الجزيرة:
2024-12-23@06:16:59 GMT

الردع الأميركي لا يكفي وحده للحدّ من توسع الحرب

تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT

الردع الأميركي لا يكفي وحده للحدّ من توسع الحرب

هناك خلاصتان واضحتان يُمكن الخروج بهما بعد الهجمات الأميركية والبريطانية على جماعة الحوثي في اليمن، وهما أن انتشار الحرب الإسرائيلية على غزة في أرجاء الشرق الأوسط يتسع بشكل متزايد، ويعمل على خلق وضع إقليمي مضطرب يصعب معالجته بمُجرد انتهاء الحرب، وأن الولايات المتحدة- التي أرسلت بعد السابع من أكتوبر تعزيزات عسكرية إلى المنطقة لأهداف من بينها منع اتساع الحرب- تعمل الآن على توسعتها وتُعمق انخراطها فيها.

إن التصور بأن استخدام القوة سيؤدي إلى ردع الحوثيين عن مواصلة هجماتهم في البحر الأحمر، أو تقويض قدرة حلفاء إيران الآخرين على تهديد المصالح الأميركية في المِنطقة لا يقلّ سذاجة عن التصور الإسرائيلي بأن الحرب على غزة ستؤدي إلى القضاء على حركة حماس.

لقد وضعت الولايات المتحدة نفسها مُجددًا في حالة عداء مع الحوثيين بعد سنوات من سعي إدارة الرئيس جو بايدن لمغازلة الجماعة عبر رفعها من قائمة الإرهاب الأميركية؛ لتشجيعها على الدخول في عملية سلام لإنهاء الحرب اليمنية.

من المفارقات المثيرة للاهتمام أن الولايات المتحدة، التي تضغط على إسرائيل لوضع تصور لليوم التالي لنهاية الحرب في غزة، لا تملك نفسها تصورًا واضحًا للتعامل مع اليوم التالي الذي يُمكن أن ينزلق فيه الاضطراب الإقليمي الراهن إلى صراع أكثر خطورة وأوسع نطاقًا

يُمكن الافتراض بعد الآن أن الحوثيين سيتخلون عن حذرهم السابق في تصميم هجماتهم في البحر الأحمر، كعامل ضغط فقط لإنهاء الحرب على غزّة، ما يعني أن فترة من الاضطراب ستستمر في أكثر الممرات البحرية حيوية للاقتصادَين: الإقليمي والعالمي.

تُمثل جبهة البحر الأحمر الآن صورة مُصغرة عن الشرق الأوسط الجديد الذي دخل حالة من عدم اليقين، بعد الحرب الإسرائيلية على غزة. بينما تُصعد الجماعات المدعومة من إيران هجماتها على القوات الأميركية في سوريا والعراق، بشكل متزايد، وتُقابل برد أميركي متصاعد، فإنّ الوضع على الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية لا يقل خطورة، ويلوح في الأفق شبح حرب جديدة بين إسرائيل وحزب الله.

وقد أصبح مسار التوتر-مع مرور الوقت- مستقلًا بحد ذاته عن مسار الحرب على غزة، إنْ من حيث الفعل ورد الفعل، أو من حيث الظروف العميقة التي أدَّت لظهوره اليوم. إن العامل الوحيد الذي حال حتى الآن دون تطور التصعيد على الجبهة اللبنانية -الإسرائيلية إلى حرب هو أن الطرفين لا يُريدانها لاعتبارات مُختلفة.

لكنّ هذا العامل يصبح أقل تأثيرًا في ديناميكية المواجهة الحالية بين إسرائيل وحزب الله مع تفوق العوامل الأخرى التي تجعل الحرب خيارًا لا مفرّ منه. وحتى لو بدت مسألة اليوم التالي لنهاية الحرب في غزة الأكثر تعقيدًا، فإن أحدًا لا يملك تصورًا واضحًا للكيفية التي يُمكن أن يكون عليها الشرق الأوسط في اللحظة التي تندلع فيها حرب كبيرة بين إسرائيل وحزب الله، وكيف ستكون الاستجابة الأميركية لها.

حتى لو كانت إدارة الرئيس جو بايدن لا تمتلك خيارات أقل تكلفة للتعامل مع الارتدادات الإقليمية لحرب غزة سوى استخدام القوة العسكرية كعامل ردع، فإن الردع لن يكون كافيًا وحده للحد من المخاطر الإقليمية.

ومن المفارقات المثيرة للاهتمام أن الولايات المتحدة، التي تضغط على إسرائيل لوضع تصور لليوم التالي لنهاية الحرب في غزة، لا تملك نفسها تصورًا واضحًا للتعامل مع اليوم التالي الذي يُمكن أن ينزلق فيه الاضطراب الإقليمي الراهن إلى صراع أكثر خطورة وأوسع نطاقًا، باستثناء أنها تأمل تجنّب هذا السيناريو.

تكمن نقطة الضعف الأساسية في الإستراتيجية الأميركية في التعامل مع هذا الاضطراب الإقليمي، في أن واشنطن تعتقد أن عامل الردع يُمكن أن يُثني إيران وحلفاءها عن تعميق انخراطهم في الحرب، وفي أن الدفع باتجاه تقليص الحرب الإسرائيلية على غزة، ودفع دول المنطقة إلى الانخراط في الرؤية الأميركية لإدارة غزة بعد الحرب، سيؤديان تلقائيًا إلى الحد من المخاطر الإقليمية الناجمة عن الحرب.

قد يبدو جزء من هذا الاعتقاد صحيحًا، خصوصًا لجهة أن إيران وحلفاءها لا يزالون يُظهرون انضباطًا أكبر في نشاطهم العسكري. لكنّ مُحفزات مواصلة هذا الانضباط تتضاءل شيئًا فشيئًا. كما أن إيران تجد في الارتدادات الإقليمية لحرب غزة فرصة لاستعراض قوتها الإقليمية، وزيادة الضغط العسكري -عبر وكلائها- على الوجود العسكري الأميركي في سوريا والعراق، وتعظيم تأثير الحوثي في المعادلة الأمنية في البحر الأحمر.

كما تتعامل الولايات المتحدة مع حرب غزة على أنها فرصة لتجديد حضورها العسكري في الشرق الأوسط، فإن طهران تنظر إليها أيضًا على أنها فرصة لرفع التكاليف العسكرية على الحضور الأميركي في المنطقة. حتى مع الأخذ بعين الاعتبار دور الحرب على غزة في تأجيج الاضطراب الإقليمي الراهن، فإنه يتغذى الآن من هذه الحرب بقدر أكبر من كونه نتيجة لها.

أدى انهيار فرص إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني في عهد بايدن، وعودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة، والشكوك المتزايدة بشأن مستقبل الدور الأميركي في الشرق الأوسط، فضلًا عن المنافسة الجيوسياسية الجديدة بين القوى العظمى وانعكاساتها على الشرق الأوسط، وأخيرًا الحرب على غزة، أدّت جميعها إلى خلق آفاق جديدة أمام إيران لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية الإقليمية.

أحدثت حرب السابع من أكتوبر تحوّلات كبيرة في الشرق الأوسط، إن من حيث إعادة إحياء القضية الفلسطينية ودورها في تشكيل ديناميكيات السياسات الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط، أو من حيث إعادة تسخين حرب الوكالة بين الولايات المتحدة وإيران، فضلًا عن تحريك خطوط الصدع في الصراع بين إسرائيل وحزب الله.

وبمعزل عن مآلات حرب غزة وسيناريوهات الاضطراب الإقليمي الراهن، فإن التنبؤ بشرق أوسط جديد أكثر استقرارًا أضحى مُجرد وهْم. والحقيقة، التي سيتعين على بايدن ومساعديه أخذها بعين الاعتبار عند اتخاذ قرار بشنّ ضربات عسكرية في المنطقة، أن القوة وحدها لن تُنظف الفوضى التي خلّفتها حرب إسرائيل على غزة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: بین إسرائیل وحزب الله الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط الحرب على غزة البحر الأحمر ی مکن أن ی حرب غزة تصور ا من حیث

إقرأ أيضاً:

فرضيات انهيار دول الشرق الأوسط

د. عمرو محمد عباس محجوب

منذ ١٩٥٦ عندما أمم جمال عبد الناصر قناة السويس وبدأ مشروعه الوطني في بناء السد العالي المائي للتحكم في الزراعة وتوسعها وزيادة الإنتاج الكهربائي وانجز الإصلاح الزراعي. حدث العدوان الثلاثي عام ١٩٥٦ في قناة السويس وكانت اول مواجهة تحذيرية في وجه بناء الدولة المستقلة من اكبر الدول العالمية من إنجلترا وفرنسا واسرائيل. هذه الحرب كانت ايضاً تسليم وتسلم قيادة العالم لأمريكا التي تدخلت لإيقاف العدوان. وبدات الناصرية كنظرية ومنهج في الانتشار في العالم العربي وفي أنحاء العالم. وبدأت في إبراز القوة والقدرة من إنشاء الصناعات الثقيلة، الحديد والصلب،صناعة السيارات، الأدوات الكهربائية، الغزل والنسيج وصناعة الملابس، صناعة السكر والأسمنت، الثورة العلمية والأبحاث والدراسات، ثورة السينما والمسرح والاداب والفنون وغيرها وغيرها.

عندما نتحدث عن دول الرؤية التي استطاعت تحويل هزيمتها إلى نجاح واستقلال من ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية وهكذا، فقد كانت مصر الناصرية احد هذه الدول. لكن الفرق بين تلك الدول التي وقعت تحت سيطرة الولايات المتحدة (في شكل وجود عسكري وتدخلات سياسية) لكن سمحت لها بالتطور العلمي والتكنولوجي ضمن السياق الامبريالي. هكذا نرى ان مصر تمت تصفية قدرتها وقوتها على ان تتطور وتصبح دولة زراعية صناعية مستقلة، وأصبح عليها فيتو ووضعت حولها كمية من الفخاخ والشراك من الإمبريالية والقوى الغربية واسرائيل ومن دول الخليج الغنية مع وجود التهديد الدائم من الاخوان المسلمين المتحالفين مع الإمبريالية واسرائيل.

في الشرق الأوسط ودولها التي ارادت النهوض من مصر، الجزائر، العراق، ليبيا، السودان وسوريا وايران كانت أسباب التدخلات والتعويق مختلفة عن باقي العالم. لكل الدول التي ارادت بناء دولتها المستقلة منذ الخمسينات تم زرع دولة وتنظيم. منذ نهايات القرن الثامن عشر بدات نقاشات إنشاء وطن اليهود، ١٩١٧ صدر وعد بلفور وفي ١٩٢٢ أسقطت الدولة العثمانية وفي ١٩٢٨ انشأ تنظيم الاخوان المسلمين تحت رعاية الإنجليز وفي ١٩٤٨ انشات دولة اسرائيل. هذه الدولة والتنظيم هي التي تقف ضد بناء أي دولة مستقلة تنموية وقد افشلت المشروع الناصري والمشروع البعثي وبدايات مشاريع أخرى.

في كل الدول التي رغبت في بناء الدولة والاستقلال في الشرق الأوسط فقد أصبحت تواجه اماً باسرائيل مباشرة في مصر، سوريا، لبنان، العراق، ايران او غير مباشر في ليبيا والسودان. وفي كل الدول تم إنشاء تنظيم الاخوان المسلمين لكي تعمل ضد بناء الدولة المستقلة، بل اثبتت أنها في السودان قد دمرت كل مأتم بنائه من سكك حديد ومشروع الجزيرة وخدمة مدنية وجيش وشرطة وفصلت الجنوب وغيرها.

منذ ١٩٧٩ بدات امريكا والغرب دعم المنظمات الجهادية في افغانستان واستمرت حتى الآن، وبالتعاون بين امريكا ونتنياهو تم وضع لستة السبعة دول التي يجب تدميرها عن طريق دعم الإسلام المتطرف والسياسي للتدخل. ومن محمد مرسي في مصر ومحمد الجولاني في سوريا فقد مدت يدها للكيان الصهيوني وجرت معها تنظيم حماس التي سحبها خالد مشعل - بعد استشهاد يحي السنوار وهنية- المتحالف مع الدول العربية المطبعة التي خلعت مفاهيم القوة البناء والتنمية والاستقلال.

لقد تغيرت موجبات الرؤية من العمل المفهومي إلى التخلص من أسباب الخزي والخذلان والتعويق التي زرعت في العالم العربي. ان الاتجاه العام الهابط للإمبريالية في اقتصادها وسياستها وهيمنتها (أي ضعف الأمة الأمريكية كما أشار بوتين كعامل مهم لقيام روسيا قوية)، عامل مشجع على العمل في تغيير معادلات وجود اسرائيل في فلسطين (٢٤٪؜ فقط في اسرائيل يرون إسرائيل قوية) ضعيفة او قابلة للعيش مع الفلسطينيين او نهايتها بالكامل. العامل الثاني هو اجتثاث تنظيم الاخوان المسلمين فكرياً وتنظيمياً واتحاد الشعوب حول موقفها. جزء من هذا هو تفكيك الظاهرة الأردوغانية التي بنت مجدها وقوتها من تبني تنظيمات الاخوان المسلمين وضخت فيها أموالها المنهوبة تحت دعاوي اعادة الإمبراطورية العثمانية.

Dr. Amr M A Mahgoub
omem99@gmail.com
whatsapp: +249911777842  

مقالات مشابهة

  • سناتور جمهوري: حروب أوكرانيا والشرق الأوسط ستنتهي العام المقبل
  • ترامب: سأوقف الفوضى في الشرق الأوسط والحرب بأوكرانيا
  • نظام إسرائيلي في الشرق الأوسط
  • قمة فوربس الشرق الأوسط للمرأة تكرّم داليا خورشيد
  • مستشار الرئيس التركي يقترح اسم جديد للشرق الأوسط
  • باحثة سياسية: نتنياهو يخطط لنصر مطلق في الشرق الأوسط وليس غزة فقط
  • فرضيات انهيار دول الشرق الأوسط
  • «الشرع بقى عملي».. أبرز تصريحات مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف في دمشق
  • الشرع: أعدنا المشروع الإيراني 40 سنة إلى الوراء
  • WP: نظام جديد بدأ بالتشكل في الشرق الأوسط.. هؤلاء الرابحون