جنرالات السودان.. معارك في الداخل و”استجداء للشرعية” في الخارج
تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT
بعد أكثر من تسعة أشهر على الحرب الأهلية في السودان تسعى بعض الأطراف إلى إدخال الصراع في مرحلة جديدة، حيث بدأت تحركات دبلوماسية في دول أفريقية، والتي ينظر إليها محللون بأنها تأتي ضمن إطار “استجداء الشرعية” من خارج البلاد.
منذ أواخر العام الماضي، بدأ قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو الملقب بـ”حميدتي”، بجولات دبلوماسية حيث التقى مع مسؤولين ورؤساء دول أفريقية، وتم استقباله بحفاوة بالغة.
زيارات حميدتي الخارجية أثارت انتقادات من قائد الجيش السوداني، عبدالفتاح البرهان، داعيا الدول “التي تستقبل هؤلاء القتلة بأن كفوا أيديكم عن التدخل في شأننا.. وأن استقبال أي جهة معادية للدولة لا تعترف بالحكومة القائمة يعتبر عداء للدولة”.
ويتهم الجانبان بارتكاب جرائم حرب بينها قصف عشوائي على المناطق السكنية وأعمال تعذيب واعتقالات تعسفية.
وأودت الحرب في السودان بأكثر من 13 ألف قتيل، وفق منظمة “مشروع بيانات مواقع الصراعات المسلحة وأحداثها” – أكليد، وتسبب النزاع بنزوح نحو 7.5 ملايين شخص داخل البلاد وخارجها، بحسب الأمم المتحدة، وفقا لتقرير نشرته فرانس برس.
المحلل السياسي السوداني، فريد زين، وصف زيارات حميدتي بأنها “محاولة فاشلة لاستجداء الشرعية من خارج السودان”، مؤكدا أن “الجرائم التي ارتكبها في المدن السودانية أنهت فرصة حصوله على الشرعية داخل البلاد”.
وأوضح زين، وهو مقيم في الولايات المتحدة، في حديث لموقع “الحرة” أنه لا يمكن قراءة هذه الزيارات سوى أنها “محاولة من حميدتي لتحسين صورة الدعم السريع في الخارج، والتي قد يريد منها الضغط على البرهان للجلوس على طاولة التفاوض على أسس متساوية”.
وتركت الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية نحو نصف سكان السودان البالغ عددهم 49 مليون نسمة في حاجة إلى المساعدات، وزاد تدهور الخدمات الصحية عندما اندلعت الحرب في منتصف أبريل، بحسب رويترز.
ويقول دبلوماسيون وعمال إغاثة إن الجيش والمسؤولين المتحالفين معه يعيقون وصول المساعدات الإنسانية بينما يواصل الجانبان حملاتهما العسكرية. ويقول ناشطون إن المتطوعين في الأحياء يتعرضون للاستهداف، وفق رويترز.
وأضافوا للوكالة أن قوات الدعم السريع لا تبذل مجهودا يذكر لحماية العاملين وإمدادات المساعدات، وأنها متورطة في عمليات نهب. وينفي الجانبان عرقلة المساعدات.
ويقول مستشار قائد قوات الدعم السريع، فارس النور، في رد على استفسارات موقع “الحرة” إن جولات دقلو تأتي بهدف “شرح أسباب الحرب وآثارها المدمرة التي قد تمتد إلى الإقليم الأفريقي إذا لم يتم احتواؤها”.
واستطرد أن “هذه الجولات يراد منها حشد التأييد الدولي وخصوصا الأفريقي، لصالح وقف الحرب، ومحاصرة دعاة الحرب”.
وأشار النور إلى أن “هذه الحرب هي بين معسكر من يريدون الديمقراطية، وتحقيق أهداف ثورة ديسمبر ضد معكسر الدكتاتورية وحماية المفسدين والعودة للنظام السابق”.
ويشرح بأن الاتحاد الأفريقي كان قد قام بتجميد عضوية السودان بعد “انقلاب أكتوبر وبالتالي، هو لا يعترف بأي حكومة لا تعيد السودان للمسار الديمقراطي”.
وأكد النور أن “كل الدول التى تمت زيارتها هي الآن تدعم وبقوة خط السلام، وبهذا أصبح دعاة الحرب معزولين دوليا الأمر الذي سيعجّل بإنهاء الحرب سريعا”، مشيرا إلى أن هذه الزيارات “سوف تظهر نتائج قريبا جدا”.
وتقاسم الجيش وقوات الدعم السريع السلطة مع المدنيين بعد انتفاضة شعبية، عام 2019، ثم نفذا انقلابا معا، في عام 2021، قبل أن يدب الخلاف بينهما بشأن وضعهما في المرحلة الانتقالية التي تفضي إلى الانتخابات.
وتشير الباحثة السودانية، مها طمبل إلى أن “حميدتي يسعى لأخذ البريق وتسليط الضوء على تحركاته وبالاستجابة إلى التعاون مع تحالف ‘تقدم’ الذي يترأسه عبدالله حمدوك”.
وتقول في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة” إن هذا المحاولات بالاستفادة من زخم التعامل مع تحالف “تقدم” ليس حكرا على حميدتي إذ كان يمكن للبرهان أن يخطو بالخطوات ذاتها لتحقيق استفادة من هذا الأمر أيضا، مشيرة إلى أن هذا التحالف يريد وقف الحرب بأي طريقة كانت.
ووقّع حميدتي، مطلع العام الحالي، في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، إعلانا سياسيا مع حمدوك، الذي سبق له تولي رئاسة الوزراء في السودان قبل أن يطيحه الانقلاب العسكري الذي قاده البرهان ودقلو، في عام 2021.
وكانت الهيئة التنسيقية للقوى الديمقراطية المدنية برئاسة حمدوك دعت مؤخرا لعقد “لقاءات عاجلة مع الجيش وقوات الدعم السريع تبحث قضايا حماية المدنيين وتوصيل المساعدات الإنسانية وسبل وقف الحرب عبر المسار السلمي التفاوضي”.
ونتيجة لاستجابة الدعم السريع فقط لهذه الدعوة إلى الآن، وقع دقلو وحمدوك “إعلان أديس أبابا” الذي تبدي من خلاله قوات الدعم “استعدادها التام لوقف عدائيات فوري وغير مشروط عبر تفاوض مباشر مع القوات المسلحة”.
كما تتعهد “فتح ممرات آمنة لوصول المساعدات الإنسانية”، و”تهيئة الأجواء لعودة المواطنين لمنازلهم في المناطق التي تأثرت بالحرب”.
ويقول محللون لوكالة فرانس برس إن عزلة قائد الجيش دبلوماسيا تتعزز، مع خسارة قواته ميدانيا أمام تقدم قوات الدعم السريع.
وتعتقد طمبل أن “جولات حميدتي ربما حققت أهدافها حتى الآن، إذ استطاع تحسين صورته في الداخل الأفريقي، وحتى على المستوى الدولي، لم نسمع أي انتقادات من المجتمع الدولي والولايات المتحدة”، وتتفق مع القول إن هذه الجولات تمثل “استجداء للشرعية خارج السودان”.
وترى أن “الجيش السوداني والمؤسسات الرسمية يجب أن يبتعدوا عن المهاترات” بتوجيه الانتقادات للقوى الأفريقية بسبب هذه الجولات، مؤكدة أن هذه القوى تبحث عن تحقيق فوز بإنهاء الحرب وأنها قادرة على إدارة الصراع، ولهذا لن يكون لديها أي مشكلة في التعامل مع شخصيات عسكرية، خاصة وأن المنطقة كلها أصبحت معتادة على “الانقلابات العسكرية المنتهية بتمكن العسكر من إدارة البلاد”.
وكانت وزارة خارجية السودان، أعلنت، الثلاثاء، “تجميد التعامل” مع الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا “إيغاد” على خلفية “انتهاك سيادة” السودان بعد أن دعت حميدتي لحضور قمة في أوغندا فيما تدور حرب بين قواته والجيش السوداني.
وقالت الوزارة إن دعوة دقلو تشكل “سابقة خطيرة في تاريخ إيغاد والمنظمات الإقليمية والدولية، الأمر الذي اعتبره السودان انتهاكا لسيادته فضلا عن كونه مخالفة جسيمة لمواثيق إيغاد والقواعد التي تحكم عمل المنظمات الدولية والإقليمية”.
واتهم البرهان إيغاد أخيرا بالتحيز والسعي إلى التدخل في “شأن داخلي”.
وأبدى البرهان استياء من دور دقلو الدبلوماسي المتزايد، واتهم الزعماء الأفارقة الذين استقبلوه بالتواطؤ في الجرائم المرتكبة في حق السودانيين.
وتعهد البرهان بمواصلة الحرب مع قوات الدعم السريع شبه العسكرية، رافضا أحدث جهود لإحلال السلام، والتي وافق عليها حميدتي مؤخرا بوقف لإطلاق النار اقترحته جماعات مدنية، واشترط موافقة الجيش عليه. لكن مراقبين شككوا لرويترز في جدية العرض في ضوء حنث الدعم السريع بتعهدات سابقة.
وقال البرهان في خطابه الأخير إنه سيسلح الشعب السوداني الذي يريد قتال قوات الدعم السريع وحثهم على الانضمام إلى الجيش. وذكر أن السودان يواجه تهديد الوقوع تحت “العبودية والاستعمار” في إشارة على ما يبدو إلى الإمارات التي يتهمها الجيش بمساعدة قوات الدعم السريع، وفق تقرير لوكالة رويترز.
وشارك حميدتي صورا يظهر فيها وهو ينزل من طائرة مملوكة لخطوط جوية إماراتية تظهر سجلات الرحلات الجوية أنها سافرت إلى الأماكن التي زارها خلال رحلته الإقليمية.
وقال المحلل زين لموقع “الحرة” إن “الحديث عن دعم إماراتي مستمر للدعم السريع يحتاج إلى تدخل حقيقي من المجتمع الدولي لوقف أي جهود تغذي استمرار الحرب في السودان”.
وحاول موقع “الحرة” التواصل مع السفارة الإماراتية في واشنطن، ولم يتلق إجابة حتى نشر التقرير.
الاتهامات للإمارات بتقديم الدعم لحميدتي ليست بجديدة، إذ ربط تقرير حديث نشرته مجلة الإيكونوميست بين “نجاح الجولات الدبلوماسية الأخيرة لقائد قوات الدعم السريع” وبين “نفوذ دولة الإمارات” التي تحرص دول أفريقية على بناء علاقات معها.
وأيدت الإمارات عملية الانتقال السياسي في السودان بعد الإطاحة بعمر البشير، عام 2019، وهي العملية التي لم تكتمل. لكن الإمارات تتجنب الإدلاء بتصريحات تتعلق بالحرب الدائرة هناك، وفق رويترز.
وفي أغسطس، نقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية عن مسؤولين أوغنديين قولهم إنهم عثروا على أسلحة في طائرة شحن كان يفترض أن تنقل مساعدات إنسانية إماراتية إلى لاجئين سودانيين في تشاد.
وفي الشهر ذاته، نفت الإمارات بحزم المعلومات التي نشرتها وول ستريت جورنال.
وقالت وزارة الخارجية والتعاون الدولي في بيان على موقعها حينها: “فيما يتعلق بتقرير إحدى وسائل الإعلام عن مزاعم قيام الإمارات بتزويد الأطراف المتحاربة في السودان بالأسلحة والذخيرة، أعربت عفراء الهاملي، مديرة إدارة الاتصالات الاستراتيجية بالوزارة، عن دحض الإمارات القاطع للمزاعم والادعاءات الواردة في القصة”.
وأكدت المسؤولة أن دولة الإمارات لم تدعم “أي من الأطراف المتحاربة في السودان بالسلاح والذخيرة منذ اندلاع الصراع في أبريل 2023″.
وعلاوة على ذلك، أكدت الهاملي أن الإمارات” لا تنحاز إلى أي طرف في الصراع الحالي، وتسعى إلى إنهائه”.
وشددت الهاملي في البيان على أنه منذ بداية النزاع، دعت الإمارات إلى وقف التصعيد ووقف إطلاق النار وبدء الحوار الدبلوماسي عبر منتديات ثنائية ومتعددة الأطراف”.
وأكدت الدبلوماسية أن الإمارات “تدعم باستمرار العملية السياسية والجهود المبذولة لتحقيق التوافق الوطني تجاه تشكيل الحكومة، وستواصل دعم جميع الجهود الهادفة إلى تحقيق الأمن في السودان وتعزيز استقراره وازدهاره حتى يتم ضمان وقف إطلاق النار”.
ووقعت الإمارات، العام الماضي، اتفاقا لبناء ميناء على ساحل البحر الأحمر بالسودان ضمن استثمارات في الزراعة ومجالات أخرى، كما أنها تعد وجهة رئيسية للذهب السوداني.
وذكر أليكس دي فال، أحد أكبر الخبراء المتخصصين في الشأن السوداني لوكالة فرانس برس أن الإمارات تدعم الفريق دقلو لأنه “أرسل له جنودا من قواته للمشاركة في الحرب الإماراتية-السعودية في اليمن”.
ويتابع “كما أن دقلو يستفيد من تجارة الذهب التي تفيد كذلك الإمارات”. وأتاحت هذه التجارة، بحسب واشنطن، تمويل جزء من عمليات فاغنر.
أما المحلل اندرياس كريغ فقال للوكالة ذاتها إن “تاريخ الإمارات والسودان هو تاريخ شبكات نسجتها أبوظبي لتحقيق أهداف استراتيجية ولكنها احتفظت بتلك الشبكات طي الكتمان وحرصت على أن تكون قادرة على نفي” أي صلات بها.
وهاجم متظاهرون سودانيون الإمارات في نوفمبر الماضي، وفي أعقاب ذلك، قامت الإمارات بطرد دبلوماسيين سودانيين بحسب وزير الخارجية السوداني، علي صديق، الموالي للجيش.
وقال في تصريحات للتلفزيون الرسمي السوداني: “لم نطلب توضيحات من الإمارات على الرغم من توافر معلومات لدينا حول تورطهم في الحرب”. وتابع “لكنهم بادروا بطرد دبلوماسيينا فاضطررنا للرد”.
في العاشر من ديسمبر، طلبت وزارة الخارجية السودانية من 15 دبلوماسيا إماراتيا مغادرة البلاد خلال “48 ساعة” بعدما اعتبرتهم أشخاصا غير مرغوب فيهم.
القيادي في قوى الحرية والتغيير السودانية، عمار حمودة، قال إنه “يتمنى أن تكون جولات حميدتي في الدول الأفريقية، بحثا عن السلام، وليس عن شرعية للحرب”، مشيرا إلى أن تأثيراتها على “مسار الحرب والسلام سيكون أشبه بسلاح ذي حدين”.
ويرى حمودة وهو مقيم في لندن، أن ما يجري يمكن توصيفه بـ”حالة تنافس محموم داخل الأجهزة العسكرية لكسب الشرعية السياسية”، مؤكدا أن هذا الأمر “لا يساعد في بناء السلام في السودان”.
وشدد أن البلاد لا تزال بحاجة إلى “العودة للمسار الديمقراطي، بما يعني أن تنصر الأجهزة العسكرية لمهامها الدستورية، والابتعاد عن السياسة وإدارة البلاد بشكل تام”.
وانتقد البرهان زعماء دول أفريقية، منها جنوب أفريقيا وإثيوبيا وكينيا، كانوا قد استقبلوا حميدتي بوصفه رجل دولة خلال زيارات هذا الأسبوع، وانتقد أيضا السياسيين السودانيين الذين اجتمعوا معه في إثيوبيا.
وقال البرهان عن حميدتي “بيهين في الشعب السوداني وبيقتل في الشعب السوداني وينبس في الشعب السوداني وفي ناس بتصفق ليه وفي ناس بيضحكوا معاه”.
ولا تعتقد الباحثة طمبل بأن هذه الزيارات قادرة على تقويض صلاحيات المجلس السيادي، إذ ببساطة يمكنه فتح خطوط التعاون مع تحالف “تقدم”، مشيرة إلى أن المجلس موجود على الورق ولكنه غير فعال على أرض الواقع، وفق تعبيرها.
وتعرب عن أملها بأن يتمكن جميع الأطراف من العودة “لطاولة المفاوضات، وإنهاء الحرب”، مستدركة أن العودة للمسار الديمقراطي في السودان “لن يتم من دون محاسبة الجميع على الجرائم التي ترتكب في الحرب وفي مقدمتهم حميدتي”، ولكننا قد نرى نوعا من “التسوية السياسية باستبعاد حميدتي من المشهد السياسي مقابل الحصول على ملاذ آمن”.
وتتهم الولايات المتحدة الجيش والدعم السريع بارتكاب جرائم حرب وتقول إن قوات الدعم السريع مسؤولة أيضا عن جرائم ضد الإنسانية وجرائم تطهير عرقي، وهو ما ينفيه الطرفان المتقاتلان.
وقال المحلل زين إنه يتفهم “لماذا قد يتعامل المجتمع الدولي مع حميدتي، إذ أنه أحد أمراء الحرب الذين يتحكمون فيما يحصل في البلاد، ولكن لا يجب إغفال الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوداني، وتركت خلفها قتلى وجرحى ونازحين ولاجئين”.
ودعا المجتمع الدولي والقوى المختلفة إلى ضرورة “التعامل بحزم مع أمراء الحرب في السودان، والضغط عليهم لوقف حرب الخاسر الوحيد فيها حتى الآن هو الشعب السوداني”.
وكانت رئيسة منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” في السودان، مانديب أوبريان، قالت لوكالة فرانس برس: “إذا استمرت الحرب بين الجنرالين المتنازعين على السلطة فإن (كارثة جيلية) ستحدث في البلاد أولى ضحايا 24 مليون طفل سوداني”.
وزادت أن “النزاع في السودان يعرض للخطر صحة 24 مليون طفل وبالتالي مستقبل البلاد، ما قد يترتب عليه عواقب وخيمة للمنطقة بأسرها”.
وأضافت أوبريان “أن مستقبل البلاد في خطر فقرابة 20 مليون طفل لن يذهبوا إلى المدرسة هذا العام إذا لم يكن هناك تحرك سريع”.
وقبل الحرب، كان سوداني واحد من كل ثلاثة يعاني من الجوع، كما غاب سبعة ملايين طفل عن الالتحاق بالتعليم خصوصا في المناطق الريفية حيث يعيش أكثر من ثلثي السكان، بحسب فرانس برس.
وجاءت الحرب لتضيف إلى المشاكل التي يعاني منها السودان، ثالث منتج للذهب في أفريقيا، بفعل سنوات من النزاعات المتكررة وحيث أنهت ثورة شعبية، في عام 2019، ثلاثين عاما من الحكم العسكري الدكتاتوري.
الحرة
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع المجتمع الدولی الشعب السودانی دول أفریقیة فی السودان فرانس برس الحرب فی إلى أن
إقرأ أيضاً:
تحليل الوضع الراهن في السودان وتحديات مستقبل الدعم السريع
يوسف عزت مستشار حميدتي السابق..
????
*تحليل الوضع الراهن في السودان وتحديات مستقبل الدعم السريع*
*إعداد: يوسف عزت*
⸻
*مقدمة:*
يواجه السودان مرحلة دقيقة من تاريخه الحديث، حيث تعكس المواجهة المسلحة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني صراعًا أكثر تعقيدًا من كونه نزاعًا عسكريًا. فعلى الرغم من النجاحات الميدانية التي حققتها قوات الدعم السريع في بداية النزاع، إلا أنها تعاني حاليًا من تراجع ملحوظ على الأصعدة السياسية والاجتماعية والعسكرية.
يهدف هذا التحليل إلى دراسة الأسباب الجوهرية لهذا التراجع، مع التركيز على العوامل البنيوية، والسياسية، والقيادية. كما يسعى للإجابة على السؤال المركزي:
هل تمتلك قيادة الدعم السريع استراتيجية واضحة لحماية المجتمعات وضمان بقائها وسط هذا التصعيد؟
*أولاً: غياب الانضباط والانفلات الأمني*
تعدّ السيطرة على الأمن والنظام أحد العناصر الأساسية للحفاظ على الشرعية والقبول الشعبي. غير أن الواقع في مناطق نفوذ قوات الدعم السريع يُظهر اختلالًا أمنيًا خطيرًا انعكس في انتشار أعمال النهب، وانتهاكات حقوق المدنيين. ويمكن تحليل آثار هذا الانفلات من خلال بعدين أساسيين:
1. فقدان التأييد الشعبي:
• أسهمت الانتهاكات الميدانية في تقويض الثقة الشعبية بقوات الدعم السريع، خاصةً في المناطق الحضرية التي كانت أكثر تضررًا من عمليات النهب والاعتداءات.
• انعكست هذه الانتهاكات على صورة القيادة باعتبارها غير قادرة على السيطرة على عناصرها، مما أدى إلى عزلة متزايدة في الأوساط المجتمعية.
2. تعزيز الفوضى وانعدام السيطرة:
• أدى غياب المحاسبة الداخلية إلى بروز مجموعات منفلتة تعمل خارج السيطرة المباشرة للقيادة، مما كرّس بيئة من الفوضى وصعوبة استعادة النظام.
*الخلاصة:*
أضعف الانفلات الأمني قدرة الدعم السريع على تقديم نفسه كفاعل منظم ومشروع، وخلق حالة من الاستقطاب السلبي ضده داخل المجتمعات المحلية.
⸻
*ثانياً: تراجع الرؤية السياسية وانعدام المصداقية*
بدأت قوات الدعم السريع مسارها السياسي بعد اندلاع الحرب عبر طرح رؤية الحل الشامل دات النقاط العشر، والتي لاقت قبولًا داخليًا وخارجيًا باعتبارها محاولة لصياغة مشروع سياسي مدني. إلا أن هذا الزخم تلاشى بسبب تضارب الخطاب السياسي مع الواقع الميداني.
1. التناقض في الخطاب السياسي:
• اعتمدت القيادة خطابًا يركز على مواجهة الإسلاميين (“الكيزان”)، مما أكسبها دعمًا مؤقتًا من القوى المدنية المناهضة للنظام السابق.
• غير أن وجود عناصر محسوبة على الإسلاميين داخل صفوف الدعم السريع قوّض مصداقية هذا الخطاب، وكشف عن تناقض جوهري بين الشعارات والممارسات.
2. تأثير الحرب على الأولويات السياسية:
• فرضت الحرب أولويات جديدة على قيادة الدعم السريع، حيث أصبح الحشد القبلي والاجتماعي أولوية تفوق الالتزام بالمشروع المدني، مما أدى إلى تراجع الرؤية السياسية إلى مجرد أداة تكتيكية.
*الخلاصة:*
غياب خطاب سياسي متماسك يعكس رؤية مستقبلية واضحة أدى إلى فقدان الدعم الشعبي والانكشاف أمام المجتمع الدولي كفاعل غير قادر على الالتزام بمبادئ التحول المدني.
⸻
*ثالثاً: ضعف القيادة وتعدد مراكز القرار*
تعاني قوات الدعم السريع من أزمة قيادية بنيوية تتجلى في غياب مركز موحد لاتخاذ القرارات الاستراتيجية. وتظهر هذه الإشكالية في النقاط التالية:
1. تعدد دوائر صنع القرار:
• يشكل التداخل بين القائد الأول (محمد حمدان دقلو – حميدتي) ونائبه (عبد الرحيم دقلو) مصدرًا لتضارب القرارات وتباطؤ الاستجابة للأحداث.
• تسهم تأثيرات المحيطين بالقيادة من أفراد الأسرة والمقربين في خلق ديناميكيات معقدة تُعيق اتخاذ قرارات حاسمة.
2. غياب التخطيط طويل الأمد:
• تفتقر القيادة إلى رؤية استراتيجية بعيدة المدى، حيث يعتمد اتخاذ القرارات على ردود الفعل الآنية دون تحليل معمق للعواقب المستقبلية.
*الخلاصة:*
انعكس غياب القيادة المركزية الموحدة على كفاءة إدارة الحرب، وتسبب في قرارات متضاربة، مما أضعف الموقف السياسي والعسكري للدعم السريع.
⸻
*رابعاً: أزمة التحالفات السياسية والعسكرية*
تورطت قيادة الدعم السريع في تحالفات متباينة مع قوى سياسية وعسكرية، خلال السنوات الماضية آخرها تبني مشروع “السودان الجديد”. لكن هذه التحالفات تعاني من تناقضات بنيوية واضحة:
1. التناقض مع التركيبة الاسرية والاجتماعية للدعم السريع:
• يتطلب مشروع السودان الجديد إعادة هيكلة الدعم السريع كمؤسسة قومية ديمقراطية، في حين أن بنيته القائمة تعتمد على قيادة الأسرة والولاءات القبلية.
2. الطابع التكتيكي للتحالفات:
• تتعامل قيادة الدعم السريع مع التحالفات كأدوات مرحلية فرضتها ظروف الحرب، دون التزام فكري أو سياسي حقيقي بالمبادئ التي تقوم عليها هذه التحالفات.
*الخلاصة:*
غياب رؤية استراتيجية للتحالفات والثبات عليها جعل الدعم السريع يبدو كفاعل انتهازي، مما يهدد استمرارية هذه التحالفات ويؤدي إلى عزلة سياسية متزايدة.
*خامساً: الصدام مع الدولة المركزية وتأثيره على الاصطفاف القبلي*
أدى الصدام المباشر بين قوات الدعم السريع والدولة المركزية إلى إعادة تشكيل الاصطفافات القبلية في السودان بصورة غير مسبوقة فللمرة الأولى في تاريخ السودان الحديث، أصبحت المجتمعات العربية منقسمة بين دعم الجيش أو الدعم السريع، مما أدى إلى حالة استقطاب حاد والدخول في حرب اهلية مباشرة.
• دفع هذا الاستقطاب المجتمعات إلى تسليح نفسها بشكل مستقل، مما حول الحرب لحرب أهلية واسعة النطاق ذات قوى متعددة.
*الخلاصة:*
ساهم الصدام مع الدولة المركزية في تفكيك التحالفات القبلية التقليدية وأدى إلى تعميق الانقسامات المجتمعية واعاد المكونات العربية في غرب السودان إلى محيطها التقليدي والتحالف مع قوى الهامش التي كانت تستخدم هذه المجتمعات لقمعها ،كأداة لسلطة المركز .
يمكن تطوير هذا التحول لحل صراع المركز والهامش بتبني مشروع دولة خدمية بدلا من التعريف التقليدي للصراع بأن المركز هو عروبي إسلامي والهامش إفريقي زنجي وهو تعريف غير صحيح كرست له سلطة الحركة الإسلامية وعمقتها وتبنتها كسياسات حتى الان ، وكنتيجة لذلك انفجر الصراع بهذه الصورة التي نشهدها الان ، ولكن يمكن وفق المعادلات الراهنة الوصول لحلول لصالح جميع السودانيين من خلال التفكير الواقعي والاعتراف بالأزمة وحلها حلا جذريا وذلك يحتاج لعقول تنظر إلى ابعد من مصالحها.
*الإجابة على السؤال الجوهري:*
هل تمتلك قيادة الدعم السريع استراتيجية واضحة لحماية المجتمعات التي تقع في مناطق سيطرتها وضمان بقائها؟
بناءً على التحليل السابق، لا تمتلك قيادة الدعم السريع استراتيجية متكاملة لتحقيق هذا الهدف، وذلك للأسباب التالية:
1. الارتجالية بدل التخطيط الاستراتيجي.
2. التناقض في الخطاب السياسي والممارسات.
3. غياب قيادة موحدة لاتخاذ القرارات.
4. الاعتماد على تحالفات ظرفية غير مستدامة.
5-عدم القدرة هلى التخلص من ارث الماضي والتكيف مع التحولات التي تستدعي اعادة تشكيل القيادة وصياغة مشروع وطني يمثل مصالح قطاعات واسعة تتبناه وتشارك في تنفيذه.
*توصيات*
1. إعادة هيكلة القيادة: إنشاء مركز موحد لاتخاذ القرارات الاستراتيجية.
2. ضبط الأمن: فرض انضباط صارم على القوات ومحاسبة المتجاوزين.
3. صياغة رؤية سياسية متماسكة: تطوير مشروع وطني يعكس المصالح الحقيقية لجميع الفئات.
4. تعزيز المشاركة المجتمعية: إشراك الكفاءات المحلية في صنع القرار.
5. تبني استراتيجية طويلة الأمد: التركيز على حلول مستدامة تربط بين الأمن والسياسة والتنمية.
*خاتمة*
يتضح أن قيادة الدعم السريع تواجه تحديات بنيوية تهدد بقاءها كفاعل سياسي وعسكري مؤثر. إن غياب التفكير الاستراتيجي والارتباك في الخطاب والممارسة يجعل مستقبلها مرهوناً بقدرتها على إصلاح هذه الاختلالات واعتماد رؤية متماسكة ومستدامة.