د. السر أحمد سليمان

العدوان من الانفعالات الموجودة وجودا فطريا لدى الإنسان، والانفعالات الفطرية من المستحيل كبتها وعدم تفريغها أو توجيهها نحو مصدر من المصادر؛ ولكن من الممكن ضبطها وإدارتها والتحكم فيها وتوجيهها للمصادر المناسبة لها.
والعدوان (Aggression) هو انفعال مرتبط بالإنسان ويظهر من خلال سلوك العنف الموجه عن قصد تجاه الآخرين لإيذائهم وإلحاق الضرر بهم، في أنفسهم أو في ممتلكاتهم؛ والتعبير عن العدوان قد يكون لفظيا أو حركيا.


والقرآن الكريم يؤكد وجود العدوان لدى الإنسان، ويقدم وصفة ناجعة للتعامل معه بصورة موضوعية، ففي آية واحدة قد بيّن لنا الحق سبحانه وتعالى وجود انفعال العدوان لدى الإنسان؛ وكذلك كيفية إدارة انفعال العدوان وتوجيهه نحو أحد المصادر المناسبة له، وذلك في قول الله عزّ وجلّ: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير}[فاطر:6].
فهذه الآية تؤكد وجود العدوان لدى الإنسان وفي نفس الوقت تقدم إرشادا وتوجيها لتفريغ هذا العدوان في الشيطان! فكيف يكون ذلك؟؟؟ ولذلك سنقدم في هذه الرسائل كيفية تفريغ العدوان في مصارف الشيطان استهداء بآيات القرآن.
ومن حيث التصنيف العام فهناك ثلاثة أنواع رئيسية للعدوان هي:
أولا: العدوان الوظيفي أو العدائي (Hostile Aggression):
يتمثل هذا النوع من العدوان في ردة الفعل العنيفة الدالة على استجابة العنف التلقائية الموقفية عندما يدرك الفرد أنّ شخصا ما قد أعاقه عن تحقيق هدفه ومصلحته؛ فمثلا عندما يعبر فرد الطريق أمام سيارتك وهي مسرعة فسوف تصرخ فيه بطريقة عنيفة موبخا له، لأنّه جعلك تدعس على الفرامل وتوقف سيارتك عن السير. أو عندما تتوقع أنّ سائق السيارة سوف يهدئ السرعة ليجعلك تعبر الطريق ولكنه لم يفعل ذلك فإنّه سيثير لديك العدوان فتتلفظ بالعبارات الموبخة له.
وهذا النوع موجود في سلوكنا اليومي ويظهر من خلال العديد من المواقف، وله ضرورات وظيفية تتعلق بتحقيق الأهداف. وهذا النوع مرتبط بالغضب ومثير له، ومن حسن الحظ أنّ هذا النوع يمكن ضبطه ببعض المهارات الذاتية الناتجة من التعليم والتدريب والعبادات، كما يمكن التمادي معه وجعله يتطور إلى مستويات مرتفعة قد تنتج عنها نتائج خطيرة.
ثانيا: العدوان الذرائعي (Instrumental Aggression):
هذا النوع يتمثل في السعي للحصول على ما عند الآخرين والاستحواذ عليه بالعنف، باعتبار ذلك هدفا مرغوبا لابد من تحقيقه، ويظهر من خلال البلطجة والسرقة والنهب والحروب، وقد لا يمانع ممارس هذا النوع من العدوان من إلحاق الأذى بأصحاب الممتلكات المستهدفة أو قتلهم، وقد تكون الدوافع ليست ذاتية، بمعنى أنّ البعض قد يقوم به لتحقيق أهداف آخرين وظفوه لهذا الغرض كما يفعل المرتزقون في بعض البلدان.
وهذا النوع من العدوان لا يتم ضبطه بصورة تامة إلا من خلال النظام العام والقوانين العقابية الرادعة التي تكبح من ممارسيه. ولكن التعليم والوعي والتدين له دور كبير في الحد منه، إلا أنّ التدخل الخارجي ضروري جدا للتعامل معه.
ثالثا: عدوان الحسد (Envy Aggression):
هذا النوع من العدوان يكون موجها نحو ممتلكات الآخرين؛ ولكن ليس للاستحواذ عليها والاستفادة منها ولكن لتدميرها وإلحاق الضرر بها لإيذاء الآخرين بإزالتها منهم. وهذا النوع من العدوان يدل على مرض من أمراض الشخصية الإنسانية، ويتأثر بالعديد من العوامل، ويتطلب التدخل العلاجي وخاصة العلاج المعرفي السلوكي والعلاج الديني الروحي.
الشيطان هو المصرف المناسب لتفريغ العدوان:
يقول الله عزّ وجلّ: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير}[فاطر:6]. فهذه الآية هادية لنا لتفريغ مخزوننا من العدوان في الشيطان!!!. ولكن هل لابد من رؤية الشيطان لتفريغ الطاقة الانفعالية العدوانية فيه؟ وما الأسلحة التي يمكن أن نستخدمها لتفريغ الطاقة الانفعالية العدوانية في الشيطان؟
وبما أنّ القرآن يفسر بعضه بعضا فإنّه قد أفادنا بأننا لا نرى الشياطين كما ورد في قول الله عزّ وجلّ: {يَابَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُون}[الأعراف:27].
ولكن القرآن الكريم تضمن العديد من الآيات الموجهة لنا لكيفية توجيه العدوان للشيطان؛ وبيّن لنا الطرق والأساليب التي تمثل الأدوات (الأسلحة) التي يمثل استخدامنا لها تفريغا للعدوان بقهر الشيطان، وفيما يلي سوف نذكر بعض الطرق والأساليب التي يمكن استخدامها لتفريغ العدوان في مصارف الشيطان.
الطرق والأساليب التي يمكن استخدامها لتفريغ العدوان في مصارف الشيطان
(1) استحضار ذكر الله عزّ وجلّ الذي يساعدنا في خفض العدوان لدينا؛ وذلك لأنّ الذكر مبعد للشيطان، وعدم الذكر يجعل الشيطان قرينا للإنسان، وكما نعلم فإنّ القرين لن يكون عدوا، ولا يمكن توجيه العدوان إليه، مما يعني إمكانية توجيه العدوان الموجود أصلا في مصارف أخرى، لأنّ العدوان انفعال يقتضي التفريغ في مصدر من المصادر؛ قال الله عزّ وجلّ: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِين}[الزخرف:36]. وقال الله عزّ وجلّ: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُون}[الأعراف:201]. وقال الله عزّ وجلّ: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُون}[المجادلة:19]. ومن الذكر الطارد للشيطان والقاهر له استخدام الاستعاذة؛ قال الله عزّ وجلّ: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم}[الأعراف:200].
(2) تعظيم الله عزّ وجلّ والسجود له وحده سبحانه وتعالى؛ كما قال عزّ وجلّ : {وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُون}[النمل:24]. وإفراد الله عزّ وجلّ بالعبادة؛ كما قال الله عزّ وجلّ: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيم (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلاًّ كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُون (62)}[يس]. واتباع الرسل في الاستقامة؛ كما قال الله عزّ وجلّ: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيم (61) وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين (62)}[الزخرف].
(3) التعامل الموضوعي مع المعلومات التي يتم تداولها عبر الوسائط، وخاصة في أوقات الاضطرابات الأمنية، حيث تكثر الإشاعات. والتعامل الموضوعي يتم من خلال تقييم المعلومات في ضوء الثوابت الدينية، والرجوع للثقاة المعنيين بالأمور، واستخدام المهارات العقلية المعرفية مثل الاستنباط؛ وإلا فإنّنا سوف نتبع الشيطان ولا نفرغ عدواننا فيه، مما يعني تفريغه في مصادر أخرى؛ قال الله عزّ وجلّ: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلا}[النساء:83].
(4) التضرع لله سبحانه وتعالى في أوقات الأزمات والمواقف الضاغطة والابتلاءات والفتن، كما قال عزّ وجلّ:{وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُون (42) فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون (43)}[الأنعام3].
(5) الاستقلالية والكف عن التقليد والاتباع الأعمى؛ قال الله عزّ وجلّ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِير}[لقمان:21].
(6) ترك الجدال الذي تنتفي فيه الموضوعية ولا تتوفر له الشواهد والأدلة العلمية؛ قال الله عزّ وجلّ: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيد}[الحج:3]. وقال الله عزّ وجلّ: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير}[غافر:56].
(7) تدبر القرآن الكريم؛ قال الله عزّ وجلّ: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُم (25)}[محمد: 24 - 25].
(8) تصويب الأخطاء من خلال دفع السيئة بالتي هي أحسن؛ كما قال الله عزّ وجلّ: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُون (96) وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِين (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُون (98)}[المؤمنون].
(9) البحث عن السلام والوضع الآمن والدخول فيه واق من اتباع خطوات الشيطان، وهو أسلوب لاتخاذ الشيطان عدوا؛ قال الله عزّ وجلّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين}[البقرة:208].
(10) الانتهاء عن تعاطي الخمر والميسر والسلوكيات الشركية؛ قال الله عزّ وجلّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُون (91)}[المائدة].
(11) البحث عن الكسب الحلال وتجنب الفحشاء فيه مخالفة لخطوات الشيطان وتفريغ العدوان في الشيطان؛ قال الله عزّ وجلّ: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون (169)}[البقرة: 168 - 169].
(12) الاعراض عن الذين يخوضون في الآيات بالاستهزاء أو السخرية أو التأويلات المنحرفة؛ والامتناع عن متابعتهم عبر المنصات المختلفة؛ قال الله عزّ وجلّ: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين}[الأنعام:68].
(13) التعامل مع النعم والموارد تعاملا إيجابيا؛ وذلك باستثمارها وإنفاقها فيما هو مفيد للفرد والمجتمع والإنسانية؛ وعدم توظيفها في الاستعراض الأجوف، وتجنب البطر بها؛ قال الله عزّ وجلّ: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَاب (48)}[الأنفال].
(14) تجنب التبذير، كما قال الله عزّ وجلّ: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)}[الإسراء].
(15) عدم الكيد للآخرين؛ قال الله عزّ وجلّ: {قَالَ يَابُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِين}[يوسف:5].
(16) الرقي في التعامل مع الآخرين بالاتصال الجميل، والتعامل الأحسن؛ قال الله عزّ وجلّ: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا}[الإسراء:53].
(17) تجنب الانحرافات السلوكية، والابتعاد عن عمل الفحشاء والمنكر؛ قال الله عزّ وجلّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم}[النور:21].
(18) الانتقاء في الصداقات واختيار الفضلاء من الأصدقاء والأخلاء؛ قال الله عزّ وجلّ: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27) يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً (29)}[الفرقان].
(19) تجنب الإفك والإثم؛ قال الله عزّ وجلّ: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِين (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيم (222)}[الشعراء].
(20) التروي وعدم الاستعجال في المناصرة بناء على القرابة والانتماء؛ قال الله عزّ وجلّ: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِين}[القصص:15].
(21) اتباع الآداب والأخلاق المطلوبة في المجالس، عند الأحاديث المنفردة وضبط النجوى بالأحكام الشرعية المطلوبة؛ قال الله عزّ وجلّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُون (9) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون (10)}[المجادلة: 9 - 10].
(22) تجنب الاستهزاء بالآخرين؛ قال الله عزّ وجلّ: {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُون (14) اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُون (15)}[البقرة: 14 - 15].
(23) تجنب الكذب والتمويه في الحديث والذي يعد من زخرف القول؛ والزُّخْرُفُ هو الَّذِي يَكُونُ باطِنُهُ باطِلًا، وظاهِرُهُ مُزَيَّنًا ظاهِرًا، يُقالُ: فُلانٌ يُزَخْرِفُ كَلامَهُ إذا زَيَّنَهُ بِالباطِلِ والكَذِبِ، وكُلُّ شَيْءٍ حَسَنٍ مُمَوَّهٍ فَهو مُزَخْرَفٌ؛ قال الله عزّ وجلّ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُون}[الأنعام:112].

د. السر أحمد سليمان

sirkatm@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: لدى الإنسان فی الشیطان من خلال خ ط و ات

إقرأ أيضاً:

محمد غنيم يكتب: مع الشيخ محمد رفعت

بعد أن فقد بصره وهو ابن ثلاث سنوات سأل والده: "متى النهار يطلع يا بابا؟"، فبكى الأب بحرقة وقال "سترى بقلبك يا بني أكثر مما ترى بعينيك"، لم يعرف الأب وقتها أن صوت ابنه سيكون كالشمس في تاريخ مصر، لا يبدأ النهار إلا بسماعه عندما تشير عقارب الساعة إلى تمام السابعة صباحا.

إنه الشيخ محمد رفعت -رحمه الله- الذي تلاحم صوته مع نسيج الوعي المصري ووجدانه، فأراد الله أن يحيا صوت الشيخ رفعت في مناسبتين، الأولى طوال العام عند الساعة السابعة صباحا عبر أثير إذاعة القرآن الكريم، هذا الوقت الذي يتعلق بذاكرة كل مصري أثناء ذهابه إلى المدرسة ونزوله إلى عمله صباحًا، إذا سمع صوت الشيخ رفعت أدرك أن الشمس قد أشرقت إيذانًا بميلاد يوم جديد مصحوب بصوت الشيخ محمد رفعت.

وأما الثانية فطوال شهر رمضان المبارك مع أذان المغرب، هذا الأذان الذي إن سمعه المصريون في أي وقت استشعروا بنسمات شهر الصيام، ارتبط أذان الشيخ محمد رفعت بالإعلان عن وقت الإفطار كل يوم في رمضان، فأصبح له خصوصية يتفرد بها عن أي أذان آخر.

الشيخ محمد رفعت هذا الصوت الملائكي الخالد الذي تجددت فيه معجزة القرآن، إلا أن التسجيلات التي وصلتنا لم توفه حقه، ذلك لأن أغلب التسجيلات كانت قديمة تحتاج إلى ترميم وإصلاح، فغير المونتاج الصوتي شيئا من حقيقة صوت الشيخ رفعت، والأمر الثاني أن التسجيلات بدأت في فترة مصاحبة المرض لهذا الصوت، كما قال موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب في إحدى لقاءاته إن تسجيلات الشيخ محمد رفعت تحمل تأثير مرضه وكأنك تسمع صوتا جميلا لكن عليه مسحة من المرض، وذكر أن تسجيل سورة مريم هو الذي يعطي بعضا من صوت الشيخ رفعت في اكتماله وشبابه ومقدرته.

في حي المغربلين بمنطقة الدرب الأحمر ولد الشيخ محمد رفعت سنة 1882 لأب يعمل ضابط شرطة بقسم الخليفة، وأم طيبة ترعى بيتها وتقوم على شئون الزوج والأولاد، واسم محمد رفعت هو اسم مركب أما والده فاسمه محمود رفعت وهو اسم مركب أيضًا، ولأن كل إنسان منا يسير إلى قدره المكتوب في الحياة، فقد واجه الشيخ محمد رفعت مصيره في الحياة مبكرا، المأساة الأولى عندما فقد بصره وهو في الثالثة أو الرابعة من عمره، والمأساة الثانية عندما فقد والده وهو ابن تسع سنوات.

ولأن في المنع عطاء، وفي كل محنة منحة، فكانت المأساة الأولى هي سبب العطاء الأعظم في حياة الشيخ محمد رفعت بعد أن قرر والداه أن يهباه للقرآن، وأتم حفظ القرآن وتجويده وهو طفل صغير في مسجد فاضل باشا، والذي عين فيه قارئا للسورة يوم الجمعة إلى أن أقعده المرض، وأما المأساة الثانية فكانت السبب في أن يتحمل الشيخ رفعت مسئولية أسرته الصغيرة المكونة من أمه وخالته وأخيه الأصغر بعد أن أصبح هو العائل الوحيد لهم، وظل على هذا الحال حتى ذاع صيته وأصاب سحر صوته كل من سمعه وتأثر به.

الشيخ محمد رفعت هو معجزة القرن العشرين في تلاوة القرآن الكريم، كان لصوته مفعول السحر على مستمعيه، فلا تسمع تلك الصيحات أثناء تلاوته كما يحدث في السرادقات مع قراء اليوم، ولكن طريقة قراءة الشيخ رفعت بما فيها من هيبة ووقار وإبهار كانت تجعل المستمعين لا يحركون ساكنا، يخشعون رهبة وإجلالا لعِظم ما يُقرأ عليهم.

تقليد الشيخ رفعت يحتاج لإمكانيات صوتية خاصة ولطبقة صوت اختص بها الله الشيخ رفعت، فيصعب جدا تقليده، تمتع الشيخ رفعت بصوت ماسي حاد جدا رنان كأنه الياقوت والمرجان، وبصوت عميق عريض جدا كأنه زئير الأسد في أدنى طبقات صوته، والعجيب أن في علو صوت الشيخ رفعت وهبوطه لا يشعر المستمع بأنه ينتقل بين القرار والجواب فهو يقرأ بطريقة السهل الممتنع، يلون الآيات بصوته وبما يناسب كل آية، فالموهبة وحدها لا تكفي، ولكنها تحتاج لذكاء يوظفها بطريقة صحيحة، والشيخ محمد رفعت وهبه الله من الذكاء الفطري والبصيرة الربانية ما جعله يقرأ القرآن بوعي وتدبر وذكاء.

عاش الشيخ محمد رفعت واهبًا حياته لخدمة القرآن الكريم ينشر صوته في كل مكان ويلبي الدعوات بعفة نفس خدمة للقرآن، لم يكن طالب مال ولا شهرة أو جاه، ترك لأبنائه ساعة يد وروشتة طبيب ومصحفًا، كما أخبر بذلك ابنه الأكبر محمد رحمه الله، وأصيب الشيخ رفعت بمرض الزغطة الذي اتضح أنه سرطان الحنجرة، فتوقف عن القراءة سنة 1943 بعد أن حبسه المرض وهو يقرأ ولم يخرج صوته في بعض الآيات فسكت ثم غادر المسجد وسط بكاء كل الحاضرين، وظل يعاني من هذا المرض الذي فشل الطب في علاجه، كان راضيا صابرا ولم يسخط، وفي يوم التاسع من مايو سنة 1950 أخذ يردد (الحمد لله) ويسأل زوجته عن أولاده، ويقول (الحمد لله) ثم فاضت روحه إلى رب العالمين، ليترك لنا صوتا لم ينطفئ يومًا، هذا الإرث الذي يشهد له بما قدمه في حياته لخدمة القرآن وإيصال رسالته، رحم الله قيثارة السماء الشيخ محمد رفعت.

مقالات مشابهة

  • النصرانية في القرآن
  • “فليصمه”
  • الرئيس الايراني: نلتزم بتوجيهات خامنئي برفض الحوار مع واشنطن
  • أهلاً وسهلاً بشهر رمضان
  • فضل الله: ألم تتعب الدولة من العدوان عليها وانتقاص سيادتها؟
  • كيفية صلاة الوتر ثلاث ركعات وأحكامها ووقتها.. يجوز أداؤها بـ3 طُرق صحيحة
  • كيف نختم القرآن الكريم في شهر رمضان المُبارك
  • كيفية صلاة التراويح في البيت منفردا وجماعة كما صلاها رسول الله
  • كيفية صلاة قيام الليل وأفضل وقت لأدائها.. الإفتاء توضح
  • محمد غنيم يكتب: مع الشيخ محمد رفعت