فضّل حياة البتولية ليتفرغ للخدمة.
وفي سبتمبر من العام نفسه، قرر الرهبنة، وترهبن في دير السريان مع الراهب ميصائيل السرياني (الذي أصبح لاحقًا الأنبا ميصائيل أسقف برمنغهام).
رُسِمَ قسًا في 2 يناير 1966، وبدأ خدمته في معهد إعداد الخدام الأفارقة بكوتسيكا، حيث أشرف على المركز البابوي للكرازة في أفريقيا.
ثم أُرسل إلى السودان عام 1967، حيث خدم حتى مايو 1971، وقام بتعميد العديد من المؤمنين في جبال النوبة.
كما أرسله البابا كيرلس السادس إلى إثيوبيا عام 1971، وأسهم في تأسيس الكنيسة القبطية في لندن.
كان له دور بارز في تمثيل الكنيسة القبطية في العديد من المؤتمرات الدينية الدولية، حيث أصبح عضوًا في مجلس الكنائس العالمي، ومجلس كنائس الشرق الأوسط، ومجلس كنائس كل أفريقيا.
في 12 ديسمبر 1971، رسمه البابا شنودة الثالث أسقفًا على إيبارشية البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية، وكان بذلك أول أسقف يرسمه البابا شنودة بعد تنصيبه.
عند توليه الإيبارشية، كانت تضم 19 كنيسة فقط و17 كاهنًا، لكنه عمل بجد لتطويرها، فأنشأ كاتدرائية العذراء والقديس أثناسيوس بدمنهور، وشيد العديد من الكنائس، كما أحضر جزءًا من رفات القديس أغسطينوس من الجزائر عام 1987 وأودعه بالكاتدرائية، حيث يُحتفل به سنويًا.
استمر في جهوده التعليمية والتوعوية، حيث قام بالتدريس في الكلية الإكليريكية، وألّف العديد من الكتب والأبحاث، وكان عضوًا في المجمع المقدس ضمن لجنتي الرعاية والخدمة، وشؤون الأديرة.
بعد رحيل البابا شنودة الثالث في 17 مارس 2012، تم اختياره قائم مقام البطريرك لإدارة شؤون الكنيسة، بعد اعتذار الأنبا ميخائيل مطران أسيوط لكبر سنه. ظل في هذا المنصب لمدة ثمانية أشهر، حتى تم تجليس البابا تواضروس الثاني في نوفمبر 2012.
ترك الأنبا باخوميوس إرثًا روحيًا عظيمًا، وسيرة مضيئة تنير درب الأجيال القادمة، إذ كان مثالًا للراعي الحكيم، والخادم الأمين الذي أعطى حياته بالكامل من أجل الكنيسة.
نظرة الوداع
وترأس يوم أمس قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، صلوات تجنيز الأنبا باخوميوس في مقر البطريركية المرقسية بالعباسية، وجاء ذلك بمشاركة مطارنة وأساقفة الكنيسة القبطية بجانب حضور غفير من الشخصيات العامة، ونقل بعدها جثمان المطران إلى كنيسة القديس مار مرقس الرسول (مقر المطرانية بدمنهور) لإتاحة الفرصة أمام أبنائه لإلقاء نظرة الوداع عليه.
وأكد قداسة البابا تواضروس الثاني خلال كلمة رثائه على أن الأنبا باخوميوس كان شخصية كنسية استثنائية قدمت خدمة ناصعة البياض لأكثر من 75 عامًا، مشيرًا إلى أنه كان مستقيمًا وأمينًا في كل مراحل خدمته وترك أثرًا كبيرًا في الكنيسة القبطية، وأن البابا الراحل شنودة الثالث تعرف على الأنبا باخوميوس في فصول مدارس الأحد بالزقازيق، حيث بدأ خدمته منذ شبابه، ثم عمل محاسبًا بعد تخرجه، قبل أن ينتقل إلى الكويت كشماس، وفي عام 1962 قرر تكريس حياته للرهبنة، لينضم إلى أحد الأديرة، حيث تميز بالتواضع والهدوء والخدمة المثمرة.
وأشار البابا تواضروس أن الأنبا باخوميوس عاصر ستة من الاباء البطاركةبالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وكان يتمتع بروح تفانٍ نادرة، حيث كان يردد في أيامه الأخيرة: "أريد أن أخدم، رغم تقدمي في العمر وضعف صحتي، إلا أنني أريد أن أخدم"، مؤكدًا أن هذه الروح الخادمة ميزته طوال حياته.
وتطرق البابا إلى الدور القيادي الذي لعبه الأنبا باخوميوس في عدة أزمات تاريخية، منها أزمة عام 1981 في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، والتي استطاع التعامل معها بحكمة وهدوء، مما ساهم في استقرار الكنيسة، كما لعب دورًا حاسمًا في 2011 عندما تم اختياره قائم مقا عقب رحيل البابا شنودة الثالث، وهي فترة شديدة التوتر، لكنه قاد الكنيسة بحكمة كبيرة، وأثبت أنه راعٍ قدير استطاع اجتياز التحديات دون أن تخسر الكنيسة أحدًا من أبنائها.
وأشاد قداسته بالدور الذي لعبه الأنبا باخوميوس في تأسيس عدد كبير من الكنائس، ليس فقط في مصر، ولكن أيضًا في أستراليا وإنجلترا والكويت، مما ساهم في اتساع رقعة الخدمة القبطية عالميًا.
واختتم البابا تواضروس كلمته قائلاً: "الأنبا باخوميوس لم يكن مجرد شخص عادي، بل كان موسوعة كنسية، تتلمذ على يديه العديد من الشباب والشابات، وسيظل التاريخ يشهد له بأنه كان أحد الأعمدة الكبرى في الكنيسة القبطية الأرثوذكسي.
وأرسل الدكتور عبد الرحيم علي رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير “البوابة نيوز”، برقية عزاء إلى قداسة البابا تواضروس الثاني، يعزي فيها الآباء المطارنة والأساقفة، وجميع أبناء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، في رحيل القائم مقام الأنبا باخوميوس، مطران البحيرة.
وقال الدكتور عبد الرحيم علي في كلمته: “رحل اليوم رجل من أعمدة الكنيسة القبطية، وأحد أبرز رموز الحكمة والتواضع والمحبة. لقد كان الأنبا باخوميوس مثالًا للقيادة الرشيدة، ليس فقط داخل الكنيسة، بل في المجتمع المصري ككل، حيث كرّس حياته لخدمة الجميع، وكان نموذجًا للتسامح والمحبة والسلام".
الأنبا باخوميوس كان رجلًا استثنائيًا في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، لن ينسى التاريخ دوره العظيم كقائم مقام البطريرك فقد تولى مسؤولية القائم مقام البطريرك في مرحلة من أدق المراحل التي مرت بها مصر والكنيسة معًا، بعد رحيل البابا شنودة الثالث في عام 2012. لقد أثبت خلال تلك الفترة أنه قائد حكيم، حافظ على استقرار الكنيسة وأدار شؤونها بروح المسؤولية والهدوء، رغم التحديات الكبيرة التي كانت تواجهها البلاد في ذلك الوقت، كما كانت له بصمات واضحة في تعزيز العلاقة بين الكنيسة والدولة، ودعم قيم المواطنة والتعايش المشترك.
وأضاف: “لم يكن الأنبا باخوميوس مجرد رجل دين، بل كان شخصية وطنية بامتياز، تدرك تمامًا أهمية دور الكنيسة في الحفاظ على النسيج الوطني المصري. علاقته بالدولة كانت قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون من أجل مصلحة الوطن. فقد كان حريصًا على التأكيد أن الكنيسة جزء أصيل من الدولة المصرية، وأنها تدعم كل ما يحفظ استقرار البلاد ويضمن حقوق جميع المواطنين".
وأردف: “تسليمه منصب البطريرك للبابا تواضروس الثاني تم بروح من المحبة والتواضع، ليؤكد أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية مؤسسة قوية قادرة على إدارة المراحل الانتقالية بحكمة دون أن تتأثر باضطرابات السياسة أو تغيرات الزمن. لقد كان الأنبا باخوميوس بحق ‘البابا الذي لم يحمل رقمًا بابويًا’، لكنه كان رجل المرحلة، وترك إرثًا من المحبة والحكمة سيظل يُذكر به في تاريخ الكنيسة والوطن"
واختتم الدكتور عبد الرحيم كلمته قائلاً: “نعزّي أنفسنا ونعزّي مصر كلها في فقدان هذا الأب الجليل، ونسأل الله أن يمنح محبيه وأبناء الكنيسة الصبر والعزاء.
ومن جانبه قال القس الدكتور رفعت فكري الأمين العام المشارك بمجلس كنائس الشرق الأوسط، ورئيس لجنة الحوار بالكنيسة الإنجيلية لـ"البوابة": رحل الأنبا باخوميوس، تاركًا خلفه إرثًا كبيرًا من الخدمة والعطاء، ليس فقط داخل إيبارشية البحيرة، بل على مستوى الكنيسة المصرية ككل، فقد كان شخصية محورية ومؤثرة في تاريخ الكنيسة المعاصر، من خلال أدواره المتعددة داخل المجمع المقدس، وزياراته المستمرة، وحلوله الحكيمة للمشكلات التي واجهت الكنيسة.
وتابع، بعد رحيل البابا شنوده الثالث، تولى الأنبا باخوميوس منصب القائم مقام في واحدة من أصعب الفترات التي مرت بها الكنيسة والوطن. كانت تلك الفترة مليئة بالتحديات، سواء على المستوى السياسي أو داخل الكنيسة، لكن بحكمته وقيادته الرشيدة، استطاع توجيه السفينة إلى بر الأمان، متجاوزًا العواصف التي كادت أن تعصف بالكنيسة.
وأكمل، لم يكن الأنبا باخوميوس مجرد أسقف لإيبارشية، بل كان شخصية وطنية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، يسعى دائمًا لخدمة الكنيسة والوطن بروح المحبة والتفاني. لذلك، فإن رحيله لا يمثل خسارة للكنيسة فقط، بل هو فقدان لشخصية وطنية بارزة كانت دائمًا تسعى لتحقيق الخير والاستقرار.
واختتم القس رفعت فكري قائلاً: في وداعه، نصلي أن يمنح الله العزاء لكل أفراد الكنيسة وأسرته ومحبيه، وأن تبقى سيرته وخدمته وعطاؤه شاهدًا حيًا على محبته للكنيسة والوطن. لقد ترك الأنبا باخوميوس بصمة لا تُمحى، وسيظل اسمه مرتبطًا بالحكمة والخدمة الحقيقية.
بينما يقول الباحث جرجس حنا تمهيدي ماجستير بقسم العلاقات الكنسية والمسكونية بمعهد الدراسات القبطية في تصريحات خاصة لـ«البوابة نيوز»: رحل الرجل الذي سطر حياته بحروف من نور، فكانت حياته مناره ونور ساطح في تاريخ بيعة الله المقدسة كنيسة الإسكندرية القبطية الأرثوذكسية، هو شخصية ستظل خالدة في ذاكرة التاريخ، حيث أنه يتمتع بحب كبير في قلوب المصريين، سواء من المسلمين أو الأقباط، بفضل حكمته وحنانه.
وتابع، لا يمكن لأحد أن ينسى قيادته للكنيسة خلال أصعب مراحلها التاريخية الحديثة كقائم مقام، بعد رحيل قداسة البابا شنودة الثالث في مارس 2012م، كان هناك اعتقاد بأن الكنيسة ستواجه تحديات جسيمة، خاصة في الفترة الحرجة التي تلت ثورة 25 يناير وظهور، لكن الله حفظ كنيسته، واختار نيافة الأنبا باخوميوس لقيادة هذه المرحلة الصعبة حتى انتخاب قداسة البابا تواضروس الثاني للكرسي المرقسي.
وأكمل، خلال فترة قيادته للكنيسة كان هو البطريرك الذي لم يحمل رقمً، فكان الجميع ينِظر إلى الأنبا باخوميوس كقائد حكيم وراعي ناجح، استطاع أن يقود بيعة الله إلى بر الأمان، ليُسلمها للراعي الأمين قداسة البابا تواضروس بعد أن أظهرت القرعة الإلهية إرادتها.
واختتم كلمته قائلاً: كان الأنبا باخوميوس شعلة نشاط وحيوية كان نسراً يكرز ويعلم ويؤسس الكنائس، ومحل تقدير واحترام جميع أبناء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كباراً وصغاراً.