الإمام عبد القاهر الجرجاني وأسرار البلاغة
تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT
بسم الله الرحمن الرحيم
سرف المداد
لعل ما لا يند عن ذهن أو يغيب عن خاطر، أنّ البلاغة بلغت أوج عظمتها في عهد من أربى على الأكفاء، وتميز عن النظراء، العالم الثبت أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني المتوفى سنة 471 ه والذي «نظر ميمنة ويسرة فلم يجد من مسائل هذه الفنون إلا نتفاً مبعثرة لا تسمن ولا تغني من جوع، فشمر عن ساعد الجد، وجمع متفرقاتها، وأقام بناءها على أسس متينة، وركز دعائمها على أرض جدد لا تنهار، وأملى من القواعد ما شاء الله أن يملي في كتابيه «أسرار البلاغة» و«دلائل الإعجاز»، وأحكم بنيانها بضرب الأمثلة والشواهد، حتى أناف بها على اليفاع، وقرن فيهما بين العلم والعمل، إذ رأى أن مسائل الفنون لا يستقر لها قرار إلا بكثرة الأمثلة والنماذج، فالصور الإجمالية التي تؤخذ من القواعد، إن لم تؤيدها الصور التفصيلية التي تستفاد من النماذج، لا تتمثل في الأذهان حق التمثل، ولا تنجلي حقيقتها تمام الانجلاء».
ولعل هذه الأمثلة التي تخلق نوعاً من التجانس والألفة بين الفنون والشواهد تبين مدى فحولة هذا القطب في التفكير، فالطريقة التي ابتدعها لم يتم ترويضها أو استئناسها من قبل، وما خلفه من تراث علمي ونتاج أدبي يدل على سعة ثقافته وخصوبة فكره، كما يدل على أنه بصير بمذاهب الكلام، عارف بمطارح الإساءة والإحسان. ولقد ذاعت شهرته في التأليف وسارت مؤلفاته في كل صقع ووادٍ، وأجبرّ كتاب الطبقات والتراجم أن يكثروا من ذكر اسمه في مصنفاتهم، ويطنبوا في وصفه بالذكاء والنبوغ ورهافة الحس ولطافة التخيل. ولقد استمد الجرجاني أجرأ الكُتّاب قريحة أيديولوجيته من التراث الإسلامي، واستعان في دراسته البلاغية بما كتب في النقد والبلاغة والإعجاز قبله، يمده بالجديد فيها ذوق مثقف، وحس لغوي دقيق، وقد قرأ الكثير من دواوين الشعر، وعكف على التراث الثقافي قبله، وهضمه وتمثله، وانعكس ذلك واضحاً على ما كتبه. كما تأثر عبد القاهر في بعض نواحي تفكيره البلاغي والنقدي بالثقافة الإغريقية ولا سيما بحوث أرسطو». فلقد ترجم كتابي «الخطابة» و «الشعر» لأرسطو إلى العربية، الأول في القرن الثالث الهجري، والآخر في القرن الرابع. ويعتبر كتاب عبد القاهر الجرجاني «أسرار البلاغة» أول محاولة جادة ترمي للتمييز بين أقسام البلاغة وفروعها، حيث نجد أن مؤلفه المتفنن في ضروب الخطاب قد قام بدراسة موضوعاتها دراسة وافية متأنية مكنته من اقتناص هذا الجنس من العلم، فقد انسجم سمتها وكشف لنا عن بهرجها وزينتها بيراعه المفطور على الإبداع الذي جمع ما شتّ من بعيدها وطرح الواغش عن صورتها، «فالإمام عبد القاهر لم يؤلف كتاب «أسرار البلاغة» لغرض ديني أو مسألة تتعلق بإعجاز القرآن، وإنما ألفه لغاية بلاغية، ووضع الأصول والقوانين، وبيان الأقسام، وذكر الفروق بين العبارات والفنون البيانية. وقد وفق الإمام عبد القاهر في إبراز الجودة الأدبية التي تأثر بصورها البيانية في نفس متذوقها، ولذلك نجده قد أوغل في الصور البيانية من تشبيه واستعارة ومجاز أيّما تفصيل، ولم يغفل الحديث عن الجناس والسجع والطباق، وقد ذكرها لبيان مزيتها وحسنها عندما يطلبها المعنى».
ويبدو أن الإمام عبد القاهر قد أقدم على تأليف «أسرار البلاغة» بعد تأليفه لكتاب «دلائل الإعجاز» الذي سما إلى العلياء، وناطح الجوزاء شكلاً ومضموناً والذي نشأ وترعرع تحت كنف القرآن الذي دوّن فيه نظريته عن النظم، ساطعاً فيه بأن إعجاز القرآن الكريم يكمن في نظمه وليس في فصاحته، وكان المنهج الذي اتخذه في تأليف «الدلائل» هو «أن يكرر ويعيد الحديث عن النظم، ويكثر من الأمثلة والشرح ليقرب الفكرة ويقنع بها الناس مع ذكر الدليل تلو الدليل في وضوح لإثبات أنّ القرآن معجز في نفسه، وأنه معجز في كل زمان ومكان، ويناقش مذهب القائلين بالصرفة ويبطل حججهم بالأدلة العقلية والنقلية من القرآن الكريم والشعر الرصين». أما كتابه «أسرار البلاغة» فهو بحث خالص في موضوعات علم البيان، بالإضافة إلى بعض ألوان من البديع هي: الجناس والسجع والطباق.
د. الطيب النقر
nagar_88@yahoo.com
////////////////////
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
ما ثواب ذكر اللهم إني أشهدك؟.. انتبه لـ10 أسرار تحقق المعجزات
ثواب ذكر اللهم إني أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك، وجميع خلقك، أنَّك أنت الله، لا إله إلا أنت؟، ينبع من كثرة وصايا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - به وحرصه عليه، حيث إنه -صلى الله عليه وسلم- دائما يرشدنا إلى كل ما فيه خير وفلاح في الدنيا والآخرة، لذا ينبغي أخذ وصاياه بعناية واهتمام، ومن بينها هذا الذكر، ولعل معرفة ما ثواب ذكر اللهم إني أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك، وجميع خلقك، أنَّك أنت الله، لا إله إلا أنت؟، تكون دافعًا وسببًا قويًا لمزيد من الحرص عليه واتباع هذه السُنة النبوية الشريفة.
دعاء الليلة الرابعة من شهر شعبان.. بـ15 كلمة تستيقظ على فرج مذهلما ثواب ذكر اللهم إني أشهدكقال الدكتور محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن أي ذكر يردده العبد له ثواب كبير جدًا وله نفع عظيم، أوله أن الإنسان الذي يذكر الله سبحانه وتعالى يجد ذكر الله عز وجل له، لما ورد في كتابه العزيز أنه يقول تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) الآية 152 من سورة البقرة.
وأوضح “شلبي” في إجابته عن سؤال: (ما ثواب ذكر اللهم إني أشهدك وأشهد حملةَ عرشك، وملائكتك، وجميع خلقك، أنَّك أنت الله، لا إله إلا أنت؟)، أن الله سبحانه وتعالى يذكر الإنسان بأن يوفقه ويعينه ويهديه إلى الخير وييسر أموره، ويكون الله تعالى مع العبد، أي أن بالذكر يكون العبد في معية الله جل وعلا.
واستشهد بما جاء في الحديث القدسي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال النبي صلي الله عليه وسلم (( يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ؛ ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ، وإن تقرب إلى شبراً ، تقربت إليه ذراعاً ، وإن تقرب إلى ذراعاً ؛ تقربت إليه باعاً ، وإن أتاني يمشي؛ أتيته هرولة )).
ما ثواب ذكر اللهم إني أشهدك وأشهد حملةَ عرشك، وملائكتك، وجميع خلقك، أنَّك أنت الله، لا إله إلا أنت؟ ، أضاف بأنه حتى أهل الله يقولون إن من كانت له حاجة ويريد أن يقضيها الله تعالى له، فلديه طريقتين أولهما الدعاء بأن يطلب حاجته من الله عز وجل، وثانيهما الذكر ، وقيل أن ذكر الله تعالى أقوى من الدعاء في تحقيق الأمنيات.
وتابع: فمثلا في سورة الأنبياء قصة سيدنا يونس الذي خرج من أهله وركب في السفينة وحدث ما حدث والتقمه الحوت ، وخرج ونجي بالذكر ، فقال تعالى: ( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)) من سورة الأنبياء، فقد استجاب الله تعالى له الذكر ونجاه.
وعن ما ثواب ذكر اللهم إني أشهدك وأشهد حملةَ عرشك، وملائكتك، وجميع خلقك، أنَّك أنت الله، لا إله إلا أنت؟ ، أفاد بأن هذا الذكر ثوابه المعونة والتوفيق وأن يحقق للإنسان ما يرجوه، كما أن هذا الذكر يجعل الإنسان في دائرة الأحياء، فالحي ليس الشخص الذي يتنفس ، وإنما هو الذي يذكر الله سبحانه وتعالى ، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( مَثَلُ الذي يَذْكُرُ رَبَّهُ والذي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ).