زواجي منها مرهون بتخليها عن فلذة كبدها
تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT
سيدتي، بعد التحية والسلام أرجو أن أجد لديك أذانا صاغية للمشكلة التي أنا فيها عبر ركن قلوب حائرة، فما أنا فيه قلب كياني وأذى وجداني وجعلني قاب قوسين أو أدنى من أن أعرف طعم الإستقرار.
وما إستشارتي لك في هذا الموضوع بالذات لهو أكبر دليل على ثقتي بمنبرك طيب السمعة عبر موقع النهار أونلاين.
أنا رجل ذو همة في العقد الرابع من عمري، كنت متزوجا فيما مضى ونظرا لإستحالة إكمال ما بيني وبين زوجتي من ود.
وقد إنتقل أبنائي للعيش رفقة والدتهم والله وحده يعلم كم أشتاق إليهم وكم يهفو قلبي عليهم.
ما حدث سيدتي أنه وبعد مضي سنوات من طلاقي، وجدت أنه صار لزاما عليّ أن أجد لقلبي من تسكنه. كيف لا وقد نضجت نضجا يكفل لي الإختيار الأدق لرفيقة تملأ عليّ حياتي.
لم أتوانى عن إخراج قلبي المسجون من غياهب الصدمة، وفتحت أسواره معلنا ولائي العاطفي لإحدى الزميلات الطيبات الخلوقات.
فاتحتها بعد تأكدي من أنها ستكون الأنسب لي في مسألة الزواج، فوجدتها تكنّ لي الكثير من الإحترام. وبعد تقربي منها وجدت أنني تعلقت بها.
حيث أنها تمكنت في فترة وجيزة أن تتمكن من مفاتيح قلبي وتغلغلت إلى سويدائه بالرغم من أنها هي الأخرى نالت ما نالته من طلاق.
سارعت في التقدم لطلب يدها وترسيم علاقتنا، لكنني تفاجأت بعد الخطبة مباشرة أن زوجتي المستقبلية. ترهن سعادتها وما ستقدمه لي من وفاء وحب وتقدير بوجود إبنها من زوجها الأول بيننا.
سيدتي، أتساءل لماذا لم تقم خطيبتي بمصارحتي بالأمر قبل أن أتقدم لخطبتها، كما أنني بإفتقادي لأبنائي لن يمكنني قط أن أمنح من الحب شيئا لطفل ليس من صلبي.
أخمّن في فسخ الخطوبة على هذه المرأة بالرغم من تعلقي بها إن هي أصرت على الإحتفاظ بإبنها، فهل هذا من حقي؟
أخوكم ف.مليك من منطقة القبائل
الرد:أخي، لا عاطفة تقوى أو تسمو على عاطفة الأمومة. فمهما كانت الأنثى ضعيفة أو منكسرة إلا أنها أمام فلذة كبدها. فإنها تتحول إلى قوة لا تضاهيها قوة أمام من يريد إلحاق السوء بمن حملته في أحشائها ووضعته وهنا على وهن.
لم تقم قطّ بمنح خطيبتك حلا وسطا، يتمثل في بقاء إبنها لدى أهلها بعد زواجكما وقدومه لزيارة أمه بين الفينة والأخرى. ولم تفسح المجال لإمرأة أهم ما يهمها في الزواج أن تجد لفلذة كبدها قلبا وصدرا حنونا يحتويه.
حيث أنه من الظاهر أن هذه الإنسانة توسمت في فيض حبك وحنانك نصيبا لإبنها وهذا خطأ.
من اللاإنساني أن تحرم أما من فلذة كبدها بمدعى أنك تبحث عن السعادة.أناني أنت أخي لما فكرت أن تقايض إنسانة ستمنحك عمرها بتجريدها من هاجس الأمومة الذي تحيا به ولأجله.
حاول كنصيحة مني أن تعيد التفكير في الأمر، وتتدبر في السلف الصالح وكيف لهم أن ربوا بأبناء ليسوا من صلبهم وإحتضنوهم ولم يكونوا حيال ذلك يبتغون سوى الأجر من الله جلّ وعلا.
فقد يكون لمقدم هذا الطفل في بيتك ولحياتك خير كبير يملأ عليك فقد أبنائك البعيدين عنك. تفاءل ولا تغلق أبواب الخير في وجهك ولا تقتل أملا في حياتك وجدته بعد طول إنتظار.
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور
المصدر: النهار أونلاين
إقرأ أيضاً:
بيت بلا جدران برائحة الجاز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
كلمة عابرة، مشهد عاطفي أو مأساوي، حكاية تأتي مصادفة، خبر في صفحة الحوادث، أي شيء مهما كان صغيرا يمكنه أن يكون ملهما.
نعم، هو خبر في صفحة الحوادث عن "إلقاء طفل حديث الولادة من شباك مستشفى في طنطا" لفت هذا الخبر نظر نورا ناجي وأثار شغفها فتتبعته وأضافت له كثيرًا من التخييل لتستلهم منه روايتها الأحدث "بيت الجاز" في بناء مترابط وتكنيك جديد.
في هذه الرواية ترتدى الكاتبة ثوبا جريئا مختلفًا تماما عما كانت ترتديه في رواياتها السابقة، ثوبا كاشفا، لا يستر إلا قليلا، يصدم القارئ ليعود مجبرا ويحدق في اسم الكاتب عله يكون مخطئا، فهو لم يتعود هذا الأسلوب من نورا ناجي.
حتى أنا، عدت مجبرة إلى الصفحة الأولى لتتسع اندهاشتي حين قرأت إهداء الرواية، "إلى أمي وإلى فاتيما"، إذن فالكاتبة لديها قناعة تامة بما كتبت لتدعو أهل بيتها بكل أريحية إلى قراءة الرواية، فبحثت عن أحاديث لها تكشف فيها عن ملابسات وأجواء كتابتها للرواية، فوجدتها تقول في إحدى الندوات أنها في تلك الفترة هاجمها شعور ثقيل بالإحباط من أحداث متفرقة مرَّت بها جعلتها تقرر أنها ستتخذ هذه الرواية سبيلا لتقف وجها لوجه أمام خسائرها وتبوح بما في جوفها من ألم وليكن بعدها ما يكون، لدرجة أنها أعلنت بينها وبين نفسها أن هذه الرواية ستكون روايتها الأخيرة التي ستختتم بها مشوارها الأدبي بل وأكدت على ذلك على لسان رضوى بطلة الرواية.
بهذا الألم وبهذا الإحساس اختارت نورا ناجي أن يكون الراوي شخصية في العمل تكتب قصتها من خلال أبطالها، لتتشابك آلامها الشخصية مع بطلات روايتها كما لو أنها تبوح بما لا تجرؤ على قوله، وتكتبه فقط على الورق، فتنثر أجزاء من روحها ومعاناتها على بطلات روايتها الثلاث وكأنها رواية من داخل رواية.
لذا لم أصدق أبدا ما انتوت عليه الكاتبة أنها ستكون روايتها الأخيرة، فنورا ناجي في اعتقادي لديها مشروعها الأدبي الذي مشت فيه خطوات واسعة وناجحة، فلن تثنيها بعض الإحباطات عن تكملة ما بدأته، بل ستكسر حدود التجريب حول كل جديد في تقنية السرد، وهو بالضبط ما فعلته في هذه الرواية، حين أخذت القارئ في متاهة مقصودة بين الواقع والمتخيل وكأنها تتحداه أن يفرق بين الحقيقة والخيال أو أن يُسقط أحداث الرواية على حياتها الشخصية متهما إياها أن كل الروايات عنها وكل الشخصيات هي، تتحدى القارئ كي يرفع في النهاية راية الاستسلام ويقتنع أنها محض رواية.
***
تنقسم الرواية إلى ثلاثة فصول متكررة على مدار السرد لكنها ثابتة في عناوينها "الرواية.. الحقيقة.. الكاتبة"، في الفصل المعنون بـ"الحقيقة" يتحدث الراوي عن الشخصيات جميعها بمن فيهم "عوض وزيزو وثريا ونجاة" بصيغة المتنبِئ بما سيحدث أو الآمر بالشئ أن يحدث "ستتذكر.. ستشاهد.. ستتوقف"، وفي الفصل المعنون بـ"الكاتبة" يتحدث الراوي عن رضوى بصفته عليمًا بالأمور، وفي الفصل المعنون بـ"الرواية" تتحدث رضوى بصيغة الماضي بصفتها الراوي عن يمنى.
تبدأ الرواية بمشهد ناري تصاحبه ابتسامة مرمر وهي تقف فوق سطح بيت الجاز وتسكب صفيحة الجاز على جسدها ثم تشعل الثقاب لتلفها النار وتمتصها ثم تقفز ثم تتلاشى.
اشتركت رضوى ويمنى ومرمر، شخصيات الرواية الثلاث، في نشأة معقدة وطفولة صعبة بطرق مختلفة، يمنى طبيبة تعمل بالنهار في مستشفى الجذام وليلًا في عيادة تجميل بالليزر، تحيا حياة ميتة، هي امرأة داخل امرأة، امرأة خارجية تعيش تحت جلدها، تذوب أسفل قدميها كلما أقدمت على شئ، كأنها تقول لا لكل ماحصلت عليه من الحياة، دراسة.. زواج.. إنجاب.. عمل، وعلى الرغم من أنها ليست بهذه البراءة، فهناك شئ مُلِح يدفعها لفعل أشياء لا تفهمها ولا تدري لماذا تفعلها.
ومرمر بنت بيت الجاز التي أقنعتها أمها أن الملائكة تنزل كل يوم إلى الأرض لتأخذ الميتين، وأيضًا لتأخذ شيئا من كل حي، كل إنسان يدفع ضريبة استمراره يوما آخر في هذه الدنيا، وهي دفعت ضريبتها مرات عديدة، فقد واجهت الحياة والعالم والناس بعد كل ما حدث لها بالصمت الذي يلفها ساعة المغربية عندما يرحل زوار القبور، صمت ثقيل لكنه ناعم، صمت لا يمكن التغلب عليه إلا بنار تطهر كل شئ.
ورضوى التي قررت مواجهة العالم بالكتابة لتعبر عن استيائها منه ومن ملامح الناس الجامدة وقسوتهم المستمرة، وربما لتعترف بكل ما تخفيه بعد أن اتهموها من منحوها وعودًا لم يفوا بها، أنها كاتبة بلا مأساة حقيقية ولا تملك موقفا حقيقيا. تضع قائمة طويلة تحصر فيها كل ما خسرته بسبب اعتناقها الكتابة، تساؤلات تحيرها وتبحث عن أجوبتها وراء الجدران وخلف الأشياء.
***
ترددت كلمة "يتلاشى" ومفهوم التلاشى بطريقة لافتة للنظر فوق سطور الرواية وفي معظم أركانها، وكأن البطلة تريد أن تتلاشى هي نفسها في صورة كاتبتها المفضلة رضوى عاشور التي لم تنسها يوما، أو تتلاشى في شخصيات أبطال رواياتها الذين سيعيشون عمرا أطول منها، أو تتلاشى في الحكايات المؤلمة التي نسجتها بخيالها في عالم مفتوح فلا تصبح امرأة وحيدة.
نجد أيضا تلامسًا بين روايات نورا ناجي السابقة والحالية وكأنها تريد أن تذكر القارئ أنها معه منذ البداية، وأن كل شيء يحدث لسبب، وليس هناك مصادفة، فالأبطال صداهم يتردد في كل الحكايات، والحكايات نفسها تسقط دلالاتها على ما هو آت، وكتابة الألم هو الخلاص والتطهير وربما تكفير عن ذنوب لم ترتكب سوى على الورق.