أن أبتكار أطروحات و تصورات بهدف إيجاد حل للحرب الدائرة في السودان و الأزمة المستعصية، هي مهمة لا تعتمد على الهتاف، أو الإكتفاء برفع الشعارات من قبل القوى السياسية، لآن الشعار نفسه بات أداة تسكين، أو محاولة لتغبيش الوعي، يؤكد حالة العجز التي تعيشها أغلبية النخب السياسية التي ظهرت على المسرح السياسي بعد سقوط النظام السابق.
في أربعة مقالات كنت قد تحدثت عن أزمة "حزب الأمة القومي" و هي لا تنفصل عن أزمة بقية الأحزاب التقليدية الأخرى " الاتحادي – الشيوعي – البعث – الإسلاميين" أن عجز القيادات التي تتحكم في هذه الأحزاب، كان عليها أن تبدأ بمعالجة أزمتها الداخلية و تحدث تغييرات جوهرية في مسار الأحزاب، من ناحية تجديد القيادات، و إدخال عناصر جديدة للقيادات لكي تضخ أفكارا جديدة. تحدث تغييرا في الخطاب السياسي لكي يتلاءم مع شعار " عملية التحول الديمقراطي" و توسيع دائرة المشاركة في مؤسسات الحزب، و مشاركة في صنع القرار. أن تفتح حوارات داخل المؤسسات لكي ترسيخ الممارسة الديمقراطية. هذه التحولات و الفاعلية الداخلية للأحزاب، كان يمكن أن تدفع الأحزاب أن تكون معامل لإنتاج الثقافة الديمقراطية. و تسهم في حل أزمة الأحزاب السياسية، و بالضرورة تشكل أرضية صلبة في الحوار لحل أزمة البلاد. و لكن إذا تجاهلت القيادات الحزبية عملية إصلاح مؤسساتها الحزبية، سيظل التعطيل للعقل قائما و دون تجديد في الأفكار وسوف تتعمق الأزمة أكثر و تستمر الحرب طويلا.
نقلت " الحاكم نيوز" ما سمته " منشور مثير لرباح الصادق المهدي" قالت فيه ( للذين يحلمون بديمقراطية على يدي الدعم السريع، أو أنه يمكن الصمت على تجاوزاته مرحليا و من ثم زحزحته بعد الصعود على كتفيه، عليكم أن تراجعوا أنفسكم و كما قال السيد المسيح: كا ما ارتفع بالسيف فبالسيف ينزل) و تضيف قائلة ( على هذا الشعب النبيل أن يحفر طريقا ثالثا فلا المرفعين و لا السعلاة سيعبدان طريقنا للأمام، علينا فقط التفكير في كيفية وقف حربهما اللعينة و لأجل ذلك علينا مخاطبتهما معا بالمصلحة الوطنية، و الضغط الشعبي الدبلوماسي ، بدون عمل تحالفات مع هذا أو ذاك) أن الأستاذة رباح الصادق لم تقدم أي تفاصيل عن "الطريق الثالث" بل جعلت المهمة يقوم بها الشعب، مع تأكيدها أن هذا الطريق الثالث لا الجيش يستطيع حفره و لا الميليشيا. أن فكرة "الطريق الثالث" تحتاج لعصف ذهني أن يبدأ بنقد الطريقين السابقين، و معرفة الأسباب التي أدت لفشلهما، و بالنقد يتم تفكيك البنية الفكرية و الثقافية للمشروعين، و أيضا نقد الأدوات التي كانت مشاركة في الفشل، و هل لا تصلح أن تشارك مرة أخرى بذات مناهجها القديمة.
أن فكرة التفكير "خارج الصندوق" تحتاج لشغل عقلي، لأنها تحتاج لابتكار انماط جديدة في التفكير المغاير للسابق، و تحتاج أيضا لسعة الصدر، و تحتاج لتصحيح العديد من الشعارات التي تتسبب في تعميق الإزمة، و التي ترفع دون دراسة و تمد في عمر الأزمة. و يجب تجاوز العديد من العقبات التي صنعتها النخبة السياسية لكي تداري بها ضعف مقدراتها الفكرية و السياسية. أن الطريق الثالث مطلوب لأنه يعتبر مغاير لطريق التفكير السابق الذي عمق الأزمة و تسبب في الحرب. لكن في ظل جمود العقل السياسي لا يفهم بأنه طريق للتفكير الجديد، بل هي مؤامرة جديدة من مؤامرات النظام السابق، باعتبار أن النخب السياسية عندها كوابح جاهزة، عندما لا تسعفها مقدراتها في المجادلة الفكرية مع الرؤى الجديدة، تذهب مباشرة إلي الفزاعات و التشكيك رغم شعارات الديمقراطية التي ترفعها. هذه أصبحت إشكالية ليست قاصرة على النخب السياسية أيضا وسط المثقفين.. أن توقف أي تصور جديد قبل أن يجد بيئة طيبة للحوار فيه.
كما قال الدكتور عبد الرحمن الغالي في اللقاء الذي أجراه معه "راديو دبنقا" بعد أن اندلعت الحرب، لابد من تفكير جديدة لحل الأزمة، و لابد من حوار مفتوح مع كل القوى السياسية دون استثناء حول مستقبل السودان. و فكرة الغالي تحتاج لقيادات تتحلل من أثواب التعصب. و أذكر هنا حديثا لسكرتير الحزب الشيوعي محمد إبراهيم نقد جاء في مقابلة أجرتها معه جريدة الرأي العام يوم 12\10\ 2002/ قال ( لا ديمقراطية مستدامة مع مظالم اجتماعية و قومية مستدامة، و لا ديمقراطية مستدامة مع جماعات التطرف و الإرهاب سواء من منطلقات دينية أو علمانية أو يسارية) أن نقد يرفض التطرف بجميع تمظهراته الفكرية، و التطرف في فرض الرؤية على الأخرين، هي نتاج لقصور في النظر و عدم ثقة القيادة في قدراتها في إدارة الأزمة. و نقد ليس سياسيا بل كان واحدا من فكري اليسار القادرين للتعامل مع التحديات المعقدة من خلال إجتراح الفكر.
أن فكرة الطريق الثالث كحل للأزمة: يجب أن لا تكون حالة هروب من مواجهة الصراعات الداخلية للأحزاب، أنما يجب أن تكون إحدى أجندة الحوار السياسي و الجدل حول وضع تصورات جديدة للحل.. خاصة أن عجز النخب السياسية يجعلها تتهرب من المصارحة و المواجهة، لأنها لم تتعود على ممارسة النقد، حيثت بنت ثقافتها السياسية على منهج التبرير، أي الهروب من الأعتراف بمسؤولية الإخفاق. كما أن الأحزاب التقليدية خاصة " الأمة القومي – الاتحادي الأصل – الشيوعي – البعث الأصل" قد وصلت للقيادة قيادات متواضعة القدرات مقارنة بالقيادات السابقة، هذا التواضع يجعلها غير قادرة أن تبتكر أدوات جديدة في الممارسة السياسية، و أيضا تجدها عاجزة في إنتاج الأفكار التي تساعدها على الحل. نشكر الأستاذة رباح على الفكرة.. نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: النخب السیاسیة الطریق الثالث
إقرأ أيضاً:
بعد هروب حاملة الطائرات “لينكولن”.. لمن البحر العربي اليوم؟
يمانيون/ تقارير
لقد نجحت مدرسة اليمن العسكرية في هزيمة الأساطيل الأميركية، وقد يرى البعض أن الحديث عن انتصار كهذا سابق لأوانه، إلا أن من يعرف الجيش اليمني ويدرس جيداً مسار هذه المعركة يصل إلى نتيجة أن اليمن انتصر فعلاً.
جاءت حاملة الطائرات آيزنهاور ترافقها قطع حربية أميركية وغربية متعددة مصحوبة بهالة إعلامية طالما استخدمتها واشنطن ضد خصومها، والمؤلم أن حلفاءها في المنطقة روّجوا وهلّلوا للوجود العسكري الأميركي أكثر من البيت الأبيض ومتحدثه والبنتاغون ووزارة الخارجية الأميركية.
جاءت واشنطن ومعها فخر أسلحتها الاستراتيجية ومقدمة بحريتها النارية محاولة عسكرة البحر الأحمر، ومتخذة من إسناد اليمن لفلسطين ذريعة وأسلوباً للتغرير بممجتمعها ومجتمع المحيط العربي ولتنفيذ هدفها المتمثل بالدفاع عن الصهيونية العالمية.
جاءت واشنطن وهي تنوي ارتكاب خطأ استراتيجي لا يقل عن الخطأ الذي ارتكبه نتنياهو ومتطرفو الكيان، وحشدت ليس الرأي العام فحسب بل أدواتها في المنطقة والعالم، وكان أن تعثرت سريعاً في أول مهماتها العدوانية.
لقد انتهج اليمن مدرسة عسكرية خاصة للتعامل والتعاطي مع الأساطيل الأميركية ومع الوضع العسكري الداخلي بكل تشعباته، هذه المدرسة هي التي دفعت بواشنطن إلى تخصيص مراكز أبحاث خاصة ووحدات في أجهزة استخباراتها تسلط الضوء على اليمن، وتفعل كل مقدراتها للنيل من البلد الجغرافي الحساس والمهم اليمن العنيد المفعم بالخبرة العسكرية الشجاعة.
لقد بدأ اليمن مدرسته العسكرية بالعنف العسكري، إن صح التعبير، ومنذ الوهلة الأولى لم يتدرج في طريقته الدفاعية وهو يعلم أن هذه الحرب قد تطول وقد تكون حرب استنزاف طويلة الأمد، لكنه لم يغرق في هذه الحسابات بل أخرج ما لديه من قدرات وصفع بها واشنطن، وبعد كل صفعة على خد العدو كان الجيش اليمني يرسل رسائل النار إلى الأدوات في المنطقة والداخل والكيان المجرم، أن أي إشغال أو حرب ضد اليمن لا يمكن أن تحرفه عن استهداف العمق الإسرائيلي ولو كان بحجم أميركا وأساطيلها.
نعم، أثبت اليمن لعدوّه قبل صديقه أن لديه مدرسته العسكرية الخاصة التي ينطلق منها، فبدلاً من حرب استنزاف طويلة والغرق في الحسابات، كانت الضربات الكبرى في بداية المعركة البحرية، وكان الاستهداف لأميركا في البحر الأحمر والعربي وخليج عدن وباب المندب مستمراً ومتنامياً وبدقة صدمت العدو ودفعته إلى الهروب والعودة إلى مرابض حاملاته.
إن أسلوب الزخم العسكري اليمني أثبت فاعليته في حرب الطوفان، فهربت “آيزنهاور” وعين الصين وروسيا ترقبها، فضلاً عن عين اليمن التي لم تغفُ دقيقة واحدة في رصدها واستهدافها وإشغالها، وهذا ما جعل طاقم حاملة الطائرات “آيزنهاور” يقول إن الزخم العسكري اليمني نوعي ومخيف ومتقدم.
ولأن اليمن يرى أن كل الخطوط الحمر قد تم نسفها من قبل العدو في فلسطين، ودمر كل جسر يمكن البناء عليه، ولم يتبق على جسد بايدن أي شيء لستره، بل خلع كل الأقنعة وكل الأزياء التي كانت أميركا طيلة تاريخها تحاول إظهارها أنها بلد الحريات والإنصاف وبلد الإنسان بكل ألوانه وأشكاله، كان لا بد من الرد بالمثل فكانت مدرسة اليمن العسكرية هي الدقيقة والقوية والفعالة في مواجهة الغطرسة الأميركية في المنطقة، بل يمكن البناء على أن مدرسة اليمن العسكرية هزمت ما يسمى بتحالف الازدهار، وهزمت أيضاً معه الكيان وأسقطت بعض المشاريع التي كان العدو يخطط للقيام بها اليوم أو يخطط لتنفيذها مستقبلاً.
لقد أسقطت هذه المدرسة والزخم العسكري النوعي والدقيق مشروع واشنطن العسكري، ودفعت بواشنطن الى إعادة التجربة من خلال إرسال حاملة طائرات جديدة حملت اسم “إبراهام لينكولن”، والتي أتت بعد هروب رفيقتها “آيزنهاور” ولكنها تمركزت هذه المرة في البحر العربي، بعيداً إلى حد ما عن حدود اليمن البحرية.
مع ذلك، اعتقد العدو أن تمركز حاملة طائراته في البحر العربي سينقذها من زخم صواريخ اليمن وطائراته المسيرة، وقام الأسطول الأميركي بتنفيذ عدة عمليات في العمق اليمني، دفع إلى التعامل معه عسكرياً فكانت الضربات المتتالية.
والمذهل في المعركة البحرية الطاحنة، أن العدو درس أسلوب اليمن العسكري، وكشف نوع الأسلحة المستخدمة ضد أساطيله ودرس التوقيت والدقة والمدى والأسلوب والقرار، ونقل كل المعطيات بعد هروبه ومغادرته إلى الأسطول الجديد “إبراهام” ومع كل ذلك، كان الفشل الصادم هو ما حدث.
فبعد العدوان المستمر على اليمن من قبل الطائرات الأميركية والبريطانية، قرر اليمن إعادة التعامل بمدرسته العسكرية الخاصة، زخم عسكري مصحوب بنوعية الضربات ودقتها، فجهز صواريخه وطائراته وأسلحته التي لم تستطع الأقمار الصناعية ولا الاستخبارات الأميركية اكتشافها وتحييدها ورصد تموضع الأسطول الأميركي في البحرين الأحمر والعربي، واكتشف مخططاً لاستهداف اليمن بشكل واسع وغير مسبوق فقام بعملية نوعية أقل ما توصف بأنها ملحمة عسكرية عاشها العدو وأدرك خطورة هذا البلد وشعبه وقائده.
وكشفت مصادر الميادين أن حاملة الطائرات الأميركية “أبراهام” أطلقت أسراباً من الطائرات الحربية للقيام بهجوم واسع يستهدف عدة محافظات يمنية فقام الجيش اليمني بعملية استباقية متصدياً الطائرات الأميركية، واستقبلت “أبراهام” ما يقرب من 29 صاروخاً باليستياً وبحرياً وطائرة مسيرة، في عملية مرهقة ومعقدة وغير مسبوقة ضد القوات الموجودة فوق هذا الأسطول، توزعت مصادر النيران لهذه العملية وفقاً للتخطيط الزمني السريع الذي اتخذه الجيش اليمني وبنى عليه وانطلق من خلاله، لتستمر المناورة العسكرية مع هذا الأسطول ما يقرب من ثماني ساعات متتالية، وفقاً للمتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، وهذا ما دفع بحاملة الطائرات إلى التراجع والهروب.
هذه العملية شكلت صدمة لقيادة الأسطول العسكري، ودفعت به إلى إعادة حساباته العسكرية ومعها إعادة حاملة الطائرات “أبراهام” إلى مربضها، وفقاً لما نشره المعهد البحري الأميركي الذي أكد أن “يو إس إس أبراهام لينكولن” غادرت الشرق الأوسط بعد دخولها منطقة الأسطول السابع الأميركي تاركة الشرق الأوسط من دون حاملة طائرات للمرة الثانية فقط خلال أكثر من عام، وقد تكشف الأيام المقبلة تفاصيل هزيمة هذه الأساطيل وقوة اليمن العسكرية والشعبية.
وخلاصة لما سبق، يرى خبراء عسكريون أن مدرسة اليمن العسكرية بدأت معركتها بتقديم بعض الأوراق العسكرية الاستراتيجية واستخدامها في الوقت المبكر، ما قد يمثل حلاً وردعاً حقيقياً للعدو وقد تفشل مخططاته، مع دراسة احتمال كل خيارات الحرب والاستعداد لها، وفقاً للتجارب ومعطيات الميدان والتكنولوجيا الحديثة للعدو وللجيش أيضاً.
كما إن استخدام الزخم العسكري في بدايات المعركة، خصوصاً مع عدو لم يعتد على الخسارة، هو أحد الحلول العسكرية وإحدى الخطوات المهمة لمعنويات الجيش والشعب ولمعنويات العدو وأدواته ولقياس نبض الحرب.
لقد نجحت مدرسة اليمن العسكرية في هزيمة الأساطيل الأميركية، وقد يرى البعض أن الحديث عن انتصار كهذا سابق لأوانه، إلا أن من يعرف الجيش اليمني ويدرس جيداً مسار هذه المعركة يصل إلى نتيجة أن اليمن انتصر فعلاً، ولا يزال يملك الكثير والكثير من الخيارات والأساليب العسكرية، خصوصاً أن لغة السلاح هي اللغة التي تعم المنطقة بأسرها ويجب التعامل معها بالمثل، وصنعاء ترى أن تقديرها للخيار العسكري في التعامل مع أميركا والكيان هو التقدير والطريقة الدقيقة وهو أسلوب ومنهج مصدره مدرسة قرآنية لا بشرية عسكرية خالصة، وهذا أيضاً ما يدركه تماماً البيت الأبيض وعجز عن التعامل معه وإيقافه ويراه اليمن أن أدق منهج يمكن السير عليه دائماً هو منهج ومدرسة: عين على القرآن وعين على الأحداث”.
نقلا عن الميادين نت