سودانايل:
2025-04-23@05:43:53 GMT

الطريق الثالث فكرة حل أم هروب

تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT

أن أبتكار أطروحات و تصورات بهدف إيجاد حل للحرب الدائرة في السودان و الأزمة المستعصية، هي مهمة لا تعتمد على الهتاف، أو الإكتفاء برفع الشعارات من قبل القوى السياسية، لآن الشعار نفسه بات أداة تسكين، أو محاولة لتغبيش الوعي، يؤكد حالة العجز التي تعيشها أغلبية النخب السياسية التي ظهرت على المسرح السياسي بعد سقوط النظام السابق.

أن المفكر وحده هو الذي يستطيع أن ينتج تصورات جديدة بهدف تفكيك الأزمة و معرفة أسبابها، و العوامل ألتي تؤدي إلي استمراريتها. خاصة أن التغييرأت التي تحدث في المجتمعات تعتمد على دور النخب التي تشتغل بالفكر. فالسياسي المفكر هو الذي يستطيع أن يحدث أختراقا في جدار الأزمة، لأنه يبتعد عن المؤثرات التي لا ينتجها العقل بحثا عن الحل. أن طول حكم الإنقاذ الذي أحدث شروخات في الأحزاب، قد ساعد على صعود قيادات تنفيذية كانت مهامها السياسية محدودة داخل تنظيماتها، هؤلاء قدراتهم لا تساعدهم على التعاطي مع التحديات المعقدة، لذلك أكتفوا بمواجهتها بشعارات ترددها العامة، و تمنعهم من الإحراج في التعامل معها بجدية، هؤلاء كانوا المانعين لظهور العناصر ذات القدرات الذهنية و القادرين على ابتكار الأفكار من التعامل مع الأزمة بدلا عنهم.
في أربعة مقالات كنت قد تحدثت عن أزمة "حزب الأمة القومي" و هي لا تنفصل عن أزمة بقية الأحزاب التقليدية الأخرى " الاتحادي – الشيوعي – البعث – الإسلاميين" أن عجز القيادات التي تتحكم في هذه الأحزاب، كان عليها أن تبدأ بمعالجة أزمتها الداخلية و تحدث تغييرات جوهرية في مسار الأحزاب، من ناحية تجديد القيادات، و إدخال عناصر جديدة للقيادات لكي تضخ أفكارا جديدة. تحدث تغييرا في الخطاب السياسي لكي يتلاءم مع شعار " عملية التحول الديمقراطي" و توسيع دائرة المشاركة في مؤسسات الحزب، و مشاركة في صنع القرار. أن تفتح حوارات داخل المؤسسات لكي ترسيخ الممارسة الديمقراطية. هذه التحولات و الفاعلية الداخلية للأحزاب، كان يمكن أن تدفع الأحزاب أن تكون معامل لإنتاج الثقافة الديمقراطية. و تسهم في حل أزمة الأحزاب السياسية، و بالضرورة تشكل أرضية صلبة في الحوار لحل أزمة البلاد. و لكن إذا تجاهلت القيادات الحزبية عملية إصلاح مؤسساتها الحزبية، سيظل التعطيل للعقل قائما و دون تجديد في الأفكار وسوف تتعمق الأزمة أكثر و تستمر الحرب طويلا.
نقلت " الحاكم نيوز" ما سمته " منشور مثير لرباح الصادق المهدي" قالت فيه ( للذين يحلمون بديمقراطية على يدي الدعم السريع، أو أنه يمكن الصمت على تجاوزاته مرحليا و من ثم زحزحته بعد الصعود على كتفيه، عليكم أن تراجعوا أنفسكم و كما قال السيد المسيح: كا ما ارتفع بالسيف فبالسيف ينزل) و تضيف قائلة ( على هذا الشعب النبيل أن يحفر طريقا ثالثا فلا المرفعين و لا السعلاة سيعبدان طريقنا للأمام، علينا فقط التفكير في كيفية وقف حربهما اللعينة و لأجل ذلك علينا مخاطبتهما معا بالمصلحة الوطنية، و الضغط الشعبي الدبلوماسي ، بدون عمل تحالفات مع هذا أو ذاك) أن الأستاذة رباح الصادق لم تقدم أي تفاصيل عن "الطريق الثالث" بل جعلت المهمة يقوم بها الشعب، مع تأكيدها أن هذا الطريق الثالث لا الجيش يستطيع حفره و لا الميليشيا. أن فكرة "الطريق الثالث" تحتاج لعصف ذهني أن يبدأ بنقد الطريقين السابقين، و معرفة الأسباب التي أدت لفشلهما، و بالنقد يتم تفكيك البنية الفكرية و الثقافية للمشروعين، و أيضا نقد الأدوات التي كانت مشاركة في الفشل، و هل لا تصلح أن تشارك مرة أخرى بذات مناهجها القديمة.
أن فكرة التفكير "خارج الصندوق" تحتاج لشغل عقلي، لأنها تحتاج لابتكار انماط جديدة في التفكير المغاير للسابق، و تحتاج أيضا لسعة الصدر، و تحتاج لتصحيح العديد من الشعارات التي تتسبب في تعميق الإزمة، و التي ترفع دون دراسة و تمد في عمر الأزمة. و يجب تجاوز العديد من العقبات التي صنعتها النخبة السياسية لكي تداري بها ضعف مقدراتها الفكرية و السياسية. أن الطريق الثالث مطلوب لأنه يعتبر مغاير لطريق التفكير السابق الذي عمق الأزمة و تسبب في الحرب. لكن في ظل جمود العقل السياسي لا يفهم بأنه طريق للتفكير الجديد، بل هي مؤامرة جديدة من مؤامرات النظام السابق، باعتبار أن النخب السياسية عندها كوابح جاهزة، عندما لا تسعفها مقدراتها في المجادلة الفكرية مع الرؤى الجديدة، تذهب مباشرة إلي الفزاعات و التشكيك رغم شعارات الديمقراطية التي ترفعها. هذه أصبحت إشكالية ليست قاصرة على النخب السياسية أيضا وسط المثقفين.. أن توقف أي تصور جديد قبل أن يجد بيئة طيبة للحوار فيه.
كما قال الدكتور عبد الرحمن الغالي في اللقاء الذي أجراه معه "راديو دبنقا" بعد أن اندلعت الحرب، لابد من تفكير جديدة لحل الأزمة، و لابد من حوار مفتوح مع كل القوى السياسية دون استثناء حول مستقبل السودان. و فكرة الغالي تحتاج لقيادات تتحلل من أثواب التعصب. و أذكر هنا حديثا لسكرتير الحزب الشيوعي محمد إبراهيم نقد جاء في مقابلة أجرتها معه جريدة الرأي العام يوم 12\10\ 2002/ قال ( لا ديمقراطية مستدامة مع مظالم اجتماعية و قومية مستدامة، و لا ديمقراطية مستدامة مع جماعات التطرف و الإرهاب سواء من منطلقات دينية أو علمانية أو يسارية) أن نقد يرفض التطرف بجميع تمظهراته الفكرية، و التطرف في فرض الرؤية على الأخرين، هي نتاج لقصور في النظر و عدم ثقة القيادة في قدراتها في إدارة الأزمة. و نقد ليس سياسيا بل كان واحدا من فكري اليسار القادرين للتعامل مع التحديات المعقدة من خلال إجتراح الفكر.
أن فكرة الطريق الثالث كحل للأزمة: يجب أن لا تكون حالة هروب من مواجهة الصراعات الداخلية للأحزاب، أنما يجب أن تكون إحدى أجندة الحوار السياسي و الجدل حول وضع تصورات جديدة للحل.. خاصة أن عجز النخب السياسية يجعلها تتهرب من المصارحة و المواجهة، لأنها لم تتعود على ممارسة النقد، حيثت بنت ثقافتها السياسية على منهج التبرير، أي الهروب من الأعتراف بمسؤولية الإخفاق. كما أن الأحزاب التقليدية خاصة " الأمة القومي – الاتحادي الأصل – الشيوعي – البعث الأصل" قد وصلت للقيادة قيادات متواضعة القدرات مقارنة بالقيادات السابقة، هذا التواضع يجعلها غير قادرة أن تبتكر أدوات جديدة في الممارسة السياسية، و أيضا تجدها عاجزة في إنتاج الأفكار التي تساعدها على الحل. نشكر الأستاذة رباح على الفكرة.. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: النخب السیاسیة الطریق الثالث

إقرأ أيضاً:

يجب منح الجهاز صلاحيات جديدة تتناسب مع حالة الحرب وتتلاءم مع طبيعة المهددات الأمنية التي تهدد السودان

بعد سقوط البشير واستقالة صلاح قوش ومن بعده جلال الشيخ، تغولت الاستخبارات العسكرية على ملفات جهاز المخابرات وسيطرت على معظم موارده، وتقاسمته مناصفة مع الدعم السريع، الاستخبارات على المعلومات والتحليل والقرار، والدعم السريع على المقار والموارد الفنية..

تحول جهاز المخابرات إلى جسد بلا روح، يتم ابتزازه سياسياً من قبل قحت بماضيه وانتماءات منسوبيه لنظام الإنقاذ. كثير من عناصره انحنوا للعاصفة، فمنهم من تم إقالته ومنهم من دخل في حالة كمون وانتظار ومنهم من طاوع الحكام الجدد وأدار ظهره لولائه السابق ومنهم من قاوم مشروع الحكم الجديد بممانعة صامتة..

كان الهدف بعد سقوط البشير وبعد حادثة هيئة العمليات أن تكون السيطرة الكاملة لصالح الاستخبارات العسكرية، وكان الرأي الغالب لدى قيادات الجيش أن يدار الجهاز بواسطة ضباط من داخل المؤسسة العسكرية، مثل الفريق جمال عبد المجيد. لم تنجح التوجهات الجديدة لأسباب تتعلق بعدم دراية هؤلاء الضباط بطبيعة الثقافة المؤسسية الطاغية على عمل الجهاز وبطبيعة العمل الأمني في شقه المدني ولغياب الرؤية المشتركة بين الضباط القادمين من الجيش مع الشباب الذين تخرجوا من مؤسسة الجهاز، بالإضافة لتعدد الولاءات داخل الجهاز نفسه بين ولاءات تقليدية وولاءات حديثة مرتبطة بالعناصر المدخلة من قبل مجموعة حميد-تي والنظام الجديد ..

صحيح لم يستطيع حميدتي ابتلاع الجهاز كلياً، لكنه أحدث فيه اختراقات عميقة وخلق حالة من الاهتزاز الداخلي جعله جهاز فاقد للفعالية ومكبل بعزلة سياسية وحالة عداء شعبي مرتبط بديسمبر والخطابات الميدانية الرافضة لعناصره. فحالة الهياج الشعبي الرافض للجهاز ولعناصره وظفها حميدتي لجعل دور الجهاز محصور فقط في جمع المعلومات وتكبيل اي خطوات وقائية يمكن أن يقوم بها وحصرها فقط على الد-عم السريع ..

الأن وبعد قيام الحرب ومع بدء الجهاز في استعادة توازنه وفك قيود التكبيل التي مارسها عليه حميد-تي، يجب على قيادة الدولة أن تسمح بإعادة جهاز الأمن إلى عمله وفق هيكلة جديدة تعيد له صلاحياته الفنية في التحليل والتأمين والتحرك خاصة في الأحياء السكنية وملء الفراغ الاستخباراتي داخل المدن. المطلوب هو فك الارتباط والتداخل بين استخبارات الجيش والجهاز ، خصوصاً على الملفات الأمنية ذات البعد المدني وترك إدارتها للجهاز ، مع زيادة التنسيق بينهم بعيداً عن التعامل مع الجهاز بنظرة ديسمبرية قللت من فعاليته وساهمت في تهميشه. يجب منح الجهاز صلاحيات جديدة تتناسب مع حالة الحرب وتتلاءم مع طبيعة المهددات الأمنية التي تهدد السودان .
حسبو البيلي
#السودان

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • انهيارات صخرية جديدة تقطع الطريق بين تطوان والحسيمة‎
  • «حزب صوت الشعب» يدعو كافة النخب الوطنية إلى عدم الانجرار خلف سراب الحلول
  • 4 مطالب للنخب السياسية في ليبيا؛ لإنهاء الأزمة الحالية
  • النُخب السياسية الليبية تؤكد ضرورة إنهاء الفترات الانتقالية
  • سياسي كردي:عائلتي البارزاني والطالباني ترفضان صعود وجوه جديدة لقيادة الإقليم
  • بشرى سارة| صرف معاشات مايو 2025 مبكرا وزيادة جديدة في الطريق .. تفاصيل هامة
  • يجب منح الجهاز صلاحيات جديدة تتناسب مع حالة الحرب وتتلاءم مع طبيعة المهددات الأمنية التي تهدد السودان
  • أسامة ربيع: فكرة مهندس شاب أثبتت فاعليتها في حل أزمة جنوح السفينة إيفرجيفن
  • ‏الأردن يرحب بالتوافق الذي توصّلت إليه واشنطن وطهران خلال الجولة الثانية من المباحثات التي عُقِدَت في العاصمة الإيطالية روما
  • "التضامن": لا غرامة جديدة على الأسر التي تعيد الأطفال المكفولين.. والقرار معمول به منذ أكثر من 4 سنوات