أجمع خبراء وباحثون على استبعاد أن تحقق الضربات الأمريكية ضد الحوثيين أهدافها في البحر الأحمر، على الأقل خلال الوقت الحالي، مشيرين بشكل خاص إلى تفاعل السعودية الحذر مع تلك التطورات، والقائم على عدم رغبة الرياض في إفساد مفاوضات السلام لإنهاء حرب اليمن مع الجماعة المقربة من إيران.

الخبراء أدلوا بدلوهم خلال تحليل موسع نشره "معهد الدراسات السياسية الدولية – ISPI"، وترجمه "الخليج الجديد"، وجاءت آراؤهم على النحو التالي:

تفاقم أكبر للمشكلة

يرى أندرياس كريج، المحاضر الأول، في كينجز كوليدج لندن أن واشنطن ولندن وجدتا نفسيهما في "وضع مستحيل" لإرسال رسالة إلى الحوثيين قوية بما يكفي لردعهم عن الاستمرار في مهاجمة السفن، مع ضمان في الوقت نفسه أن الضربات لا تؤدي إلى تصعيد الوضع.

ويضيف: لقد فشل الإكراه والردع على مدى العقد الماضي في تقويض قوة إرادة الحوثيين وقدراتهم. لذلك، من المرجح أن تؤدي الحملة الحالية التي تقودها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى تحويل تركيز الحوثيين من عملية عقابية في سياق حرب غزة إلى عملية أوسع تستهدف السفن التابعة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

وبالتالي، كما يقول كريج، فإن الاستراتيجية لن تفشل فقط في تحقيق أهدافها المتمثلة في الحفاظ على حرية الملاحة، بل من المرجح أن تؤدي إلى تفاقم المشكلة بشكل أكبر.

اقرأ أيضاً

وزير الخارجية السعودي يطالب بوقف التصعيد بالبحر الأحمر: قلقون للغاية

الحوثيون يستفيدون

وتعتبر إليونورا أرديماجني، زميلة أبحاث مشاركة أولى في ISPI، أن الحوثيون يستفيدون دائمًا من العوامل السياقية لبناء خطابهم السياسي بشكل فعال، وهو ما فعلوه عندما عارضوا تحالف الرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح مع الولايات المتحدة ضد تنظيم "القاعدة" أواخر 2001 و 2002، ومقاومتهم للتدخل السعودي في اليمن عام 2015، والآن استغلال الحرب في غزة لتحقيق أهدافهم الخاصة على المستوى المحلي والإقليمي.

ولا يزال الحوثيون يبدون متحديين أيضًا لأنهم يقفون بالفعل في سياق الحرب، ويحكمون أنفسهم بمفردهم في دولة الأمر الواقع دون قيود مؤسسية أو تقاسم السلطة، كما تقول إليونورا.

وتتابع: والآن يشعرون أن بإمكانهم حشد جمهور واسع حول العلم المناهض لإسرائيل والولايات المتحدة في اليمن والشرق الأوسط، وبالتالي تعزيز قوتهم.

ووفقا لما سبق، تتوقع الباحثة أن يستمر تحدي الحوثيين للولايات المتحدة في البحر الأحمر، على الرغم من الضربات الأمريكية.

اقرأ أيضاً

تشاتام هاوس: تصنيف الحوثيين إرهابية تخبط أمريكي يزيد المشكلة.. والحل يبدأ من غزة

مشاركة أوسع للاتحاد الأوروبي

بدوره، يدعو أليسيو باتالانو، أستاذ الحرب والاستراتيجية في شرق آسيا، كينجز كوليدج لندن، إلى دور أوسع للاتحاد الأوروبي فيما يحدث، على اعتبار أن الإضرار بحركة الملاحة في البحر الأحمر يؤثر سلبا على أوروبا في المجال الأول.

ويرى باتالانو أن التحركات العسكرية الأمريكية في البحر الأحمر لا ينبغي النظر إليها على أنها مكلفة، بل على العكس، هي ضرورية، بسبب تأثير هجمات الحوثيين على أسعار التأمين التي تتصاعد باستمرار، وزيادة أوقات السفر للسفن، وانخفاض قدرة التجارة العالمية على تلبية الطلبات.

ومن هذا المنظور، ستواصل الولايات المتحدة تطبيق نهج مختلط يعتمد على اعتراض الأوامر التي يتم إطلاقها ضد السفن عند الضرورة وإضعاف قدرات الحوثيين، كما يقول.

ويضيف: مع ذلك، وبما أن الشحن المعني ضروري للازدهار الأوروبي، فمن المرجح أيضًا أن تنضج الولايات المتحدة توقعات أكبر للعمل الأوروبي من خلال التحالف الحالي أو المبادرات الإضافية.

اقرأ أيضاً

ف.تايمز: أمريكا قادرة على مواجهة القراصنة لا الحوثيين في البحر الأحمر

السعودية تتعامل بحذر

من جهتها، تقول  دانيا ظافر، المدير التنفيذي لـ"منتدى الخليج الدولي"، إن السعودية ستواصل التعامل بحذر مع التطورات الحالية في البحر الأحمر بين الحوثيين والولايات المتحدة، مرجعة هذا الحذر إلى إحباط الرياض السابق من طريقة تعاطي واشنطن مع الحوثيين من قبل، وكذلك عدم رغبة المملكة في إفساد مفاوضات السلام لإنهاء حربها في اليمن.

وقد تفاقم الإحباط السعودي من واشنطن، عندما أزالت إدارة بايدن الحوثيين من "قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية"، وهي خطوة اعتبرها المسؤولون السعوديون سيئة التوقيت بالنظر إلى التهديد الذي يشكله الحوثيون على الأمن السعودي، تقول الكاتبة.

ورداً على ذلك، سعت السعودية بشكل استباقي إلى تخفيف التوترات وتهدئة الصراع الذي طال أمده في اليمن.

وبعد ما يقرب من تسع سنوات من الأعمال العدائية المستمرة، اتبعت الرياض وقف إطلاق النار مع المتمردين الحوثيين وتبنت استراتيجية المشاركة لمواجهة نفوذ إيران الإقليمي.

وتتابع: ومع ذلك، وبسبب مشاعر التخلي وخيبة الأمل السابقة، تتعامل المملكة العربية السعودية الآن مع المبادرات التي تقودها الولايات المتحدة في المنطقة بحذر.

اقرأ أيضاً

لماذا تنأى السعودية بنفسها عن صراع البحر الأحمر؟

السعودية لا تريد إفساد مفاوضاتها مع الحوثيين

أما كورتني فرير، الأستاذ المساعد الزائر في جامعة إيموري، فيرى أن السعودية، والتي لا تزال بصدد التفاوض (بشكل منفصل) على وقف إطلاق النار مع الحوثيين، من غير المرجح أن تفعل أي شيء يمكن أن يضر بقدرتها على إتمام هذا الاتفاق.

لكن المملكة قد تلجأ إلى محاولة الاستفادة من حقيقة أن لديها خطوط اتصال مع كل من الحوثيين والولايات المتحدة لمحاولة جلب الجهات الفاعلة إلى طاولة المفاوضات، لكنها ستفعل ذلك بحذر، كما يقول فرير.

ويتوقع الأكاديمي أن تسير هاتان العمليتان بشكل منفصل، بقدر ما يكون ذلك ممكنا، وسيتعين على جميع الأطراف الاتفاق على الخطوات الأولى نحو وقف التصعيد الإقليمي قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

المصدر | معهد الدراسات السياسية الدولية - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: البحر الاحمر الحوثيين غزة الملاحة ضربات أمريكية اليمن السعودية الولایات المتحدة فی البحر الأحمر اقرأ أیضا فی الیمن

إقرأ أيضاً:

الحصار في البحر الأحمر.. نقطة ضعف استراتيجية للعدو الإسرائيلي

يمانيون../
يشكل البحر الأحمر مصدر قلق دائم للكيان الصهيوني منذ وجوده على الأراضي الفلسطينية سنة 1948م.

ما يدل على ذلك هي التصريحات للمسؤولين الصهاينة عن أهمية الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، حيث تقول غولدا مائير “وزيرة خارجية” الكيان آنذاك في خطاب لها أمام الأمم المتحدة في 1 مارس 1957م: “إن حرية الملاحة البحرية لإسرائيل في البحر الأحمر هي مصلحة قومية حيوية بالنسبة لهم”.

في عام 1949م، تمكن “جيش” العدو الإسرائيلي من احتلال منطقة أم الرشراش، ليصبح للكيان بعد ذلك منفذ على البحر الأحمر، وأعطاه هذا مرونة التحرك التجاري والاقتصادي باتجاه البحر العربي والمحيط الهندي، لا سيما بعد توقيع اتفاقية السلام مع مصر والأردن، والاطمئنان الصهيوني من أن خليج العقبة ومضايق تيران وقناة السويس لم تعد تشكل للكيان أي عوائق.

وخلال تجارب سابقة، مثل إغلاق الملاحة البحرية الإسرائيلية في البحر الأحمر أهم النكبات لاقتصاد العدو، وظل مضيق باب المندب من أهم نقاط الضعف الاستراتيجية للعدو الإسرائيلي، والتي سببت له الكثير من الخسائر، وظل تعرض الخطوط الملاحية لـ”إسرائيل” في المياه الدولية في البحر الأحمر من أهم الهواجس التي تثير القلق لدى الإسرائيليين.

جاءت الصفعة غير المتوقعة لـ”إسرائيل” من خلال تفعيل مضيق باب المندب، وتم استخدامه لحصار السفن الإسرائيلية في مناسبات استثنائية، لكنها شكلت قلقاً وهاجساً للصهاينة، منها، قيام جبهة التحرير الفلسطينية بتنفيذ عملية فدائية في مضيق باب المندب، عندما ضرب زورق مسلح بمدفع بازوكا تابع لجبهة التحرير الفلسطينية ناقلة النفطة الليبيرية (كورال سي)، والمؤجرة لنقل النفط إلى “إسرائيل”، وأثارت هذه العملية قلق الكيان، لأن نصف احتياجات “إسرائيل” تقريبا من النفط كانت تصله بواسطة سفن قادمة من إيران عبر مضيق باب المندب إلى ميناء “ايلات”، وقد عمد الكيان الصهيوني بعد هذه الحادثة إلى تسليح ناقلات النفط العائدة إليه، وصرح قائد القوات البحرية الإسرائيلية آنذاك قائلاً: “إن سيطرة مصر على قناة السويس لا يضع بين يديها سوى مفتاح واحد فقط في البحر الأحمر، أما المفتاح الثاني (يقصد به مضيق باب المندب) والأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية سيكون بين أيدينا” أي في يد “إسرائيل”.

عملية الحصار الثانية على الكيان الصهيوني كانت في حرب أكتوبر سنة 1973م، حيث تم منع وصول النفط إلى ميناء “ايلات” عبر مضيق باب المندب، وتسبب في حرمان “إسرائيل” من الاتصال بشرق أفريقيا وجنوبها وجنوب شرق آسيا، ما سبب لها أضراراً اقتصادية.

وخلال تلك الحرب القصيرة قال ما يسمى وزير الدفاع الإسرائيلي (موشي دايان) في حديث لصحيفة إسرائيلية: “كنا نتوقع المصريين في خليج العقبة، فإذا بهم يظهرون في باب المندب. بعد انتهاء الحرب سنعمل بكل قوتنا لتدويل هذا الممر أو احتلاله”.

وبالفعل تحرك الكيان الصهيوني، بكل ما يملك، محاولاً أن يكون له نفوذ في البحر الأحمر، والسيطرة على مضيق باب المندب، وحاول السيطرة على بعض الجزر التي تقع عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر سواء عن طريق الاحتلال أو الشراء أو الاستئجار، والتي من أهمها جزر الساحل الإرتيري (دهلك وحالب وفاطمة وسنشيان ودميرا) وجزر الساحل اليمني (زقر، وحنيش الصغرى والكبرى وبريم الواقعة في مدخل باب المندب).

كما أقام العدو الإسرائيلي نقاط مراقبة بحرية على الجزر التي يراها مناسبة للإشراف على حركة الملاحة في البحر الأحمر على طول الخط الملاحي الممتد من باب المندب إلى ميناء “إيلات”، وحاول كذلك إنشاء قواعد عسكرية جوية وبحرية في جنوب البحر الأحمر، ليستطيع الكيان الصهيوني الانطلاق منها وفرض سيادته على مياه البحر الأحمر وسمائه.

وظلت أطماع الكيان على مدى سنوات مضت في احتلال جزيرتي حنيش الكبرى والصغرى اليمنية، كما ينوي الكيان الصهيوني احتلال جزيرة زقر الشاهقة الارتفاع (650 متر فوق مستوى سطح البحر) لإقامة قاعدة للرادار عليها.

وظهرت المخاوف الإسرائيلية إلى العلن بعد انتصار ثورة 21 سبتمبر 2014م، إذ عبر الكثير من المسؤولين الصهاينة عن تخوفهم وقلقهم من هذه الثورة على حركة الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، ففي خطاب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونجرس الأمريكي في 4 مارس 2015م قال: “حزب الله والحوثيون يمثلان تهديداً صارخاً لأمن واستقرار إسرائيل”، وقد جاء هذا التصريح قبل الإعلان عن تشكيل تحالف العدوان على اليمن بقيادة السعودية بـ 23 يوماً فقط.

وفي تصريح آخر لنتنياهو يقول: “نحن نشعر بقلق عميق لما يحدث في اليمن من سيطرة الحوثيين على مناطق واسعة من البلاد، واستمرار تقدمهم باتجاه مضيق باب المندب ذي الأهمية الاستراتيجية الكبرى من حيث التحكم بمرور نفط العالم”.

من خلال ما سبق، تتضح لنا أهمية البحر الأحمر بالنسبة للاستراتيجية الإسرائيلية، وأن إغلاق الملاحة البحرية الصهيونية في هذا الممر المائي المهم، يعني إشعال حرب، فالكيان المؤقت لا يتحمل الحصار، ولديه في هذا الجانب تجربة مريرة مع الحصار اليمني للكيان في معركة “طوفان الأقصى”، والذي كان الحصار الأكبر والأطول والأشد قساوة على الإسرائيليين، وفشلت أمريكا عن طريق “تحالف الازدهار” في رفع الحصار اليمني على العدو الإسرائيلي.

ولهذا، فإن إعلان السيد القائد عبد الملك الحوثي عن مهلة 4 أيام لرفع الحصار عن قطاع غزة، ما لم فسيتم استئناف عملياتنا في البحر الأحمر ضد العدو الإسرائيلي، يأتي من موقع قوة، وليس للاستعراض الإعلامي، أو لكسب المواقف السياسية، فالجميع يعرفون أن تهديدات اليمن واقعية وجادة.

ويأتي التهديد اليمني في الموقع الحساس للعدو الإسرائيلي، فالكيان يدرك جيداً ما معنى فرض حصار عليه في البحر الأحمر، وهو لا يطيق مثل هذا الإجراء، ولذلك من غير المستبعد أن يستجيب العدو لهذا التهديد، ويبادر إلى إدخال المساعدات تحت أي مبرر، لأن اليمن يمتلك ورقة ضغط قوية جداً ذات حساسية لدى العدو الإسرائيلي.

أما إذا فضل العدو الخيار الثاني، فإن التداعيات والعواقب ستكون وخيمة، وهي أيضاً ستمهد لحرب إقليمية ستكون أوسع وأشد ضراوة من ذي قبل، لا سيما وأن الإدارة الجديدة في البيت الأبيض تريد أن تسير الأحداث بهذا الاتجاه، وهي مغامرة ستكون مكلفة كثيراً على الأمريكيين والإسرائيليين.

أحمد داود

مقالات مشابهة

  • الهلال الأحمر بشمال سيناء: نعمل بشكل تواصل لتمرير المساعدات للأشقاء الفلسطينيين
  • تهديدات الحوثيين لـ”إسرائيل”.. هل هي بداية لمرحلة جديدة من المواجهة الإقليمية؟
  • الحصار في البحر الأحمر.. نقطة ضعف استراتيجية للعدو الإسرائيلي
  • أمريكا تهدد باتخاذ هذا الإجراء ضد الحوثيين في حال استئناف الهجمات البحرية
  • تحليل: هل يمكن لحلف الناتو أن يصمد دون الولايات المتحدة؟ وما قدراته أمام روسيا؟
  • السعودية ترحب باستضافة اجتماع بين أمريكا وأوكرانيا
  • السعودية ترحب باستضافة لقاء بين الولايات المتحدة وأوكرانيا
  • السعودية تستضيف لقاء بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا
  • اكتمال وصول مجموعة القوات الجوية الملكية السعودية إلى قاعدة نلس في الولايات المتحدة
  • جلسة مجلس الأمن.. أمريكا تتوعد الحوثيين وبريطانيا تدعو لحظر الأسلحة وروسيا تقول إن تصنيفهم منظمة إرهابية سيكون له تبعات