القضية الفلسطينية في عيون الدراما السورية
تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT
نفتقر اليوم لدور الدراما العربية كمشروع فني/ ثقافي يحاكي ويخاطب المجتمع والسياسية والاقتصاد، يخاطب الإنسان ويحاول تقديم صورة عن الواقع، فبعد أن سقطت الدراما في مستنقع شركات الإنتاج والتسويق وصارت تتجرد من مضامينها لتصبح مجرد سلعة قائمة على الربح والترند، غاب أثرها ودخلت حيزّ الترفيه فقط.
لمّ تكن الدراما دوماً هكذا وبالأخص الدراما السورية، بما أنها ازدهرت لفترة طويلة منذ التسعينيات وحتى منتصف العقد الثاني من الألفية الثانية، ولعلنا باتباع مسيرة تطورها نرى أن أثر سوق الإنتاج وشكل الدراما المعاصر كان كبيراً عليها، لدرجة فقدان جوهرها وقيمتها الأصلية، حيث بتنا نلاحظ اختفاء أنواع كاملة من الدراما السورية، ومنها الدراما العائلية التي لطالما اشتهرت بها.
في مسيرة الدراما السورية وفي تنوع نتاجها قدمت لنا منذ انطلاقتها بداية الستينيات حتى يومنا أنواع مختلفة من هذا الفن، حتى أنها حاولت بناء نماذج وتصنيفات لمفهوم الدراما، وهذا واحد من أسباب نجاحها فهي لم تتقيد بالموضوعات المحلية فقط بل قدمت الدراما التاريخية وإلى جانبها قدمت دراما تختص بالقضية الفلسطينية وفلسطين، ولعلها كانت من أكثر الأعمال وفاءاً للقضية حيث عرف صناع الدراما الأدوات التي بين أيديهم واستغلوها تجاه القضية.
فلعل أفضل ميزات الدراما ونقطة تفوقها على السينما هي الوقت، فالدراما تمتلك الوقت حيث أغلب المسلسلات تمتد لمدة ثلاثين حلقة بمعدل 50 دقيقة للحلقة الواحدة، وهذا ما يتيح لها المساحة والراحة لتقديم الصورة التي تريدها وفي موضوعة القضية الفلسطينية كان الوقت أداة لتقديم أعمال استطاعت تناول تاريخ القضية وتغطية جوانب عدّة في آن معاً أعمال نستطيع تصنيفها كحركة مناصرة فنية وتوعوية للقضية وتاريخها، وفي ظل الوضع السياسي والإنساني اليوم وخلال حرب الإبادة على غزة، لا يمكن نسيان ما قدمته الدراما السورية للقضية الفلسطينية، دون تذكر أن فلسطين كانت ولاتزال تشكل جزءاً من الوجود السوري.
القضية ملازمة للفن منذ البدايات:
منذ انطلاقة الدراما السورية تطرقت لموضوعات "عروبية" كما حال الفترة التي بدأت فيها، فالفن بشكل عام كان من أول المستجيبين دوماً للقضايا الإنسانية والسياسية، فنرى القضية الفلسطينية منذ النكبة وهي شغل الفنانين سواء عبر المعارض التشكيلية والرسم أو عبر الموسيقى والمسرح و نهاية مع الدراما والسينما، ففي الدراما تم تناول القضية الفلسطينية لأول مرة مع مسلسل "عزّ الدين القسام" عام 1981 وهو من تأليف "أحمد دحبور" وبطولة الفنان "أسعد فضة" و الممثلة القديرة "منى واصف" ومن إخراج "هيثم حقي" وإلى جانبهم عملت "فرقة العاشقين الفلسطينية" على تقديم أغانيها في العمل، وهو عمل درامي يحكي سيرة المجاهد الشهيد المنحدر من سورية عز الدين القسام في فلسطين المحتلة ضد الاحتلال البريطاني وبداية الاستيطان الصهيوني، في فترة مفصلية من تاريخ القضية الفلسطينية.
وتلاه في عام 1995 المسلسل التاريخي "نهارات الدفلي" إخراج "محمد زاهر سليمان" وبطولة عدد من النجوم منهم "عباس النوري" و "غسان مسعود" و "حاتم علي" و "سلوم حداد" و"خالد تاجا" وهو يتابع تطور وتصاعد القضية الفلسطينية منذ نهاية الاحتلال البريطاني وحتى قيام الكيان الصهيوني عام 1948 عبر تصويره أهم الثورات وتدخل جيش الإنقاذ العربي.
وتلاهما كل من مسلسل "التغريبة الفلسطينية" 2004 و"مسلسل عائد إلى حيفا" عام 2004 المستند على رواية الأديب والمناضل الفلسطيني "غسان كنفاني" الذي شارك في بطولته كلٌّ من "نورمان أسعد" بدور الأم صفية و"سلوم حداد" بدور الأب سعيد، وقام بإخراجه "باسل الخطيب" لم يلتزم كاتب السيناريو "غسان نزال" بنقل الرواية للشاشة بل توسع في استعراض جوانب نكبة نيسان 1948 شهر سقوط مدينة حيفا وقتل أكبر عدد من أهلها لإجبار من تبقى على الهرب بالسفن الإنجليزية التي كانت تنتظرهم في الميناء، ليبين السيناريو المحكم الذي رسمه كلّ من الاستعمار البريطاني والاحتلال الصهيوني لتهجير أهالي فلسطين والاستيطان.
قدم عدد كبير من المسلسلات الأخرى التي حاكت القضية من جوانب مختلفة منها أعمال السيرة الذاتية كمسلسل "في حضرة الغياب" 2011 الذي يروي سيرة الشاعر "محمود درويش" ومسلسل "حارس القدس" 2020 الذي يحكي سيرة المطران السوري إيلاريون كبوجي.
التغريبة التي حفرت في كل مشاهد:
قدم كل من المخرج "حاتم علي" والكاتب "وليد سيف" واحداً من أهم الأعمال التي تناولت القضية وهو "التغريبة الفلسطينية" عام 2004، العمل الذي يظل حتى يومنا هذا مرجعاً لصناع الدراما ووثيقة أيقونية تؤرخ القضية الفلسطينية درامياً، يقول حاتم علي في عدّة حوارات حول دافعه وراء إنجاز العمل "لقد تحولنا إلى أسوأ محامين يدافعون عن أكثر قضية عادلة في التاريخ، هذا كان هاجسي عندما نويت إنجاز مسلسل التغريبة".
التغريبة المسلسل الذي شارك به كبار نجوم الدراما السورية والأردنية والفلسطينية أمثال "خالد تاجا" و "جمال سليمان" و"باسل خياط" و"جولييت عواد" و"تيم حسن" و"يارا صبري" وغيرهم، قدم المسلسل ما لا نعرفه عن البلاد، فهو حفر في ذاكرة كلّ من تابعه مشاهد وعلاقة مع البلاد عبر سيناريو محبوك بدقة، وحقائق تاريخية وأداء درامي واخراجي عالي المستوى، حتى أصبحت العديد من أحداث المسلسل وجمله كليشيهات معروفة بين جيل كامل من الناس.
كان العمل أيقونياً على كافة المستويات حيث استطاعت أسرة "الشيخ صالح" التعبير عن جيل الثورة والنكبة والشتات في آن معاً، بداية من شارته التي غناها عاصم خياط وهي كلمات قصيدة "الفدائي" للشاعر الفلسطيني "إبراهيم طوقان"، وانطلاقاً من هذه القصيدة التي تحكي قصة فدائي فلسطيني حاول اغتيال موظف إنجليزي وقت الثورة الفلسطينية الكبرى في الثلاثينيات في قرية فلسطينية لا يحدد المسلسل أو النص اسمها، قرية تعكس كلّ فلسطين في لحظة، ينطلق المسلسل ليصور الأمل بالثورة، والخيبة في النكبة والانكسار في اللجوء والشتات، إلى جانب هذا البناء المتين يتعمق كلّ من كاتب النص ومخرجه في تفاصيل التهجير والنكبة مقدمان عملاً من الممكن اعتباره وثيقة تاريخية عن ممارسات الصهاينة في القرى الفلسطينية أثناء النكبة.
قدم العمل ثلاثة أجيال متلاحقة من أسرة "الشيخ صالح" بين عامي 1933 و1967 أجيال مرّت على المفاصل الرئيسية التي تشكل التاريخ الفلسطيني اليوم "جيل الثورة، جيل النكبة، جيل الأحفاد والهزيمة".
في ظل حرب الإبادة الممارسة اليوم في غزة، نعود لتأمل ما قدمته الدراما، ونتساءل عن سبب غرقها في مستنقع الترفيه وعما خسرته إذّ تحولت إلى سلعة، سلعة آنية لا تملك أثر، حيث لا يملك مسلسل من المسلسلات المعاصرة أثراً يمتد لأكثر من مدة عرضه بسبب تفريغه من محتواه الاجتماعي الإنساني، فهو يتشابه مع واقع العالم المعاصر اليوم، واقع يعتمد على السرعة وخواء المحتوى.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير الدراما السورية الفلسطينية النكبة فلسطين النكبة الدراما السورية سياسة من هنا وهناك سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة الدراما السوریة
إقرأ أيضاً:
أمل الحناوي: مصر تلعب دورا بارزا في دعم القضية الفلسطينية منذ اليوم الأول للعدوان
قالت الإعلامية أمل الحناوي، إنه منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، برز الدور المحوري للدولة المصرية كركيزة أساسية في دعم القضية الفلسطينية، من منطلق حرصها الدائم على حقوق ومقدرات الشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة.
وأضافت الحناوي، خلال تقديم برنامج «عن قرب مع أمل الحناوي»، المذاع على فضائية «القاهرة الإخبارية»، أن القاهرة لم تتوقف عن التحرك على كافة المسارات السياسية والدبلوماسية والإنسانية؛ لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني المحاصر والتصدي لمحاولات تصفية قضيته العادلة، وأثبتت مصر خلال الأزمة الإنسانية في قطاع غزة أنها الداعم الأول للشعب الفلسطيني، فمعبر رفح هو المنفذ الوحيد لغزة على العالم.
وأشارت الإعلامية أمل الحناوي، إلى أن معبر رفح لم يتم إغلاقه طوال فترة العدوان وما قبلها، إلا عندما سيطرت عليه إسرائيل من الجانب الفلسطيني، ما أدى إلى عرقلة وصول المساعدات إلى مستحقيها، وقبل تحرك إسرائيل المتعنت باحتلال المعبر من الجانب الفلسطيني، سمحت مصر بمرور شاحنات المساعدات الإنسانية والإغاثية بشكل متواصل محملة بالغذاء والدواء والمستلزمات الطبية لإنقاذ حياة الآلاف من أهل غزة.