الجزيرة:
2024-07-01@13:20:16 GMT

الردع الأميركي لا يكفي وحده للحدّ من توسع الحرب

تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT

الردع الأميركي لا يكفي وحده للحدّ من توسع الحرب

هناك خلاصتان واضحتان يُمكن الخروج بهما بعد الهجمات الأميركية والبريطانية على جماعة الحوثي في اليمن، وهما أن انتشار الحرب الإسرائيلية على غزة في أرجاء الشرق الأوسط يتسع بشكل متزايد، ويعمل على خلق وضع إقليمي مضطرب يصعب معالجته بمُجرد انتهاء الحرب، وأن الولايات المتحدة- التي أرسلت بعد السابع من أكتوبر تعزيزات عسكرية إلى المنطقة لأهداف من بينها منع اتساع الحرب- تعمل الآن على توسعتها وتُعمق انخراطها فيها.

إن التصور بأن استخدام القوة سيؤدي إلى ردع الحوثيين عن مواصلة هجماتهم في البحر الأحمر، أو تقويض قدرة حلفاء إيران الآخرين على تهديد المصالح الأميركية في المِنطقة لا يقلّ سذاجة عن التصور الإسرائيلي بأن الحرب على غزة ستؤدي إلى القضاء على حركة حماس.

لقد وضعت الولايات المتحدة نفسها مُجددًا في حالة عداء مع الحوثيين بعد سنوات من سعي إدارة الرئيس جو بايدن لمغازلة الجماعة عبر رفعها من قائمة الإرهاب الأميركية؛ لتشجيعها على الدخول في عملية سلام لإنهاء الحرب اليمنية.

من المفارقات المثيرة للاهتمام أن الولايات المتحدة، التي تضغط على إسرائيل لوضع تصور لليوم التالي لنهاية الحرب في غزة، لا تملك نفسها تصورًا واضحًا للتعامل مع اليوم التالي الذي يُمكن أن ينزلق فيه الاضطراب الإقليمي الراهن إلى صراع أكثر خطورة وأوسع نطاقًا

يُمكن الافتراض بعد الآن أن الحوثيين سيتخلون عن حذرهم السابق في تصميم هجماتهم في البحر الأحمر، كعامل ضغط فقط لإنهاء الحرب على غزّة، ما يعني أن فترة من الاضطراب ستستمر في أكثر الممرات البحرية حيوية للاقتصادَين: الإقليمي والعالمي.

تُمثل جبهة البحر الأحمر الآن صورة مُصغرة عن الشرق الأوسط الجديد الذي دخل حالة من عدم اليقين، بعد الحرب الإسرائيلية على غزة. بينما تُصعد الجماعات المدعومة من إيران هجماتها على القوات الأميركية في سوريا والعراق، بشكل متزايد، وتُقابل برد أميركي متصاعد، فإنّ الوضع على الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية لا يقل خطورة، ويلوح في الأفق شبح حرب جديدة بين إسرائيل وحزب الله.

وقد أصبح مسار التوتر-مع مرور الوقت- مستقلًا بحد ذاته عن مسار الحرب على غزة، إنْ من حيث الفعل ورد الفعل، أو من حيث الظروف العميقة التي أدَّت لظهوره اليوم. إن العامل الوحيد الذي حال حتى الآن دون تطور التصعيد على الجبهة اللبنانية -الإسرائيلية إلى حرب هو أن الطرفين لا يُريدانها لاعتبارات مُختلفة.

لكنّ هذا العامل يصبح أقل تأثيرًا في ديناميكية المواجهة الحالية بين إسرائيل وحزب الله مع تفوق العوامل الأخرى التي تجعل الحرب خيارًا لا مفرّ منه. وحتى لو بدت مسألة اليوم التالي لنهاية الحرب في غزة الأكثر تعقيدًا، فإن أحدًا لا يملك تصورًا واضحًا للكيفية التي يُمكن أن يكون عليها الشرق الأوسط في اللحظة التي تندلع فيها حرب كبيرة بين إسرائيل وحزب الله، وكيف ستكون الاستجابة الأميركية لها.

حتى لو كانت إدارة الرئيس جو بايدن لا تمتلك خيارات أقل تكلفة للتعامل مع الارتدادات الإقليمية لحرب غزة سوى استخدام القوة العسكرية كعامل ردع، فإن الردع لن يكون كافيًا وحده للحد من المخاطر الإقليمية.

ومن المفارقات المثيرة للاهتمام أن الولايات المتحدة، التي تضغط على إسرائيل لوضع تصور لليوم التالي لنهاية الحرب في غزة، لا تملك نفسها تصورًا واضحًا للتعامل مع اليوم التالي الذي يُمكن أن ينزلق فيه الاضطراب الإقليمي الراهن إلى صراع أكثر خطورة وأوسع نطاقًا، باستثناء أنها تأمل تجنّب هذا السيناريو.

تكمن نقطة الضعف الأساسية في الإستراتيجية الأميركية في التعامل مع هذا الاضطراب الإقليمي، في أن واشنطن تعتقد أن عامل الردع يُمكن أن يُثني إيران وحلفاءها عن تعميق انخراطهم في الحرب، وفي أن الدفع باتجاه تقليص الحرب الإسرائيلية على غزة، ودفع دول المنطقة إلى الانخراط في الرؤية الأميركية لإدارة غزة بعد الحرب، سيؤديان تلقائيًا إلى الحد من المخاطر الإقليمية الناجمة عن الحرب.

قد يبدو جزء من هذا الاعتقاد صحيحًا، خصوصًا لجهة أن إيران وحلفاءها لا يزالون يُظهرون انضباطًا أكبر في نشاطهم العسكري. لكنّ مُحفزات مواصلة هذا الانضباط تتضاءل شيئًا فشيئًا. كما أن إيران تجد في الارتدادات الإقليمية لحرب غزة فرصة لاستعراض قوتها الإقليمية، وزيادة الضغط العسكري -عبر وكلائها- على الوجود العسكري الأميركي في سوريا والعراق، وتعظيم تأثير الحوثي في المعادلة الأمنية في البحر الأحمر.

كما تتعامل الولايات المتحدة مع حرب غزة على أنها فرصة لتجديد حضورها العسكري في الشرق الأوسط، فإن طهران تنظر إليها أيضًا على أنها فرصة لرفع التكاليف العسكرية على الحضور الأميركي في المنطقة. حتى مع الأخذ بعين الاعتبار دور الحرب على غزة في تأجيج الاضطراب الإقليمي الراهن، فإنه يتغذى الآن من هذه الحرب بقدر أكبر من كونه نتيجة لها.

أدى انهيار فرص إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني في عهد بايدن، وعودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة، والشكوك المتزايدة بشأن مستقبل الدور الأميركي في الشرق الأوسط، فضلًا عن المنافسة الجيوسياسية الجديدة بين القوى العظمى وانعكاساتها على الشرق الأوسط، وأخيرًا الحرب على غزة، أدّت جميعها إلى خلق آفاق جديدة أمام إيران لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية الإقليمية.

أحدثت حرب السابع من أكتوبر تحوّلات كبيرة في الشرق الأوسط، إن من حيث إعادة إحياء القضية الفلسطينية ودورها في تشكيل ديناميكيات السياسات الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط، أو من حيث إعادة تسخين حرب الوكالة بين الولايات المتحدة وإيران، فضلًا عن تحريك خطوط الصدع في الصراع بين إسرائيل وحزب الله.

وبمعزل عن مآلات حرب غزة وسيناريوهات الاضطراب الإقليمي الراهن، فإن التنبؤ بشرق أوسط جديد أكثر استقرارًا أضحى مُجرد وهْم. والحقيقة، التي سيتعين على بايدن ومساعديه أخذها بعين الاعتبار عند اتخاذ قرار بشنّ ضربات عسكرية في المنطقة، أن القوة وحدها لن تُنظف الفوضى التي خلّفتها حرب إسرائيل على غزة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: بین إسرائیل وحزب الله الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط الحرب على غزة البحر الأحمر ی مکن أن ی حرب غزة تصور ا من حیث

إقرأ أيضاً:

إرث بريطانيا في الشرق الأوسط: التحالف مع المستبدين المؤيدين للغرب

نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للصحفي ديفيد ويرنج قال فيه إنه إذا كنت تريد تكوين فكرة واضحة عن شخصية حزب المحافظين الحديث، وفهم المدى الكامل للضرر الذي أحدثه خلال فترة ولايته الأخيرة، فليس هناك مكانا أفضل للبدء به من اليمن. فبحلول أواخر العقد الثاني من الألفية الثانية، كان اليمن مسرحا لأسوأ كارثة إنسانية في العالم، وفقا للأمم المتحدة.

ولم تكن هذه كارثة طبيعية. لقد كانت من صنع الإنسان، وقد تسبب بها حلفاء الحكومة البريطانية بشكل كبير، بمساعدة الحكومة البريطانية. ونادرا ما ظهرت الحرب ودور بريطانيا فيها في الصفحات الأولى. ولكن من حيث التكلفة البشرية الهائلة، فقد كان ذلك أسوأ حلقة في العلاقات الخارجية للمملكة المتحدة منذ غزو العراق عام 2003. ومن ناحية حقوقية، كان ينبغي أن تكون فضيحة وطنية.

في عام 2015، شن تحالف من الدول بقيادة السعودية والإمارات حربا ضد جماعة متمردة يمنية، تعرف باسم الحوثيين، والتي أطاحت بالحكومة المعترف بها دوليا في العام السابق. ووعد وزير الخارجية البريطاني آنذاك، فيليب هاموند، بأن بريطانيا "ستدعم السعوديين بكل الطرق العملية باستثناء الانخراط في القتال". وهذا يعني توفيرا مستمرا للذخيرة والمكونات والدعم اللوجستي والصيانة لأساطيل الطائرات العسكرية البريطانية الصنع والتي تشكل جزءا رئيسيا من القوات الجوية الملكية السعودية. هذا الإسناد الذي لا غنى عنه أبقى تلك الطائرات قادرة على العمل في سماء اليمن لعدة سنوات. وكانت العواقب مدمرة.


منذ بداية الحرب، قامت جماعات حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية الإنسانية وهيئات الأمم المتحدة بجمع أدلة دامغة على "الاستخدام المنهجي والواسع النطاق للغارات الجوية العشوائية" من قبل التحالف الخليجي، بما في ذلك قصف المدارس والمرافق الطبية وحفلات الزفاف والجنازات والأسواق ومساكن المدنيين، والبنية التحتية الأساسية. وتم فرض حصار جوي وبحري عقابي، مما أدى إلى إفقار عامة السكان فيما كان من الواضح أنه حملة عقاب جماعي بالجملة.

في عام 2018، قدرت منظمة إنقاذ الطفولة أن ما يصل إلى 85 ألف طفل دون سن الخامسة ربما لقوا حتفهم بسبب الجوع الشديد في السنوات الثلاث والنصف الأولى من الحرب، مع الإشارة إلى تكتيكات الحرب التي يتبعها التحالف كسبب رئيسي. في عام 2021، قدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ما مجموعه 377 ألف حالة وفاة مرتبطة بالصراع بحلول نهاية ذلك العام، مع مقتل 154 ألف شخص بشكل مباشر في أعمال العنف، والباقي بسبب الكارثة الإنسانية التي هي من صنع الإنسان. ووصف أليكس دي وال، وهو خبير بارز في شؤون المجاعة، اليمن بأنه "جريمة المجاعة المميزة لهذا الجيل، وربما هذا القرن"، وأن المسؤولية "تتجاوز الرياض وأبو ظبي إلى لندن وواشنطن".

وكان دور حكومة المحافظين في حرب اليمن مكملا لسياستها الأوسع في الشرق الأوسط، والتي تزامنت مع موجة الانتفاضات المؤيدة للديمقراطية التي اجتاحت العالم ذي الأغلبية العربية منذ شتاء 2010-2011. وفي حين لا يمكن اعتبار الحوثيين جزءا من تلك الحركة، إلا أنهم يمثلون تهديدا للنظام الإقليمي المحافظ بالقدر نفسه. وعلى الرغم من الدعم الانتهازي الذي قدمه ديفيد كاميرون للثورات في ليبيا وسوريا، فإن السياسة الأساسية التي انتهجتها بريطانيا في جميع المجالات كانت تتمثل في مضاعفة دعمها التقليدي للوضع الراهن الاستبدادي.

وفي البحرين، تم سحق الحركة السلمية المؤيدة للديمقراطية بعنف من قبل النظام الملكي، بدعم بريطاني في شكل إمدادات الأسلحة والتبرير الدبلوماسي. كما قدمت لندن الأسلحة والدعم الدبلوماسي للديكتاتور المصري عبد الفتاح السيسي بعد أن قضى على الديمقراطية الوليدة في البلاد في انقلاب عسكري قُتل فيه المئات في الشوارع. وفي جميع أنحاء المنطقة، أعطى المحافظون تصويتا استراتيجيا كبيرا بالثقة لمجموعة كاملة من المستبدين المؤيدين للغرب ومنتهكي حقوق الإنسان، بما في ذلك "إسرائيل". وتضاعفت مبيعات الأسلحة إلى تلك الأنظمة تقريبا في السنوات الخمس التي تلت عام 2011، وتعمق التعاون العسكري بشكل كبير، وازدهرت الصفقات الاقتصادية.

في قلب نظام الدولة الإقليمي هذا تكمن ممالك الخليج الغنية بالوقود الأحفوري. بالنسبة لرؤساء الوزراء البريطانيين المتعاقبين، كانت جائزة الحفاظ على الوضع الراهن في الشرق الأوسط هي التدفق المتواصل لـ "دولارات النفط" الخليجية إلى صناعة الأسلحة البريطانية، وصناعة الخدمات المالية، والاقتصاد البريطاني ككل. بالنسبة للأنظمة الملكية، يعد هذا ثمنا بسيطا يجب دفعه للاحتفاظ بالعلاقات مع راعيها الإمبراطوري السابق، والحليف الغربي الذي يواصل دعم أمنها، وحتى بقائها. لكن تدفقات البترودولار لا يمكن اعتبارها رهانا آمنا أو مستداما لبريطانيا مع ظهور حالة الطوارئ المناخية العالمية.

إن تفضيل حكومة المحافظين المستمر للمصالح الاستراتيجية للدولة البريطانية ورأس المال البريطاني على حقوق وحياة شعوب الشرق الأوسط ساهم بشكل كبير في معاناة لا حصر لها وخسائر في الأرواح، وترك المنطقة في حالة من عدم الاستقرار العميق. ونظرا للأدلة المتاحة، ليس هناك سبب يذكر لتوقع تغيير جوهري من حكومة حزب العمال المقبلة.


كما كان متوقعا، تم تخفيف التعهد الذي قطعه كير ستارمر عند ترشحه لقيادة الحزب في عام 2020 بـ "وقف بيع الأسلحة إلى السعودية" إلى مجرد "مراجعة الوضع". عندما يقول وزير خارجية الظل، ديفيد لامي: "عليك أن تكون مستعدا للعمل مع شركاء مثل السعودية والإمارات، على الرغم من أن قيمك قد لا تكون متوافقة تماما"، فهو يكرر حرفيا جملة حزب المحافظين المألوفة في السنوات الـ 14 الماضية، وفي الواقع حكومة حزب العمال التي سبقتها؛ الحكومة التي باعت للسعوديين في الأصل أسطول طائرات تايفون التي استخدمت فيما بعد لسحق اليمن.

إن حقيقة أن حزب العمال يرفض أيضا استبعاد استمرار مبيعات الأسلحة إلى "إسرائيل"، على الرغم من الأدلة الواضحة والمتزايدة على ارتكاب الأخيرة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية في غزة، تقدم إشارة قاتمة ولكن واضحة لما يمكن توقعه في السنوات المقبلة: العمل كالمعتاد، بغض النظر عن التكلفة البشرية.

مقالات مشابهة

  • الجيش الأميركي يعلن عن دمرنا 3 زوارق مسيرة للحوثيين في البحر الأحمر
  • تقرير لـNational Interest: الحرب بين حزب الله وإسرائيل من شأنها أن تلتهم الشرق الأوسط
  • كالكاليست: هل يمكن لإسرائيل الاستغناء عن الأسلحة الأميركية؟
  • هل نحن على أعتاب حرب جديدة؟
  • الحرب بين إسرائيل وحزب الله قد تلتهم الشرق الأوسط
  • مسؤول إسرائيلي يهدد باستخدام أسلحة “يوم القيامة” ضد كل دول الشرق الأوسط / فيديو
  • الساعدي القذافي يدعو لتشكيل حكومة وحدة وطنية منعا لانقسام ليبيا ويحذر من حرب واسعة في الشرق الأوسط
  • الحراك الطلابي الأميركي وتداعياته على القضية الفلسطينية
  • «الوزراء»: 13 شركة مصرية ضمن الأفضل في الشرق الأوسط
  • إرث بريطانيا في الشرق الأوسط: التحالف مع المستبدين المؤيدين للغرب